|
قراءة من سفر التطور – 4 – من ال SIV إلى ال HIV
نضال الربضي
الحوار المتمدن-العدد: 4757 - 2015 / 3 / 24 - 20:43
المحور:
الطب , والعلوم
قراءة من سفر التطور – 4 – من الـ SIV إلى الـ HIV
أصبحتِ التطور و الطفرات الجينية و الانتخاب الطبيعي حقائق علمية مُثبتة بالأدلة و البراهين، لكنها تلاقي رفضا ً واسعا ً من مجموعات كبيرة من الناس لعدة أسباب منها ما هو مُتعلق بتعارضها مع النسخة الدينية لتفسير وجود الكائنات و تنوعها، و منها ما هو ناتج ٌ عن عدم اضطلاع ٍ كاف ٍ على المعاني العلمية لهذه المصطلحات و انتشار "معاني" شعبية لا علاقة لها بالحقيقة العلمية.
أما ما يمكن ُ أن نعتبرهُ أكبر َ دافع ٍ لرفض التطور فهو المدَّة الطويلة ُ التي يستغرقها "كائن ٌ ما" حتى يتحول َ من نوع ٍ إلى نوع، أو حتى تبرزَ فيه صفة ٌ جديدة و تثبُتَ و يمكن َ ملاحظاتها و قياسها. فالإنسان بطبعه يصدق ما هو قريب ٌ إليه، ما يراه، و يستثير ُ أحاسيسه، بينما ينزعُ إلى نفي ما لا يمكن قياسُه أو الإستدلالُ عليه بالتجربة و البرهان، فيما عدا حالة الأدلجة منذ الصغر و التي لها قوة تثبيت أي فكرة في العقل حتى نهاية الحياة ما دامت زُرعت منذ الولادة و تم تغذيتها باستمرار ٍ من قبل الأهل و المجتمع، بغض النظر عن منطقيتها أو حتى وجودهِ موضوعها من عدمه، و تحت هذا التصنيف تندرج ُ كل الإيدولوجيات الدينية و مشاعر الهوية، لكن لذلكَ حديثاً آخر ليس هو موضوعنا اليوم.
السابق صحيح ُ في الكائنات كبيرة الحجم مثل الحيوانات و البشر، و لهذا فقبول التطور بدلالتها صعب ٌ إلا للعقول ِ التي تُقبلُ بانفتاحٍ على العلمِ و تطلبه، و تبحث فيه، و تدرسه، و تتابع كشوفاتِه. بيد أن َّ أنواعا ً أخرى من الكائنات تُسهِّل علينا فهم التطور و قبوله، و تقدِّم ُ لإنسانِ الشارع من العامة نماذِج حية يستطيع ُ أن يلمس أثرها، لأن المدَّة الزمنية َ لتطور هذه النماذج قصير ٌ نسبيا ً، و أعني بها: البكتيريا و الفيروسات.
يمكننا أن نلمس التطور في البكتيريا و الفيروسات إما بزراعتها في المختبرات العلمية في مستعمرات ٍ منفصلة و مراقبة ِ أجيالها، أو بتتبُّع ِ تطورها في أجساد المرضى من البشر أو الحيوانات عبر عقود ٍ من الزمن، و توثيق تراكيبها السابقة و الحالية و إبرازِ الفروقات ِ بينها و بالتالي إثبات ِ حقيقة ِ تطورها دونما أيِّ مجال ٍ للشك.
سأستخدم ُ في مقالي هذا فيروس الـ HIV كمثال، و هو الاختصار للاسم Human Immunodeficiency Virus، و الدَّال ُ على الفيروس الذي يصيب البشر فيقضي على نظام ِ المناعة ِ لديهم ليتسبب في نهاية المطاف بمرض ِ "نقص المناعة المُكتسبة" أو الإيدز أو السيدا.
فيروس الـ HIV نوعان:
- 1 HIV: و المقبول علميا ً اليوم أن أصله من قردة الشمبانزي. - 2 HIV : و أصله كما هو مقبول ٌ اليوم من قردة "المنجبي الأسخم" و التي تعيش في بلدان غرب إفريقيا.
ينتقل ُ فيروس الـ HIV بواسطة السوائل التالية:
- الدم. - المني. - سوائل المِهبل. - حليب الأم.
أصل ُ هذا الفيروس مجموعة من الفيروسات التي شكلت أسلافا ً له تُعرف باسم فيروسات SIV و هي اختصار لـ Simian Immunodeficiency Virus، حيث نلاحظ الاختلاف في التسمية بين كلمتي Human (للفيروس البشري) و Simian (لفيروسات أسلافه).
تعيش الـ SIV داخل الكائنات المُصنفة على أنها من الـ "الأوَّليات العُليا" أي قرود العالم الجديد، الشمبانزيات و البونوبو و الغوريلات، و الإنسان. و هي الكائنات التي ترتبط ُ بتاريخ ِ أسلاف ٍ طويل ٍ نسبيا ً. و لقد وجدت هذه الفيروسات طريقها من هذه الكائنات الأوَّلية العُليا إلى البشر عن طريق ِ اختلاط دمائها بدماء البشر الذين كانوا يصيدونها و يجلبون َ لحومها لتكون َ مصدر َ طعام ٍ رخيص في بيئة ٍ فقيرة ٍ مُعدمة.
يُعتقد ُ علميا ً أن التَّحوُّل َ من SIV إلى HIV قد تم فعليا ً داخل الكائن ِ القِرَدي قبل أن ينتقل َ إلى الإنسان، و تشيرُ أبحاث ٌ أخرى أن التحوُّل كان مُتزامنا ً مع عملية انتقال الـ SIV إليه، بمعنى أن فيروسات SIV بدأت بالتحول داخل القِردة إلى سلالات ٍ جديدة دخلت أجسام َ البشر عند صيدهم لها و سفك دمائها، و انتقلت سُلالتها داخل الأجسام من بشري ٍ لآخر حتى في النهاية تم التَّحوُّل ُ من SIV إلى HIV.
