أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحمن جاسم - عن البمقراطية














المزيد.....

عن البمقراطية


عبد الرحمن جاسم

الحوار المتمدن-العدد: 1354 - 2005 / 10 / 21 - 02:35
المحور: الادب والفن
    


كان يوماً مشهوداً في مدرستنا، يومٌ تم التحضير له لأسبوعين متواصلين، إنه يوم الحريات المدنية. كان هذا النشاط تقوم به مؤسسة عالمية قررت أن تقوم بنشاط "حضاري" على حد تعبيرها، تقدم بعده مساعدات مادية للمدرسة وللطلاب؛ وبحكم أن مدرستنا كانت بحاجة للأمر، وافق مديرنا على الموضوع دون أي مناقشة، "إذا كانوا يريدون حريات، فلدينا منها الكثير" بهذا علَّق المدير.

وقفنا في باحة المدرسة، في ذلك الصباح المشرق، ووقف مديرنا، وبجواره وقفت تلك الفتاة النروجية التي أوحى لنا شكلها بأنها في الرابعة عشر من العمر، إلا أننا ولجهلنا بأشكال الأوروبيين، ما عرفنا أبداً بأنها في أواخر العشرينات من العمر. كان لونها الأحمر وشعرها –أو كلها- الأشقر يلفتان النظر إليها كثيراً، حتى أن حسن المشهور بهدوءه وصمته ظل يصلح نظاراته طوال الوقت، منظفاً إياها بشكلٍ دائم. كان المدير يحدثنا عن أن هؤلاء الضيوف قد أتوا من بلادٍ بعيدة تدعى النروج، وبأنهم قد أتوا ليحدثونا عن حرية الرأي وحرية التعبير والديمقراطية وما إلى هنالك من تعابير فضفاضة، وكان مديرنا الذي لم يسمع ببعض هذه التعابير من قبل يخطئ في لفظها، فيقول عن الديمقراطية "البيموقراطية"، وحينما حاول أحد الأساتذة تصحيحها له، نظر إليه شذراً وقال له: "يا أستاذ شو بتفرق، كله عند العرب خبيزة". باختصار، كان مديرنا فعلاً من المؤمنين الحقيقيين بحرية التعبير والرأي وخصوصاً "البيموقراطية".

كنا لانزال نقف في الشمس التي بدأت تتجه لأن تصبح محرقة الآن، والنروجية الحسناء بدأت تتضايق من شمسنا الحارة التي لم تعتدها في بلدها، والشباب يمسحون عرقهم، إما من الحرارة، وإما من مشهد الفتاة الجميلة، والمدير يتكلم ويتكلم كيف أنه أنجز وأحسن وعلّم، وكيف أن مدرستنا هي منارة "للبيموقراطية" لكل المدارس في المنطقة، ثم ترك الكلام لأحد الضيوف النروجيين، الضيف النروجي لم يستطع الكلام كثيراً، لأنه كان لا يجيد من العربية إلا ثلاث جمل، ولأن الشمس جعلت لونه محروقاً تماماً، فطلب من المدير أن يدخلنا إلى الصفوف عل المحاضرة تكون في الداخل. مديرنا الذي لم يعجبه تدخل "الأجانب" في عمله، وترتيبه للحفل، وافق على مضض، وكاد أن يضرب ناطور المدرسة وهو يحدثه عن إدخال الطلاب إلى الصفوف.

نحن ورغم أننا كنا سعيدين بترك المكان الحار إلا أننا كنا متضايقين من تركنا النروجية الحسناء خلفنا، ولم يكن مستغرباً أبداً أن يرتطم حسن بالطلاب أمامه، لأنه كان ينظر للخلف رافضاً عن أن يبعد بصره عنها. وبعد دخولنا إلى الصف، بعشرة دقائق، دخل مديرنا، مع الضيوف مفتراً ثغره عن ابتسامةً كشر فيها عن أسنانه، وأخبرنا بأن "الأجانب" سيحدثوننا عن أمور كثيرة، وجل ما علينا هو أن نجيب على أسئلتهم إذا اقتضى الأمر، وأن نستمع في حال تكلمهم، لا أكثر ولا أقل. وبالفعل بدأت المحاضرة وكل اهتمامنا كان منصباً بالطبع على تلك الفتاة الجميلة، التي بدا أن الطقس في الشرق الأوسط لا يناسبها أبداً، فترنحت وكادت تقع، فحاول المدير طلب كرسي لها، لكنها ببساطة جلست بجانب حسن الذي لم يصدق نفسه في البداية، وظل طوال الوقت يفرك نظاراته وعينيه، وينظر إلى اليمين، والفتاة النروجية تنظر إليه وتبسم ببلاهة.

وانتهت المحاضرة، التي كانت خلاصتها أنه يحق لك أن تقول لا، ويحق لك أن تقول ما يزعجك أو ما يعجبك في أي إدارة أو قيادة أو سلطة، ونحن لأننا لم نكن نعرف أن هذا كله ليس أكثر من كلام في مجتمعنا، وبأن "البيموقراطية" على رأي مديرنا أن يفعل هو ما يريد، لأنه المدير، تفاءلنا بالأمر.

ومر أسبوع، وأسبوعان بعد ذلك اليوم المشهود، وذات يوم وصل إلى المدرسة بريد من النروج، كان يحمل النتيجة التي خلص إليها النروجيون بعد لقاءاتهم بنا، المدير بدوره، ولأنه كان لايزال مأخوذاً بطريقتهم في التعامل، أصر أن يجمعنا في باحة المدرسة، وأن يترك أستاذ اللغة العربية يقرأ لنا النتيجة، كان جل ما قاله النروجيون بأننا لا نعرف شيئا عن حرية الرأي، أو حرية التعبير، ولا الديمقراطية، وبأنها إلى حدٍ مفقودة في مدرستنا، وبأن السلطة هي سيدة كل شيء... ساعتها فقد المدير أعصابه لأول مرةٍ منذ أسبوعيين، ولعن وشتم النروج وأوروبا والغرب وكل ما له علاقة "بالبيمقراطية"، وكان كل ما يقوله "بعد ناقصنا هول الشقر يعلمونا كيف بدنا نعامل التلاميذ، بعد ناقصنا". ومن يومها لم يجرؤ أحد من الطلاب على نطق كلمة "الديمقراطية" أمام المدير... فمن ينطقها، عقابه جاهز، ثلاث عصي على يده، وساعة في الشمس؛ لقد كان عقاباً عادلاً، على الأقل بنظر المدير...



#عبد_الرحمن_جاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن البيمقراطية
- وقلت أعود بانتظاري القمر
- خوف موج - مهداة إلى روح حافظ الشيرازي
- ماذا سيأتي غداً
- لكن مثلي لا يذاع له سر...
- المقطع الثالث من الفصل الأول من رواية ينال نور
- الجزء الثاني من الفصل الأول من رواية - ينال نور
- مقاطع من رواية ينال ونور
- حينما كنت عميلاً
- لدي ما يكفي من الحزن
- بلا أسماء
- رواية مطولة...(تنشر على حلقات)
- أكتب لنفسي...
- أنتظره
- تلفزيون، كثيراً وللغاية...
- لا أريد أن أجوع
- سأخون وطني
- لغة الخطاب


المزيد.....




- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحمن جاسم - عن البمقراطية