أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - العرب قبل وبعد الإسلام (16)















المزيد.....


العرب قبل وبعد الإسلام (16)


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4954 - 2015 / 10 / 13 - 22:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


العرب قبل وبعد الإسلام (16)
طلعت رضوان
من بين الأدلة المُـهمة على أنّ الإسلام لم يُـغيّر من طبائع (عرب ما بعد الإسلام) ما قاله الخليفة الثانى عمر بن الخطاب ((إنى قد سننتُ الإسلام سنّ البعير.. يبدأ فيكون جذعـًا ثم ثنيًا ثم رباعيًا... إنّ قريشـًا يُريدون أنْ يتخذوا مال الله معونات دون عبادة)) (الطبرى – ج3- ص426) فما مغزى قوله ((سننتُ الإسلام سنّ بعير)) ؟ وهل هناك معنى آخر غير أنه نظر ل (الرعية) مثل نظرته للبعير، أى الكائنات الحية التى تسير على أربع ؟ وما مغزى قوله أنّ القرشيين ((يُريدون أنْ يتخذوا مال الله معونات دون عبادة)) أى أنّ كل همهم هو الحصول على المال المنهوب من عرق الفلاحين من الدول التى تمّ احتلال أراضيها ، ولا تعنيهم شئون العبادة. فهل تلك النظرة ل (المال) تختلف عن نظرة (عرب ما قبل الإسلام) ؟
والدليل الثانى أنّ عمر بن الخطاب (عندما تراكمتْ الأموال المنهوبة بعد التوسع فى الغزوات) منع كثيرين من صحابة الرسول من مغادرة المدينة) وهو ما عبّر عنه الطبرى (نقلا عن معاصرى الأحداث) أنّ عمر بن الخطاب حجر على أعلام قريش من المُـهاجرين الخروج إلى البلاد (المفتوحة) إلاّ بإذنه.. ولذلك ((لم يمتْ عمر حتى ملــّــته قريش)) أى أنّ القرشيين ضجروا من حكمه بسبب شدته.. وكان من بين أقواله ((إنّ أخوف ما أخاف على هذه الأمة انتشاركم فى البلاد)) فإنْ كان الرجل ليستأذنه فى الغزو وهو ممن حـُـبس فى المدينة من المهاجرين.. ولم يكن فعل ذلك بغيرهم من أهل مكة ، فقالوا له (أى الممنوعون من الخروج) : قد كان فى غزوك مع رسول الله ما يبلغك.. وخير لك من الغزو اليوم ألا ترى الدنيا ولا تراك.. فلما وُلى عثمان أطلقهم.. فكان أحب إليهم من عمر.
وإذا كان عثمان قد ظلم (الرعية) ولم يراع (العدل) فى توزيع الأموال (المنهوبة) كما رأى خصومه ، وإذا كان الخصوم قد قتلوه ، فلماذا منعوا دفنه لمدة ثلاثة أيام ؟ أليس ما حدث ضد مقولة : إنّ تكريم الإنسان دفنه ؟ وعندما علم على بن أبى طالب بالأمر تدخل وأقنع الخصوم بدفن جثة عثمان . ورغم ذلك فإنّ كثيرين تربصوا للجثة فى الطريق وقذفوها بالحجارة . كما أنهم رفضوا دفنه بمقابر المسلمين ودفنوه فى (حش كوكب) الذى كان مُخصـّـصـًا لدفن جثث اليهود (الطبرى – تاريخ الأمم والملوك – ج3 – ص438) فهل تلك البشاعة من (عرب مسلمين/ موحدين) تختلف عن بشاعة (عرب ما قبل الإسلام) ضد بعضهم البعض ؟
