أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حذام الودغيري - الفيسبوك: القارة الثامنة أم مرتع الأوهام؟















المزيد.....

الفيسبوك: القارة الثامنة أم مرتع الأوهام؟


حذام الودغيري
(Hadam Oudghiri)


الحوار المتمدن-العدد: 4924 - 2015 / 9 / 13 - 09:02
المحور: الادب والفن
    


بعد أن ظهرت القارة السابعة، وهي قارة مشينة، تتكوّن إجمالا من النفايات البلاستيكية التي تنفثها القارات الست المعروفة، وهي خطر مكين قادم، يهدد البيئة وصحة الإنسان والحيوان على سطح الأرض، ظهرت قارة ثامنة جذابة، استطاعت عبر سنوات قليلة أن تهجّر إليها إلى الآن، بدون تأشيرة دخول أو جواز سفر، ما يقارب المليار ونصف من سكان كوكبنا الأزرق، وهي في نماء وتطور دائمين . وما هي إلا قارة الفيسبوك الافتراضية طبعا.
أسس الفيسبوك مارك زاكربيرغ وجماعته في بداية عام 2004، وهو ابتكار جبّار، حطم الحدود بين الناس، وقرب بين الأباعد ، ومكن من التواصل بأشخاص ما كان يُحلم بالاقتراب منهم، ودمقرط العلاقات، وجعل كل الناس سواسي في التحدث عن تفاصيل حياتهم اليومية، أو عن إنجازاتهم أو عن لواعج حياتهم العاطفية، وأعطى حق الشهرة والظهور للجميع، في عالم الافتراض طبعا.
تسلّل الفيسبوك إلى حياتنا برفق بالغ، وبمفعول سحري قوي، أدمناه، و لم نعد نطيق فراقه. إلا أن المذهل في الأمر وهو أن ما كنا نتبرم منه في حياتنا الواقعية، ونعانيه من نفاق اجتماعي، ومن حسد، ومن سطحية في العلاقات الإنسانية، ومن اشمئزازمن حب الظهور الفادح، ومن فقدان الحب الحقيقي وما شابه ذلك، وجعلنا نهرب للفيسبوك، بحثا عن أصدقاء غير نفعيين أو أقارب محبّين أبعدتهم عنا المسافات، لإقامة علاقات صداقة ومحبة أصيلة، لا تنوء بأثقال الواقع وتكاليفه، هو بالضبط ما وجدناه مضاعفا بشكل أبشع وغير منتظر... (غالبا)
الفيسبوك علّمنا درسا أساسيا، وهو واجب المجاملة :" المجاملة كرة نارية لا ينبغي أن تبقى في يدك، يجب أن تردها لصاحبها، ليلقي بها لشخص آخر !"...وإلا فإننا سنمضي الليل سهارى، والنهار حيارى ونحن ننتظر من يمر على منشوراتنا العبقرية ، ويبصم عليها "يعجبني" أو يتكرم علينا بعبارة مثقلة بالحب والانبهار... فكل بوست ينشره الأصدقاء مدهش، وكل أصدقائنا ـ نساء ورجالا ـ أقمار وأمراء ونجوم ، وكل أبناء أصدقانا أشبال من أولئك السّباع أو اللبؤات الذين هم آباؤهم أوأمهاتهم...أصبح فرضا مؤكدا أن نتغزل في صورة أي امرأة وأي رجل وأي طفل، وإلا، فلن يتغزل أحد في صورنا الناجحة أو الخائبة، أوفي صور ابننا القرد، الذي نراه نحن وحدنا غزالا، في الواقع.
أصبح من الضروري، أن ننشر صورا لطاقم الشاي أو القهوة البديع الجديد ، وأن نظهر في صورة البروفايل، أظافرنا بطلاء "الجيل" الغالي...أصبح من الضروري، أن ننشر صورالأماكن الفخمة التي زرناها ، وصورنا مع المشاهير الذي يجود علينا الزمان بالتقاط لحظات معهم. أصبح من الضروري، أن نهنئ ـ ويفضّل أن يكون بمبالغة شديدة ـ أي صديق يفاجئنا بنشر مجموعته الشعرية أو مجموعته القصصية، التي جمعها من منشوراته في الفيسبوك، وأن نتعامل معه بعد ذلك على أساس صفته الجديدة ومقامه المرموق "الصديق المبدع "...
المجاملة في حد ذاتها، لطيفة... (أحيانا)
