أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - العرب قبل وبعد الإسلام (7)















المزيد.....


العرب قبل وبعد الإسلام (7)


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4933 - 2015 / 9 / 22 - 00:36
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


اتهم محمد (نبى الإسلام) العرب السابقين على دعوته بأنهم (يعبدون الأصنام) وأطلق عليهم التعبير غير العلمى (أنهم أهل وثنية) ويتشفعون بآلهة من (العجوة) فيأكلونها بعد التضرع إليها ، رغم أنها لا تملك من أمرها شيئــًا . وكل هذا صحيح بلا جدال ، ولا يستطيع العقل الحر مُـعارضته. ولكن هل تغيّر الوضع بعد الإسلام ؟ لقد ذكرتْ كتب التاريخ العربى/ الإسلامى الكثير من الوقائع التى تمّ فيها استخدام القرآن ، واللجوء إلى (الله) سواء بالتقرب إليه أو بالدعاء على الخصوم ، ومن أمثلة ذلك ما ذكره الطبرى الذى كتب ((قال أبو مخنف حدثنى فلان عن فلان أنّ ابن بديل قام فى أصحابه وقال : إنّ معاوية ادعى ما ليس أهله ونازع هذا الأمر من ليس من شأنه وجادل بالباطل ليُـدحـّـض به الحق، وصال عليكم بالأعراب والأحزاب. وزيّن لهم الضلالة وزرع فى قلوبهم حب الفتنة. ولـَـبس عليهم الأمر وزادهم رجسًا إلى رجسهم)) وبعد أنْ أدان (ابن بديل) معاوية وأفعاله ، قال يُـخاطب أتباعه من (المسلمين) : ((أنتم على نور من ربكم وبرهان مبين ، فقاتلوا الطغاة الجفاة ولا تخشوهم وفى أيديكم كتاب الله)) ثمّ تلى عليهم ما جاء فى القرآن ((أتخشونهم فالله أحق أنْ تخشوه إنْ كنتم مؤمنين . قاتلوهم يُـعذبهم الله بأيديكم ويُـخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين)) (الإمام أبى جعفر محمد بن جرير الطبرى – تاريخ الأمم والملوك – مؤسسة الأعلمى للمطبوعات – بيروت – لبنان – ج4 – ص 11) ومن تلك الواقعة يتبيّن أنّ التغير الذى حدث هو اللجوء إلى (الله) والتحريض على القتل وأنّ (الله) سيُعذب خصوم محمد ((بأيديكم)) بينما كان فى (الجاهلية) اللجوء إلى (اللات) و(العزى) و(هبل) إلخ.
وفى واقعة أخرى تأكيد للواقعة الأولى ، حيث أنّ الخليفة على بن أبى طالب فى صراعه وحربه مع معاوية بن أبى سفيان ، كان يستخدم لغة الميتافيزيقا (التى كانت سائدة قبل الإسلام) فكان يقول لأتباعه الذين وقفوا معه ضد معاوية ((أيها الناس استعدوا للمسير إلى عدو فى جهاده القربة إلى الله)) ثم استشهد بآية ((وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم)) (الأنفال/60- والطبرى المصدر السابق – ص67) فى هذا المثال فإنّ الخليفة على بن أبى طالب اعتبر أنّ محاربة معاوية وجيشه المُـكوّن من (عرب مسلمين موحدين) ((قربة إلى الله)) أى أنّ مسلمين موحدين يقتلون مسلمين موحدين الهدف منه (التقرب إلى الله) وكان سلاح على بن أبى طالب الاستشهاد بالقرآن لإرهاب ((عدو الله)) وأنّ الآية لضمتْ أعداء النبى محمد ومن جاء بعده حتى على بن أبى طالب ب (أعداء الله) فإذا كان من المفهوم أنْ يكون (البشر) فى عداوة وصراع وتناحر على السلطة، فكيف يكون ل (الله) أعداء ؟