أما مشهد جنازة عثمان فهو أيضًا يدعو للتأمل ، حيث لم يمش فى جنازته سوى مروان بن الحكم وثلاثة من مواليه وابنته الخامسة التى ناحت (= صوّتتْ) على أبيها (وهذا تصرف إنسانى / طبيعى) فقذفها البعض بالحجارة وانطلقتْ الهتافات ((نعثل.. نعثل)) أى الاصرار على تشبيه عثمان بأحد اليهود اسمه نعثل . ووصل الأمر لدرجة أنّ ابنة عثمان كادتْ تــُـرجم من كثرة قذفها بالحجارة.. ووصل الأمر لدرجة أنّ (الأنصار) كانوا ضمن الذين تزعموا عدم دفنه فى (البقيع) كما منعوا الصلاة على جثته. وهنا تدخل الميتافيزيقا لإنقاذ الموقف ، حيث قال (أبو جهم) ادفنوه ((فقد صلى الله عليه وملائكته)) فقالوا : لا والله لا يُـدفن فى مقابر المسلمين)) وذكر الطبرى (عن رواة الأحداث) أنه بعد قتل عثمان أراد البعض ((جز رأسه)) ولم يُـنقذ الموقف إلاّ زوجته السيدة نائلة التى ارتمتْ على الجثمان ، فما كان من خصوم عثمان إلاّ أنْ ضربنها ومزقوا ثيابها هى وبنتيها ومن معها من النسوة.. كما أنّ جثة عثمان تم دفنها دون غسيل.. وهكذا كان مصير خليفة المسلمين الثالث ، فهل الخلاف السياسى / الدنيوى يصل إلى تلك الدرجة من البشاعة التى كانت سائدة قبل دعوة محمد ؟ والسؤال بصيغة أخرى : لماذا لم يُـطهرهم / يُـخلــّـصهم (الإسلام) من ذات الطباع التى كانت سائدة قبل الإسلام ؟ ومع ملاحظة أنّ الرجل المسكين (عثمان) عومل بتلك المُـعاملة القاسية واللا إنسانية وقد بلغ من العمر 90 سنة أو 88 سنة فى بعض الروايات .
ومما يؤكد استنتاجاتى أنه بعد دفن عثمان تبارى (الشعراء) فى قول (الشعر) وانقسموا إلى فريقيْن : فريق الهجاء وفريق المديح ، وكان من بين الفريق الثانى حسان بن ثابت الذى هجا قتلة عثمان فقال ((أتركتم غزو الدروب وراءكم / وغزوتمونا عند قبر محمد/ فلبئس هدى المسلمين هديتم / ولبئس أمر الفاجر المُـتعمّـد / وكأنّ أصحاب النبى عشية / بُـدُنٌ تــُـذبحُ عند المسجد/ أبكى أبا عمرو لحسن بلائه/ أمسى مُـقيمًا فى بقيع الغرقد)) وهكذا جمع حسان بين هجاء الخصوم الذين تركوا (غزو الدروب) أى غزو الشعوب غير العربية ، وفضــّـلوا غزو العرب أمثالهم (عند قبر محمد) أما المديح فخصّ به عثمان فى قوله (أبكى أبا عمرو لحسن بلائه) { عمرو أحد أبناء عثمان } وهو هنا قد تغاضى عن جرائم عثمان ، لأنّ حسان بن ثابت مثله مثل غيره من (الشعراء) العرب لا يعترف إلاّ ب (المُـطلق) سواء فى الهجاء أو المديح.
