|
الراتب الأوَل
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 4921 - 2015 / 9 / 10 - 01:34
المحور:
الادب والفن
لأنني تخرجتُ من المعهد الطبي ، في الدور الثاني وكانَ مُعّدَلي مُتواضِعاً ... فلقد كانتْ خيارات أماكن التعيين المُتاحة ، محدودة وكُلها بعيدة عن محل سُكناي في بغداد . وكانَ لي أن أختارَ بين الديوانية والناصرية ودهوك .. وبالطبُع ، فضلتُ دهوك . وفي رئاسة الصِحة هناك ، اُرسِلتُ الى مستشفى العُمادية ، حيث مَسقط رأسي .. ومدينتي الأصلية التي اُجبِرتُ على تركها وأنا طفل . باشرتُ في مُنتصف تشرين الأول من عام 1975 .. وإشتغلتُ في الصيدليةِ ، وبدأتُ أتعلمُ أسماء الأدويةِ ، وكيفية لَف العبوات الورقية ، ووضع الحبوب والكبسولات فيها .. وكذلك فَك طلاسم خَط الأطباء . تعلمتُ بِسُرعة على يد المُضَمِد المُخضرَم " جرجيس " وهو من أهالي العُمادية ، و " حميد " معاون الصيدلي وهو شاب يكبرني من أهالي كركوك . توثقتْ علاقتي مع " حميد " ، فلقد كانتْ أفكارنا مُتقارِبة .. وكانَ هو يُجيد لُعبة البلياردو ، حيثُ نذهب أحياناً بعد الدوام ، الى الكازينو .. وكانَ يُلاعب أفضل اللاعبين في العمادية ويتفوق عليهم .. بينما أنا جالسٌ أتفَرَج .. وبالطَبُع كُنتُ اُصابُ بالخيلاء ، لأن هذا الذي يغلبهم ، هو صديقي ! . قبلَ مجيئي الى العُمادية .. كنتُ أشربُ البيرةَ خلال فترة دراستي في المعهد في جامعة السليمانية ، كُلما سنحتْ الفُرصة .. وسَبقَ وأن شربتُ العَرق المحلي الصُنع ، في سرسنك ، في فصول الصيف ، حين كُنا نأتي من بغداد للإصطياف . لكن صديقي " حميد " ، هو الذي عّودني على الشُربِ رسمياً ، حيث كُنا نذهب الى نادي " فيليب " في العمادية ، ونشرب العرق عادةً . ......................... كُنتُ شاباً مُندَفِعاً حينَ تعّينت ، ولم تكُنْ عندي مسؤوليات عائلية ، حيث كان الوضع المادي لعائلتي في بغداد ، جيداً إلى حدٍ ما ، وكنتُ أنا أصغر فردٍ في العائلة الكبيرة . كنتُ اُقيم مع عائلة إبن عمي في العُمادية .. أي كانتْ إقامَتي وطعامي ، مجاناً .. بالمُختَصَر ، كانَ راتبي الشهري في أول تعييني ، البالغ ( 42 ) ديناراً ، لي وحدي .. وكانَ بحساب ذلك الزمان ، راتباً مُحتَرَماً . ولأسبابٍ بيروقراطية ، لم يكُن إسمي وارداً في قائمة رواتب مستشفى العمادية لشهر تشرين الثاني 1975 .. وإستلمتُ في أواخر كانون الأول ، راتبَين ونصف الراتب مرةً واحدة ، أي أكثر من مئة دينار .. وكانَ عندي بالأصل حوالي خمسين ديناراً اُخرى ، فأصبحتُ أمتلكُ مبلغاً كبيراً ، لاأعرفُ ماذا أفعلُ بهِ ! . وحتى ، تُحبَك خيوط القَدَر ، فلقد تساقطتْ الثلوج بغزارة كبيرة ، وساءتْ أحوال الطريق الواصل الى دهوك ثم الموصل .. وبهذا فأن ذهابي الى أهلي في بغداد ، بِمُناسبة أعياد رأس السنة .. و " حميد " الى أهلهِ في كركوك .. باءتْ بالفَشل ، وأضطررنا للبقاء في العُمادية . ولأن " حميد " يعشق البوكر ، فلقد حجزَ لهُ مكاناً على مائدة القِمار ، في كازينو " فيليب " ، ليلة رأس السنة . وكنتُ اُرافِقه أحياناً وأجلسُ خلفهُ حين يلعب البوكر ، وكنتُ أغبطهُ لأنه يربح دائماً . قلتُ لحميد : أريدُ أن ألعب أنا أيضاً في ليلة رأس السنة ! . قال : .. كلا يارجُل ، أنك لاتجيد اللعب .. ثٌم ان جميع الذين سيلعبون هُم من أهل العُمادية من ذوي الخبرة في لعب " التيمو " . أجبتهُ بإصرار : سوف ألعب مهما يكُن ! . قال : .. ياعزيزي لا أريدك أن تخسر .. أجلس بجانبي وإشرب وكُل كما يحلو لك وشّجعني . ركبتُ حمار العِناد ، قائلاً : سوف ألعب ! . وبالفِعل .. كُنا ( 13 ) شخصاً ، جُلهم من أهالي العُمادية ، وهُم خليطٌ من موظفين وسُواق وأصحاب دكاكين ، يعرفهم حميد ، لأنهُ سبقَ لهُ اللعب معهم في مناسباتٍ اُخرى . يبدأ اللعب عادةً ، ليلة رأس السنة ، في التاسعة مساءاً ، ويمتدُ " التايم " لغاية الثانية عشر وبضعة دقائِق .. وتُؤخَذ إستراحة ، ثُم يبدأ تايمٌ آخر ، في السنة الجديدة .. ويستمر الأمر حتى الصباح .. بل أحياناً حتى مساء اليوم التالي ! . بالنسبةِ لي ، كُنتُ قد أجهزتُ على كُل المبلغ الذي معي ، قبلَ مُنتصف الليل .. بل وإستدنتُ خمسين ديناراً من " حميد " .. والتي لم تصمُد معي أكثر من ساعة . غادرتُ النادي في الواحدة والنِصف ن مُجرجِراً أذيالَ خسارة الراتب الأول ! . عصر اليوم التالي أي 1/1/1976 ... جاءني " حميد " نافخاً أوداجهُ ، قائلاً : .. لقد ربحتُ أربعمئة دينار .. وأنتَ معفو من الخمسين التي أخذْتَها مِنّي .. وهاك مئة دينارٍ اُخرى ، ولا تفعل ذلك ثانيةً .. لاتلعب مع " اللواعيب " أيها العجمي ! . .............. في شُباط من نفس العام ، إنتقلَ " حميد " الى محافظة كركوك . ولم أرهُ ثانيةً . صديقي " حميد " الذي كّرسَ لدي عادة الشُرب .. وعّلمني البوكَر وقليلاً من البلياردو .. لكَ الذِكر الطيب ، أينما كُنت .. لم تكُنْ " صديق سوء " ، بل كنتُ أنا مُستعداً لهذهِ الأشياء أصلاً ! .
#امين_يونس (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القّارة العجوز
-
إبداعٌ في التحايُل
-
شيلادزى
-
العريف بنيامين
-
شطرنج
-
عزيزة
-
ضِد الجميع
-
لِتصْمُت طُبول الحرب الداخلية في الأقليم
-
بينَ الهمسةِ والصَرخةِ
-
الأرنبُ الهِندي
-
هل حضْرتكَ تكريتي ؟
-
ما أجمل عبارة ( وبأثَرٍ رجعي )
-
في بغداد .. ثّمة أمَل
-
صديقي الذي ( طابَتْ لهُ الكَعْدة )
-
التيار الديمقراطي العراقي في نينوى ، يستذكر فاجعة سنجار
-
على هامش الإعتداءات التركية على الأقليم
-
ساعات وساعات
-
مَرّةً اُخرى .. الطائرات التركية تقصف الأقليم
-
الغسّالة اللعينة
-
ملك طاووس ، يرعاك يا ( آشتي بدل جندي )
المزيد.....
-
-الموارنة والشيعة في لبنان: التلاقي والتصادم-
-
-حادث بسيط- لجعفر بناهي في صالات السينما الفرنسية
-
صناع أفلام عالميين -أوقفوا الساعات، أطفئوا النجوم-
-
كلاكيت: جعفر علي.. أربعة أفلام لا غير
-
أصيلة: شهادات عن محمد بن عيسى.. المُعلم والمُلهم
-
السعودية ترحب باختيارها لاستضافة مؤتمر اليونسكو العالمي للسي
...
-
فيلم من إنتاج -الجزيرة 360- يتوج بمهرجان عنابة
-
-تاريخ العطش-.. أبو شايب يشيد ملحمة غنائية للحب ويحتفي بفلسط
...
-
-لا بغداد قرب حياتي-.. علي حبش يكتب خرائط المنفى
-
فيلم -معركة تلو الأخرى-.. دي كابريو وأندرسون يسخران من جنون
...
المزيد.....
-
سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي
/ أبو الحسن سلام
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
المزيد.....
|