أي أننا هنا نشهدُ تحوُّلا ً داخل القرود نفسها و داخل البشري أيضا ً، لتتزامن َ عملية تطور هذه الفيروسات مع عملية انتقالها إلى البشر مع عملية بدء ِ انتشارها من البشري للبشري، و هذا كلُّه تأكيد ٌ على التطور و الانتخاب الطبيعي الدارويني كما تشرحُه النظرية و يثبته العلم.
ما زال فيروس الـ HIV عصيَّا ً على العلاج الشافي، على الرغم من وجود أدوية ٍ تُثبِّطُ من عملية تكاثره ا داخل الجسم، إلا أن الدراسات الحديثة تشير ُ إلى بدء العمل ِ الجاد بطريقة ٍ جديدة ٍ لـ "خداع" الفيروس، حيث ُ أن هذا الفيروس يحتاجُ لوجود ِ أحد أنواع البروتينات على خلايا المناعة ليربط َ نفسهُ به ليستطيع َ الولوج َ إليها و استبدال مادته الوراثية بمادة الخلية لكي يتكاثر، فيكون ُ الحل ُّ إذا ً أن نقوم بحقن الجسم بمادَّة ٍ تحفِّزُ إنتاج جُزئيات ٍ تحمل البروتين الذي يحتاجُه الفيروس، فيرتبط َ بها بدلاً عن خلايا المناعة، و بالتالي يبقى جهازُ المناعة ِ سليما ً، مع إعطاء ِ المريض عقاقير َ أخرى تقضي على تكاثر الفيروس.
ما زال َ الطريقُ طويلا ً للخلاص ِ من ال HIV نهائيا ً، لكن فهم آلية َ دخول الفيروس إلى الجسم، و استهدافه للخلايا، و نسخه لنفسه، و تطوره، و طريقة عمله، و تركيبه، هي المدخل للعلاج ِ الناجِع ِ الكامل ِ الذي سيحمل ُ الأمل لملاين َ من الناس حول العالم، و كلُّ هذا بفضل فك ِّ أسرار ِ التطور و قبول المنشأ ِ البيولوجي العلمي لجنسنا و الأجناس الأخرى.
#نضال_الربضي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المرأة الفلسطينية – بين الأمومة و السياسة.
-
بوح في جدليات - 9 - ديك أسكليبيوس.
-
عشتار - 4 – انبثاقُ الحياة.
-
عمَّا بين النقد المُنفلت و نجاعة التأثير - 2
-
الفيلا في وسط الغابة –الياكيم، باراك، أوباما و التاريخ.
-
في نجوى معاذ
-
عمَّا بين النقد المُنفلت و نجاعة التأثير.
-
قراءة في القداسة - 3 - عن المقدس و الطاهر و العلاقة بينهما.
-
ذات َ كأس ِ قهوة - 2
-
قراءة في القداسة - 2 - عن المقدس و الطاهر و العلاقة بينهما.
-
قراءة مغايرة في إرهاب شارلي إبدو.
-
قراءة في القداسة – عن المقدس و الطاهر و العلاقة بينهما.
-
ذات َ كأس ِ قهوة
-
قراءة في الوجود – 3 – عن الموت.
-
قراءة في الوجود – 2 – عن الحياة.
-
عشية الميلاد – نحتفل ُ في أرضنا.
-
قراءة في الوجود – عن الوعي.
-
قراءة في الشر -8 - كمصدر للمعنى ضد استحقاقات الوجود العبثي
-
بوح في جدليات – 8 – نباتيون، متعصبونَ، وحشيونَ و متحضرون.
-
سقوط كوباني الوشيك.
المزيد.....
-
باحثون يكشفون سر التوهجات الغامضة حول الثقب الأسود
-
انقطاع خدمة الإنترنت عن مناطق واسعة في مدينة رفح الفلسطينية
...
-
شركة الاتصالات الفلسطينية تعلن انقطاع خدمات الإنترنت الثابت
...
-
“لولو الشطورة رجعت من تاني يولاد”.. تردد قناة وناسة للأطفال
...
-
مراسلنا: انقطاع خدمة الإنترنت عن مناطق واسعة جدا في مدينة رف
...
-
ما هي العلامات التجارية الكبرى المسؤولة عن غالبية التلوث الب
...
-
إيران تقترح تشكيل ائتلاف دولي ضد التمييز في مجال العلوم
-
إعلان هام للمصريين بخصوص انقطاع المياه غدا الجمعة
-
الصحة العالمية: 57% من أطفال أوروبا بعمر 15 عاما شربوا الخمر
...
-
أعراض الدورة الشهرية قبل نزولها بأسبوع.. آلام ونوبات وتقلب ا
...
المزيد.....
-
المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
-
-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط
...
/ هيثم الفقى
-
بعض الحقائق العلمية الحديثة
/ جواد بشارة
-
هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟
/ مصعب قاسم عزاوي
-
المادة البيضاء والمرض
/ عاهد جمعة الخطيب
-
بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت
...
/ عاهد جمعة الخطيب
-
المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض
/ عاهد جمعة الخطيب
-
الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين
/ عاهد جمعة الخطيب
-
دور المايكروبات في المناعة الذاتية
/ عاهد جمعة الخطيب
-
الماركسية وأزمة البيولوجيا المُعاصرة
/ مالك ابوعليا
المزيد.....
|