|
أي أمة تَقِفُ تحت المحاكمة؟؟
كهلان القيسي
الحوار المتمدن-العدد: 1360 - 2005 / 10 / 27 - 12:41
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
ترجمة: كهلان القيسي - تتطلب حماية الجعفري لزيارة طالباني يوما كاملا من الترتيبات الأمنية, والمسافة بينهما نصف ميل , 5 دقائق بالسيارة.
المحاكمة كَانَ يجبُ أَنْ تكُونَ لحظة مِنْ النصرِ الكبير: جَلبَ صدام حسين أخيراً ليقف في منصة الاتهام في بغداد لتَوضيح بسبب جرائمِه. المحاكمة كان يَجِبُ أنْ تُؤشّرَ كنصرَ للدولة العراقيةِ الجديدةِ، لكن بدلاً مِن ذلك خَدمَ فقط تَأكيد هشاشتها. جماعات حقوق الإنسان في بريطانيا والولايات المتحدةِ إنتقدتْ الإجراءاتَ ضدّ الرئيس السابقِ للعراق وستّة متّهمين آخرينِ ووصفتها ب"عدالة المنتصرِ". لكن في بغداد كان هناك بِضْعَة مِنْ إشاراتِ للنصرِ. إذا كَانتْ الحكومةِ العراقيةِ منتصرةَ جداً، فلماذا أربعة من خمسة مِنْ القضاة وتقريباً أحد المدّعين كَانواَ بِحاجةٍ إلى أَنْ يَخفوا وجوهَهم وهويّاتَهم؟ ولماذا 30 -40 شاهدُ كانوا خائفون جداً لأنْ يُظهروا أمام المحكمة؟ ولماذا بناية المحكمة كانت محروسة بشدة، وكأنها البيت الأبيضِ كما أشارَ مشير أمريكي مستهزئا؟؟ محاكم جرائمِ الحرب في ألمانيا واليابان بعد1945 لم تترك شك لأحد في من الذي رَبحَ الحربَ. في بغداد، اليوم الأول مِنْ محاكمةِ صدام - تقرّرُ ان تستأنف في 28 نوفمبر/تشرين الثّاني –بالتأكيد أظهرت هزيمة الدكتاتور السابقَ، لكنها أظهرت أيضاً كَمْ هو صعب وخطر أَنْ يَحْلَّ احد محله. الفوضوية القاتلة للحياةِ في العراق خارج المنطقةِ الخضراءِ كَشفتْ عن نفسها حتماً خلال يوم للمحاكمةِ. سعدون الجنابي -المحامي عن عواد حمد البندر, قاضي محكمة الثورة تحت المحاكمة مَع صدام، -إختطفَ مِن قِبل سبعة رجال مُسلَّحين وقَتلَ رمياً بالرصاص لاحقاً. إجراءات المحكمةَ أظهرت رمزَا لتشتت السلطة في العراق. نظرياً عراقيون مسئولون عن المحاكمةِ. عملياً، حوالي 50 محامي ،أستراليين وبريطانيينَ وأمريكانَ وموظّفي دعمِ قانونيينِ يُسندونَ الإجراءاتَ. قال احد المراقبين بصفة خاصة " العراقيين ِ يَلُومونَ الأمريكان على التشويشِ، والعكس بالعكس، "
لماذا الدولة العراقية ضعيفة جداً؟ مرت سنتان ونصف الآن منذ أن أُسقطَ. صدام حسين. وجيش أمريكي مكلف جداً مكون مِنْ 145,000 رجلِ جاثمين في البلادِ. درّبوا جيشَ عراقيَ مِنْ 80,000 رجلِ. هناك أيضاً على افتراض 120,000 شرطة ورجال أمن آخرون إنتشرا في كافة أنحاء البلاد. لكن حتى عندما كما العراقيين ينتظرونَ بدء محاكمةَ صدام، فان قذائفِ الهاون انهمرت على المنطقةِ الخضراءِ ودَوّتْ عبر العاصمة.
