البهلول ..شخصية حقيقة ام خرافية ؟

داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 4951 - 2015 / 10 / 10 - 12:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

مقدمة
ليس من العقل والمنطق من اننا نصدق بكل ما جاءنا في كتب التاريخ الاسلامي ، من قصص وحكايات وروايات ، وغير ذلك . بل ان هناك الكثير من الخرافات والاساطير والترهات التي سودت صفحات هذا التاريخ وشوهته ، وعلى اللبيب العاقل ان يدقق ويمحص قبل ان يخوض في معترك التاريخ ، لغرض الدراسة والاطلاع ، قبل ان يدون ويكتب ، وان يتحقق ويتيقن قبل الاقدام على ذلك . فالشخصيات الوهمية التي ورد ذكرها في كتب التاريخ ، كثيرة جدا ، ومنها على سبيل المثال شخصية عبد الله بن سبأ اليهودي وغيره ، حتى ان الباحث مرتضى العسكري له بحث مهم في هذا المعترك اطلق عليه : (مائة وخمسون صحابي مختلق) .
ومن هذه الشخصيات الخرافية ، التي ليس لها وجود حقيقي الا في بعض المصادر التاريخية ، غير المعتمد عليها ، لعدم دقتها ونقلها للمعلومة الصحيحة ، الا وهي شخصية البهلول .
وفي هذا المبحث سنسلط الضوء على هذه الشخصية الوهمية ، بعد ان نستنطق التاريخ على ضوء التشريح والعلم الحديث والموضوعية وحسب نظرية ديكارت ، على اننا لا نجافي الحقيقة ولا نظلم احدا .

من هذه الشخصية ؟
قالوا : البهلول هو أبو وهيب (وقيل ابو ذهب ) بهلول بن عمرو الصيرفي الكوفي ، ولد بالكوفة في العراق في زمن هارون الرشيد وتوفي عام 197هـ، الموافق 810م . وهو من مشاهير المجانين في بغداد وممن تميزوا بدرجة عالية من الطرافة والظرافة لدرجة ان البغداديين ما زالوا إلى يومنا هذا يرددون ويسندون الكثير من المزح والروايات والنوادر إليه وهو منها بريء. بحسب تعبير بعضهم .
واعتبروا بهلول من عقلاء المجانين وذكروا له أخبار ونوادر وشعر، وذكروا ان هارون الرشيد استقبله إلى بغداد لسماع مواعظه ، وكان عاقلا لبيبا ثم وسوس وادعا الجنون. لذا رووا: أن صبياناً ببغداد حملوا عليه فهرب من أيديهم فنظر دار مفتوحة الباب فدخل ورد الباب في وجه الصبيان، وخرج صاحب الدار فعرفه فدعا له بطبق طعام، فجعل الصبيان يتسلقون الباب وبهلول من الداخل يأكل ويقول: (فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب)، وغيرها من القصص الملفقة عليه كما وردت في كتاب (بغداد بعض الغريب والطريف من ماضيها الظريف) لمؤلفه أحمد الجزراوي.
وفي كتاب مجالس المؤمنين ، أن بهلولاً كان من أصحاب الامام الصادق وأنّه كان يتظاهر بالجنون ، وأن هارون العباسي كان يسعى في قتل الاِمام الكاظم، ويحتال في ذلك، فأرسل إلى حملة الفتوى يستفتيهم في إباحة دمه متهماً أياه بارادة الخروج عليه، ومنهم البهلول، فخاف من هذا واستشار الكاظم فأمره بإظهار الجنون ليسلم.
وفي روضات الجنات وشجرة طوبى : ان الرشيد أراد منه ان يتولى القضاء، فأبى ذلك ، وأراد أن يتخلص منه فاظهر الجنون ، فلما أصبح تجانن وركب قصبة ودخل السوق وكان يقول: طرقوا خلوا الطريق لا يطأكم فرسي، فقال الناس: جن بهلول، فقال هارون: ما جنّ ولكن فر بدينه منا، وبقي على ذلك إلى أن مات .
وقيل توفي سنة 190هـ، وقبره في ببغداد. والصحيح أن وفاته سنة 197هـ كما ذكر ذلك محمد بن اسحاق النحوي الوشاء في كتابه الفاضل في صنعة الأدب الكامل.