وعن خلافة على بن أبى طالب ذكر الطبرى أنّ الناس بايعوه.. فأرسل على إلى طلحة والزبير ودعاهما إلى البيعة.. فتلكــّـأ طلحة.. فقال مالك الأشتر: والله لتبايعنّ أو لأضرب ما بين عينيك.. قال ذلك ثم أشهر سيفه.. فقال طلحة : وأين المهرب ؟ فبايعه وبايعه الزبير. وطلب طلحة والزبير من على أنْ يؤمرهما على الكوفة والبصرة.. تحايل على (بأسلوب دبلوماسى) على طلب طلحة والزبير، بحجة أنه لا يستطيع تحمل فراقهما ، ووفق نص كلامه لهما ((تكونا عندى فأتحمل بكما فإنى وحش لفراقكما)) والمغزى أنّ على رفض تعينهما أمراء على الكوفة والبصرة ، وأدرك أنّ مبايعتهما له ليست عن اقتناع وصدق ، بل أكثر من ذلك أنهما يطلبان (الثمن) مقابل المُـبايعة. وقال الناس أنّ طلحة والزبير بايعا عليًا ((كــُـرهـًـا)) وفى رواية أخرى أنّ طلحة لم يُـبايع ، وفى رواية ثالثة أنّ طلحة قال ((بايعتُ والسيف فوق رأسى)) وذكر الطبرى أنّ أغلب الأنصار بايعوا عليًا.. وكانت المُـفاجأة أنّ حسان بن ثابت كان أحد الذين رفضوا مبايعة على بن أبى طالب وكذلك زيد بن ثابت . فلماذا هذا الموقف من على ؟ سؤال ضمن أسئلة كثيرة مطمورة فى رمال التاريخ العربى/ الإسلامى ، والتى لم تــُـفصح عنها كتب المؤرخين. والأكثر دهشة ما ذكره الطبرى من أنّ الناس (بعد أنْ طالتْ المباحثات حول شخص الخليفة) قالوا : والله إنْ لم تفرغوا (أى إنْ لم تنتهوا إلى رأى) لنقتلنّ غدًا عليًا وطلحة والزبير وأناسًا كثيرين)) وقالوا لعى ((نــُـبايعك فقد ترى ما نزل بالإسلام.. وما ابتلينا به من ذوى القربى)) فقال على ((دعونى والتمسوا غيرى)) وهذا المشهد يستحق التأمل :
1- العرب الذين دخلوا فى الإسلام يرون أنّ حسم مسألة (الخلافة) ستكون بقتل ثلاثة من الذين منحهم محمد تأشيرة دخول الجنة (على وطلحة والزبير) لمجرد أنهم لم يتفقوا على شخص الخليفة القادم ، فهل تلك العقلية تختلف عن عقلية (عرب ما قبل الإسلام) ؟ وهل تختلف عن عقلية (عرب القرن الحادى والعشرين) ؟ 2- مغزى قول الناس لعلى ((فقد ترى ما نزل بالإسلام.. وما ابتلينا به من ذوى القربى)) فهل لذلك الكلام معنى آخر غير (الإبتلاء – جمع بلوى) حطــّـتْ على (عرب ما بعد الإسلام) بسبب (ذوى القربى) من الذين اعتنقوا الإسلام وكانوا أقرب الناس إلى محمد (صاحب الدعوة للإسلام) كما أنّ (البلوى) ليست من (عامة العرب/ المسلمين – الرعية) بل من صحابة محمد الذى وعدهم بدخول الجنة.
وفى حوار بين على وابن عباس قال الأخير ((إنّ معاوية وأصحابه أهل دنيا.. فمتى تــُـثبّـتهم لا يُـبالوم بمن ولى هذا الأمر. ومتى تعزلهم يقولوا أخذ هذا الأمر بغير شورى.. وهو قـَـتــَـل صاحبنا (إشارة إلى عثمان) ويُـؤلبون عليكَ.. فينتفض عليك أهل الشام وأهل العراق.. وإنى لا آمن طلحة ولا آمن الزبير، أنْ يكرّا عليك)) فقال على ((أما ما ذكرتَ من إقرارهم فوالله ما أشك أنّ ذلك خير فى عاجل الدنيا لإصلاحها.. وأما الذى يلومنى من الحق والمعرفة بعمال عثمان فوالله لا أولى منهم أحدًا أبدًا.. فإنْ أقبلوا فذلك خير لهم.. وإنْ أدبروا بذلتُ لهم السيف)) (مصدر سابق – ص460) أى أنّ على بن أبى طالب لم يختلف عن عثمان أو عن خصوم عثمان فى الاحتكام إلى السيف ، وبالتالى فإنّ الجميع تتحكــّـم فيهم عقلية واحدة ، ومرجعية واحدة هى : التصفية الجسدية.