المسئولون الحكوميون الأمريكيون والعراقيون يَعِيشونَ في عَزلَة عن الوجودَ بغرابة في هذا الجيبِ. هي المجمع ذو الأبوابُ الأكبر في العالمُ. سكنته ليس لديهم فكرةَ محددة عن العالمِ الذي يَعِيشُ فيه العراقيين ما بعد الأبواب المُحَصَّنةِ بشدّة ونقاطِ التفتيش. تصرفاتهم عبارة عن خَلِيْط من الذعُرِ حول أمانِهم الخاصِ وقساوتِهم أَو ثقتِهم أكثر من اللازمِ حول ذلك مِنْ الآخرين. قبل يومين من الإستفتاء العام على الدستورِ في 15 أكتوبر/تشرين الأولِ، طَلبَت سفارة الولايات المتحدة مِنْ الصحفيون الحضور إلى مركزِ المؤتمرات لحُضُور اجتماع صحفي عن الاستفتاء يتلى مِن قِبل مسئول في وزارة الخارجية. إقتربتُ مِنْ المدخلِ الملائمِ بحذر إلى المنطقةِ الخضراءِ مشياً على الأقدام. من الحكمة عدم جَلْب سيارة،قريب جداً، لأن القائمون بالعمليات الإنتحاريةَ إستهدفَوا هذا المدخلِ مراراً وتكراراً بتحصيناتِه الخرسانيةِ الهائلةِ، لان الجنود العراقيون والأمريكيون سيطلقون النار بمجرد الشك.
عندما كنت متجها إلى نقطةِ التفتيش الأولى لاحظتُ سيارةً حمراء مهترئة تتَوقّف بقربي. نَظْرت خلال الزجاجة الأماميةِ القذرةِ رَأيتُ رجلَ مسنَ بَدا مشوّشاً وكأنه أضل طريقه. بَدأَ الجنود بالصَياح بشكل مسعور "عليه لتَحَرُّك، يَخَافُون بأنّه ربما كَانَ ملغما. ثمّ فَتحوا النار فوراً، الرصاص عبر فوق راسي. لَجأتُ وراء جدار خرساني. بَعْدَ ثوان السيارةِ الحمراءِ مرت مسرعة، والرجل العجوز مكور خلف المقود ، وإختفى حول الزاوية.
بعد عُبُور لا يقل مِنْ سبعة مِنْ خطوطِ من أكياسِ الرمل والأسلاك الشائكة وَصلتُ إلى مركزِ المؤتمرات، فقط لأكتشف بان المؤتمر الصحفي كَانَ قَدْ ألغي. صوتاً مزعج على الهاتف مِنْ سفارة الولايات المتحدةِ وضّحَ بأنّ الدبلوماسي الكبيرَ كَانَ قَدْ حُجِزَ بشكل غير قابل للتجنب.ثم سَمعتُ جنرالاً أمريكياً يُوضّحُ كَيف إن البقية المتبقية المستميتة من المتمرّدين قَدْ تم اصطيادهم.
سكنة المنطقةِ الخضرِاء حذرين أكثر بكثير حول أمانِهم الخاصِ. إبراهيم الجعفري رئيس الوزراء، أرادَ مؤخراً أَنْ يَزُورَ الرّئيسَ جلال الطالباني، الذي يبعد بيته خمس دقائقِ عن ْ المنطقةِ الخضراءِ. السّيد الجعفري أُخبرَ مِن قِبل رجالِ الأمن الغربيين بأنَّ هو يَجِبُ أَنْ يُؤخّرَ الزيارةَ لمدّة يوم لأنها تتطلب24 ساعةَ للتَرتيب لَهُ للسَفَر بسلامة حتى نِصْفِ ميل مِنْ المنطقةِ الخضراءِ.
العراق كَانَ لديه ثلاث إداراتِ منذ سقوطِ صدام حسين. الأول كَانَ تحت بول Bremer، نائب الملك الأمريكي، ثم يُتْلَى مِن قِبل إياد علاوي، رئيس الوزراء المؤقت لثمانية شهورِ مِنْ يونيو/حزيرانِ 2004، وبعد ذلك السّيد الجعفري هذه السَنَةِ. كُلّ ثلاثة فَشلواَ. التمرّد في المناطقِ العربيةِ السنيّةِ لَم يتقلصُ. في وقتٍ ما من هذا الأسبوع عدد الجنود الأمريكيينِ الذين قَتلواَ في العراق، حالياً في 1,992 سَيَضْربُ الـ2,000 لذا فان العدد اليومي للقتلى لم يهبط بل يتصاعد.
الحكومة الحالية إنتخبتْ بشكل شعبي، وهي تَمْثل تحالف شيعي- كرديِ لَكنَّها لا تمثل حقاً كإدارة وطنية للعراق. بحيث إنّ الزعماءَ الأكرادَ فعّالين كفوئين أكثر بكثير مِنْ نظرائهم الشيعة –لان الأكراد اهتمامهم الأساسيَ في ضمان شبهِ استقلال كردستان.