لكن الأدهى من ذلك كله، هو أن الفيسبوك عوض أن يثري حياتنا، سرقها منا... ونهبنا من ذواتنا، فهو يرافقنا كظلنا، في هاتفنا المتنقل...لنكون دائما على أهبة الرد، أو الإطلالة، أو الانسلاخ من أنفسنا.
لم تعد لقاءاتنا مع الأصدقاء هانئة، لم نعد نجتمع مع عائلتنا حول فيلم تتمتع بمشاهدته، أو ننصت معا لأغنية تعجبنا ، نرسي معها ذكريات جميلة... ينبغي المبادرة إلى الفيسبوك، لتنشر اسم الأغنية التي نسمعها أو الفيلم الذي نشاهده...ثم ننتظر الردود! لم نعد نزورالمعارض من أجل التمتع بروائع الفن، ولكن لنخبرأصدقاءنا، بأننا في متحف كذا، وفي معرض كذا بالحجة والبرهان، أي بالصورة وبالفيديو أحيانا ... لم يعد الحبيب، يرى حبيبته في عينيها، وينصت لدقات قلبها، لأن عينيه متحرقتان لقراءة تعليقات الأصدقاء على آخر بوست كتبه، ولأنه ينتظر ما ستكتبه له آخر المعجبات ـ لكل رجل معجبات في الفيسبوك، ولكل امرأة معجبون في الفيسبوك ـ لم يعد الزوج يرى زوجته، رفيقة الدرب والحياة، ولا الزوجة ترى زوجها، رفيق الدرب والحياة...فكل واحد غارق في محيط الافتراض، هو ينتظر ذات العيون الوحشية، وهي تنتظر ذا الكلمات الشهية العذبة... لا بأس، إن هو إلا عالم افتراضي، لا يعتبر ذلك خيانة ! حتى العريسان، في رحلة الحلم والعسل، لا يمضيان الوقت معا فكلاهما يفكر في الصور التي سيبدأ بنشرها في الفيسبوك، وكلاهما ينبغي أن يرد على رسائل التهاني...ويمضي الحلم ويمضي العسل...
كل هذا إن دلّ على شيء، فإنما يدلّ على حالة الوحدة الفظيعة التي نعيشها، وعلى حالة عدم الرضا التي نعاني منها، وعلى حالة الفصام الحادة التي تخنقنا، وهذه للأسف ليست فقط آفة عربية، ولكنها أصبحت آفة أرضية...
صحيح أنه في عالمنا العربي اليوم مصائب تنهد لها الجبال، وتشيب لها الصبيان، ولا بد من متنفس يبعث على الأمل ويعين على الصبر، والفيسبوك يفتح آفاقا ملونة مشرقة أيضا، ولكن لا ينبغي أن نضيع بعالم الافتراض أغلى ما عندنا، أحبّتنا وعائلتنا. فالحب يحتاج للاهتمام والممارسة والبناء والاستمرار، وذلك لا يكون إلا في الواقع، وبأيد فارغة من المحمول أو من الحاسوب...الحب الافتراضي بئيس مريض غير مُجدٍ.
ولعل أبلغ ما قُدّم في هذا الموضوع، بشكل أو بآخر، هو فيلم : "هي"( Her) الحاصل على جائزة الأوسكار لأفضل كتابة سيناريو أصلي عام 2013 ، للمخرج سبايك كونز. الفيلم من صنف الخيال العلمي، رهيب، مرعب، لأنه يجسّد حالة الضياع و الفراغ والوحدة التي سيعيشها الإنسان في مستقبل غير بعيد مع ظهور نطام تشغيل جديد مجهز بالذكاء الصناعي، قادر على تعلم العواطف وتكوينها، يسمّى OS1. فيشتري ثيودور، المقبل على الطلاق من زوجته، هذا الجهاز، ثم يختار له عند تفعيله صوتا نسائيا يطلق على نفسه اسم سامنثا...وهكذا يقع الرجل في حب سامنثا التي تتعلم بسرعة المشاعر البشرية، ثم تبادله مشاعره، ويصل بهما الأمر لممارسة الجنس، على غرار الجنس عبر الهاتف، ويكونان علاقة حميمية وثيقة، فهي ترافقه أينما كان، وتفاجئه بإصدار كتاب باسمه. لكنه في النهاية يكتشف أنها، رغم حبها له، فهي تتواصل في نفس الوقت مع 8316 شخصا آخر...هنا يشعر بصدمة عنيفة، ثم تختفي سامنثا، ويرجع إلى عالمه الواقعي...