ردّ ابن عباس على ابن أبى طالب فقال : اطعنى وادخل دارك والحق بمالك واغلق بابك.. فإنّ العرب تجول جولة.. والله لئن نهضتَ مع هؤلاء اليوم ليُـحمّـلنك الناس دم عثمان)) ومغزى كلام ابن عباس أنّ من مصلحة على أنْ يترك الساحة ويتنازل عن الخلافة.. وأغراه بأنْ يهتم بمصلحته الشخصية عندما قال له ((الحق بمالك)) أى بما جمعه من أموال. ولكن على رفض نصيحة ابن عباس وقال له : سر إلى الشام.. فقد وليتكها.. فقال ابن عباس : ما هذا برأى معاوية.. هو من بنى أمية.. وهو ابن عم عثمان وعامله على الشام.. ولستُ آمن من أنْ يضرب عنقى.. أو يحبسنى.. فطلب منه على أنّ يكتب إلى معاوية ((منــّـه بوعده)) فرفض ابن عباس وقال : ((والله لا كان هذا أبدًا)) فهل كان ابن عباس صادقــًا فى كلامه عندما قال إنّ معاوية سوف يضرب عنقه ؟ أعتقد أنّ هذا غير صحيح ، بدليل أنه سوف ينحاز لمعاوية ، حيث أنه عندما طلب منه على رد الأموال التى احتجزها لنفسه (من بيت المال) هـدّد على قائلا ((دعكَ من أساطيرك.. وإنْ لم تكف عنى سأحمل المال إلى معاوية.. يُـحاربك به)) المغزى الثانى : لماذا طلب على أنْ يكتب ابن عباس ((منــّـه بوعده)) فهل كان على (يـُـناور) بأساليب السياسة التى لا تعترف بأية قيم أخلاقية ؟ حيث أنّ على فى بداية الحوار أبدى رغبته فى أنْ يتولى ابن عباس ولاية الشام.. وهو على علم بأنّ الشام تحت سيطرة معاوية. والسؤال الثانى : لماذا لم يكتب على إلى معاوية مباشرة وطلب من ابن عباس أنْ يقوم بهذه المهمة ؟
وكانت نصيحة المغيرة بن شعبة لعلى أنْ يرد (= يُــثبـّـتْ) عمال عثمان فى مناصبهم ، أى الاستمرار فى تولية الفاسدين.. فلماذا كان التمرد على عثمان إذن ؟ وأليس ذلك سيكون سببًا للتمرد على (ابن أبى طالب) ؟ وكانت النصيحة الثانية من ابن شعبة ((إذا بايعوا لكَ واطمأنّ الأمر لكَ.. عزلتَ من أحببت وأقررتَ من أحببت)) أليس ذلك درجة من درجات الانتهازية السياسية ؟ رفض على نصيحة ابن شعبة قائلا ((والله لا أدهن فى دينى)) أى أنّ ابن شعبة كان يدعوه إلى المُـداهنة مع أتباع عثمان الذين رفضوا المُـبايعة لعلى.. ولما (غـُـلب حمار ابن شعبه) كما يقول شعبنا المصرى فى أهازيجة البديعة عن الشخص الذى أفرغ كل ما فى جعبته من حيل وأفكار، ولم يتبق معه إلاّ ورقة واحدة يلعب بها) قال لعلى : اترك معاوية.. فإنّ لمعاوية جرأة.. وهو فى أهل الشام يُـسمع منه.. ولكَ حجة فى إثباته.. فكان عمر بن الخطاب قد ولاه الشام كلها)) فقال على ((لا والها لا أستعمل معاوية يوميْن)) وعندما علم ابن عباس بما دار بين على والمغيرة قال لعلى : إنّ المغيرة نصحك فى أمر وغشـّــك فى أمر: وأنا أشير عليك بأنْ تــُــثـبّـت معاوية.. فقال على : ((لا والله لا أعطيه إلاّ السيف)) وهكذا بدأ التمهيد لتراجيديا الحرب بين على ومعاوية ، وهى الحرب التى ستحصد أرواح الآلاف من العرب / المسلمين الموحدين فى معركتيْن شهيرتيْن : الجمل وصفين .