ويؤكد تساؤلى ماحدث بعد مؤامرة التحكيم إلى (كتاب الله) فى الخصومة الشهيرة بين على ومعاوية ، حيث بايع أهل الشام معاوية وأقروا له بالخلافة ، فازداد قوة وبطشًا ، أما فى العراق فإنّ أهله لم يتفقوا على كلمة واحدة حول على بن أبى طالب. وفى نفس الوقت كان معاوية شديد الاهتمام بالاستيلاء على مصر، ولكنه كان (فى نفس الوقت) شديد الخوف من المصريين (بعد موقفهم ضد عثمان وولاة عثمان) ولكنهم (المصريين) بعد أنْ علموا بمقتل عثمان شعروا بالحزن وساءتهم تلك النهاية البشعة التى تمّ بها قتل عثمان ، بل ونهاية حياته (غير الانسانية) بعد رفض دفنه لمدة ثلاثة أيام إلخ ، ولذلك فإنّ المصريين ، وقفوا على الحياد بالنسبة للصراع بين على ومعاوية. وبينما لم يهتم على بمصر، فإنّ معاوية كان يتمنى الحصول على جباية (خراجها وجزيتها) فماذا فعل معاوية ؟ دعا من كان معه من قريش مثل عمرو بن العاص وحبيب بن مسلمة وخالد بن الوليد وآخرين . فى هذا الاجتماع قال عمرو بن العاص ((أرى والله أمر هذه البلاد الكثير: خراجها كثير والكثير عدد أهلها (أى كلما زاد العدد زادتْ نسبة الخراج والجزية) فإنْ كنتَ لذلك جمعتنا ودعوتنا فاعزم وأقدم ونِعم الرأى رأيتَ ففى افتتاحها (كأنها – مصر- مغلقة رغم احتلالها من العرب قبل النزاع بين على ومعاوية ، ومنذ خلافة عمر بن الخطاب) عزك وعز أصحابك ودحر عدوك وذلّ أهل الخلاف عليك)) فردّ عليه معاوية ((أهمك يا ابن العاص ما أهمك)) ومعنى تلك الجملة : أى أننى أعرف ما يهمك يا ابن العاص ، والسبب فى ذلك أنّ عمرو بن العاص كان قد صالح معاوية حين بايعه على قتال على بن أبى طالب ((على أنّ له مصر طــُـعمة ما بقى ، فأقبل معاوية على أصحابه وقال : إنّ هذا يعنى عمرًا قد ظنّ ثم حقق ظنه . ثم إنّ معاوية حمد الله وأثنى عليه (هكذا) وقال لمن معه : أما بعد فقد رأيتم كيف صنع الله بكم فى حربكم عدوّكم (أى على بن أبى طالب ومن معه) جاؤوكم وهم لا يرون إلاّ أنهم سيقيضون بيضتكم ويُـخرّبون بلادكم إلاّ أنكم فى أيديهم ، فردّهم الله بغيظهم ولم ينالوا خيرًا مما أحبوا وحاكمناهم إلى الله ، فحكم لنا عليهم.. وجعلهم أعداء مُـتفرقين ، يشهد بعضهم على بعض بالكفر ويسفك بعضهم دم بعض ، والله إنى لأرجو أنْ يتم لنا هذا الأمر)) (الطبرى – المصدر السابق – ص73، 74) ومعنى كلام معاوية الاستيلاء على مصر التى وهبها لعمرو بن