أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نضال الربضي - قراءة في الوجود – 2 – عن الحياة.















المزيد.....

قراءة في الوجود – 2 – عن الحياة.


نضال الربضي

الحوار المتمدن-العدد: 4672 - 2014 / 12 / 25 - 11:57
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



لكي يتم تصنيف كينونة ما على أنها "حيـّــَة" لا بد و أن تظهر فيها الخصائص التالية: النمو، التكاثر، النشاطات الوظيفية، التغير التفاعلي، و الموت. و بحسب هذا التصنيف فإن الكائنات العضوية هي التي يمكن اعتبارها حية ً، و نعني بها: البشر، الحيوانات و النباتات، بينما يكون ُ كل ُّ شئ ٍ آخر غير حي.

لكن الحياة تتقاطع ُ بالضرورة مع الوعي، و علينا شئنا أم أبينا أن نُحدِّد علاقتهما ببعضهما من حيث التقاطع أو الافتراق، و لهذا سننظر ُ فيما نعلمه من أن الوعي يتطلب إدراك الكائن لذاته و لمحيطه و تفاعله معه و سنجد صعوبة ً في قياس هذا الوعي على بعض ما نعلم ُ أنه حي، كالنباتات، الديدان، الحشرات، الحيوانات البسيطة التي تنعدم فيها مستويات ُ الذكاء الواضحة، بينما سيكون هذا أسهل في البشر و القردة ِ العليا و الدلافين.

و سنكون مضطرين بالضرورة ِ للاعتراف بأن الوعي و إن كان َ معدوما ً أو غير مُقاس ٍ منا في كائنات ٍ ما إلا أنها تنسجم ُ مع تعريف الحياة ِ و تخضع ُ له، و هي النتيجة ُ المشتركة مع الكائنات التي تتسم ُ بالوعي المُقاس و تنسجم ُ مع تعريف الحياة ِ أيضا ً. فإذا ً نحن ُ هنا بين الوعي و الحياة لا بد و أن نقول بأشكال ٍ أعلى و هي التي تتسم ُ بالوعي، و بأشكال ٍ أدنى و هي معدومة ُ أو "ناقصة الوعي".

و سيكون ُ هذا الحكم ُ على أفضلية نوعية ِ الحياة ِ لبعض المخلوقات (نحن) على غيرها (كل شئ آخر بدرجات) حكما ً نسبيا ً ضمن الإطار الجامع ِ لنوعنا البشري و الذي يُخبرنا - بحسب ِ ما يقود نوعـَـنا إلى تبنيه من نُظم ٍ اقتصادية و سياسية و اجتماعية و دينية – بأن الوعي غدا معيار استدامة الحياة، هذه المعيار الذي يتعلـّـَـقُ بالاستدامة في محاور َ أربع:

- المحور الأول: محور تقيـِم حياة ِ من يتصفون بعدم الوعي أو نقصانه عن وعينا، أي غير البشر من الأحياء.

- المحور الثاني: محور تحديد مدى و كيفية استغلال ِ حياة ِ من هم أقل وعيا منا في استدامة ِ حياة ِ نوعنا.

- المحور الثالث: محور تحديد ِ التهديد الواقع ِ على أفراد ٍ أو جماعات ٍ من مثلهم ممن يتسمون بذات الوعي ِ قُدرة ً لكنهم لا يُبدونه انعكاسا ً و صفاتا ً، أو يبدونه لكن وجودهم يهدد في مصلحته وجود الأوائل ِ بدرجة ما. و يجب أن ننتبه هنا أن تقيم التهديد نسبي ٌّ إلى الجهة التي تضطلع ُ به، دون أن يعني هذا أن لها الحق في التقيم أو أن تقيمها صحيح.

- المحور الرابع: محور تحديد طبيعة فعل ِ تحيد ِ هذا التهديد، و مدى و كيفية تكامله في الأنظمة الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية و الدينية.

و هكذا تختار ُ المجتمعات ُ البشرية أن تُحدِّد طبيعة علاقاتها:
- بالطبيعة ِ من حولها، لتحفظها أو تُمعن َ في استغلالها، لتستصلح الأراضي الزراعية، أو تُقيم المباني و الُمنشآت، أو تجعل مساحات ٍ للتنزه و الترفيه، أو تمضي لتخصيصها محميات ٍ طبيعية.

- و بالمجتمعات المجاورة ِ لها إما بتنصيب ِ نفسها المرجعية ِ الأولى التي لا بد َّ و أن تحدد المسموح و الممنوع كما تفعل الدول الكبرى اليوم. أو بإقامة ِ علاقات ِ مودة و تعاون و تكافؤ ٍ لا غالب فيها و لا مغلوب لكن أطرافا ً يُحققون مصالح مشتركة أو فردية عن طريق تفاعلات مفيدة و عادلة للجميع.

