أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - نضال الربضي - كرمليس – ربَّ طليان ٍ بعد تنزيل ِ الصليب.














المزيد.....

كرمليس – ربَّ طليان ٍ بعد تنزيل ِ الصليب.


نضال الربضي

الحوار المتمدن-العدد: 4938 - 2015 / 9 / 27 - 03:10
المحور: حقوق الانسان
    


كرمليس – ربَّ طليان ٍ بعد تنزيل ِ الصليب.

جلست ُ و ابني جورج ذي الخمسة عشر عاما ً في بيت مُضيفنا، و هو عِراقِي ٌّ ممن هجَّرهم مجرمو داعش من سهل ِ نينوى، و بالتحديد من قريته: كرمليس، فغادر َ و عائلتَه إلى أربيل حيث ُ قضى شهرا ً و نحوه، قبل َ أن يحل َّ علينا في الأردن أخا ً كريما ً.

"المعزِّب" لم يقصِّر في واجب الضيافة، ترحابا ً و تهليلا ً، لكنَّه ُ أوجع َ قلبنا بحكايته كما يفعل ُ كل مرَّة ٍ حينما أحرص ُ على أن أستزيد َ من أخبار ِ تهجير مسيحي العراق، لأعرف َ كيف حدث و أستشفَّ ما وراءه، غير مُكتف ٍ بالظاهر من الأخبار.

كرمليس، قال لي، قرية ٌ مسيحية ٌ كلدانية ٌ عدد ُ سُكَّانها 4823 و هو الرقم ُ الذي أعاده ُ على مسمعي أكثر من مرَّة، تمتاز ُ بعمارة ِ كنائسها العتيقة، و روح ِ المسيحية ِ الأولى التي تحتضن ُ سكَّانها و حنايا معمارها. يحتفل ُ سكَّانُها بالأعياد، و يذكرون مار إدي و القديسة بربارة بافتخار.

عرضت ابنته المتزوجة، و التي أتت مع زوجها وولديها الصغيرين برفقة ِ أبيها و أمِّها و أخويها و عمَّتها و جدَّتها التي تركت العراق لتتوفي في الأردن قبل رأس السنة بيوم ٍ أو يومين، أقول: عرضت ابنته من على لابتوب صور كرمليس. زرتهم عدَّة مرات لكن هذه المرَّة هي الوحيدة التي أحسست ُ أن في ابنتهم روحا ً حيَّة ً مُتقدة، كانت روحها شعلة ً و هي تُريني صور بلدتهم الحبيبة: كرمليس.

زوجة ُ مضيفنا قالت لي: هَم ْ احنا عِدنا مريم (أي: نحن ُ أيضا ً لدينا مريم، في إشارة ٍ إلى ابنتي مريم)، حينما كانت ابنتها تريني الصور، و فهمت ُ أن َّ مريم هي توأم ُ ابنتهم، سألتُ: أين هي، قالوا: ظلَّت في العراق مع زوجها، ابتسمت الأم و لا أعلم ُ هل كانت ابتسامة ً أم ستارا ً يُخفي جيشان َ الدموع، و قالت: تركنا نسخة منها في العراق، و هي تشير ُ إلى ابنتها.

أدهشني معمار ُ الكنائس، و أحببت ُ في الصور ِ اجتماع َ الناس و فرحهم، و تلقائيتهم، و شعرت ُ باحترام ٍ كبير ٍ لمحدِّثي و قومه من جهة ِ قوة ِ انتمائهم و كبريائهم، سألني: تدري ايش سوّون بالكنايس؟ (أي أتعلم ماذا فعلوا في كنائسنا)، قلت: هدموها؟، قال: حطو بيها طليان!

طليان؟ لوهلة ٍ لم أفهم ما قال فسألت: طليان يعني إيطالين (من إيطاليا)، كيف؟

ضحك الحاضرون جميعا ً، قال: طليان من طلي يعني خاروف!

أي لقد حولوا الكنائس إلى حظائر وضعوا فيها الخراف، بعد أن أنزلوا الصلبان عنها، بعد أن طردوا أهلها.

كنائسنا أصبحت حظائر للخراف، و قُرانا نُخرج ُ منها غصبا ً و قهرا ً، و يصبح ُ مُضيفي الشهم الذي هرب بزوجه و عائلته الممتدة لاجئا ً ينتظر ُ قرار َ التوطين ليرحل َ إلى أمريكا أو أوروبا بحسب ما يجود ُ عليه ِ برنامج ُ الأمم المُتحدة.