العاص وطرد الحكام العرب (المسلمين) ليحل محلهم حكام (عرب مسلمين غيرهم) وفى هذا النص فإنّ العقل الحر يستنتج أكثر من نتيجة 1- معاوية يهب مصر لعمروبن العاص مكافأة له على مؤامرة التحكيم 2- معاوية يحمد (الله) لأنه انتصر على على بن أبى طالب ووصفه ب (العدو) 3- أنّ (الله) وقف مع معاوية ونصره هو ومن معه. وهزم على ومن معه 4- أنّ (الله) ردّ جيش على ((بغيظهم ولم ينالوا خيرًا)) 5- أنّ (الله) حكم لصالح معاوية وأتباعه. وليس ذلك فقط ، بل إنّ (الله) فرّق أعداء معاوية (أى على وأتباعه) 6- استخدام لغة التكفير، حيث أنّ أتباع على كفــّـروا بعضهم البعض (إشارة إلى الخوارج الذين كفــّـروا على ومن معه) بل إنهم (أتباع على سفكوا دماء بعضهم البعض) وبعد تلك القراءة المُـتأنية (والمُجرّدة) لهذا النص الذى ذكره الطبرى وغيره ، لا يكون أمام العقل الحر إلاّ أنْ يسأل : ما الفرق بين ماحدث مع على ومعاوية وما كان يحدث بين القبائل العربية فى الفترة التى أطلق محمد عليها (جاهلية) ؟
واستكمالا لذلك المشهد (الاستعمارى) الذى دار بين (عرب مسلمين) و(عرب مسلمين) فإنّ عمرو بن العاص أشار على معاوية بأنْ يُـرسل جيشـًا إلى مصر لطرد الحكام (العرب) وإحلال غيرهم من العرب المُوالين لمعاوية ، فكتب معاوية إلى مسلمة بن مخلد الأنصارى وإلى معاوية بن خديج الكندى وكانا قد خالفا على بن أبى طالب وقال فى رسالته ((بسم الله الرحمن الرحيم.. أما بعد فإنّ الله (دائمًا يكون استغلال اسم (الله) والاستشهاد به) قد ابتعثكما لأمر عظيم أعظم به أجركما ورفع به ذكركما وزيّـنكما به فى المسلمين ، طلبكما بدم الخليفة المظلوم (أى عثمان) وغضبكما لله إذْ ترك حكم الكتاب وجاهدتما أهل البغى والعدوان ، فأبشروا برضوان الله وعاجل نصر أولياء الله)) والرسالة طويلة وكلها (تمحك) فى (الله) ومِنْ مَنْ ؟ من معاوية الذى اغتصب الحكم من على بن أبى طالب وتسبّب فى إراقة دماء (العرب المسلمين) بعد ذلك أخذ أحد أتباع معاوية الرسالة وتوجـّـه إلى مصر التى كان يحكمها فى ذاك الوقت محمد بن أبى بكر، الذى تصدى لأتباع معاوية وشنّ الحرب عليهم . وعندما وصل مندوب معاوية (مسلمة بن مخلد) إلى مصر، قابل محمد بن أبى بكر، وسلــّـمه رسالة معاوية وقال له : إنّ هذا الأمر الذى بذلنا له أنفسنا واتبعنا أمر الله (هكذا) وهذا الأمر ((نرجو به ثواب ربنا والنصر على من خالفنا. وتعجيل النقمة لمن سعى على إمامنا (أى معاوية) وطأطأ الركض فى (جهادنا) ونحن بهذا الحيّز من الأرض قد نــَـفينا من كان به من أهل البغى (أى أتباع على) وأنهضنا من كان به من أهل القسط والعدل (أى أتباع معاوية) ثم اختتم كلامه مُـستشهدًا بآبة من القرآن عن ثواب الدنيا وثواب الآخرة.