و لكن يجب ُ أن نسأل هنا: هل حقا ً أن معيار استدامة الحياة بواسطة علاقتها مع الوعي يخبرنا بالضرورة عن طبيعة الحياة و عن طبيعة الوعي؟

لقد حاول الإنسان ُ من خلال تاريخه الطويل الإجابة َ على هذه الأسئلة لكي يقرِّرَ ماهية َ جوهرِه، فكان أن اعتمد وجود َ الروح َ (أو الكيان الشبحي) كما فعلت الأديان ُ الأولى، ثم تبعتها لكن مع تحديدٍ مصقول ٍ مقولب ٍ واضح الأديان ُ الإبراهيمية. و في هذا الجواب يكون الروحُ كيانا ً حالَّا ً في مادة الجسد، محييا ً لها، يفارقها عند الموت و يعودُ للاتحاد بها عند البعث أو القيامة. نرى هنا أن الروح َ البشرية َ في هذا الجواب هي تصميم ٌ لا يمكن ُ أن يوجد َ إلا كشقٍّ مُتحد ٍ بالشقِّ المادي، حتى لو كان قد انفصل َ عنه بالموت الذي هو مؤقت ٌ.

إن الجواب السابق على الماهية في إطار الروح يفترض فردية ً شخصية، فروح ُ كل ِّ كائن ٍ هي غير ُ روح ِ الكائن ِ الآخر، و بالتالي هناك تمايُز ٌ و انفصال ٌ للوعي، كل روح لها وعيها، و كل كائن ٍ له وعيه الناجم عن روحه المحركة التي تتصل بجسده المُحرَّك ِ و المُتحرِّك.

أما إذا تحركنا شرقا ً من أرض ِ الحضارة ِ الأولى و الديانات الوثنية ِ ثم الابراهيمية ِ نحو الهند و الصين، فسنجد ُ أن القوم َ لا يشتركون َ معنا في تحديد ِ الوعي على أنه فردي شخصي خاص، فهناك حيث مفهوما البراهمان و التاو سنصادِفُ القاع الوجودي الذي هو مبدأ كل شئ، و الذي كلُّ شئ ٍ هو انعكاس عنه هو و تجل ٍّ له، هذا الانعكاس و ذلك التجلي الذي يبدو لنا أنه فردي في كل كائن، و يظهر أنه شخصي في كل فرد، لكن هذه الفردية و تلك الشخصية هي مجرد وهم و سراب، لأنه لا يوجد سوى ذلك القاع الوجودي الأول ذاك َ المبدأ الذي منه ينطلقُ كل شئ و إليه يعودُ كل شئ دون أن يُنتقص َ منه شئ أو يضاف إليه شئ، البراهمان في الهند و التاو في الصين.

إن الحكم على نوعية الحياة و أفضليتها و معاير قبول استغلالها أو إنهائها، ثم تأثير هذا على بناء المجتمعات ِ و الدول ِ قد يبدو مُنفصلاً أو مفارقاً للفلسفات ِ الوجودية، إلا أنه لا شئ أبعدَ عن الحقيقة ِ من الجملة السابقة، لأن تاريخ َ الأمم ِهو نتاجُ تفاعلاتهِا، و تفاعلاتُها نتاج ُ استجاباتها لمحيطها، و استجاباتُها هي انعكاس رؤيتها للحياة مُستتبَعَة ً من أنظمتها الاعتقادية ِ و العقائدية ِ التي تصوغ ُ وعيها، و بالتالي حياتها و حياة َ من حولها.

لقد برز َ في التاريخ ِ البشري خلال القرن ِ الماضي صعود ٌ للمدرسة ِ العلمية ِ التي أصبحت وريث َ الفلسفة ِ و بديلها، فبديلا ً لما صنعهُ الفلاسفة ُ القدماء ُ باحثين َ عن أصل الكون ِ و الحياة ِ في أروقة العقل ِ و بقوة ِ المنطقِ و ما يفرضه بالضرورة، صار َ العلماءُ اليوم َ روَّادا ً في النشاطات ِ التي تجري تحت المجاهِر و في المختبرات و المسارعات النووية، و كتحليل ٍ للصور ِ التي تُرسلها المكوكات ُ و التراكيب ُ الفضائية، أو العينات ُ التي تأتينا بها الشُهبُ و النيازِكُ و بقايا الحطام ِ الفضائيِ لأي جسم ٍ ما هناك.