*المجنون العاقل
قالوا انه ليس بمجنون ، لكنه ادعا الجنون كي يتخلص من تبعات هارون الرشيد ، بسبب ان الاخير اراد ان يوليه القضاء ومن ثم يطلب منه اصدار فتوى بقتل الصادق جعفر بن محمد ، كبير بني هاشم في عصره . اقول : لنفترض لو اراد فعلا الرشيد ان يفعل ذلك ، هل يحتاج الى فتوى ؟ ! اذ يستطيع ، بطريقة او بالاخرى ان يحتال وينفذ ما يريد ، فلماذا ينتظر من بهلول هذا المزعوم حتى يعطيه فتوى بذلك ؟ .
فقد ذكر صاحب روضات الجنات: ان الرشيد أراد منه ان يتولى القضاء، فأبى ذلك ، وأراد أن يتخلص منه فاظهر الجنون ، فلما أصبح تجانن وركب قصبة ودخل السوق وكان يقول: طرقوا خلوا الطريق لا يطأكم فرسي ، فقال الناس: جن بهلول، فقال هارون: ما جنّ ولكن فر بدينه منا، وبقي على ذلك إلى أن مات .
قالوا : وكان من خواص تلامذة الامام الصادق ، كان كاملاً في فنون الحكم والمعارف والآداب, بل ومن جملة المفتين على طريقة اهل البيت في زمانه ومقبولاً عند السنة ايضاً .