ولأنّ محمد بن أبى بكر رفض الاستسلام للأمر الواقع وأصرّ على محاربة أتباع معاوية ، لذلك فإنّ مندوب معاوية أرسل رسالة قال له فيها ((عجـّـل علينا خيلك ورجالك فإنّ عدونا (أى محمد بن أبى بكر) كان علينا حربًا وكنا فيهم قليلا.. فإنْ يأتنا (الله) بمدد من قِبلك يفتح (الله) عليكم)) وصلتْ الرسالة ومعاوية بفلسطين فسأل أتباعه : ماذا ترون ؟ قالوا : الرأى أنْ تبعث جندًا من قِبلك فإنك تفتحها (دائمًا مصر مغلقة فى نظر كل الغزاة) بإذن الله (أى أنّ (الله) مع الغزو والاحتلال) فقال معاوية : تجهـّـز يا أبا عبد الله يعنى عمرو بن العاص.. فبعثه فى ستة آلاف رجل . وخرج معاوية وودّعه وقال له : أوصيك يا عمرو بتقوى الله (فكيف تكون تقوى الله مع الغزو؟) الإجابة واضحة فى نهاية كلامه لعمرو : ادع الناس إلى الصلح ، فإنْ أبوا (= رفضوا) فإنّ السطوة بعد المعذرة أبلغ فى الحجة وأحسن فى العاقبة. فلما وصل عمرو إلى مصر اجتمع بأتباع معاوية المُــتعلقين بقميص عثمان ، وكتب عمرو رسالة إلى محمد بن أبى بكر قال لها فيها : أما بعد.. تنحّ عنى بدمك يا ابن أبى بكر. فإنى لا أحب أنْ يُـصيبك منى ظفر. إنّ الناس بهذه البلاد قد اجتمعوا على خلافك ورفض أمرك وندموا على اتباعك (وهذا غير صحيح) فاخرج منها (أى اخرج من مصر) فإنى لك من الناصحين والسلام . ولم يكتف عمرو بذلك وإنما أرسل إليه كتاب معاوية الذى وجـّـهه لابن أبى بكر وقال فيه : الظلم عظيم الوبال ، وعند سفك الدم الحرام لا يُسلم صاحبه من النقمة فى الدنيا ومن التبعة الموبقة فى الآخرة . وإنـّـا لا نعلم أحدًا كان أعظم على عثمان بغيًا ولا أسوأ له عيبًا ولا أشد عليه خلافـًا منك (إشارة إلى دور محمد بن أبى بكر فى الثورة ضد عثمان) وتستمر رسالة معاوية فقال لابن أبى بكر: سعيتَ عليه فى الساعين وسفكتَ دمه مع السافكين . ثم أنت تظن أنى عنك نائم أو ناسٍ لك حتى تأتى فتأمر على بلاد أنت فيها جارى ومعظم أهلها أنصارى ، يرون رأيى ويرقبون قولى ويستصرخونى عليك . وقد بعثتُ إليك قومًا حناقــًا عليك (أى حانقين) يستسقون دمك ويتقرّبون إلى الله (دائمًا الله) بجهادك وقد أعطوا الله عهدًا (هكذا) ليُـمثـلن بك . ولولم يكن منهم إليك ما عدا قتلك ما حذرتك ولا أنذرتك ولأحببتُ أنْ يقتلوك بظلمك وقطيعتك وعدوك على عثمان يوم طعنه ب (مشاقصك) (نوع من السلاح) بين خششانه (أى بين أهل بيته) ولكن أكره أنْ أمثــّــل بقرشى ولن يسلمك (الله) من القصاص أبدًا أينما كنتَ والسلام))
ماذا يفعل ابن أبى بكر فى هذه الورطة والتهديد الصريح بعزله أو قتله ؟ أرسل كتاب معاوية وكتاب عمرو بن العاص إلى على بن أبى طالب ورسالة منه قال له فيها : إنّ ابن العاص نزل مصر، واجتمع إليه أهل البلد ممن كان يرى رأيهم . وقد جاء فى جيش لجلب الخراب . وقد رأيتُ من أتباعى بعض الفشل ، فإنْ كان لك فى أرض مصر حاجة ، فامدنى بالرجال والأموال والسلام . ردّ عليه على بن أبى طالب برسالة قال له فيها : أما بعد فقد جاءنى كتابك تذكر فيه أنّ ابن العاص قد نزل بأرض مصر فى جيش