و بالتوازي مع السابق ِ برز َ عالم ُ الكوانتيـّـِـة ِ الكمِّي، ليخبرنا عن الذرات و ما دون الذرات، ليطيح َ بكلِّ توقعاتنا عن ماهية ما يجب أن تكونَه ُ القوانين و بالتالي ماهية صفات الجسيمات، فدخل َ إلى حيز ِ الفضاء العلمي الواسع مفهوم ُ عدم ِ اليقين. و كأن عدم َ اليقينِ لم يكن مفاجأة ً كافية بحد ذاته، فيمضي العلم ليحير العقول التي ما أن أفاقت من صدمة ِ الكوانتية حتى وقعت في مُعضلة ِ التوفيق بين عدم يقين الجسيمات الصغيرة المُكونة للمادة، و يقين ِ المادة الكبيرة التي نعرف سلوكها و نتنبّـؤ به بحسب قوانين كلاسيكية ٍ معروفية مع أنها أي المادة تتكون ُ من تلك الجسيمات غير يقينية ِ الصفات.

أي أننا هنا أمام وصف ٍ واضح ٍ صريح ٍ للمادة الحية و غير الحية تشتركان ِ به، هو وصف الكوانتيةِ الجامعة الذي يقول ُ بكل ِّ وضوح أن الوجودَ الذي نعرفُه و نرى فيه النظام يأتي من اللانظام على المستوى الكمي، و أن النظام مولودُ الفوضى، و أن الأصل هي الفوضى و منها يخرج ُ النظام، و أن النظام َ و الفوضى لا يميزان ِ بين الأحياء و غير الأحياء، فمادة الأحياء هي ذاتُ مادة ِ غير الأحياء.

و حتى ينتهي عقلنا المحدود ُ من تلك المعضلة يجب ُ أن نعودَ من الكوانتية ِ إلى الحياة ِ و من الحياة ِ إلى الوعي، لنسرع َ جزعا ً و عجزا ً فنقول َ أن الوعي ما يزال المعيار و المقياس الذي يجب أن يتخذه الكائن البشري. و هذا قول لا بدَّ منه حتى يستطيع القائل ُ أن يحيا، و يتفاعل مع محيطه و يبقى، لأنه لا يملك سواه. دون َ أن يكون َ هذا القول ُ و ذاك َ الوعي ُ مُلزما للحقيقة ِ أو الوجود ِ في شئ ٍ أبدا ً!



#نضال_الربضي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عشية الميلاد – نحتفل ُ في أرضنا.
- قراءة في الوجود – عن الوعي.
- قراءة في الشر -8 - كمصدر للمعنى ضد استحقاقات الوجود العبثي
- بوح في جدليات – 8 – نباتيون، متعصبونَ، وحشيونَ و متحضرون.
- سقوط كوباني الوشيك.
- بيريفان ساسون
- قراءة في اللادينية – 4 – الإحيائية، الطوطم و التابو كمدخلٍ ج ...
- قراءة في اللادينية – 3 – الإحيائية، الطوطم و التابو كمدخلٍ ج ...
- أين التحالف من كوباني؟
- قراءة في اللادينية – 2 - ما قبل َ مأسسة الدين.
- قراءة في الشر -7 - المقدس التعويضي و الشر الخلاصي.
- وباء السلفية التكفيرية –6 – لامركزية المرجعية و استتباعاتُها ...
- بوح في جدليات – 7 – أبي أنا ذاهب.
- في الموت – قراءة رابعة، بوابة الانتقال.
- قراءة في جدلية ما بين المنظومة الدينية و الواقع- 2 – المقدس ...
- بوح في جدليات – 6 – ارتدي ثيابك َ لقد تأخرنا.
- وباء السلفية التكفيرية – 5- التركيب الإجرامي للتكفيري ج 4
- الضربات الأمريكية لداعش.
- وباء السلفية التكفيرية – 4- التركيب الإجرامي للتكفيري ج 3
- وباء السلفية التكفيرية – 3- التركيب الإجرامي للتكفيري ج 2


المزيد.....




- فيديو غريب يظهر جنوح 160 حوتا على شواطىء أستراليا.. شاهد رد ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1000 عسكري أوكراني خلال 24 سا ...
- أطعمة تجعلك أكثر ذكاء!
- مصر.. ذعر كبير وغموض بعد عثور المارّة على جثة
- المصريون يوجهون ضربة قوية للتجار بعد حملة مقاطعة
- زاخاروفا: اتهام روسيا بـ-اختطاف أطفال أوكرانيين- هدفه تشويه ...
- تحذيرات من أمراض -مهددة للحياة- قد تطال نصف سكان العالم بحلو ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن سلمت كييف سرّا أكثر من 100 صاروخ ATA ...
- مواد في متناول اليد تهدد حياتنا بسموم قاتلة!
- الجيش الأمريكي لا يستطيع مواجهة الطائرات دون طيار


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نضال الربضي - قراءة في الوجود – 2 – عن الحياة.