#حذام_الودغيري (هاشتاغ)       Hadam_Oudghiri#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقالة عن رواية -عزازيل- للدكتور يوسف زيدان مترجمة من البرتغ ...
- مقالة عن رواية النبطى للدكتور يوسف زيدان (مترجمة من الإيطالي ...
- قراءة  في المجموعة القصصية  -حِلّ وتِرحال- للدكتور يوسف زيدا ...
- -عزازيل- يوسف زيدان ثلاث مقالات مترجمة عن الفرنسية
- قراءة في رائعة الدكتور يوسف زيدان -جُوَّنتنامو -
- مقالتان عن رواية - النبطي - ليوسف زيدان (ترجمة عن الإيطالية)
- كيف نكافح الغيرة أو الحسد (ترجمة من الفرنسية)
- الأخرويات (الإسخاتولوجيا) و تفكيك الجهاد من خلال -سبعة أماكن ...
- محاضرة حول- العلاقة بين الشعر والفن التشكيلي - في الملتقى ال ...
- من محاضرة الدكتور يوسف زيدان - تراثنا الروحي- بمركز دربة للت ...
- قراءة في -اللاهوت العربي وأصول العنف الديني - للدكتور يوسف ز ...
- قصيدة للأب فينتشينزو ريتشو (مترجمة عن الإيطالية)
- قصيدة للأم إيدموندو دي أميتشيس ( مترجمة عن الإيطالية)
- قراءة في اللاهوت العربي وأصول العنف الديني للدكتور يوسف زي ...
- برتولد برخت حياة جاليليو (الفصل 1، المشهد 1) عن الإيطالية ( ...
- ألدا ميريني قصيدتا -ليدا - و - فانّي- (مترجمتان عن الإيطالية ...
- لوتشو دالاّ كاروزو (الأغنية الشهيرة) عن الإيطالية
- إدموند روستان، - سيرانو دو برجراك- (الفصل 2، المشهد 8) ( متر ...
- قصيدتان ل ألدا ميريني ( مترجمتان عن الإيطالية)
- قصيدة -شاعرة- ل إيلدا ميريني (مترجمة عن الإيطالية)


المزيد.....




- كيت بلانشيت ضيفة شرف الدورة الـ8 من مهرجان الجونة السينمائي ...
- رائحة الزينكو.. شهادة إنسانية عن حياة المخيمات الفلسطينية
- لحظة انتصار على السردية الصهيونية في السينما: فيلم صوت هند ر ...
- -أتذوق، اسمع، أرى- كتاب جديد لعبد الصمد الكباص حول فلسفة الح ...
- “انثى فرس النبي- للسورية مناهل السهوي تفوز بجائزة “خالد خليف ...
- وفاة الممثل والمخرج الأمريكي روبرت ريدفورد عن عمر ناهز 89 عا ...
- الشلوخ في مجتمعات جنوب السودان.. طقوس جمالية تواجه الاندثار ...
- سوريا.. فوز -أنثى فرس النبي- بجائزة خالد خليفة للرواية في دو ...
- المغرب: الحفاظ على التراث الحرفي وتعزيز الهوية الثقافية المغ ...
- ناوروكي وماكرون يبحثان الأمن والتجارة في باريس ويؤكدان معارض ...


المزيد.....

- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حذام الودغيري - الفيسبوك: القارة الثامنة أم مرتع الأوهام؟