أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - مادليون ...مدينة الريح والرماد ....... قصة قصيرة ج1















المزيد.....

مادليون ...مدينة الريح والرماد ....... قصة قصيرة ج1


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 4930 - 2015 / 9 / 19 - 01:33
المحور: الادب والفن
    


مادليون ...مدينة الريح والرماد

اتجاه الريح لم يكن سوى أشارة يتخذها أهل مادليون تلك المملكة الرائعة التي بني ملوكها مدنهم مخمسه الشكل , السر بين الريح والشكل المخمس لم يكشف بعد ,حتى قراءة ما تركوه أهل هذه المملكة من أثار لا تتيح لقارئ أثأري متخصص أن يفهم عالم الأسرار المحيطة بوجودها ,كيف بدأت وأين مصير الناس فيها ,لا أثار توحي لدمار حل بها ولا حتى هناك ما يشير لمجاعة ,كل ما في المدينة الآن فقط برج الرماد الشاخص بطبقاته ألخمسه العمودية وسط ساحة المدينة "زاد" أو هكذا رمز لها الأثريون عندما اكتشفوا عالمها الرائع هذا .
الغريب في المدينة كباقي المدن الأثرية أنها لا تملك مقابر ولم يكتشف فيها أثار حتى لعظام أو بقايا لكائنات حية ,حاول علماء البعثات الغربيون الذي كشفوا البعض من أسرارها أن يستدلوا على نمط الحياة مقارنة بما تماثله المكتشفات الأثرية الأخرى بالمدن القريبة أو المالك القريبة تأريخا ومكانا ,تنفرد هذه المدينة بعلامات فارقة تتمثل بتنوع الرموز فيها وتحديدا رمز الشمس والنجوم في جزئيها الشرقي والشمالي أما الجزء الغربي وهو الأكف والأكثر حضورا وعمرانا فقد تميز بكثرة الأسواق والطرقات ومستلزمات العيش المدني .
هناك في الجهة الجنوبية الغربية للمدينة حيث تكثر الحفر المدورة الخالية من كل شيء فقط سلاسل من حفر منحوتة بالصخر أو السن الصخري الذي أنشئت عليه المدينة ,خالية من كل شيء وعلى شكل دوائر منغلقة على نفسها لا يفهم من تشكيلاتها غير أنها محابس أو محاجر استنادا للسور الذي يحيط بها ويرتفع بما يعادل طول شخص عادي مضروبا في خمسة ,في الجزء المقابل له الجنوب الشرقي هناك أيضا حفر مماثلة ولكنها أعمق كثيرا وأقل حجما في فوهاتها والغريب أنها أيضا لم تسكن ولم تحوط بسور .
في وسط المدينة برج عال يشبه برج بيزا المائل في إيطاليا ,شرفاته مفتوحة في كل الاتجاهات من يراه يظنه مجرد شرفات أو هكذا يبدو للناظر من بعيد أنها تستخدم للإطلالة على المدينة بكاملها ,حاولنا الصعود إلى طابقه الأول وبكل حذر يأخذك الشعور بالرهبة والدهشة معا وأنت ترى في وسط الطبقة الأولى حوض أو ما تبادر لي كبير جدا يقارب في سعته كل الطابق إلا ما ترك للممشى ,في وسطه لا يوجد غير رماد أو بقايا من رماد مخلوط بالغبار العابر ,في الطبقة الثانية منه نفس المشهد لكن الحوض أقل قليلا من ما موجود في الأول ,وهكذا وصلنا لقمة البرج حيث لم يتعدى مساحة الحوض مقدار صحن أكل كبير .
السكون الذي يحيط بالمكان يوحي إلى عالم من الدهشة الممزوجة بالكثير من التساؤلات التي تحيط بها وبأسرارها العصية ,وبرغم تعاقب الكثير من البعثات الأثرية التي مرت على أطلال المدينة والاستعانة بأحدث الوسائل والسبل العلمية والبحثية إلا أن أحدا لم يجرؤ من الباحثين ولا من الأثرين أن يعط رأيا محددا بشي ,الكل ينعقد لسانه عن التصريح أو تلجمه العظمة المحيط ببهاء المدينة أن يتفوه بشيء .
النقطة التي حيرت كل المستكشفين تدور حول الرماد والتنسيق البنائي الذي يجعل من شكل المدينة وكأنه ممرات للريح القادمة والتي يسوقوها من كل اتجاه نحو البرج ,البنايات الكبيرة والضخمة والمرصوفة بأشكال هندسية غاية في الدقة التصميمية والتنفيذية توحي أن الهندسة المعمارية الحالية لم تبلغ مصاف تلك المباد الهندسية التي أنشأت وخططت ورسمت ونفذت هذه المدينة ,بل استمعت إلى رأي أحد أفراد البعثة الأجنبية وهو يشرح الفروق الجوهرية بين الهندسة المعمارية المعاصرة وبين تلك التي كانت هناك ,مبينا أن العقل الهندسي الذي نفذ البناء بالضرورة أن هناك عقول راقية موازية له هي من تملك سر اختفاء المدينة وسكانها عن الوجود هنا .