الحكومة والجيش العراقي لَيسا تماماً حقيقة كما يبدوا. على سبيل المثال، الجيش العراقي يُحاول إمتِلاك 115 كتيبةَ تَحتوي 80,000 رجلَ. لكن بيتر Galbraith، الدبلوماسي الأمريكي السابق، يَستشهدُ بالمسؤولين الكبار في وزارة الدفاعِ العراقيةِ، ويقول في الواقع هناك 40,000 جندي فقط .هذا لأن القادةَ العسكريين أعطوا أموال نقدَ لدَفْع رواتب رجالِهم وبهذا يضخمون أعدادَهم لذا هم يُمْكِنُ أَنْ يَضعوا اسماء وأعداد لقوات وهمية .ولا سَيَكُونُ هذا جيشِ سهل الاستعمال ضدّ المتمرّدين لأن تركيبَته طائفيُة جداً. لَهُ 60 كتيبةُ شيعية، 45 سنيّة وتسعة كردية. فقط كتيبة واحدة مُخْتَلَطةُ. تثير الوحداتُُ الشيعة و السنيّةُ عداوةً خارج المناطقِ التي تَعِيشُ فيها طوائفهم.
ظَهرَ اليومُ الأولُ مِنْ محاكمةِ صدام حسين، ليس كمظاهرة نصرِ النظامِ الجديدِ على القديمِ، كما كان الغرض منه. لكن، من سخرية القدر، جوّ التشويشِ والخوفِ في المحكمةِ كَانَ بعيدا عن إصابة الهدف، إذا كان غير مقصود، فهو رمز الواقع العراقي اليوم.
المصدر: الاندبندنت Patrick Cockburn on: 23rd Oct, 05
#كهلان_القيسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الكارديان: بغداد ألان المدينةُ الأكثر رعباً في العالمِ
-
تقسيم العراق سَيولد إعادة تقسيمِ الشرق الأوسطِ
-
مكالمة لبلير من بوش قبل غزو العراق: أريد غزو السعودية وباكست
...
-
الدستور العراقي: إستفتاء للكارثةِ- ج 1
-
هل تمرير الدستور وإعدام صدام ينهيان المشكلة
-
مشكلتنا الكردية
-
إلى القائل إن العراق سوف لن يخوض الحرب نيابة عن الآخرين
-
سوريا، القاعدة في العراق، وأكاذيب كبيرة في عالمِ بوش- زورو
-
الغرب احتضن نخبة إيرانية الولاء, راديكالية, وخَلقَ جرحاً دام
...
-
ممارسات التصويت الكرديةِ قَدْ تُشذّبُ الإستفتاء العامَ على ا
...
-
كَيْفَ تُؤسّسُ أجهزة إعلام حرة في مثل هذا الخوفِ والفوضويةِ؟
-
عندما تتعاون الطبيعةَ مع البشر لتَكشف أكاذيبِ الجبارين
-
معايير مزدوجة في العراق
-
منطق القاعدةِ الإستعماريةِ – حكم الشعوب
-
هل انتهت هدنة لندن السيساتنية,,, بتعنت أمريكي
-
يتباكون على مليار واحد ؟ويتناسون 22 مليار؟؟
-
لماذا نريد حرب اهلية في العراق؟؟
-
جئنا لندمر أسلحتهم,,, ونصادر أرواحهم بالتأكيد!!
-
هكذا تسحق الدبابات الإرهابية الأمريكية رؤوس الأطفال العراقيي
...
-
حتى الله كلم موسى.... فلماذا لا يتكلم البعض
المزيد.....
-
مصر.. آية قرآنية تثير تفاعلا بتفتيش السيسي لفرقة بالجيش
-
الغموض يلف اجتماع رامشتاين حول أوكرانيا بعد إلغاء بايدن زيار
...
-
الكويت.. حبس وزير سابق لمدة 4 سنوات وغرامة مالية بتهم الفساد
...
-
قناة CBS: هاريس تعتقد أن قادة بعض الدول يمكنهم التلاعب بترام
...
-
هل استطاعت إيران كسب قلوب الشارع العربي؟
-
رفع الحظر عن منصة -إكس- في البرازيل
-
أكسيوس: بايدن يناقش الهجوم الإسرائيلي على إيران مع نتنياهو ا
...
-
منذ مطلع العام.. انخفاض كبير بأعداد المسافرين عبر مطار إسرائ
...
-
المحكمة العليا الأميركية تنظر مسألة -الأسلحة الشبح-
-
واشنطن: دعوة حزب الله لوقف إطلاق النار تكشف ما يتعرض له
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|