قلت ُ في نفسي: لا بدَّ أن أكتب شيئا ً عن كرمليس، و لو بضع َ أسطر، ليقرأ عنها أحدهم، و ليبحث َ عن صور ِ كنائسها على العم غوغل، و لينظر َ إلى سهل ِ نينوى، ثم يسأل َ نفسه: ماذا سيكونُ موقفي لو كنت َ أنا من تهجَّر و حاملاً زوجي و أمي و أختي و أطفالي و أطفال ابنتي و زوجها، تاركا ً شقها التوأم في العراق؟

لا أريد منكم سوى أن تسألوا أنفسكم هذا السؤال، علَّكم بعد أن تمضوا عن هذا المقال ِ القصير، تفتحون َ مع أنفسكم حديثا ً طويلاً، تقررون فيه أين تقفون من قضايا إنسانية ٍ لا مهرب َ منها، و لا مناص َ عن اتخاذ ِ موقف ٍ حيالها، و أحسب ُ أنَّكم لن ترضوا للناس سوى ما ترضونه ُ لأنفسكم، و تذكروا أن الموضوع َ ليس موضوع َ دين ٍ أو حقٍّ أو باطل ٍ أو خلافَة ٍ أو نبوءة ٍ أو صناعة تاريخ، إنما هو موضوعُ إنسان ٍ يُظلم و أحلام ٍ تتهدَّم و إنسانية ٍ تُغتال، و مستقبل ٍ يُجهض، و أن َّ أشدَّ المصائب ِ تأثيرا ً هي التي يرى النَّاس ُ مأمنا ً منها جليَّا ً باعتقاد ِ انفصالها عنهم، في الوقت ِ الذي تجري فيه ِ نحوهم بجلاء ٍ و وضوح ٍ أُعموا عنهما بتغافلهم و قصر ِ نظرهم و ربما أنانيتهم.

مُضيفي الكريم، العراق لا تموت و أبناؤها مثلك، و مسيحيوها مثلك، حتى لو تهجَّروا إلى المرِّيخ.



#نضال_الربضي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العقل المريض – ألفاظ: عاهرة، ديوث، كنموذجين.
- بوح في جدليات – 14 – مامون.
- عن اقتحام ِ المسجد ِ الأقصى المُستمر.
- قراءة في الفكر الأبوكاليبتي – 4 – الماهيَّة و الجذر – ج3.
- مع صديقي المسلم على نفس أرجيلة.
- قراءة في الفكر الأبوكاليبتي – 3 – الماهيَّة و الجذر – ج 2.
- قراءة في الفكر الأبوكاليبتي – 2 – الماهيَّة و الجذر – ج 1.
- قراءة في الفكر الأبوكاليبتي – مُقدِّمة للسلسلة.
- بوح في جدليات – 13 – لوسيفر.
- قراءة من سفر التطور – 6 – من ال 1 إلى ال 3.
- بوح في جدليات – 12 – عصفور ماريَّا.
- قراءة في الوجود – 5 - الوعي كوعاء للعقل و الإحساس و ما دونه.
- قراءة في الوجود – 4 – بين وعي المادة و هدفها.
- بوح في جدليات – 11 – في مديح ِ عشتار - نحن ُ الإنسان!ّ
- قراءة في اللادينية – 6 – مقدِّمة في مظاهر ما قبل الدين عند ا ...
- بوح في جدليات – 10 – ثلاثة ُ أيام ٍ بعد.
- قراءة في اللادينية – 5 – جذورُ: الإحيائية، الطوطم و التابو ف ...
- قراءة من سفر التطور – 5 – من ال 24 إلى ال 23
- قراءة من سفر التطور – 4 – من ال SIV إلى ال HIV
- المرأة الفلسطينية – بين الأمومة و السياسة.


المزيد.....




- مقترح أمريكي - إسرائيلي لحماس: نزع السلاح وإطلاق سراح الأسرى ...
- إسرائيل بعد فيديو أسير إسرائيلي يعاني الجوع في غزة: يجب الإف ...
- عائلات الأسرى الإسرائيليين: توسيع الحرب يحكم بالموت على أبنا ...
- لازاريني: تهميش الأونروا إجراء متعمد لمعاقبة سكان غزة وتجويع ...
- عائلات الأسرى الإسرائيليين بغزة: توسيع الحرب يحكم بالموت على ...
- تحقيق صحفي يكشف تعرض مدعي المحكمة الجنائية الدولية كريم خان ...
- الأونروا توضح سبب المجاعة بغزة وتحمل إسرائيل المسئولية
- كم تدفع ألمانيا للاجئين العائدين طوعاً إلى بلادهم؟
- 36 شهيدا في غزة والمجاعة تبلغ مراحل خطيرة
- -اليونيسف- تحذر.. أطفال غزة يموتون بمعدل -غير مسبوق-


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - نضال الربضي - كرمليس – ربَّ طليان ٍ بعد تنزيل ِ الصليب.