في المنطقة التي تواجه الشمس في شروقها وهي الجزء الأصغر من المدينة نفس أشكال البناء ونفس الطراز المعماري لكنه لا يتعدى حدود الخمس بنايات أو كتل ممتدة بالتنازل من حيث العمق من الخارج للداخل بحيث أن البناية الأخيرة مساوية لارتفاع الطبقة الأولى من البرج والأولى البعيدة تماما بارتفاع كامل البرج بينها وبين الجزء الشمالي ممر عريض جدا يتسع كثيرا من الخارج ويتضاءل حين نصل قريبا من البرج ,في هذا الجزء العمارة ذاتها والطراز واحد بالتنوع والارتفاعات ويأخذ مساحة أكبر ويمتد إلى حدود الجزء الأكبر والأوسع من المدينة وهو الممتد من الشمال الغربي إلى حدود الغرب تماما لتنتهي كل مظاهر الأعمار.
كل شيء في المدينة يوحي أن حدثا ما وراء سر هذا الصمت الأبدي سر الريح والرماد والاتجاهات الخمسة ,من بين الرجال والنساء العاملين هناك أحد ما يرسم خطوط ويفترض افتراضات على الأرض دون أن ينبس بكلمة , إنه الحاج زاير أو الملا زاير المعروف في الجوار واحدا من أكابر علماء الآثار الفطريين , شارك بكل فاعلية في الكثير من بعثات التنقيب ويعرفه الأثريون تماما أنه العقل الثاقب الذي يقرأ لون التربة ويشم رائحة الهواء ويسمع كلام الأرض التي لا يسمعها غيره .
راقبنا الرجل من بعيد وهو مشغولا بعمله صاحبي الذي تستهويه حكاية البحث عن مصير هذه القرية لماذا أختفت وبأي لغة أو مفهوم يمكننا أن نجد مبررا لذلك ,أما أنا كان يصعقني هذا التناسق الرهيب بين العمارة والتخطيط ومحاولة البحث عن ربط ما بين الخطوط المجسمة وبين فكرة البقاء أو الرحيل , كلانا كان يبحث عن وجه للحقيقة والحقيقة قد تكون مع شخص ما أو في زمن ما لكنها الآن الغائب الذي لا ضرورة في أن يغيب .
وحدها البنايات التاريخية بهياكلها العامرة التي نحتها بكل دقة وذوق ينم عن روح أصيلة تمتلك الكثير من الإجابات ولكن لا أحد يؤمن أن الحجارة تتكلم , صديقي الذي شده عناده لأن يفهم ويفهم كانت مقولته المشهورة أن البعض من الحجارة التي ألتصقت بها روح الفن وتعامدت مع التاريخ هي التي تتكلم بلغة لا يمكن لأحد أن يكذب ما تقوله, الحجارة المنحوتة تملك كل الصدق والنقاء وتقول الحقيقة مطلقة لمن يملك سر أبجديتها الخاصة .
الملا زاير من يراع من غير معرفه سابقه يظن أنه ليس أكثر من فلاح أو حارس جاهل لا يفهم بمعنى الحضارة ولا بلغة الحجر والتاريخ ,وحدهم أهل الخبرة يمكن الوثوق بهم على أقل تقدير في تفسير البعض من المبهمات حتى يقوم الدليل ,ذهبنا أنا وصاحبي نحمل أبريق الشاي وبعض الكؤوس التي تستخدم لمرة واحدة في محاولة منا لاستفزاز ذاكرة الرجل وخزينه المعرفي عن هذه البقعة الغريبة .



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يتهمنا البعض بأننا مثقفين خارج الوجود
- الإنسان ...... ومستقبل الحلم الكوني _ح2
- الإنسان ...... ومستقبل الحلم الكوني _ح3
- الإنسام ...... ومستقبل الحلم الكوني
- منطق التربية الأولية وعلاقتها بالنظرية الأجتماعية العامة
- العراق والقادم المجهول ....
- لماذا لم يحقق الحراك الجماهيري في العراق اهدافه المشروعة ؟.
- هل توقف الحراك الجماهيري عند خط الشروع ؟.
- وماذا بعد
- المطلوب شعبيا والواجب السياسي
- الإصلاح السياسي في العراق وأفاق بناء دولة مدنية
- القادة العراقيون ولعبة الامم
- قراءات في أصداء زيارة مدحت المحمود إلى طهران
- العراق ومجتمع الصدمة
- حقائق الأرض وتخيلات القرار 5
- حقائق الأرض وتخيلات القرار 4
- حقائق الأرض وتخيلات القرار 3
- فرصة الأصلاح وأمل التغيير
- أنا وأنت والقدر
- حقائق الأرض وتخيلات القرار 2


المزيد.....




- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - مادليون ...مدينة الريح والرماد ....... قصة قصيرة ج1