لجلب الخراب . وذكرتَ أنك رأيتَ فى بعض أتباعك الفشل ، وأنصحك بعدم الفشل فحصـّـن قريتك (هكذا يرى على بن أبى طالب أنّ مصر مجرد قرية) واضمم إليك شيعتك.. واصبر لعدوك وامض وقاتلهم وجاهدهم صابرًا محتسبًا. وإنْ كانت فئتك أقل الفئتيْن فإنّ الله (دائمًا الله) قد يعز القليل ويخذل الكثير. وقد قرأتُ كتاب الفاجريْن : الفاجر معاوية والفاجر ابن الكافر عمرو بن العاص والمتحابيْن فى عمل المعصية والمتوافقيْن المرتشيْن فى الحكومة)) بعد أنْ تلقى ابن أبى بكر رسالة على كتب رسالة إلى معاوية قال له فيها : أما بعد فقد أتانى كتابك الذى تــُـذكــّـرنى فيه من أمر عثمان أمرًا لا أعتذر إليك منه. وتأمرنى بالتنحى عنك كأنك ناصح لى وتــُـخوّفنى المُـثـلة (أى التمثيل بجثته) كأنك شفيق . وأنا أرجو أنْ تكون لى الدائرة عليكم فأجتاحكم فى الوقعة وإنْ تــُـؤتوا النصر ويكن لكم الأمر فى الدنيا فكم لعمرى من ظالم قد نصرتم وكم من مؤمن قد قتلتم ومثــّــلتم به. وإلى الله مصيركم ومصيرهم وإلى الله مرد الأمور وهو أرحم الراحمين (مكتوبة هكذا بالأف وهى كتابة صحيحة وفق علم اللغويات الذى يرى علماؤه أنْ تــُـكتب الكلمة كما تــُـنطق)) ثم كتب رسالة أخرى إلى عمرو بن العاص قال له فيها : أما بعد فقد فهمتُ ما ذكرتَ فى كتابك يا ابن العاص . زعمتَ أنك تكره أنْ يُصيبنى منك ظفر. وأشهد أنك من المُبطلين وتزعم أنك لى نصيح (الأدق لغويًا ناصح) وأقسم أنك عندى ظنين . وتزعم أنّ أهل البلد قد رفضوا رأيى وأمرى وندموا على اتباعى فأولئك لك وللشيطان الرجيم وتوكلنا على الله رب العرش العظيم والسلام (كلهم يتمحـّـكون فى الله) وتوجــّـه ابن أبى بكر إلى الناس فى المسجد وقال : أما بعد يا معشر المسلمين المؤمنين ، فإنّ القوم الذين كانوا ينتهكون الحرمة ويتعشون (مكتوبة هكذا) الضلال ويشبون نار الفتنة ويتسلطون بالجبرية قد نصبوا لكم العداوة وساروا إليكم بالجنود . عباد الله فمن أراد الجنة والمغفرة فليخرج إلى هؤلاء القوم.. ليُـجاهدهم فى (الله) انتدبوا إلى هؤلاء القوم رحمكم (الله)
دارتْ المعركة بين جيش عمرو بن العاص (العربى المسلم) وجيش محمد بن أبى بكر (العربى المسلم) مات من جيش ابن أبى بكر كثيرون والباقى فرّ هاربًا . مشى محمد بن أبى بكر إلى (خربة ، أى خرابة) وجاء عمرو بن العاص حتى دخل الفسطاط وخرج معاوية بن خديج فى طلب ابن أبى بكر ، وسأل الناس هل مرّ بكم أحد تنكرونه فقال أحدهم لا والله إلاّ إنى دخلتُ تلك الخربة فإذا أنا برجل فيها جالس. فقال ابن خديج هو ورب الكعبة. فانطلقوا يركضون حتى دخلوا عليه فاستخرجوه وقد كاد يموت عطشـًا.. فأقبلوا به نحو فسطاط مصر. ووثب أخوه عبد الرحمن بن أبى بكر إلى عمر بن العاص وكان فى جنده وقال له : أتقتل أخى صبرًا ؟ ابعث إلى معاوية بن خديج فانهه. فبعث إليه عمرو بن العاص يأمره أنْ يأتيه بمحمد بن أبى بكر. فقال معاوية بن خديج : أكذاك قتلتم كنانة بن بشر (أى أنّ ابن العاص قتل ابن بشر الذى كان مع ابن أبى بكر) وأخلى أنا محمد بن أبى بكر؟ هيهات ! أكفاركم خيرٌ من أولئكم ؟ فقال ابن أبى بكر : اسقونى ماءً . فقال له معاوية بن خديج : لا سقاه الله إنْ سقاك قطرة أبدًا.. إنكم منعتم عثمان أنْ يشرب الماء حتى قتلتموه صائمًا مُـحرّمًا.. والله لأقتلنك يا ابن أبى بكر فيسقيك الله الحميم والغساق . قال له محمد بن أبى بكر: يا ابن اليهودية النساجة ليس ذلك إليك إنما إلى الله (لاحظ السخرية من الأم لأنها يهودية) فقال له ابن خديج : أتدرى ما أصنع بك .. سوف أدخلك فى جوف حمار، ثم أحرقه عليك بالنار. فقال له ابن أبى بكر: إنْ فعلتم بى ذلك فطالما حدث ذلك لأولياء الله.. وإنى لأرجو هذه النار التى تحرقنى بها أنْ يجعلها الله بردًا وسلامًا كما جعلها على خليله إبراهيم.. وأنْ يجعلها عليك وعلى ابن العاص نارًا تلظى.. كلــّـما خبتْ زادها الله سعيرًا.. كما حدث مع نمرود . فقال له ابن خديج : إنى إنما أقتلك بعثمان.. فقال له ابن أبى بكر: وما أنت وعثمان ؟! إنّ عثمان عمل بالجور ونبذ حكم القرآن ، فنقمنا ذلك عليه فقتلناه.. وقد برّأنا الله (متى حدث ذلك ؟) إنْ شاء الله من ذنبه وأنت شريكه فى إثمه وعظم ذنبه وجاعلك على مثاله. فغضب معاوية بن خديج فقتله ثمّ ألقاه فى جيفة حمار. ثم أحرقه بالنار. فلما بلغ ذلك عائشة (أخت محمد بن أبى بكر) جزعتْ عليه جزعًا شديدًا وقنتتْ عليه فى دير الصلاة تدعو على ابن خديج وعلى عمرو بن العاص .
وبعد تلك المذبحة التى دارتْ بين عرب مسلمين وعرب مسلمين كتب عمرو بن العاص إلى معاوية بن سفيان : أما بعد فإنــّـا لقينا محمد بن أبى بكر وكنانة بن بشر فى جموع جمة من أهل مصر، فدعوناهم إلى الهدى والسنة وحكم كتاب الله. فرفضوا الحق وتمادوا فى الضلال فجاهدناهم واستنصرنا الله عليهم (هكذا) فضرب الله وجوههم وأدبارهم ومنحونا أكتافهم.. فقتل الله محمد بن أبى بكر وكنانة بن بشر.. والحمد لله رب العالمين والسلام عليك)) فى تلك الرسالة لم ينتبه كاتبها (عمرو بن العاص) إلى خطورة توجيه تهمة القتل إلى (الله) وعندما وصل خبر ابن أبى بكر ودفنه فى جيفة حمار، إلى على بن أبى طالب من شخص كان فى الشام وحكى له انطباع أهل الشام فقال : يا أمير المؤمنين قلــّـما رأيتُ قومًا قط أسر ولا سرورًا قط أظهر من سرور رأيته بالشام حين أتاهم هلاك محمد بن أبى بكر. فقال على بن أبى طالب : إنّ مصر قد افتتحها الفجرة أولو الجور والظلم الذين صدوا عن سبيل الله (دائمًا الله) وبغوا الإسلام عوجـًا (الطبرى – المصدر السابق – من ص 72- 83)
أعتقد أنّ هذا النص الذى كتبه الطبرى وقبله (الواقدى) عن تلك المذبحة التى دارت بين عرب مسلمين موحدين وعرب مسلمين موحدين مثلهم ، فيها الكثير من طبائع (عرب ما قبل الإسلام) وربما كان (عرب الجاهلية) أقل قسوة من (عرب الإسلام) حيث لم تذكر كتب التاريخ عن واقعة شبيهة بواقعة قتل محمد بن أبى بكر ودفنه فى جيفة حمار ثم حرقه بالنار. كما أنّ هذا النص عن الصراع بين أتباع معاوية وأتباع على ، يضع أمام العقل الحر المعانى التالية :
1- الطمع فى مصر وأنّ خيراتها أعظم من خيرات الشام.
