أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الرحمن جاسم - لا أريد أن أجوع














المزيد.....

لا أريد أن أجوع


عبد الرحمن جاسم

الحوار المتمدن-العدد: 1296 - 2005 / 8 / 24 - 08:36
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لا ريب أن الجوع مسألة مهمة للغاية لكي تشد انتباهكم جميعاً حالما تقرأون، والجوع الذي أتحدث عنه يا أحبتي هو جوع كامن، ومن كل الأنواع، ليس جوعاً للطعام فحسب، بل هو جوعٌ لكل شي. جوع للطعام، جوع للجسد، جوع للجنس، جوع للحياة، إنه جوعٌ فحسب، وأنا لا أريده، فليأخذه أحدٌ عني.(ولا أظن أن أحداً سيفعل).
الجوع، يا أحبتي، هو كناية عن شعور نفسي مترابط مع شعور جسدي، فالجائع دائما يبغي طعاماً، يتغير نوع الطعام بتغير نوع الجوع. فالجائع الذي يبغي طعاماً، تتحرك مشاعره ابتداءاً من معدته. والجائع جنسياً، تتحرك حواسه من بين ساقيه، وجائع النظر تتحرك حواسه بدءاً من عينيه، والجائع مادياً تتحرك من جيوبه، إذا لكل جائع طعامه، ولكل طعامٍ خواص. الجوع إذا مفترس، لا يرحم ولا يبقى مشاعراً غيره، فهو حين الافتراس يفترسك ويفترس أي مشاعر تشغلك عنه.
الجوع للشيء، يجعلنا نعمى عن رؤية الأشياء الأخرى وحتى الحقيقة في بعض الأحيان، خصوصاً إذا ما استبد الجوع فينا. فجوع أحد مدرسي إحد المواد في إحدى الجامعات جعله يطلب من تلامذته مبالغاً من المال لقاء إنجاحهم فيها، ولن أدخل في تفاصيل يحكيها كثيرون عن فكرة دناءته أو حقارته أو غيرها من الصفات التي لا تفي الأمر حقه. إنه جوع كامن، إنه جوعٌ يجتاح الرجل؟ أولا يطفئ جوعه؟ من حقه أن يطفئ جوعه بالتأكيد شرط أن لا يكون الأمر على حساب الآخرين.
جوع آخر، ذلك الموظف الكبير الذي يستغل كل مرؤوساته من الفتيات، ويجبرهن على التودد إليه، وينتقي كل أنواع العاريات ليعملن في مكتبه. جوعه يجعله شبقاً، متصابياً، وغداً، كلها صفات تحدد الأمر، ولكن الجوع ما بين ساقيه يجعل الأمر منطقياً، فإذا ما تحدد نوع الجوع عرف الطعام، ولكن هل عرف الثمن؟ لا أعرف.
والموظف الذي يقف أمامه عشرات المراجعين، وينتظرون، لا لشيء إلا لجوعٍ أصابه فجأة، أو لمدة، ممسكاً إياه عن التحرك بسرعة، جوع لا يطفئ إلا برشوة بسيطة، بدعامة صغيرة لمداميك بيته، إنها لا تؤثر بك، ولكن على الكثرة تغني، هكذا يبرر جوعه، وهكذا نبرر نحن الأمر له، ونجعل جوعه يجتاحنا، ونقبل به.
وتظهر أنواع أخرى من الجوع، أنواع لا يحكى عنها الكثير، أنواع لا تشبه الضوء ولا العتمة، الجوع الذي يعتري سكان شارعٍ شعبي، حينما تمر فتاة عارية الساقين، جوع الرجال في البيوت وفيديوكليب عارٍ يعبر، جوع يعبر عيونهم هذه المرة، لا بين سيقانهم، قد يصل إلى هناك وقد لا يصل، لكنه يبقى متصلباً في عيونهم.
جوع في عيون كل من يمر بجوار مطعم شهي، يجعلهم يدلفون إليه بوحشية، ويتصارعون كالكلاب الضارية عليه، جوع يضرب أمعائهم، فيجرب عقولهم وأجسادهم على التصرف، ألا يقال بأن الجوع كافر؟
يا أحبتي لا أريد أن أجوع. لا أريد أن أكون مماثلاً لكل من سبقني، أريد أن أرفض هذا الجوع، أن أسبقه بخطوة، فأرفضه وأكممه، وأحمله في قلبي لا على شفاهي وعيوني وثيابي الداخلية. أريد أن أقف وأمعن النظر فيه، العين بالعين، وليس هناك سنٌ بسن.
أن أقول له: لقد تحررت منك، وأرفض تبعيتي لك، وأريد منك أن تتركني وشأني، حاجتي إليك انتفت، وإن كنت قد استعملتك أو اقتربت منك ثانية، فأنا آسف وأعتذر أشد الأعتذار، يا سيدي الجوع أنا أخطأت بحقك، والآن قف، لا أريد بجانبي... فلترحل لو سمحت... فأنا لا أريد أن أجوع بعد الآن...



#عبد_الرحمن_جاسم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سأخون وطني
- لغة الخطاب


المزيد.....




- كيف يواصل الروس السفر إلى أوروبا رغم القيود الصارمة على التأ ...
- رجل يقتحم البوابة الأمامية لمنزل جينيفر أنيستون بسيارته
- لأول مرة.. الجيش الإسرائيلي يصدر إنذارا بإخلاء مطار صنعاء
- باراك رافيد يوضح لـCNN أسباب تأجيل إسرائيل خطة توسيع عملياته ...
- الكرملين: أوكرانيا تواصل محاولاتها ضرب منشآت البنية التحتية ...
- موقع إيراني: طهران وواشنطن تستأنفان التفاوض في مسقط يوم 11 م ...
- وزير التراث الإسرائيلي: -اقصفوا مخازن الغذاء في غزة.. عليهم ...
- سجن ألكتراز: كيف أصبح السجن الأكثر تشديداً ولا يمكن الهرب من ...
- ما هو -محور موراج- الذي تريد إسرائيل حشر الغزاويين فيه؟
- الدفاع الروسية: استعادة 205 جنود روس من الأسر الأوكراني بوسا ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الرحمن جاسم - لا أريد أن أجوع