|
من خرافات واساطير التاريخ
داود السلمان
الحوار المتمدن-العدد: 4857 - 2015 / 7 / 5 - 12:17
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كل من يدرس التاريخ الاسلامي ويتخصص به ، ويقرأه قراءة الناقد البصير ، يراه ملآن بالخرافات ، والاساطير والترهات ، والاعاجيب . فالتاريخ الاسلامي يحتاج الى غربلة وتمحيص ، ونظر، لإزالة تلك الخرافات والاكاذيب التي لا تصمد امام العقل ، ويرفضها الوجدان السليم ، وهي كثيرة جدا ، ويحتاج احصاؤها الى مجلد ضخم . ومن هذه الخرافات اسطورة ولادة الحجاج بن يوسف الثقفي من دون دبر ، أي مشوه ، حتى ثقبوا له دبرا وعاش بعدها سليما معافى . وهذه الاسطورة يرويها المسعودي صاحب (مروج الذهب ) ، ولندع المسعودي هو الذي يروي لنا هذه الاسطورة ، وبعد ذلك نناقشه . يقول المسعودي : ((كانت أم الحجاج عند الحارث بن كَلَدَة ، فدخل عليها في السحر فوجدها تتخلل ، فبعث إليها بطلاقها ، فقالت: لم بعثت إليَّ بطلاقي . ألشيء رابك مني؟ قال: نعم ، دخلت عليك عند السحر وأنت تتخللين ، فإن كنت بادرت الغداء فأنت شَرِهَة ، وإن كنت بت والطعام بين أسنانك فأنت قذرة ، فقالت: كل ذلك لم يكن ، لكني تخللت من شَظَايَا السِّوَاك ، فتزوجها بعده يوسف بن أبي عقيل الثقفي أبو الحجاج ، فولدت له الحجاج بن يوسف مشوهاً لا دُبُرَ له ، فثقب عن دبره ، وأبى أن يقبل ثَدْيَ أمه أو غيرها ، فأعياهم أمره ، فيقال: إن الشيطان تصوَرَ لهم في صورة الحارث بن كلدة ، فقال: ما خبركم؟ فقالوا: ابن ولد ليوسف من الفارعة ، وكان اسمها ، وقد أبى أن يقبل ثدي أمه أو غيرها ، فقال: اذبحوا جَدْياً أسود وأوْلِغُوه دمه ، فإذا كان في اليوم الثاني فافعلوا به كذلك ، فإذا كان في اليوم الثالث فاذبحوا له تيساً أسود وأوْلِغُوه دمه ، ثم اذبحوا له أسْود سالخاً فأولغوه دمه واطْلًوا به وجهه ، فإنه يقبل الثدي في اليوم الرابع ، قال: ففعلوا به ذلك ، فكان بعد لا يصبر عن سفك الدماء لما كان منه في بَدْء أمره ، هذا ، وكان الحجاج يخبر عن نفسه أن أكثر لَذّاته سفك الدماء ، وارتكاب أمور لا يُقْدم عليها غيره ، ولا سبق إليها سواه)). (راجع ، المسعودي ، مروج الذهب ، ج3 ص 125، منشورات دار الاندلس – بيروت ، الطبعة الرابعة ، سنة الطبع 1981، بتحقيق يوسف اسعد داغر) وهذه الاسطورة نفندها بعدة مستويات : المستوى الاول: إن المسعودي وحده من تفرد بهذه الرواية ، او الاسطورة كما قلنا ، وقد سبقوه مؤرخين كبار ولم يرووها في تواريخهم ، كالمؤرخ الكبير الطبري ، ومن بعده ابن الاثير صاحب (الكامل في التاريخ) وغيرهما . المستوى الثاني : الرواية مقطوعة وغير مسندة . والمسعودي يقول : ( وقيل) ، وهذه الكلمة لا تفيد العلم في شيء ، كونها مبنية على الظن والتخمين ، ولم تكن نابعة عن علم ويقين ، فهي تسقط عن كل اعتبار. المستوى الثالث : المعروف إن المسعودي ميوله ميول