2- لم يكتف معاوية بن أبى سفيان باحتلال الشام وإنما أراد أنْ يمد نفوذه إلى مصر.
3- معاوية يجعل واليه (المستقبلى) فى مصر عمرو بن العاص مكافأة له على مؤامرة التحكيم .
4- دائمًا مصر فى نظر الغزاة كأنها (شقة مفروشة ومغلقة) وفى حاجة لمن (يفتحها) حتى ولو كان (الجالس فى تلك الشقة) من العرب المسلمين الموحدين . ويتضح ذلك من استخدام تعبير (فتح مصر) على لسان الخصميْن .
5- رسالة على بن أبى طالب المهمة التى وصف فيها معاوية بن أبى سفيان وعمرو بن العاص ب (الفاجريْن)
6- لجوء الخصميْن إلى (الله) فى تبرير جرائمهم ، وكل فريق يرى أنّ (الله) معه وينصره ويهزم له خصمه. بل إنّ (الله) هو الذى قتل محمد بن أبى بكر. وأرى أنّ استدعاء (الله) فى تلك الخصومة / المجزرة تصلح لعمل درامى من طراز رفيع ، لو جادتْ الطبيعة بعبقرى (مصرى) له موهبة كافكا أو يونسكو أو بيكيت إلخ .
7- منع الماء عن ابن أبى بكر : فهل تلك القسوة فى معاملة الخصوم جاءتْ من خارج الجزيرة العربية ؟ أم أنها نبت طبيعى أنتجته تلك الصحراء الجرداء ، التى عكستْ جفافها وتصحرها على جفاف القلوب وتصحر الوجدان ؟
8- مغزى المشهد اللا إنسانى الذى تعرّض له محمد بن أبى بكر، ودفن جثته فى جيفة حمار، ثم حرق الحمار. ثم الشماتة فى عائشة (أخت محمد بن أبى بكر) وتعمد أنْ تصلها تفاصيل قتله ودفنه. وللعقل الحر أنْ يتخيل مشاعر عائشة وهى تسمع تلك التفاصيل ولهجة الشماتة من أتباع معاوية وأتباع عمرو بن العاص.
9- إنّ تلك المعركة بن أتباع على وأتباع معاوية (وما سبقها من معارك وما سيتلوها من حروب) فيها الدليل القاطع على أنّ عقلية عرب ما بعد الإسلام استنساخ لعقلية عرب ما قبل الإسلام ، فإذا كان عرب ما قبل الإسلام يلجأون إلى (اللات) والعزى) و(هبل إلخ فإنّ عرب ما بعد الإسلام كانوا يلجأون إلى (الله)



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العرب قبل وبعد الإسلام (6)
- العرب قبل وبعد الإسلام (5)
- العرب قبل وبعد الإسلام (4)
- العرب قبل وبعد الإسلام (3)
- العرب قبل وبعد الإسلام (2)
- العرب قبل وبعد الإسلام (1)
- مغزى الدفاع عن جنسية الوطن
- القيم الروحية بين السياسة والعلمانية
- العدوة لعصور الظلام
- السامية والحامية ولغة العلم
- رد الى الاستاذ الأستاذ طلال الربيعى بشأن مقالى (أسباب فشل ال ...
- أسباب فشل اليسار المصرى
- الدولة شخصية اعتبارية
- الإخوان المسلمين وأنظمة الحكم
- الإخوان المسلمون وعلاقتهم بالاستعمار الإنجليزى والأمريكى
- أفغانستان فى القرنيْن التاسع عشر والعشرين
- الفرق بين لغة العلم ولغة العواطف الدينية
- حياة سيد قطب الدرامية
- المرأة رمز الحية ورمز الحياة
- الطوباوية العربية وطلب المستحيل


المزيد.....




- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - العرب قبل وبعد الإسلام (7)