|
|
هل أنتَ حِزبي ؟
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 4923 - 2015 / 9 / 12 - 15:20
المحور:
الادب والفن
كنتُ أتمشى في الشارع الرئيسي في سرسنك ، حينَ رأيتُ " أبوعلي " نازلاً من سيارة تكسي . كنتُ أعرفهُ قليلاً ولدينا علاقات عائلية منذ سنين طويلة . أبو علي كان مسؤول الحزب الشيوعي العراقي في قضاء العُمادية . قلتُ لهُ : .. لقد تعينتُ في مُستشفى العمادية منذ أسابيع ، وأنا حزبي ، وسوف يصلُ ترحيلي قريباً .. للعلم . رَحبَ بي قائلاً : أهلاً بك .. سنلتقي قريباً إذن .. أين تُقيم ؟ قلتُ لهُ : في بيت إبن عّمي دلشاد . قال : طيب سأتصل بك في الأيام القادمة .. ولكن عموماً .. حاوِل أن لاتكشف نفسكَ ، إلا في حالة الضرورة القصوى ! . وصلَ ترحيلي الحزبي من السليمانية .. وإنخرطتُ في التنظيم في العمادية .. وكنتُ في البدايةِ ، عضواً في خلية من أربعة أفراد ، يقودنا أبوعلي نفسه . .................... مع بداية عام 1976 .. كان حزب البعث ، يُمارِس نشاطاً محموماً ، من أجل كسب أكبر عددٍ من الأعضاء في أوساط الموظفين والطلبة . المعاون الوقائي " أخيقار " وهو من منطقة كاني ماسي ، كان بعثياً ، طلبَ مني أن أنضم إليهم ، ولاسيما أنني أتكلم العربية بصورةٍ جيدة ، ووعدني بأني سأستفيد كثيراً مادياً ومعنوياً .. إعتذرتُ منهُ وقلتُ لهُ : اُفّضِل أن أكون مُستقلاً . بعد إسبوعَين ، أخبرني إبن عّمي ، ان رفيقاً من المنظمة ، جاءَ لدكانهِ في السوق ، وطلبَ منهُ أن يحّثني للإنخراط في حزب البعث ، وينتظر الجواب غداً . قلتُ لهُ : كلا .. لن أفعل . حتى خالي " مارف " الموظف القديم في البلدية ، كُلِف ليقنعني بالإنتِساب ... بل أنهُم قالوا لهُ : إذا وافقَ ، سوف نعطيهِ درجةً حزبية جيدة ! . شعرتُ بالضِيق من كُثرة الضغوطات والإغراءات .. وتُوِجَ كُل ذلك .. حينَ دخلَ علينا في الصيدلية .. رئيس البلدية " محمد بيطار " وكانَ بعثياً منذ سنوات . رّحبنا بهِ .. فقالَ لي : أنني جئتُ شخصياً لأتكلم معك ، لأننا من مدينةٍ واحدة وأقارِب .. الجماعة في المنظمة كلفوني أن أتصل بك ، ولا أرجَع إلا مع موافقتك للإنضمام للحزب ! . كنتُ قد مللتُ من هذه " القوانة " والأساليب السخيفة .. فقلتُ له : لكنني حزبي بالفِعل ! . تفاجأ الرجُل وقال : هل حقاً أنت حزبي ، وما هي درجتُكَ ؟ قلتُ : درجتي رفيق ! . نهضَ فوراً ومَدَ يدهُ ليُصافحني بحرارة . قائلاً : سوف أذهبُ للمنظمةِ الآن ، لأخبرهم . [ أعتقدُ انهُ هو نفسهُ أي محمد بيطار ، كانت درجتهُ الحزبية مُجرد نصير في ذلك الوقت ] . خرجَ من الباب مُسرِعاً .. فقلتُ لهُ بصوتٍ مسموع : ولكن ياعَم محمد .. أنا حزبي لكن شيوعي !. صّدقوني .. إلتفتَ نحوي وكأنَ أحدهم صّبَ سطلاً من الماء البارِد على رأسهِ .. إستشاط غضباً ولاسيما أن صديقي حميد ، والمُستخدَم الطيب " شفيق المراياتي " ، كانوا حاضرَين وضحكا على الموقِف الطريف . منذ ذلك اليوم .. كّفوا عن دعواتهم لي للإنتماء .. لكنهم بدؤوا سلسلة من الإزعاجات والمُحاربات ، التي كانتْ تُمارَس في جميع أنحاء العراق ، مِنْ قِبَل " الحزب القائِد " ، ضِد حُلفاءهم الشيوعيين في الجبهة الوطنية والقومية التقدُمية ! . بعد أيامٍ حينَ حّلتْ ذكرى تأسيس الحزب الشيوعي .. كنتُ مع الشباب الذين عّلقوا لافتةً حمراء كبيرة ، على الجدار الخارجي لمستشفى العمادية . في وقتٍ مُبّكِر من 1976 .. لم تكُن هنالك تنظيمات حقيقية ، للأحزاب الكردية القومية ، في العمادية ( حيث ان طلائع " القيادة المؤقتة " والإتحاد الوطني حديث التشكُل ، ظهرتْ بعد أشهُر ) .. كانَ هُنالكَ حزب البعث العربي الإشتراكي ، الحاكم المُطلَق بعد إنهيار الثورةِ الكردية في آذار 1975 ، بتكديسهِ للأجهزةِ الأمنية والإستخباراتية ، ومقرات البعث والمُنظمات المهنية والنقابات الرديفة . وكانَ هُنالك أيضاً ، الحزب الشيوعي العراقي ، بتنظيمهِ ، الذي هو خليطٌ من العمل السري والإجتماعات البعيدة عن العيون ، من جِهة ... والتمسُك بأهداب العلاقة الجبهوية ، الإشكالية ، مع حزب البعث ، من جهةٍ أخرى . كنتُ حينها .. واحداً من الشيوعيين الشباب .. الذين لم نَكُن نَفقهُ الشئ الكثير في السياسة ، وعاجزين عن تحليل الأمور بصورةٍ منطقية ... وحتى مسؤولينا الحزبيين ، لم يكونوا بِمُستوى الأحداث ولا كيفية التعامُل مع عنجهية البعث ، ولا القُدرةِ على إتخاذ قرارات جريئة ، بالوقوف ضد سياسة الإحتواء والتهميش والإقصاء والترهيب ، التي إنتهجها حزب البعث ، أزاء الحزب الشيوعي . كانتْ تلكَ مُقدمات ... لِما جرى لاحقاً . لكني .. شأني شأن معظم الشيوعيين الشباب في العمادية ، حينها ... كنتُ مُتحمِساً ، ومُستعداً للقيام بِكُل مايطلبهُ الحزب ... كُنا نقومُ بذلك طوعاً وعن قَناعة .. بل كُنّا نتوقع المخاطِر الناتجة عن وقوفنا حجر عثرة ، أمام خُطط البعث الحاكِم ... لكننا لم نكُن نأبهُ بتلك المخاطِر . كنتُ اُلاحِظ .. بأن الكثير من الناس العاديين في العُمادية وغيرها ، يدركونَ بأن الشيوعيين ورغم الإختلافات في وجهات النظر ، في عديدٍ من الأمور ... جديرونَ بالثِقة واُناسٌ طيبونَ إجمالاً .
#امين_يونس (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عتابٌ على ( حمه حاجي محمود )
-
الراتب الأوَل
-
القّارة العجوز
-
إبداعٌ في التحايُل
-
شيلادزى
-
العريف بنيامين
-
شطرنج
-
عزيزة
-
ضِد الجميع
-
لِتصْمُت طُبول الحرب الداخلية في الأقليم
-
بينَ الهمسةِ والصَرخةِ
-
الأرنبُ الهِندي
-
هل حضْرتكَ تكريتي ؟
-
ما أجمل عبارة ( وبأثَرٍ رجعي )
-
في بغداد .. ثّمة أمَل
-
صديقي الذي ( طابَتْ لهُ الكَعْدة )
-
التيار الديمقراطي العراقي في نينوى ، يستذكر فاجعة سنجار
-
على هامش الإعتداءات التركية على الأقليم
-
ساعات وساعات
-
مَرّةً اُخرى .. الطائرات التركية تقصف الأقليم
المزيد.....
-
جلسة شعرية تحتفي بتنوع الأساليب في اتحاد الأدباء
-
مصر.. علاء مبارك يثير تفاعلا بتسمية شخصية من -أعظم وزراء الث
...
-
الفيلم الكوري -أخبار جيدة-.. حين تصنع السلطة الحقيقة وتخفي أ
...
-
بالاسم والصورة.. فيلم يكشف قاتل شيرين أبو عاقلة
-
السباق نحو أوسكار 2026 ينطلق مبكرًا.. تعرف على أبرز الأفلام
...
-
إطلاق الإعلان الترويجي الأول للفيلم المرتقب عن سيرة حياة -مل
...
-
رئيس فلسطين: ملتزمون بالإصلاح والانتخابات وتعزيز ثقافة السلا
...
-
السباق نحو أوسكار 2026 ينطلق مبكرًا.. تعرف على أبرز الأفلام
...
-
شاهد رجل يقاطع -سام ألتمان- على المسرح ليسلمه أمر المحكمة
-
مدينة إسرائيلية تعيش -فيلم رعب-.. بسبب الثعابين
المزيد.....
-
الذين باركوا القتل رواية
...
/ رانية مرجية
-
المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون
...
/ د. محمود محمد حمزة
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية
/ د. أمل درويش
-
مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز.
...
/ السيد حافظ
-
إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
المرجان في سلة خوص كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
بيبي أمّ الجواريب الطويلة
/ استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
-
قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي
/ كارين بوي
-
ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا
/ د. خالد زغريت
-
الممالك السبع
/ محمد عبد المرضي منصور
المزيد.....
|