وعندما بدأ الشهر الثالث بعد مقتل عثمان ، دعا معاوية رجلا من بنى عبس يدعى (قبيصة) وأعطاه (طومارًا مختوما) أى رسالة مختومة من معاوية إلى على.. فلما سافر الرجل ووصل المدينة وقابل على فإنّ ابن أبى طالب لما فضّ الرسالة وجدها بيضاء.. فسأل الرجل : ما وراءك : فطلب الرجل الأمان.. وبعد أنْ أعطاه الأمان قال : تركتُ ستين ألف شيخ يبكى تحت قميص عثمان وهو منصوب لهم قد ألبسوه منبر دمشق.. فقال على : منى يطلبون دم عثمان ؟ اللهم إنى أبرأ إليك من دم عثمان.. ولما أذن على للرجل بالانصراف فإنّ (أتباع على) وقد علموا فحوى رسالته (غير المكتوبة) قالوا : هذا الكلب وافد الكلاب (إشارة إلى معاوية وأتباعه) اقتلوه (كله بالقتل) ولكن الرجل ردّ عليهم قائلا ((يا آل مضر.. يا آل قيس.. الخيل والنبل.. إنى أحلف بالله جلّ اسمه ليردنها (أى معاوية) عليكم أربعة آلاف خصى (أى أنّ معاوية وجيشه سوف يخصى أربعة آلاف من أتباع على) فانظروا كم الفحولة... إلخ))
استعد على لقتال معاوية.. وخطب فى الناس قائلا ((إنّ طلحة والزبير وأم المؤمنين (يقصد عائشة زوجة النبى محمد) قد تمالئوا على سخط إمارتى.. وسأصبر ما لم أخف على جماعتكم وأكف إنْ كفوا)) وفى اليوم التالى قال البعض لعلى : حدث البارحة (= أمس) حادث هو أشد عليكَ من طلحة والزبير وأم المؤمنين (عائشة) ومعاوية. قال : ((وما ذلك ؟ قالوا : خرج ابن عمر إلى الشام)) أى أنّ ابن عمر انضم لجيش معاوية. وهكذا يبدأ تكوين عناصر التراجيديا .
أما عائشة التى أخذتْ صفة (أم المؤمنين) فقالت ((أيها الناس..إنّ الغوغاء من أهل الأمصار وأهل المياه وعبيد أهل المدينة اجتمعوا.. لأنّ الغوغاء عابوا على المقتول (أى عثمان) وسفكوا الدم الحرام.. واستحلوا البلد الحرام.. وأخذوا المال الحرام واستحلوا الشهر الحرم.. والله لإصبع عثمان خير من طباق الأرض)) (المصد السابق – ص 468) وفى نفس الصفحة كتب الطبرى أنّ عائشة قالت (أثناء حصار عثمان) أنّ عثمان قتل كثيرين من الوفد المصرى وقالت أيضًا (إنــّـا لله وإنــّـا إليه راجعون.. أيقتل قومًا جاءوا يطلبون الحق وينكرون الظلم.. والله لا نرضى بهذا))
لا أعرف إنْ كان الطبرى تعمـّـد نقل كلام عائشة شديد التناقض أم لا، لأنه – فى صفحة واحدة (وربما بدون قصد منه وهذا هو الغالب) قـدّم حيثيات إدانة عائشة ، فهى تتباكى على عثمان بعد إغتياله وتمتدحه بأسلوب شديد المُـبالغة والفجاجة حيث أنّ ((إصبع عثمان خير من طباق الأرض)) بينما هى قبل إغتياله وأثناء حصاره اتهمته بقتل كثيرين من الوفد المصرى.. لمجرد أنهم جاءوا ((يطلبون الحق وينكرون الظلم)) كما أنها كثيرًا ما قالت ((اقتلوا نعثلا فقد كفر)) ونعثل هو شخص يهودى به آثار الجدرى على وجهه. وهكذا كانت عائشة تــُـشبه عثمان بهذا الشخص اليهودى ، بل وتدعو إلى قتله. فما الذى غيرّ موقفها بعد قتل عثمان ؟ ما الذى جعلها تنضم لجيش معاوية ضد جيش على ؟ وهل هى الرغبة فى الانتقام من على بسبب موقفه منها بعد واقعة (حديث الإفك) عندما قال لمحمد : إنّ النساء غيرها كثيرات.. أى دعوة صريحة (رغم عدم المباشرة) لتطليقها فهل هذا الموقف (الشخصى جدًا) يجعلها تنقلب وتتظاهر بالبكاء والحسرة على مقتل عثمان ، كمُـبرّر للإنضمام لجيش معاوية ضد جيش على ؟
وذكر الطبرى : كان أزواج النبى (يقصد زوجاته) مع عائشة مُـتجهات إلى المدينة.. ولكن عائشة غيّرتْ رأيها فتحوّلتْ إلى البصرة.. وانطلق القوم بعدها إلى حفصة.. فقالتْ رأيى تبع لرأى عائشة حتى إذا لم يبق إلاّ الخروج.. قالوا : كيف نستقل وليس معنا مال نــُـجهـّـز به الناس؟ فقال (يعلى بن أمية) : معى ستمائة ألف وستمائة بعير اركبوها. وقال ابن عامر معى كذا وكذا.. فنادى المُـنادى أنّ طلحة والزبير وأم المؤمنين شاخصون إلى البصرة.. فمن كان يُريد إعزاز الإسلام والقتال وطلب الثأر لمقتل عثمان.. ولم يكن عنده مركب (= ركوبة) فحمّـلوا ستمائة رجل على ستمائة ناقة. وهذا النص يطرح الأسئلة التالية 1- من أين أتى (يعلى بن أمية) بمبلغ 600 ألف ؟ هل هناك مصدر آخر غير النهب الأسطورى من شعوب الدول اتى احتلوها بعد (الغزو العربى) الذى أخذ عنوان (الفتح الإسلامى) ؟ 2- ما مغزى قول المُــنادى (من كان يُريد إعزاز الإسلام وطلب الثأر. إلخ) فهل قتال على بن أبى طالب ومن معه (إعزاز للإسلام)؟ فأية عقلية تلك التى جعلتْ من الدين مطية ركبها عرب/ مسلمون/ موحدون ضد عرب / مسلمين/ موحدين مثلهم ؟ وهل تلك العقلية تختلف عن عقلية (عرب ما قبل الإسلام) وعرب القرن الحادى والعشرين الذين كفــّـروا بعضهم البعض وقتلوا بعضهم البعض ؟
وذكر الطبرى أنّ (يعلى بن أمية) حمل 400 ألف (من أصل ال 600 ألف) إلى الزبير لمحاربة على.. وحمل معه 70 رجلا من قريش.. وحمل عائشة على جمل يُـقال له (عسكر) وعن فلان عن فلان عن ابن عباس قال : خرج أصحاب الجمل فى ستمائة.. وأرسلتْ عائشة إلى مروان فقالت له : ما لك ؟ أتــُـريد أنْ تــُـفرّق أمرنا ؟ (مصدر سابق – ص473) ومغزى رسالة عائشة أنّ مروان بن الحكم لم يشترك معهم فى البداية ، فما كان من عائشة إلاّ أنْ حرّضته على الاشتراك فى المذبحة القادمة.