شيعية ، وان قال بعضهم بانه معتزلي ؛ وكلنا نعلم ما ذا فعل الحجاج بالشيعة خلال ولايته ، من قتل ، ونفي ، وحبس للعديد من رجالهم ، والرواية كانت رد فعل ، تريد ان تقول : ان الحجاج كان منذ صغره متعطش للدماء ، فلا ضير حينما فعل بالشيعة ما فعل . المستوى الرابع : إن الطب قبل الف سنة لا هو كالطب اليوم ؛ فمثلا ان مادة التخدير اكتشفت حديثا ، لتخدير المريض ومن ثم اجراء العملية الجراحية . وعملية ثقب الدبر تُعد فوق الكبرى ؛ فمن هذا الطبيب البارع في علم الطب الذي اجرى للحجاج وهو طفل ابن يوم او يومين عملية مثل ما ذكر المسعودي ؟ وهل أن هذا الطبيب قد استعمل ماد التخدير ؟ ام اجرى العملية من دون تخدير ؟ ، وقد تكللت بالنجاح !. المستوى الخامس : اعتقد جازما بأن الرواية المذكورة هي من وضع المسعودي لغاية في نفسه . ودليلي ما ذكرته من هذه المستويات . والحمد لله اولا واخيرا . ملاحظة: ربما قد يقول قائل : لماذا تتعب نفسك ، وتضيع اوقاتك في البحث على مثل كذا القضايا ؟ وهل تفيد العلم في شيء؟ . واقول : ان واجبي يحتم عليّ بأن ابحث وانقب في التاريخ ، وإن اسلط الضوء واناقش . وهذا الامر هو من قواعد فلسفة التاريخ التي اشار اليها ابن خلدون في مقدمته ، وغيره .
#داود_السلمان (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ابن باجة الفيلسوف المفترى عليه
-
انصر اخاك ظالما او مظلوما شعار جاهلي
-
داعش ... والحشد الشعبي
-
ما هو علم النجوم ؟
-
الفلسفية الفارابية (2)
-
اكتب يا حسين
-
الفلسفية الفارابية (1)
-
طه حسين .. ووعاظ السلاطين
-
الصوم شعيرة جاهلية
-
الارستقراطية في الاسلام
-
اطالة اللحية – الذقن شعار بدوي
-
في إبطال الفلسفة وفساد منتحلها
-
العراق في ظل حكم الشيعة
-
ختان النساء عادة جاهلية
-
الذبح في الدين والشريعة
-
ناظم الثرثار وناظم الغزالي
-
المجون في الاسلام(1)
-
الحدود في الاسلام (1)
-
إبن خلدون ... واقراره بالسحر
-
لماذا الغزالي يكفّر الفلاسفة ؟!
المزيد.....
-
الخارجية الإيرانية تدين تدنيس المسجد الأقصى
-
شاهد/حاخام صهيوني يصدر فتوى بقتل أطفال غزة جوعًا: -لا رحمة ع
...
-
كاتبة إسرائيلية: من يتجاهل مجاعة غزة ينتهك التعاليم اليهودية
...
-
عاجل | بوليتيكو عن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولم
...
-
منظمة التعاون الإسلامي تدين اقتحام المتطرف بن غفير باحات الم
...
-
البرلمان العربي يدين اقتحام المستعمرين بقيادة بن غفير المسجد
...
-
منظمة التعاون الإسلامي تدين اقتحام -بن غفير- باحات المسجد ال
...
-
الرئاسة التركية: اعتداء إسرائيل على المسجد الأقصى مرحلة أخرى
...
-
تركيا تدين بشدة اقتحام بن غفير المسجد الأقصى
-
نادي الأسير الفلسطيني: استشهاد المعتقل أحمد سعيد صالح طزازعة
...
المزيد.....
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
المزيد.....
|