*حكاية سخيفة : بهلول وزوجة الرشيد
هناك العديد من القصص والحكايات عن بهلول وماقفه مع الرشيد ، وكلها سخيفة وموضوعة ، لأغراض سياسية ومذهبية ، لا تنطلي على العاقل . ومنها هذه الحكاية :
قالوا : مرت زبيدة زوجة هارون الرشيد ببهلول ذات يوم وهو يلعب مع الصبيان ويخط الأرض بأصبعه , فما رأت ذلك زبيدة تألمت فيما يصنع ثم قالت له (( ماذا تفعل؟ )). قال البهلول للصبيان وهو يخط بتراب الأرض بأصبعه ((لا تهدموا البيت الذي بنيته)). ثم ألتفت الى زبيدة وقال((أما ترين أني مشغول ببناء بيت؟)). أرادت زبيدة مساعدة بهلول الأ أنها كانت تعلم أنه يرفض ذلك تألمت قليلا ثم قالت ((أراك تبني بيتا جميلا يليق بالعضماء وها أنا أرغب بشرائه منك)). اجابها بهلول وهو منكس راسه الى الأرض يخط على ترابها بأصبعه ((هذا البيت؟ نعم أبعه اياك)) . نظرت زبيدة الى الخطوط المعوجة التي رسمها بهلول على الارض وقالت ((أشتريت منك هذا الدار فكم ثمنه؟)) . قام بهلول على قدميه وأشار بيده على الصبيان وقال ((بألف دينار لي ولهؤلاء الذين أعانوني على البناء)).أشارت زبيدة الى خدمها وقالت (( أعطه الف دينار)) ثم أنصرفت عنه. اخذ بهلول النقود وقسمها بين الفقراء. ومضت الأيام وذات ليلة رأى هارون في المنام أمرا عجيبا رأى كأنه يساق الى الجنة فلما بلغ أبوابها قيل له هذا قصر زوجتك زبيدة فلما اراد الدخول منعوه من ذلك. وفي الصباح التالي قص هارون رؤياه على علماء قصره فقالوا ((سل زبيدة على ما فعلت من بر)). فلما سالها أخذت تفكر في العمل الذي أستحقت من أجله قصرا في الجنه فلم تتذكر سوى أنها أعطت لبهلول الف دينار ووصل خبرها بذلك على هارون. وأدرك هارون ضرورة البحث عن بهلول ليشتري منه البيت الذي ليس له في هذه الدنيا قرار لكنه يكون في الآخرة قصرا مشيدا فأين بهلول؟ .فوجده في مكان ما يخط بالتراب مع صبيان الحارة . قام بهلول وحاول عدم الأكتراث ((أرى أقرب اقربائي يلعب مع الصبيان ويعبث بأصبعه على التراب)) .أجابه بهلول ((نحن نتمتع بما رزقنا الله في هذه الدنيا وها انت ترى اني مشغول ببناء بيت على ارض الله لكي ابعه)). قال هارون ((ليس قصور الملوك كالبيوت التي انت مشغول ببنائها الا اني مع ذلك اود شراء احدها)) .نظر بهلول لهارون نظرة تأمل ثم هزأ منه ضاحكا وقال: (( ثمن هذا الدار باهض جدا)) . قال هارون وهو يتظاهر بعدم المبالاة ((كل ما تعلقت به رغبتنا لا يصعب علينا حصوله وأن كان ثمنه باهضا)) .ذكر بهلول آلاف الأكياس والبساتين والأموال الطائلة قيمة لتلك الدار. سكت هارون والغضب أستولى عليه لأن ما طلب بهلول ليس بالشيء القليل فأنه لو جمع ثروات الأغنياء كلها لما بلغت سعر هذا البيت. أراد هارون أن يعرف اللغز وراء كلام بهلول وما يريد من ورائه ولذا قال لبهلول(( لقد بعت مثل هذا الدار لزبيدة أقل من ذلك بكثير فقد بعتها بألف دينار ولما أردت شراءها منك أراك تقول قولا شططا!!)) . نهض بهلول من الارض وبعثر ما كان قد رسمه على الارض بأطراف أصابع قدمه, وقال ((ليعلم الخليفة ان بينه وبين زوجته زبيدة فرقا شاسعا, فان زبيدة أشترت وهي لم تر وانت رأيت وتريد أن تشتري)) ثم عاد مرة أخرى ليلعب مع الصبيان.
وهذه الحكاية السخيفة لا تستحق ان نرد عليها ، وهي ملفقة وظاهر عليها الوضع ، وقد كتبت بلغة ركيكة وساذجة .

*حكاية سخيفة اخرى
قالوا : قيل لبهلول ، وهو على قصبته : أجب هارون الرشيد فجاء على قصبة الى ان بلغ اليه ، فسلم عليه الرشيد فاجابه. قال الرشيد: كنت مشتاقا اليك ؟ بهلول: لكني لم اسم اليك . قال: عظني يا بهلول. قال: وبما اعظك ، هذه قصورهم وهذه قبورهم! قال: زدني فقد احسنت. قال: ايما رجل اتاه الله مالا و جمالا وسلطانا فانفق له ماله وعف جماله وعدل في سلطانه كتب في خالص ديوان الله تعالى من الأبرار. قال الرشيد: احسنت احسنت يا بهلول كيف انت مع الجائزة . قال: اردد الجائزة على من اخذتها منه، فلا حاجة لي فيها .
قال له : يا بهلول فان يك عليك دين قضينا. قال: يا أمير هؤلاء اهل العلم بالكوفة اجمعت ارائهم على ان قضاء الدين بالدين لايجوز. قال: يا بهلول فنجري عليك بما يقوتك ويقيمك. فرفع بهلول طرفه الى السماء وقال: يا امير انا وانت من عيال الله. محال ان يذكرك وينساني. فاسبل هارون السجاف ومضى. قيل وانشا بهلول يقول: توكلت على الله وما ارجو سوى الله ، وما الرزق من الناس بل الرزق من الله .