ونقل الطبرى الحديث المُـهم الذى قاله على لابنه الحسن.. وفيه توبيخ ولوم شديديْن حيث قال له : قد أمرتك فعصيتنى فتــُـقتل غدًا ولا ناصر لك.. وإنك لا تزال تحن حنين الجارية.. إلخ والحديث طويل يمكن الرجوع إليه (مصدر سابق – ص474) وقد صدق على فى نبوءته ، حيث تمّ قتل الحسن مسمومًا بتدبير معاوية الذى أغرى زوجة الحسن بأنْ تضع السم لزوجها مقابل المال والزواج من ابنه يزيد.. وقد أوفى معاوية بالوعد الأول وتراجع عن الوعد الثانى ، وعندما سألته زوجة الحسن عن الوعد بالزواج من ابنه قال جملته الشهيرة : من قتلتْ ابن على يسهل عليها قتل ابن معاوية.
شرح على موقفه من هذا الصراع وأحقيته بالخلافة فقال ((إنّ النبى قــُـبض (أى مات) وما أرى أحدًا أحق بهذا الأمر منى.. فبايع الناس أبا بكر، فبايعتُ كما بايعوا.. ثم إنّ أبا بكر هلك وما أرى أحدًا أحق بهذا الأمر منى.. فبايع الناس عمر بن الخطاب.. فبايعتُ كما بايعوا.. ثم إنّ عمر هلك.. وما أرى أحدًا أحق بهذا الأمر منى.. فجعلنى سهمًا من ستة أسهم.. فبايع الناس عثمان.. فبايعتُ كما بايعوا.. ثم سار الناس إلى عثمان وقتلوه ثم أتونى فبايعونى طائعين غير مُــكرهين.. فأنا مُــقاتل من خالفنى حتى يحكم الله بينى وبينهم وهو خير الحاكمين)) (مصدر سابق – ص 476) فهل منصب الخلافة له قوة سحر لدرجة أنْ يقول ((أنا مُــقاتل من خالفنى)) وهل تلك القوة السحرية لها علاقة بقوله ((حتى يحكم الله بينى وبينهم)) وهنا يتم خلط الدين بالسياسة ، ذلك الخلط الذى استمرّ طوال فترات الخلافة الإسلامية ، وحتى بعد زوالها فى عام 1924 عندما طلــّـقها كمال أتاورك بالثلاثة. وعندما أدان المذبحة التى ارتكبها الأتراك عام 1915 ضد الأرمن ، وتسبّبتْ فى قتل مليون ونصف إنسان أرمنى . وذكر مؤرخون عديدون أنّ القتل كان بواسطة الحرق ، أى مثل أفران النازى . والدرس المهم هو: أنّ كمال أتاتورك (لأنه يمتلك عقلا حرًا وضميرًا حيًا) امتلك الشجاعة الأدبية ، فلم يخجل وهو يُــدين (الأتراك) الذين سبقوه واستباحوا دماء الشعوب الحرة ونهب أموالهم تحت مُـسمى (الجزية والخراج) وهذا هو الفرق بينه وبين الخلفاء المسلمين ، سواء أكانوا من العرب أو غير العرب .
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العرب قبل وبعد الإسلام (15)
- العرب قبل وبعد الإسلام (14)
- العرب قبل وبعد الإسلام (13)
- العرب قبل وبعد الإسلام (12)
- العرب قبل وبعد الإسلام (11)
- العرب قبل وبعد الإسلام (10)
- العرب قبل وبعد الإسلام (9)
- العرب قبل وبعد الإسلام (8)
- العرب قبل وبعد الإسلام (7)
- العرب قبل وبعد الإسلام (6)
- العرب قبل وبعد الإسلام (5)
- العرب قبل وبعد الإسلام (4)
- العرب قبل وبعد الإسلام (3)
- العرب قبل وبعد الإسلام (2)
- العرب قبل وبعد الإسلام (1)
- مغزى الدفاع عن جنسية الوطن
- القيم الروحية بين السياسة والعلمانية
- العدوة لعصور الظلام
- السامية والحامية ولغة العلم
- رد الى الاستاذ الأستاذ طلال الربيعى بشأن مقالى (أسباب فشل ال ...


المزيد.....




- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - العرب قبل وبعد الإسلام (16)