أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحمن جاسم - لدي ما يكفي من الحزن














المزيد.....

لدي ما يكفي من الحزن


عبد الرحمن جاسم

الحوار المتمدن-العدد: 1331 - 2005 / 9 / 28 - 13:18
المحور: الادب والفن
    


لدي ما يكفي من الحزن لأراقب بصمت، صمت الأشياء حولي، وتحركها البسيط حامله كل صباح ألوانها الخاصة. أراقب صمت الوجوه الحزينة المتجهة إلى عملها صباحاً، تحمل حزن الدنيا كلها، فتزيدني حزناً على حزن، فأتوقف قليلاً لأوازن نفسي أكثر. أتأمل وأنا أجلس فوق شرفتي نفس الوجوه، وبكل الحزن الموجود في الدنيا، لكأنها تذهب للموت. وأستغرب لِمَ كل هذا الحزن، أين ذهب الخروج إلى الحقل، وأغاني الفلاحين، وزقزقة الطيور. أساتذة المدارس وجوههم كالحة الألوان، العمال تعتيلهم كآبة قديمة، ينفضونها عنهم، يجاهدون، وأنا أرتشف قهوتي، صباحاً، وأزيد على حزني درجةً جديد، كما لو أن حزني لا يكفيني.
لدي ما يكفي من الحزن، لأتابع باستسلام، اعتقال صحفي لوجهة نظر، لاعتقال محطة تلفزة لنشر خبر، لاعتقال وطن بتهمة الحرية. ما الذي يزيد حزنكم أكثر، أحبتي، هل الخبر بحد ذاته يؤلمكم، أم شعوركم بالعجز عن القيام بشيء؟ شعوركم بأن كل ما تفعلونه قد يكون بلا قيمة أم هو معرفتكم بالخبر الحزين لذاك الاعتقال – ولا يهم أي اعتقال أقصد- فأنتم أحبتي بإمكانكم تحديد أي اعتقال أقصد.
لدي ما يكفي من الحزن، لافرح بأبسط الأشياء، فالفرح صار قليلاً إلى حد السراب. ما هي حاجات البشر المفقودة؟ ما هي الحاجات التي يحتاجها الانسان لكي يكون سعيداً، قد يظن الكثيرون بأنها أشياء متعددة، لكن الأمر ليس كذلك، فما نحتاجه هو حاجتين: الحاجة للضم، والثانية الحاجة للكلام. يا أحبتي، نحن بحاجة لأن يضمنا أحد، أن نبكي على ذراعه، أن يضمنا، ويشعرنا بالأمان، والراحة، والطمأنينة، كلها أشياء نفتقدها، كلها أشياء تزيد من حزننا لأنها غير موجودة، ونظل نبحث عنها بلا فائدة، وبلا هدف. الحاجة الأخرى، حاجتنا للكلام، الحاجة الأساسية المؤثرة، أن نتكلم ويسمعنا أحد، أن نقول ما بداخلنا دون حواجز، دون حدود، دون مخاوف، أن يسمعنا أحد ولا يشنقنا، أو يعلق رأسنا على رمح على باب عاصمة من عواصمنا. يا أحبتي حاجاتنا تقتلنا، وتزيد من حزننا، وأنا لدي ما يكفي من الحزن، وكالعادة لا يمكنني تحمل المزيد، ومع هذا آخذ المزيد، لربما بحكم العادة.
لدي ما يكفي من الحزن، لكي أكتب أكثر، لكي أبحث عن حل يعيدني لأحلامي، لكي أستطيع أن أخطو للأمام رغم كل السلاسل التي تدفعني للخلف، رغم كل الرياح التي تهوى تحطيمي، حتى رغم ألامي الكثيرة، يا أحبتي، لا تجعلوا حزنكم يعطلكم عن الحلم، فالحلم يتغذى بالأحزان، شأنه شأن أي موهبة أو قدرةٍ عظيمة، أجل لدي ما يكفي من الحزن، ولست متضايقاً لأجل ذلك، بل إنني أقبل الأمر وأضمه إلى قلبي بشدة.
لدي ما يكفي من الحزن، ويمكنني العيش مع ذلك، ويمكنني الفرح رغم ذلك، لأنني اعتدت وجوده في صدري، اعتدت أن أعيش معه، ويعيش معي، حتى بات جزءٌ مني، وأفهم أنني لا أكون بلاه، ولا يكون بلاي، هي اذن نوع من الاتفاق الشفهي غير المكتوب، يا أحبتي، أسألكم أليس لديكم حزنٌ مثلي، تشعرون بنبضه كلما تحركتم، كلما ندهتم، كلما هتف شيء فيكم، ألا تشعرون به؟
لدي ما يكفي من الحزن، ولديكم حزنٌ يكفيكم أنتم أيضاً، فلا ترفضوه، بل اقبلوا به، فإنه أنتم، وتستطيعون الحياة معه.
أترككم كالعادة، وأعرف أن الأمر كله، في النهاية لكم.



#عبد_الرحمن_جاسم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بلا أسماء
- رواية مطولة...(تنشر على حلقات)
- أكتب لنفسي...
- أنتظره
- تلفزيون، كثيراً وللغاية...
- لا أريد أن أجوع
- سأخون وطني
- لغة الخطاب


المزيد.....




- في مئوية -الرواية العظيمة-.. الحلم الأميركي بين الموت والحيا ...
- الغاوون:قصيدة (مش ناوى ترجع مالسفر )الشاعر ايمن خميس بطيخ.مص ...
- الشاعر الفلسطيني مصعب أبو توهة يفوز بجائزة -بوليتزر-
- الثقافة العربية بالترجمات الهندية.. مكتبة كتارا تفتح جسرا جد ...
- ترامب يأمر بفرض رسوم جمركية على الأفلام السينمائية المنتجة خ ...
- إسرائيل: الكنيست يناقش فرض ضريبة 80? على التبرعات الأجنبية ل ...
- أسلك شائكة .. فيلم في واسط يحكي عن بطولات المقاتلين
- هوليوود مصدومة بخطة ترامب للرسوم الجمركية على صناعة السينما ...
- مؤسسة الدوحة للأفلام تعزز حضورها العالمي بـ8 أعمال في مهرجان ...
- أدّى أدوارًا مسرحية لا تُنسى.. وفاة الفنان المصري نعيم عيسى ...


المزيد.....

- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحمن جاسم - لدي ما يكفي من الحزن