ويمكن تفنيد هذه الشخصية الخرافية بعدة نقاط :
1- لو كان البهلول شخصية حقيقية ، وانه كما يقولون عالما واديبا ، اين آثاره العلمية والادبية وغيرها ؟ ، سوى هذه المواعظ الموضوعة على لسانه والتي فقط يعظ فيها الرشيد ، لا غيره ، وكأن الله لم يبعثه الا للرشيد حتى يعظه .
2- جهل سنة ميلاده ، وحيرة بعض المؤرخين في سنة وفاته ايضا : (ولد البهلول في الكوفة ، ولم تُحدّد لنا المصادر تاريخ ولادته. وتوفي ببغداد حدود سنة 190 هـ ، وقيل سنة 192 هـ ، وقيل بعد سنة 247 هـ ، ودفن بها. وانه عمر طويلاً حتى الثمانين) (الدكتور علاء الجوادي ، مركز النور . فاذا كانت شخصية بارزة من شخصية بهلول ، ولها مساجلات مع خليفة المسلمين الرشيد ، كيف جهل المؤرخون سنة وفاته على وجه الدقة ؟ والمؤرخون كانوا يهتمون باسخف الاشياء .
3- يقول الدكتور علاء الجوادي : (يقع قبر العارف الكبير البهلول في طريق مطار المثنى مروراً بمنطقة الشالجية بإتجاه جامع براثا، وقد كتبت لافتة خط فيها قبر بهلول الكوفي). واقول : ومن يثبت لنا ان هذا القبر المذكور هو لبهلول ؟ .
4- ان المصادر التاريخية المهمة المعتمدة من قبل المسلمين لم تؤرخ لهذه الشخصية المسماة البهلول ، ومن هذا الكتب المذكورة :
- الطبري حاحب كتاب تاريخ الرسل والملوك.
- ابن الاثير صاحب الكامل في التاريخ.
- المسعودي صاحب كتاب مروج الذهب .
- ابن خلكان صاحب كتاب وفيات الاعيان.
- ابن خلدون صاحب كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر.
- الذهبي صاحب كتاب تاريخ الاسلام .
- ابن العماد الحنبلي صاحب كتاب شذرات الذهب .
- ابن الجوزي صاحب كتاب المنتظم .
- ابن حجر صاحب كتاب لسان الميزان .
جميع هذه كتب التواريخ والتراجم لم ذتكر او تشير الى شخصية اسمها البهلول . ولكن ابن كثير في البداية والنهاية ذكر له حكاية مع الرشيد بخصوص الحج ، لكن ابن كثير لم يذكر لنا في تاريخه من هو البهلول الذي حاوره الرشيد ، ومتى توفي ، الامر الذي دعانا نقرر ونؤكد بأن شخصية البهلول اسطورية كأنها مثل حكايات وقصص الف ليلة وليلة .

الخلاصة
ان البهلول شخصية وهمية خرافية لا وجود لها في الخارج ، فقط هي في بعض الكتب التاريخية ولا سيما كتب الشيعة ، وقليل من ذكرها من السنة . وقد وضعت لأهداف سياسية ومذهبية معروفة . واخيرا ادعو الباحثين وذوي الاختصاص الى التحقيق في هذه الشخصية الوهمية حتى يتضح الناس وللتاريخ زيفها .
مصادر البحث
1- البداية والنهاية: ج 10 ص 142 ،
2- عقلاء المجانين للنيسابوري: ص100
3- مراقد المعارف للعلامة الشيخ محمد حرز الدين
4- الكشكول للشيخ البهائي
5- شجرة طوبى للحائري: ج 1 ص 48 ـ 49 المجلس العشرون
6- البهلول للدكتور كامل مصطفى الشيبي .
7- الدكتور علاء جوادي ، مركز النور . على النت .

10/ 10 / 2015

#داود_السلمان (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات