أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف 15-10- 2005 الديمقراطية والاصلاح السياسي في العالم العربي - شاهر أحمد نصر - الديموقراطية وسيلة ضرورية للإصلاح السياسي في العالم العربي















المزيد.....



الديموقراطية وسيلة ضرورية للإصلاح السياسي في العالم العربي


شاهر أحمد نصر

الحوار المتمدن-العدد: 1348 - 2005 / 10 / 15 - 11:12
المحور: ملف 15-10- 2005 الديمقراطية والاصلاح السياسي في العالم العربي
    


الحرية والديموقراطية قضيتان متلازمتان، وضروريتان لكل نهضة وتقدم. ولعل غياب الحرية في مختلف مفاصل المجتمعات العربية من أهم الأسباب التي تعرقل نهضتها. فالحرية هي بمثابة الروح في النظام الاجتماعي القابل للتطور والتقدم. وتبقى أية معالجة للمسألة الديموقراطية قاصرة إن لم تأخذ الحرية بالحسبان. والديموقراطية ضرورية للأفراد وللمجتمعات كضرورة الحرية لها، لأنّ "الحرية هي ماهية الروح ". (1) ومن هنا فإنّ تنازل الإنسان عن حريته للحاكم، أو لأي شخص آخر، إنما يعني أنّه يتنازل عن إنسانيته، أي أنّه يتنازل عن حقوقه وواجباته كإنسان، كما يرى روسو.
الديموقراطية حاجة موضوعية تنبع من داخل المجتمع ولا تفرض من الخارج:
إنّ الحرية والديموقراطية لا تفرضان فرضاً... لقد عالج كثير من المفكرين هذه القضية، وبينوا أنّ فرض الحرية أمر ينطوي على تناقض، وأنّ الإرهاب ليس سوى مظهر فارغ من مجهود يرمي إلى فرض الكلي المجرب، ومثال الحرية على الخصوصية الفعلية... والإكراه على الحرية هو حتمية اللاحرية. ويرى هيغل أنّ الحرية لا يمكن أن تفرض على الإنسان من الخارج، إذ أنّ هذا التعيين بالخارجية هو بالضبط نقيض الحرية، هو الضرورة، هو تدمير للوحدة، هو القباحة بعينها. فلا بد لحرية من أن تنبع من الداخل... (مع) ضرورة تربية الوعي الضروري لانبثاق الحرية(2). وفي الوقت نفسه من الجلي والبديهي أنّ أي مجتمع لا يمكن أن يعيش ويتطور بشكل سليم بمعزل عن العالم، خاصة في عصرنا الراهن، الذي يمتاز بالتداخل والمشاركة، ولم يغفل هيغل عن هذه القضية حتى في حينه، إذ يقول: "الحرية لا يمكن أن تقوم على الانفصال عن الآخر."(3)
ومن المخاطر التي تهدد مفهوم الديموقراطية، خطر تحالف الصهيونية مع الاحتكارات الرأسمالية التي تدعي الديموقراطية، ومحاولة فرض مفهومها للديموقراطية على البشرية عن طريق التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وشن الحروب، تحت شعار نشر الحرية والديموقراطية، مما يؤدي إلى تشويه مفاهيم الديموقراطية، وفرض أنماط من الديموقراطية ذات أخلاقية لاإنسانية على الشعوب... إنّ الطغم الحاكمة الممثلة الاحتكارات الرأسمالية، والصناعات العسكرية في بعض البلدان الرأسمالية المتحالفة مع بيوتات المال الصهيونية، التي تشن الحروب بحجة نشر الديموقراطية توجه سهامها إلى الديموقراطية نفسها، وهي تحارب الأسس الحقوقية والفكرية الديموقراطية التي بنت مجتمعاتها عليها، تلك المجتمعات التي استطاعت أن تجدد نفسها بواسطة الديموقراطية.. لن تستطيع هذه الطغم أن تستمر في خداع الشعوب، وستلفظها مجتمعاتها في إطار الحركة الديموقراطية التي تصحح نفسها..
لقد بات معروفاً، منذ بداية القرن العشرين، أنّ الرأسمالية الاحتكارية هي إنكار للديموقراطية عن طريق السيطرة، وانتهاك حق الأمم في تقرير مصيرها: و"أنّ البناء الفوقي السياسي على الاقتصاد الجديد، على الرأسمالية الاحتكارية هو انعطاف من الديموقراطية إلى الرجعية السياسية. فالديموقراطية تقابل المنافسة الحرة. والرجعية السياسية تقابل الاحتكار. وعن حق وصواب، قال ر. هيلفردينغ في كتابه "الرأسمال المالي": "إنّ الرأسمال المالي يسعى إلى السيطرة وليس إلى الحرية". "إنّ فصل "السياسة الخارجية" عن السياسة الداخلية على العموم أو بالأحرى معارضة السياسة الخارجية بالسياسة الداخلية هما، أصلاً، فكرة غير صحيحة... غير علمية. ففي السياسة الخارجية، وفي السياسة الداخلية على حد سواء، تسعى الاحتكارات الرأسمالية إلى انتهاك الديموقراطية. وبهذا المعنى، لا جدال في أنّ سياسة الاحتكارات الرأسمالية هي "إنكار" للديموقراطية على العموم، للديموقراطية بكاملها، وإنكار لأحد مطالب الديموقراطية، أي بالذات حق الأمم في تقرير المصير."(4)
وفي الوقت نفسه، علينا أن لا ندير ظهرنا للديموقراطية ونعاديها، بحجة أنّ الاحتكارات الرأسمالية المتحالفة مع الصهيونية تروج لها عن طريق الحروب... مع الأخذ بعين الاعتبار أن الديموقراطية التي تأتي تحت أسنة الحراب تبقى رهينة لتلك الحراب، إن لم تأخذ الشعوب الحية زمام المبادرة...
ومع التأكيد على ضرورة أن تنبع الديموقراطية من الداخل، لا يمكن تجاهل تأثير العوامل الخارجية، وقد يكون الفعل الخارجي عملاً وعاملاً مسرعين في القطع مع الاستبداد والسير نحو الديموقراطية، وتبقى العوامل الداخلية هي المقررة لمصير مسيرة الديموقراطية، إذ لا يستطيع العامل الخارجي مهما بلغ من شأن وقوة أن يحل محل العوامل الداخلية... وفي الوقت نفسه، من الضروري الاستفادة من العوامل الخارجية، وفي هذا السياق من المفيد التمعن في التساؤلات التي تطرح، حتى من قبل عامة الناس، ومنها:
إلى متى يمكن أن يستمر نظام الاستبداد والطغيان، في هذا البلد أو ذاك، لولا تأثير العوامل الخارجية؟ ألم يؤدِ توق الأنظمة الاستبدادية إلى الأبدية في الحكم، واستعصاؤها على أي إصلاح داخلي، إلى حلم شعوبها بأي مخلص؟ ألم تزد هذه الحالة الشاذة من جذوة الإيمان بضرورة تسليط جبار أشد قسوة منها للخلاص من الاستبداد؟
ومن المفيد التمعن في آثار حملة نابليون على مصر، كما أنّه من الضروري التمعن في تجربة الشعبين الياباني والألماني بعد احتلال الولايات المتحدة الأمريكية لألمانيا الغربية واليابان، عقب الحرب العالمية الثانية، إنّ من قام بالمعجزة الاقتصادية هو الشعب الألماني والشعب الياباني، وليس الأمريكان، وفي الوقت نفسه، من غير الإنصاف، ومن غير الموضوعية تجاهل أهمية العامل الخارجي (الأمريكي)... يبقى القرار للشعوب في مسألة بناء غدها ومستقبلها، مع استفادتها من الظروف العالمية الخارجية، التي كثيراً ما تساعد الشعوب في تخطي مراحل طويلة من الركود والاستبداد...
أجل، من الضروري والهام أن تنبع الحرية والديموقراطية من داخل كل مجتمع... وعند الحديث عن ضرورة أن تنبع الديموقراطية من داخل مجتمعاتنا، من الضروري تفنيد حجج بعض المفكرين الغربيين، والإسلاميين، حول عدم صلاحية النظام الديموقراطي للمجتمعات الإسلامية، وتبريرهم نظرتهم بحجج ومزاعم، قد تكون مختلفة، إنما تخدم غاية واحدة، هي عزل هذه المجتمعات عن مسيرة التطور العالمي.. ومن هذه الحجج: (عدم) إقرار الفكر الإسلامي بفصل الدين عن الدولة، أو استقلال الهيئات والسلطة القضائية والتشريعية عن التنفيذية، هذا الفصل الذي يُعَدُّ من أسس الديموقراطية، بالتالي فهي نظام علماني غربي وغريب عن المجتمعات الإسلامية.. فضلاً عن (اعتماد) الدين كأساس التشريع في الفكر الإسلامي، في الوقت الذي يقر النظام الديموقراطي بأنّ الإنسان هو الذي يصوغ النظام الذي يناسبه، ويشرع لنفسه، مما قد يعني الابتعاد عن بعض أحكام الشرع، كالمفاضلة بين الذكر والأنثى، والجلد، وقطع اليد.. وشرب الخمر..الخ كل ذلك فضلاً عن حجج بعض المفكرين الغربيين، الذين يرون أنّ الديموقراطية شكل خاص من أشكال الأنظمة السياسية، يحتاج إلى مجتمع معين ـ يزعمون بأنّ المجتمعات الشرقية والمتخلفة غير مؤهلة لتطبيقه، وهم ينطلقون من حجج بعضها قريب إلى العنصرية... فهذا مونتسكيو يعتقد أنّ الحكومة الديموقراطية المعتدلة هي أصلح ما يكون للمجتمعات المسيحية، والحكومة المستبدة أصلح للعالم الإسلامي..(5) كما أنّ أرسطو كان يجعل الجنس اليوناني أرقى الأجناس، وأصلحهم للحكم الديموقراطي، أما الهمج والبرابرة، ومنهم شعوب الشرق القديم، فلا يصلح لهم سوى حكم الاستبداد والطغيان... وأدخل ستيوارت ميل المجتمعات المتخلفة في نطاق القُّصَر، ويعتبر نظام الاستبداد مشروع كنمط من أنماط الحكم في حكم الهمج والبرابرة، على شرط أن تكون الغاية المنشودة هي إصلاحهم.. وهو يبرر الاستعمار بحجة إصلاح الشعوب المتخلفة... ويرى "برتراند رسل" استحالة ممارسة الديموقراطية في مجتمع تسوده الأمية، قبل أن يتهيأ الناس فيها !!(6)
عند تفنيد حجج هؤلاء المفكرين الغربيين والإسلاميين ـ التي بيّنا بعضها أعلاه ـ من المفيد التعرف على حجج لمفكرين غربيين وإسلاميين آخرين تردّ عليها.. وفي هذا السياق نتوقف عند الموضوعات التالية:
* ـ إنّ حضارات الشعوب وثقافاتها متداخلة، لا توجد حضارة بمعزل عن الأخرى، وتستفيد جميعها من تجارب بعضها بعض، والفكر والتنوير الغربيين لم يوجدا بمعزل عن تأثيرات المفكرين العرب والمسلمين، كابن رشد وابن سينا والفارابي وغيرهم، والديموقراطية في تطورها العام، وما دخل عليها من تأثيرات فكرية وعملية، هي تجربة إنسانية عالمية عامة يفرضها العقل البشري، وتتطلبها الأخلاق وضرورات اجتماعية لتحافظ على كرامة الإنسان وقيمته، تهدف لتحقيق الحرية والمساواة للإنسان بما هو إنسان، وهي ليست تجربة الآخرين "المختلفين عنا"،...
* ـ بما أنّ جوهر الدين الإسلامي هو العدالة والمساواة، وتحقيق إنسانية الإنسان، بالتالي لا يوجد في الدين الإسلامي ما يمنع من تطبيق الديموقراطية، التي تعتمد على الحرية والعدالة والمساواة، هذه القيم التي نجد الدعوة إليها صريحة في القرآن الكريم...
أما فيما يخص القول بأنّ الديموقراطية مستوردة، فمن المفيد والمهم التمعن في الواقعة التالية:
"قدم أبو هريرة وكان والياً على البحرين ـ على الخليفة عمر ومعه مال كثير، فقال له عمر: ماذا جئت به؟ قال خمسمائة ألف درهم. قال عمر أتدري ما تقول؟ قال: نعم، مائة ألف درهم (وكررها خمس مرات). فصعد عمر المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال أيها الناس قد جاءنا مال كثير، فإن شئتم كلناه كيلاً، وإن شئتم أن نعده عداً، فخشي بعض الصحابة ألا يكون للغائب عن القسمة نصيب، فقام إليه رجل زار فارس، فقال: يا أمير المؤمنين، قد رأيت هؤلاء الأعاجم يدوّنون لهم ديواناً، فقال عمر: دونوا الدواوين!
تدل هذه الواقعة على :
آ ـ أنّ أبسط شيء من شؤون الإدارة أو السياسة، وهو أن يكون هناك دواوين (مصالح أو وزارات) لم يكن معروفاً في العهد الأول من الإسلام،
ب ـ لم يجد الخليفة العادل والمشهود له بالغيرة على الإسلام حرجاً أن يقتبس نظاماً من الأعاجم، ما دام لا نظير له ولا بديل فضلاً عن الحاجة الملحة له، ولم يستنكره عمر بدعوى أنّه " نظام مستورد" .
* ـ أثبتت الحياة، كما هو معروف، أنّ الديموقراطية تصحح نفسها، وكما أنّ ممارسة الحرية بحاجة إلى تعلم وتمرين، وجهد ووقت، وأنّ كثيرين من الناس يسيئون استخدام حريتهم عن جهل أو بسبب سيطرة الغريزة، فإنّه يحتاجون إلى تصحيح أخطائهم، ويتم ذلك من خلال ممارسة الديموقراطية، ولهذا قيل إنّ الديموقراطية، التي هي التطبيق العملي للحرية، هي ممارسة بالدرجة الأولى. وإساءة استخدام الحرية من قبل البعض لأسباب خاصة لا تبرر حجبها عن المجموع، بل تتطلب تصحيح سلوك المخطئين في الممارسة المستمرة للديموقراطية. إنّ حجب الحرية عن شعب ما، بحجة أنّه غير مهيأ لها، أشبه بحجب الماء عن المزروعات قبل إنباتها ونضجها.. وما الزعم بقصور المجتمعات والشعوب إلاّ حجة وضيعة لاستعبادها واستعمارها.. ويتجلى ذلك في تبرير وجود الحكام المستبدين الذين يدعون بأنّهم يعلمون شعوبهم، وهم في الحقيقة يستعبدونهم، ويزيدونهم ضعة وتخلفاً في أنظمة الاستبداد، وسهولة للانصياع والهوان، والخضوع للمحتل والمستعمر...
* ـ أثبتت الديموقراطية جدارتها وحقها في البقاء، فقد ظهرت معها نظم كثيرة وزالت أو هي في طريقها إلى الزوال.. ولم تهاجم الديموقراطية صراحة سوى الفاشية والأنظمة الديكتاتورية والقمعية، لما لها من نزعة عنصرية بارزة لا تستطيع إخفاءها. وللديموقراطية أشكال متعددة، والثابت فيها هي المبادئ التي تقوم عليها كالحرية والعدالة والمساواة..
الديموقراطية والعدالة الاجتماعية:
من المعروف أنّ الديموقراطية البرجوازية لم تحقق العدالة الاجتماعية... و:"الجمهورية الديموقراطية (البرجوازبة) لا تعرف رسمياً أي شيء عن الفوارق "( بين المواطنين )" من حيث الثروة. ففي ظلها تمارس الثروة سلطتها بصورة غير مباشرة، ولكن بضمان أكبر. فمن ناحية، بشكل رشوة الموظفين مباشرة. ومن ناحية أخرى بشكل تحالف الحكومة مع البورصة.."(7) بالتالي فالجمهورية الديموقراطية تناقض الرأسمالية "منطقياً" إذ أنّها تساوي "رسمياً" بين الغني والفقير. وذلك هو التناقض بين النظام الاقتصادي والبناء السياسي. ولدى الجمهورية مع الإمبريالية نفس التناقض معمقاً أو مشدداً بكون حلول الاحتكار محل المنافسة الحرة يخلق "صعوبات" أكبر أمام تحقيق أية حريات سياسية. وتقترن الرأسمالية مع الديموقراطية، عن طريق التطبيق غير المباشر لسلطة الرأسمال الشاملة! هناك وسيلتان اقتصاديتان لهذا الغرض: 1) الرشوة المباشرة، 2) تحالف الحكومة مع البورصة. إنّ الرأسمال المالي سيشتري ويرشو الحكومة والموظفين بحرية. والجمهورية الديموقراطية هي أحسن غلاف سياسي ممكن للرأسمالية، ولذا فرأس المال، إذ يستولي على هذا الغلاف يقيم سلطته على أساس مكين، وعلى أساس مضمون، لحد لا يمكن معه لأي تبديل في الأشخاص، ولا في المؤسسات، ولا في الأحزاب، في الجمهورية البرجوازية الديموقراطية أن يزعزع هذه السلطة.(8) وما حق الانتخاب العام ألاّ أداة لسيادة الطبقة الأقوى... ومع هذه الانتقادات الموضوعية للديموقراطية البرجوازية من الضروري التأكيد على أهمية الديموقراطية، وضرورة تطويرها، والاستفادة من محاسنها، فتطوير الديموقراطية حتى النهاية والبحث عن أشكال هذا التطوير والتحقق منها فعلاً الخ.. كل هذا هو مهمة من مهام النضال من أجل حياة أفضل، ومن أجل الإصلاح الاجتماعي؛ فما من ديموقراطية، إذا أخذت على حدة، تعطي عدالة تامة، أو اشتراكية، ولكن الديموقراطية في الحياة "لا تؤخذ "قط" على حدة "بل" تؤخذ مع المجموع "وتؤثر تأثيرها على الاقتصاد أيضاً وتحفز تطوره وتتعرض لتأثير التطور الاقتصادي، الخ.. هذا هو ديالكتيك التاريخ الحي".(9)
ولقد أثبتت التجربة التاريخية أنّ الديموقراطية وسيلة مساعدة في معالجة الأزمات الاجتماعية والسياسية، ووسيلة تساعد الكادحين على تحسين مستوى معيشتهم: بما أنّ الديموقراطية أسلوب حكم سياسي، يمكن تطبيقه في جميع المجتمعات، بما فيها تلك التي تسود فيها علاقات الإنتاج الرأسمالية، والرأسمالية غايتها الربح، فمن الطبيعي أن لا تتطابق الديموقراطية والعدالة الاجتماعية.. إلاّ أن مسألة العدالة الاجتماعية، كباقي المسائل الاجتماعية، تبقى في صلب مهام أغلب القوى والأحزاب الفاعلة في المجتمع الديموقراطي، ومن الطبيعي أن تتضمن برامج تلك الأحزاب السياسية التي تعمل في المناخ الديموقراطي، برامج وآليات، وأنظمة تعمل لتحقيقها، وتقود إلى العدالة الاجتماعية... فالديموقراطية تساعد في صياغة نهج سياسة اجتماعية تتطور باستمرار، مع منح المستغَلين إمكانية النضال للمحافظة على مستوى جيد لمعيشة لكافة أبناء المجتمع، وتطوير هذا المستوى وفق آليات ضريبية، وصناديق الضمان الاجتماعي، وتوفير فرص العمل باستمرار. وبفضل نشاط الأحزاب التي تعبر عن مصالح المنتجين والمضطهدين، تدخل مسألة تحقيق العدالة الاجتماعية في صلب، سياسة الحكومة والدولة.. وخير مثال على ذلك دور الدولة في الدول الأوروبية الديموقراطية في إعادة توزيع الدخل، عن طريق سياسة الضرائب، وتأمين الخدمات الاجتماعية، للتخفيف من الفوارق الطبقية بين أبناء المجتمع، وتأمين الحد الضروري من المعيشة اللائقة بحياة الإنسان فيها... فالديموقراطية وسيلة للسعي نحو العدالة الاجتماعية، وهي وسيلة مساعدة في معالجة الأزمات الاجتماعية والسياسية، وتساعد في خلق آليات وبنى ضرورية لتعرية الشذوذ، وحماية السلوك والأخلاق السليمة، وتبيان الغلو والتعصب والتطرف في التفكير والممارسة والحد منها، وتساعد في صيانة حقوق الإنسان، وتفتح مؤسسات المجتمع المدني، وتبيان واجبات وحقوق جميع أبناء المجتمع من ذكر وأنثى، امرأة وطفل، منتج ومستثمر، فلاح وعامل، غني وفقير.
الديموقراطية وخصوصية كل مجتمع:
كثيراً ما تجري ممانعة عملية الإصلاح السياسي الديموقراطي في بلداننا بحجة خصوصية مجتمعاتنا... وكنا قد فندنا هذه الادعاءات في مطلع هذا المقال، مبينين أنّ الديموقراطية تجربة إنسانية عامة وهي ملك الشعوب كافة وليست حكراً على هذا الشعب أو ذاك... ولقد قادت مزاعم الخصوصية إلى تطبيق بعض البلدان أشكالاً مشوهة من الديموقراطية... ولعل الديموقراطية الشعبية من أكثر أشكال الديموقراطية ابتذالاً، فهي بحجة الخصوصية تقيم أنظمة استبدادية ديموقراطية الشكل ديكتاتورية المحتوى... وللبرهان على مشاركة المواطنين في عملية الحكم، يؤسس الحكام في هذه الأنظمة مؤسسات سياسية، واقتصادية، واجتماعية تخضع فعلياً لهيمنة السلطات الحاكمة، وأجهزتها المخابراتية، وتبدو من حيث الشكل وكأنّها تمثل الفئات الاجتماعية كلها... وهي عملياً تحد من نشاط القوى السياسية. وكأن فلسفة هذه الأنظمة تلغي مسيرة التاريخ المتغيرة والمتجددة باستمرار، وتعمل على كبح عملية التطور، وجعلها ومستقبل الشعوب والمجتمعات رهينة تصور حزب واحد.. مما يعمل على سد الأفق أمام تطور وتقدم المجتمع..
ولقد قادت الخصوصية إلى أن تعتمد أغلب الأنظمة العربية أساليب الحكم في ظل حالة من الطوارئ، والأحكام العرفية، تسود لعقود من الزمن، بحجة مواجهة التحديات الخارجية، وهي في الواقع تضعف مجتمعاتها، وتساهم في زرع روح الخوف والجبن بين صفوف الشعب، مع هيمنة حالة من التشوه والفساد، محمية بقوانين الطوارئ، التي تحولت إلى أفضل سلاح يخدم العدو...
فزاعة التيارات الإسلامية:
انتشرت في الآونة الأخيرة فزاعة وصول التيارات الإسلامية إلى السلطة، من خلال العملية الديموقراطية، عبر صناديق الاقتراع، لتنقض بعدئذ على الديموقراطية.. وتستخدم هذه الفزاعة سلاحاً لممانعة حصول أي إصلاح سياسي ديموقراطي، في كثير من البلدان العربية... وفي هذا الخصوص نرى مفيداً تبيان الأمور التالية:
* إنّ جميع الأحزاب والتيارات والقوى السياسية العربية، بما فيها القومية والماركسية، نشأت في تربة إسلامية، وكان للفكر الإسلامي تأثير كبير على أعضائها والمنتسبين إليها، كما دخل الفكر الإسلامي في فكر هذه القوى والأحزاب.
* الفكر الإسلامي من حيث الجوهر لا يتناقض مع الديموقراطية كما بيّنا، وها هي العديد من التنظيمات الإسلامية، بما فيها جماعة الإخوان المسلمين، تعلن تبنيها للمنهج الديموقراطي في الحكم... هذا لا يمنع مع الأسف وجود بعض القوى المتطرفة التي لا تعترف بالآخر، وتتستر وراء الشعارات الدينية والإسلامية، والتي تشكل خطراً على المجتمع الديموقراطي...
* مارس الكثير من التيارات الإسلامية العمل الديموقراطي واحترمت قوانين العملية الديموقراطية، وتعرف الحياة السياسية العربية أسماء بارزة من بين تلك التيارات، من بينها على سبيل المثال لا الحصر: الشيخ مصطفى السباعي، والأديب والصحفي البارز بشير عوف، صاحب صحيفة المنار الدمشقية... ومع الأسف قامت بعض العناصر المتطرفة المنتمية إلى عدد من تلك التيارات بأعمال إرهابية في المجتمع... تحتاج تلك التيارات والبنية، السياسية المهيمنة، التي ولدت في كنفها إلى وقفة تأمل، واعتذار من شعوبها، في إطار نظرة نقدية جريئة... لقد آن الأوان لهذه القوى كي تنظر نظرة نقدية إلى تاريخها، وتنتقل خطوة جريئة أخرى إلى الأمام...
إن عدم إقدامها على هذه الخطوات يفقد المجتمع قوى حية فاعلة ومؤثرة ضروية تساهم بشكل هام في عملية الإصلاح والتغيير...
إنّ المجتمع بأمس الحاجة لكل قوة تدفع به نحو الإصلاح والديموقراطية، ومن الضروري أن تتمعن جميع القوى بكيفية العمل، وتبتكر أساليب جديدة للعب الدور الضروري والمناسب لنجدة المجتمع... بل إن جذب مختلف التيارات والقوى، بما فيها الإسلامية، إلى العمل السياسي السليم، وفق قوانين حضارية يقرها المجتمع، يساهم في التخفيف من غلو البعض، ويعري بعض المصادر الفكرية للأعمال الإرهابية... ولا مجال للقضاء على ذلك الغلو إلاّ بنشر وعي سليم بديل، ولا يتم ذلك إلاّ في أجواء الحرية والديموقراطية السليمة، التي تؤمن المناخ المناسب لممارسة العمل السياسي السليم...
* الديموقراطية ليست عملية تشكيل أحزاب سياسية، وصناديق اقتراع فقط، بل هي بنية سياسية اجتماعية واقتصادية تقوم على عقد اجتماعي محدد في الدستور، ومجموعة من القوانين الديموقراطية التي تقرها أغلبية المجتمع، تعالج كافة مشاكل أبناء المجتمع وتعطي كل ذي حق حقه، بما في ذلك معالجة قضايا وحقوق الأقليات القومية وغيرها، تقاس ديموقراطية كل بلد بمدى حصول أبنائه، وفي مقدمتهم الأقليات على حقوقهم... ومن المعروف أنّه من بين القوانين الضرورية لممارسة الديموقراطية، في أي بلد، قانون تشكيل الأحزاب السياسية، وقوانين الانتخابات... وفي سبيل حماية البنية الديموقراطية، من الضروري أن تتضمن هذه القوانين ضوابط تمنع استفراد غلاة المتطرفين من سائر الاتجاهات بما فيها الدينية، بالحكم... ولعل قانون الأحزاب الذي يسمح بتأسيس الأحزاب على أساس وطني، وليس ديني، أو طائفي، أو قومي شوفيني منغلق، هو أحد الضوابط الديموقراطية في هذا الاتجاه، فضلاً عن قانون الانتخابات الديموقراطي الذي يأخذ تجارب الشعوب المتحضرة، وواقع المجتمع بعين الاعتبار... لا يعني ذلك بالضرورة منع أحدٍ من المسلمين أو غيرهم من النشاط السياسي، فالعمل السياسي حق وواجب لكل أبناء المجتمع، والمجتمع بحاجة لنشاط جميع أبنائه من مسلمين ومسيحيين وغيرهم... لهذه المسالة جانبان، الأول يتعلق بالعملية الديموقراطية، والثاني يتعلق بالقوى الدينية، بما فيها الإسلامية. يجب أن تكون العملية الديموقراطية واضحة شفافة عادلة متحضرة تسمح للجميع بممارسة نشاطهم وفق أسس قانونية يقرها المجتمع... وفيما يخص القوى المتدينة، بما فيها الإسلامية، فمن المفيد أن تكتشف وتتبنى السبل الديموقراطية السليمة في أساليب العمل، ومن بين هذه الأساليب تسمية الأحزاب، وبرامجها ونهجها... ما الضير في أن يكون برنامج الحزب الذي يضم في أغلبيته مسلمين مبنياً على أساس وطني عام، وليس ديني ضيق، ما الضير في أن يكون في صفوف الأحزاب الإسلامية مسيحيون وغيرهم، يتطلب ذلك نقلة نوعية في برامج ونهج وفكر هذه الأحزاب...
إنّ تمسك تلك التيارات ببعض الأمور (التي ربما تكون شكلية)، والتي تمنعها من ممارسة العمل، تضعفها وتهممشها... والديموقراطية لا تعدم النشاطات الدينية بل تنميها وتطورها وتجعل هذا النشاط علنياً شفافاً من خلال جمعيات حقوق الإنسان والجمعيات الخيرية والأهلية وغيرها...
التيارات الإسلامية ليست بعبعاً يخيف ويعرقل المسيرة الديموقراطية، بل هي جزء من النسيج الاجتماعي، من الضروري أن تخضع لقوانين العملية الديموقراطية، تلك القوانين التي يجب أن تمنع أية هيمنة أبدية طاغية لأية قوة حزبية أو دينية على مصير المجتمع...
قد تحصل أخطاء أثناء ممارسة العملية الديموقراطية، وما الدواء الناجع لأخطاء ممارسة الديموقراطية إلا مزيد من الديموقراطية... وتبقى الديموقراطية وسيلة ضرورية لمعالجة مختلف التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الماثلة أمام مجتمعاتنا، وشعوبنا.
طرطوس 2/10/2005 المهندس شاهر أحمد نصر
[email protected]
المصادر والهوامش
(1) هيغل " العقل في التاريخ ترجمة إمام عبد الفتاح إمام ـ درا التنوير ـ بيروت ـ الطبعة الثانية 1983 ص86
(2) برنار بورجوا ـ فكر هيغل السياسي ـ ترجمة الأب الياس زحلاوي ـ منشورات وزارة الثقافة ـ دمشق 1981 ـ ص37
(3) برنار بورجوا ـ فكر هيغل السياسي ـ ترجمة الأب الياس زحلاوي ـ منشورات وزارة الثقافة ـ دمشق 1981 ـ ص37
(4) لينين ـ المختارات ـ المجلد /6/ باللغة العربية ـ إصدار دار التقدم ـ موسكو 1977 ـ ص173
(5) مونتسكيو ـ روح القوانين المجلد الثاني ـ ترجمة عادل زعيتر ـ دار المعارف بمصر ـ 1953 ـ ص 178
(6) د. إمام عبد الفتاح إمام ـ عالم الفكر ـ المجلد 22 ـ العدد 2 عام 1993 ـ وزارة الإعلام ـ الكويت ـ ص36
(7) ف. انجلس . أصل العائلة والدولة والملكية الخاصة . ص178
(8) لينين ـ المختارات ـ المجلد /7/ باللغة العربية ـ إصدار دار التقدم ـ موسكو 1977 ـ ص24
(9) لينين ـ المختارات ـ المجلد /7/ باللغة العربية ـ إصدار دار التقدم ـ موسكو 1977 ـ ص100
شاهر أحمد نصر
الحرية والديموقراطية قضيتان متلازمتان، وضروريتان لكل نهضة وتقدم. ولعل غياب الحرية في مختلف مفاصل المجتمعات العربية من أهم الأسباب التي تعرقل نهضتها. فالحرية هي بمثابة الروح في النظام الاجتماعي القابل للتطور والتقدم. وتبقى أية معالجة للمسألة الديموقراطية قاصرة إن لم تأخذ الحرية بالحسبان. والديموقراطية ضرورية للأفراد وللمجتمعات كضرورة الحرية لها، لأنّ "الحرية هي ماهية الروح ". (1) ومن هنا فإنّ تنازل الإنسان عن حريته للحاكم، أو لأي شخص آخر، إنما يعني أنّه يتنازل عن إنسانيته، أي أنّه يتنازل عن حقوقه وواجباته كإنسان، كما يرى روسو.
الديموقراطية حاجة موضوعية تنبع من داخل المجتمع ولا تفرض من الخارج:
إنّ الحرية والديموقراطية لا تفرضان فرضاً... لقد عالج كثير من المفكرين هذه القضية، وبينوا أنّ فرض الحرية أمر ينطوي على تناقض، وأنّ الإرهاب ليس سوى مظهر فارغ من مجهود يرمي إلى فرض الكلي المجرب، ومثال الحرية على الخصوصية الفعلية... والإكراه على الحرية هو حتمية اللاحرية. ويرى هيغل أنّ الحرية لا يمكن أن تفرض على الإنسان من الخارج، إذ أنّ هذا التعيين بالخارجية هو بالضبط نقيض الحرية، هو الضرورة، هو تدمير للوحدة، هو القباحة بعينها. فلا بد لحرية من أن تنبع من الداخل... (مع) ضرورة تربية الوعي الضروري لانبثاق الحرية(2). وفي الوقت نفسه من الجلي والبديهي أنّ أي مجتمع لا يمكن أن يعيش ويتطور بشكل سليم بمعزل عن العالم، خاصة في عصرنا الراهن، الذي يمتاز بالتداخل والمشاركة، ولم يغفل هيغل عن هذه القضية حتى في حينه، إذ يقول: "الحرية لا يمكن أن تقوم على الانفصال عن الآخر."(3)
ومن المخاطر التي تهدد مفهوم الديموقراطية، خطر تحالف الصهيونية مع الاحتكارات الرأسمالية التي تدعي الديموقراطية، ومحاولة فرض مفهومها للديموقراطية على البشرية عن طريق التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وشن الحروب، تحت شعار نشر الحرية والديموقراطية، مما يؤدي إلى تشويه مفاهيم الديموقراطية، وفرض أنماط من الديموقراطية ذات أخلاقية لاإنسانية على الشعوب... إنّ الطغم الحاكمة الممثلة الاحتكارات الرأسمالية، والصناعات العسكرية في بعض البلدان الرأسمالية المتحالفة مع بيوتات المال الصهيونية، التي تشن الحروب بحجة نشر الديموقراطية توجه سهامها إلى الديموقراطية نفسها، وهي تحارب الأسس الحقوقية والفكرية الديموقراطية التي بنت مجتمعاتها عليها، تلك المجتمعات التي استطاعت أن تجدد نفسها بواسطة الديموقراطية.. لن تستطيع هذه الطغم أن تستمر في خداع الشعوب، وستلفظها مجتمعاتها في إطار الحركة الديموقراطية التي تصحح نفسها..
لقد بات معروفاً، منذ بداية القرن العشرين، أنّ الرأسمالية الاحتكارية هي إنكار للديموقراطية عن طريق السيطرة، وانتهاك حق الأمم في تقرير مصيرها: و"أنّ البناء الفوقي السياسي على الاقتصاد الجديد، على الرأسمالية الاحتكارية هو انعطاف من الديموقراطية إلى الرجعية السياسية. فالديموقراطية تقابل المنافسة الحرة. والرجعية السياسية تقابل الاحتكار. وعن حق وصواب، قال ر. هيلفردينغ في كتابه "الرأسمال المالي": "إنّ الرأسمال المالي يسعى إلى السيطرة وليس إلى الحرية". "إنّ فصل "السياسة الخارجية" عن السياسة الداخلية على العموم أو بالأحرى معارضة السياسة الخارجية بالسياسة الداخلية هما، أصلاً، فكرة غير صحيحة... غير علمية. ففي السياسة الخارجية، وفي السياسة الداخلية على حد سواء، تسعى الاحتكارات الرأسمالية إلى انتهاك الديموقراطية. وبهذا المعنى، لا جدال في أنّ سياسة الاحتكارات الرأسمالية هي "إنكار" للديموقراطية على العموم، للديموقراطية بكاملها، وإنكار لأحد مطالب الديموقراطية، أي بالذات حق الأمم في تقرير المصير."(4)
وفي الوقت نفسه، علينا أن لا ندير ظهرنا للديموقراطية ونعاديها، بحجة أنّ الاحتكارات الرأسمالية المتحالفة مع الصهيونية تروج لها عن طريق الحروب... مع الأخذ بعين الاعتبار أن الديموقراطية التي تأتي تحت أسنة الحراب تبقى رهينة لتلك الحراب، إن لم تأخذ الشعوب الحية زمام المبادرة...
ومع التأكيد على ضرورة أن تنبع الديموقراطية من الداخل، لا يمكن تجاهل تأثير العوامل الخارجية، وقد يكون الفعل الخارجي عملاً وعاملاً مسرعين في القطع مع الاستبداد والسير نحو الديموقراطية، وتبقى العوامل الداخلية هي المقررة لمصير مسيرة الديموقراطية، إذ لا يستطيع العامل الخارجي مهما بلغ من شأن وقوة أن يحل محل العوامل الداخلية... وفي الوقت نفسه، من الضروري الاستفادة من العوامل الخارجية، وفي هذا السياق من المفيد التمعن في التساؤلات التي تطرح، حتى من قبل عامة الناس، ومنها:
إلى متى يمكن أن يستمر نظام الاستبداد والطغيان، في هذا البلد أو ذاك، لولا تأثير العوامل الخارجية؟ ألم يؤدِ توق الأنظمة الاستبدادية إلى الأبدية في الحكم، واستعصاؤها على أي إصلاح داخلي، إلى حلم شعوبها بأي مخلص؟ ألم تزد هذه الحالة الشاذة من جذوة الإيمان بضرورة تسليط جبار أشد قسوة منها للخلاص من الاستبداد؟
ومن المفيد التمعن في آثار حملة نابليون على مصر، كما أنّه من الضروري التمعن في تجربة الشعبين الياباني والألماني بعد احتلال الولايات المتحدة الأمريكية لألمانيا الغربية واليابان، عقب الحرب العالمية الثانية، إنّ من قام بالمعجزة الاقتصادية هو الشعب الألماني والشعب الياباني، وليس الأمريكان، وفي الوقت نفسه، من غير الإنصاف، ومن غير الموضوعية تجاهل أهمية العامل الخارجي (الأمريكي)... يبقى القرار للشعوب في مسألة بناء غدها ومستقبلها، مع استفادتها من الظروف العالمية الخارجية، التي كثيراً ما تساعد الشعوب في تخطي مراحل طويلة من الركود والاستبداد...
أجل، من الضروري والهام أن تنبع الحرية والديموقراطية من داخل كل مجتمع... وعند الحديث عن ضرورة أن تنبع الديموقراطية من داخل مجتمعاتنا، من الضروري تفنيد حجج بعض المفكرين الغربيين، والإسلاميين، حول عدم صلاحية النظام الديموقراطي للمجتمعات الإسلامية، وتبريرهم نظرتهم بحجج ومزاعم، قد تكون مختلفة، إنما تخدم غاية واحدة، هي عزل هذه المجتمعات عن مسيرة التطور العالمي.. ومن هذه الحجج: (عدم) إقرار الفكر الإسلامي بفصل الدين عن الدولة، أو استقلال الهيئات والسلطة القضائية والتشريعية عن التنفيذية، هذا الفصل الذي يُعَدُّ من أسس الديموقراطية، بالتالي فهي نظام علماني غربي وغريب عن المجتمعات الإسلامية.. فضلاً عن (اعتماد) الدين كأساس التشريع في الفكر الإسلامي، في الوقت الذي يقر النظام الديموقراطي بأنّ الإنسان هو الذي يصوغ النظام الذي يناسبه، ويشرع لنفسه، مما قد يعني الابتعاد عن بعض أحكام الشرع، كالمفاضلة بين الذكر والأنثى، والجلد، وقطع اليد.. وشرب الخمر..الخ كل ذلك فضلاً عن حجج بعض المفكرين الغربيين، الذين يرون أنّ الديموقراطية شكل خاص من أشكال الأنظمة السياسية، يحتاج إلى مجتمع معين ـ يزعمون بأنّ المجتمعات الشرقية والمتخلفة غير مؤهلة لتطبيقه، وهم ينطلقون من حجج بعضها قريب إلى العنصرية... فهذا مونتسكيو يعتقد أنّ الحكومة الديموقراطية المعتدلة هي أصلح ما يكون للمجتمعات المسيحية، والحكومة المستبدة أصلح للعالم الإسلامي..(5) كما أنّ أرسطو كان يجعل الجنس اليوناني أرقى الأجناس، وأصلحهم للحكم الديموقراطي، أما الهمج والبرابرة، ومنهم شعوب الشرق القديم، فلا يصلح لهم سوى حكم الاستبداد والطغيان... وأدخل ستيوارت ميل المجتمعات المتخلفة في نطاق القُّصَر، ويعتبر نظام الاستبداد مشروع كنمط من أنماط الحكم في حكم الهمج والبرابرة، على شرط أن تكون الغاية المنشودة هي إصلاحهم.. وهو يبرر الاستعمار بحجة إصلاح الشعوب المتخلفة... ويرى "برتراند رسل" استحالة ممارسة الديموقراطية في مجتمع تسوده الأمية، قبل أن يتهيأ الناس فيها !!(6)
عند تفنيد حجج هؤلاء المفكرين الغربيين والإسلاميين ـ التي بيّنا بعضها أعلاه ـ من المفيد التعرف على حجج لمفكرين غربيين وإسلاميين آخرين تردّ عليها.. وفي هذا السياق نتوقف عند الموضوعات التالية:
* ـ إنّ حضارات الشعوب وثقافاتها متداخلة، لا توجد حضارة بمعزل عن الأخرى، وتستفيد جميعها من تجارب بعضها بعض، والفكر والتنوير الغربيين لم يوجدا بمعزل عن تأثيرات المفكرين العرب والمسلمين، كابن رشد وابن سينا والفارابي وغيرهم، والديموقراطية في تطورها العام، وما دخل عليها من تأثيرات فكرية وعملية، هي تجربة إنسانية عالمية عامة يفرضها العقل البشري، وتتطلبها الأخلاق وضرورات اجتماعية لتحافظ على كرامة الإنسان وقيمته، تهدف لتحقيق الحرية والمساواة للإنسان بما هو إنسان، وهي ليست تجربة الآخرين "المختلفين عنا"،...
* ـ بما أنّ جوهر الدين الإسلامي هو العدالة والمساواة، وتحقيق إنسانية الإنسان، بالتالي لا يوجد في الدين الإسلامي ما يمنع من تطبيق الديموقراطية، التي تعتمد على الحرية والعدالة والمساواة، هذه القيم التي نجد الدعوة إليها صريحة في القرآن الكريم...
أما فيما يخص القول بأنّ الديموقراطية مستوردة، فمن المفيد والمهم التمعن في الواقعة التالية:
"قدم أبو هريرة وكان والياً على البحرين ـ على الخليفة عمر ومعه مال كثير، فقال له عمر: ماذا جئت به؟ قال خمسمائة ألف درهم. قال عمر أتدري ما تقول؟ قال: نعم، مائة ألف درهم (وكررها خمس مرات). فصعد عمر المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال أيها الناس قد جاءنا مال كثير، فإن شئتم كلناه كيلاً، وإن شئتم أن نعده عداً، فخشي بعض الصحابة ألا يكون للغائب عن القسمة نصيب، فقام إليه رجل زار فارس، فقال: يا أمير المؤمنين، قد رأيت هؤلاء الأعاجم يدوّنون لهم ديواناً، فقال عمر: دونوا الدواوين!
تدل هذه الواقعة على :
آ ـ أنّ أبسط شيء من شؤون الإدارة أو السياسة، وهو أن يكون هناك دواوين (مصالح أو وزارات) لم يكن معروفاً في العهد الأول من الإسلام،
ب ـ لم يجد الخليفة العادل والمشهود له بالغيرة على الإسلام حرجاً أن يقتبس نظاماً من الأعاجم، ما دام لا نظير له ولا بديل فضلاً عن الحاجة الملحة له، ولم يستنكره عمر بدعوى أنّه " نظام مستورد" .
* ـ أثبتت الحياة، كما هو معروف، أنّ الديموقراطية تصحح نفسها، وكما أنّ ممارسة الحرية بحاجة إلى تعلم وتمرين، وجهد ووقت، وأنّ كثيرين من الناس يسيئون استخدام حريتهم عن جهل أو بسبب سيطرة الغريزة، فإنّه يحتاجون إلى تصحيح أخطائهم، ويتم ذلك من خلال ممارسة الديموقراطية، ولهذا قيل إنّ الديموقراطية، التي هي التطبيق العملي للحرية، هي ممارسة بالدرجة الأولى. وإساءة استخدام الحرية من قبل البعض لأسباب خاصة لا تبرر حجبها عن المجموع، بل تتطلب تصحيح سلوك المخطئين في الممارسة المستمرة للديموقراطية. إنّ حجب الحرية عن شعب ما، بحجة أنّه غير مهيأ لها، أشبه بحجب الماء عن المزروعات قبل إنباتها ونضجها.. وما الزعم بقصور المجتمعات والشعوب إلاّ حجة وضيعة لاستعبادها واستعمارها.. ويتجلى ذلك في تبرير وجود الحكام المستبدين الذين يدعون بأنّهم يعلمون شعوبهم، وهم في الحقيقة يستعبدونهم، ويزيدونهم ضعة وتخلفاً في أنظمة الاستبداد، وسهولة للانصياع والهوان، والخضوع للمحتل والمستعمر...
* ـ أثبتت الديموقراطية جدارتها وحقها في البقاء، فقد ظهرت معها نظم كثيرة وزالت أو هي في طريقها إلى الزوال.. ولم تهاجم الديموقراطية صراحة سوى الفاشية والأنظمة الديكتاتورية والقمعية، لما لها من نزعة عنصرية بارزة لا تستطيع إخفاءها. وللديموقراطية أشكال متعددة، والثابت فيها هي المبادئ التي تقوم عليها كالحرية والعدالة والمساواة..
الديموقراطية والعدالة الاجتماعية:
من المعروف أنّ الديموقراطية البرجوازية لم تحقق العدالة الاجتماعية... و:"الجمهورية الديموقراطية (البرجوازبة) لا تعرف رسمياً أي شيء عن الفوارق "( بين المواطنين )" من حيث الثروة. ففي ظلها تمارس الثروة سلطتها بصورة غير مباشرة، ولكن بضمان أكبر. فمن ناحية، بشكل رشوة الموظفين مباشرة. ومن ناحية أخرى بشكل تحالف الحكومة مع البورصة.."(7) بالتالي فالجمهورية الديموقراطية تناقض الرأسمالية "منطقياً" إذ أنّها تساوي "رسمياً" بين الغني والفقير. وذلك هو التناقض بين النظام الاقتصادي والبناء السياسي. ولدى الجمهورية مع الإمبريالية نفس التناقض معمقاً أو مشدداً بكون حلول الاحتكار محل المنافسة الحرة يخلق "صعوبات" أكبر أمام تحقيق أية حريات سياسية. وتقترن الرأسمالية مع الديموقراطية، عن طريق التطبيق غير المباشر لسلطة الرأسمال الشاملة! هناك وسيلتان اقتصاديتان لهذا الغرض: 1) الرشوة المباشرة، 2) تحالف الحكومة مع البورصة. إنّ الرأسمال المالي سيشتري ويرشو الحكومة والموظفين بحرية. والجمهورية الديموقراطية هي أحسن غلاف سياسي ممكن للرأسمالية، ولذا فرأس المال، إذ يستولي على هذا الغلاف يقيم سلطته على أساس مكين، وعلى أساس مضمون، لحد لا يمكن معه لأي تبديل في الأشخاص، ولا في المؤسسات، ولا في الأحزاب، في الجمهورية البرجوازية الديموقراطية أن يزعزع هذه السلطة.(8) وما حق الانتخاب العام ألاّ أداة لسيادة الطبقة الأقوى... ومع هذه الانتقادات الموضوعية للديموقراطية البرجوازية من الضروري التأكيد على أهمية الديموقراطية، وضرورة تطويرها، والاستفادة من محاسنها، فتطوير الديموقراطية حتى النهاية والبحث عن أشكال هذا التطوير والتحقق منها فعلاً الخ.. كل هذا هو مهمة من مهام النضال من أجل حياة أفضل، ومن أجل الإصلاح الاجتماعي؛ فما من ديموقراطية، إذا أخذت على حدة، تعطي عدالة تامة، أو اشتراكية، ولكن الديموقراطية في الحياة "لا تؤخذ "قط" على حدة "بل" تؤخذ مع المجموع "وتؤثر تأثيرها على الاقتصاد أيضاً وتحفز تطوره وتتعرض لتأثير التطور الاقتصادي، الخ.. هذا هو ديالكتيك التاريخ الحي".(9)
ولقد أثبتت التجربة التاريخية أنّ الديموقراطية وسيلة مساعدة في معالجة الأزمات الاجتماعية والسياسية، ووسيلة تساعد الكادحين على تحسين مستوى معيشتهم: بما أنّ الديموقراطية أسلوب حكم سياسي، يمكن تطبيقه في جميع المجتمعات، بما فيها تلك التي تسود فيها علاقات الإنتاج الرأسمالية، والرأسمالية غايتها الربح، فمن الطبيعي أن لا تتطابق الديموقراطية والعدالة الاجتماعية.. إلاّ أن مسألة العدالة الاجتماعية، كباقي المسائل الاجتماعية، تبقى في صلب مهام أغلب القوى والأحزاب الفاعلة في المجتمع الديموقراطي، ومن الطبيعي أن تتضمن برامج تلك الأحزاب السياسية التي تعمل في المناخ الديموقراطي، برامج وآليات، وأنظمة تعمل لتحقيقها، وتقود إلى العدالة الاجتماعية... فالديموقراطية تساعد في صياغة نهج سياسة اجتماعية تتطور باستمرار، مع منح المستغَلين إمكانية النضال للمحافظة على مستوى جيد لمعيشة لكافة أبناء المجتمع، وتطوير هذا المستوى وفق آليات ضريبية، وصناديق الضمان الاجتماعي، وتوفير فرص العمل باستمرار. وبفضل نشاط الأحزاب التي تعبر عن مصالح المنتجين والمضطهدين، تدخل مسألة تحقيق العدالة الاجتماعية في صلب، سياسة الحكومة والدولة.. وخير مثال على ذلك دور الدولة في الدول الأوروبية الديموقراطية في إعادة توزيع الدخل، عن طريق سياسة الضرائب، وتأمين الخدمات الاجتماعية، للتخفيف من الفوارق الطبقية بين أبناء المجتمع، وتأمين الحد الضروري من المعيشة اللائقة بحياة الإنسان فيها... فالديموقراطية وسيلة للسعي نحو العدالة الاجتماعية، وهي وسيلة مساعدة في معالجة الأزمات الاجتماعية والسياسية، وتساعد في خلق آليات وبنى ضرورية لتعرية الشذوذ، وحماية السلوك والأخلاق السليمة، وتبيان الغلو والتعصب والتطرف في التفكير والممارسة والحد منها، وتساعد في صيانة حقوق الإنسان، وتفتح مؤسسات المجتمع المدني، وتبيان واجبات وحقوق جميع أبناء المجتمع من ذكر وأنثى، امرأة وطفل، منتج ومستثمر، فلاح وعامل، غني وفقير.
الديموقراطية وخصوصية كل مجتمع:
كثيراً ما تجري ممانعة عملية الإصلاح السياسي الديموقراطي في بلداننا بحجة خصوصية مجتمعاتنا... وكنا قد فندنا هذه الادعاءات في مطلع هذا المقال، مبينين أنّ الديموقراطية تجربة إنسانية عامة وهي ملك الشعوب كافة وليست حكراً على هذا الشعب أو ذاك... ولقد قادت مزاعم الخصوصية إلى تطبيق بعض البلدان أشكالاً مشوهة من الديموقراطية... ولعل الديموقراطية الشعبية من أكثر أشكال الديموقراطية ابتذالاً، فهي بحجة الخصوصية تقيم أنظمة استبدادية ديموقراطية الشكل ديكتاتورية المحتوى... وللبرهان على مشاركة المواطنين في عملية الحكم، يؤسس الحكام في هذه الأنظمة مؤسسات سياسية، واقتصادية، واجتماعية تخضع فعلياً لهيمنة السلطات الحاكمة، وأجهزتها المخابراتية، وتبدو من حيث الشكل وكأنّها تمثل الفئات الاجتماعية كلها... وهي عملياً تحد من نشاط القوى السياسية. وكأن فلسفة هذه الأنظمة تلغي مسيرة التاريخ المتغيرة والمتجددة باستمرار، وتعمل على كبح عملية التطور، وجعلها ومستقبل الشعوب والمجتمعات رهينة تصور حزب واحد.. مما يعمل على سد الأفق أمام تطور وتقدم المجتمع..
ولقد قادت الخصوصية إلى أن تعتمد أغلب الأنظمة العربية أساليب الحكم في ظل حالة من الطوارئ، والأحكام العرفية، تسود لعقود من الزمن، بحجة مواجهة التحديات الخارجية، وهي في الواقع تضعف مجتمعاتها، وتساهم في زرع روح الخوف والجبن بين صفوف الشعب، مع هيمنة حالة من التشوه والفساد، محمية بقوانين الطوارئ، التي تحولت إلى أفضل سلاح يخدم العدو...
فزاعة التيارات الإسلامية:
انتشرت في الآونة الأخيرة فزاعة وصول التيارات الإسلامية إلى السلطة، من خلال العملية الديموقراطية، عبر صناديق الاقتراع، لتنقض بعدئذ على الديموقراطية.. وتستخدم هذه الفزاعة سلاحاً لممانعة حصول أي إصلاح سياسي ديموقراطي، في كثير من البلدان العربية... وفي هذا الخصوص نرى مفيداً تبيان الأمور التالية:
* إنّ جميع الأحزاب والتيارات والقوى السياسية العربية، بما فيها القومية والماركسية، نشأت في تربة إسلامية، وكان للفكر الإسلامي تأثير كبير على أعضائها والمنتسبين إليها، كما دخل الفكر الإسلامي في فكر هذه القوى والأحزاب.
* الفكر الإسلامي من حيث الجوهر لا يتناقض مع الديموقراطية كما بيّنا، وها هي العديد من التنظيمات الإسلامية، بما فيها جماعة الإخوان المسلمين، تعلن تبنيها للمنهج الديموقراطي في الحكم... هذا لا يمنع مع الأسف وجود بعض القوى المتطرفة التي لا تعترف بالآخر، وتتستر وراء الشعارات الدينية والإسلامية، والتي تشكل خطراً على المجتمع الديموقراطي...
* مارس الكثير من التيارات الإسلامية العمل الديموقراطي واحترمت قوانين العملية الديموقراطية، وتعرف الحياة السياسية العربية أسماء بارزة من بين تلك التيارات، من بينها على سبيل المثال لا الحصر: الشيخ مصطفى السباعي، والأديب والصحفي البارز بشير عوف، صاحب صحيفة المنار الدمشقية... ومع الأسف قامت بعض العناصر المتطرفة المنتمية إلى عدد من تلك التيارات بأعمال إرهابية في المجتمع... تحتاج تلك التيارات والبنية، السياسية المهيمنة، التي ولدت في كنفها إلى وقفة تأمل، واعتذار من شعوبها، في إطار نظرة نقدية جريئة... لقد آن الأوان لهذه القوى كي تنظر نظرة نقدية إلى تاريخها، وتنتقل خطوة جريئة أخرى إلى الأمام...
إن عدم إقدامها على هذه الخطوات يفقد المجتمع قوى حية فاعلة ومؤثرة ضروية تساهم بشكل هام في عملية الإصلاح والتغيير...
إنّ المجتمع بأمس الحاجة لكل قوة تدفع به نحو الإصلاح والديموقراطية، ومن الضروري أن تتمعن جميع القوى بكيفية العمل، وتبتكر أساليب جديدة للعب الدور الضروري والمناسب لنجدة المجتمع... بل إن جذب مختلف التيارات والقوى، بما فيها الإسلامية، إلى العمل السياسي السليم، وفق قوانين حضارية يقرها المجتمع، يساهم في التخفيف من غلو البعض، ويعري بعض المصادر الفكرية للأعمال الإرهابية... ولا مجال للقضاء على ذلك الغلو إلاّ بنشر وعي سليم بديل، ولا يتم ذلك إلاّ في أجواء الحرية والديموقراطية السليمة، التي تؤمن المناخ المناسب لممارسة العمل السياسي السليم...
* الديموقراطية ليست عملية تشكيل أحزاب سياسية، وصناديق اقتراع فقط، بل هي بنية سياسية اجتماعية واقتصادية تقوم على عقد اجتماعي محدد في الدستور، ومجموعة من القوانين الديموقراطية التي تقرها أغلبية المجتمع، تعالج كافة مشاكل أبناء المجتمع وتعطي كل ذي حق حقه، بما في ذلك معالجة قضايا وحقوق الأقليات القومية وغيرها، تقاس ديموقراطية كل بلد بمدى حصول أبنائه، وفي مقدمتهم الأقليات على حقوقهم... ومن المعروف أنّه من بين القوانين الضرورية لممارسة الديموقراطية، في أي بلد، قانون تشكيل الأحزاب السياسية، وقوانين الانتخابات... وفي سبيل حماية البنية الديموقراطية، من الضروري أن تتضمن هذه القوانين ضوابط تمنع استفراد غلاة المتطرفين من سائر الاتجاهات بما فيها الدينية، بالحكم... ولعل قانون الأحزاب الذي يسمح بتأسيس الأحزاب على أساس وطني، وليس ديني، أو طائفي، أو قومي شوفيني منغلق، هو أحد الضوابط الديموقراطية في هذا الاتجاه، فضلاً عن قانون الانتخابات الديموقراطي الذي يأخذ تجارب الشعوب المتحضرة، وواقع المجتمع بعين الاعتبار... لا يعني ذلك بالضرورة منع أحدٍ من المسلمين أو غيرهم من النشاط السياسي، فالعمل السياسي حق وواجب لكل أبناء المجتمع، والمجتمع بحاجة لنشاط جميع أبنائه من مسلمين ومسيحيين وغيرهم... لهذه المسالة جانبان، الأول يتعلق بالعملية الديموقراطية، والثاني يتعلق بالقوى الدينية، بما فيها الإسلامية. يجب أن تكون العملية الديموقراطية واضحة شفافة عادلة متحضرة تسمح للجميع بممارسة نشاطهم وفق أسس قانونية يقرها المجتمع... وفيما يخص القوى المتدينة، بما فيها الإسلامية، فمن المفيد أن تكتشف وتتبنى السبل الديموقراطية السليمة في أساليب العمل، ومن بين هذه الأساليب تسمية الأحزاب، وبرامجها ونهجها... ما الضير في أن يكون برنامج الحزب الذي يضم في أغلبيته مسلمين مبنياً على أساس وطني عام، وليس ديني ضيق، ما الضير في أن يكون في صفوف الأحزاب الإسلامية مسيحيون وغيرهم، يتطلب ذلك نقلة نوعية في برامج ونهج وفكر هذه الأحزاب...
إنّ تمسك تلك التيارات ببعض الأمور (التي ربما تكون شكلية)، والتي تمنعها من ممارسة العمل، تضعفها وتهممشها... والديموقراطية لا تعدم النشاطات الدينية بل تنميها وتطورها وتجعل هذا النشاط علنياً شفافاً من خلال جمعيات حقوق الإنسان والجمعيات الخيرية والأهلية وغيرها...
التيارات الإسلامية ليست بعبعاً يخيف ويعرقل المسيرة الديموقراطية، بل هي جزء من النسيج الاجتماعي، من الضروري أن تخضع لقوانين العملية الديموقراطية، تلك القوانين التي يجب أن تمنع أية هيمنة أبدية طاغية لأية قوة حزبية أو دينية على مصير المجتمع...
قد تحصل أخطاء أثناء ممارسة العملية الديموقراطية، وما الدواء الناجع لأخطاء ممارسة الديموقراطية إلا مزيد من الديموقراطية... وتبقى الديموقراطية وسيلة ضرورية لمعالجة مختلف التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الماثلة أمام مجتمعاتنا، وشعوبنا.
طرطوس 2/10/2005 المهندس شاهر أحمد نصر
[email protected]
المصادر والهوامش
(1) هيغل " العقل في التاريخ ترجمة إمام عبد الفتاح إمام ـ درا التنوير ـ بيروت ـ الطبعة الثانية 1983 ص86
(2) برنار بورجوا ـ فكر هيغل السياسي ـ ترجمة الأب الياس زحلاوي ـ منشورات وزارة الثقافة ـ دمشق 1981 ـ ص37
(3) برنار بورجوا ـ فكر هيغل السياسي ـ ترجمة الأب الياس زحلاوي ـ منشورات وزارة الثقافة ـ دمشق 1981 ـ ص37
(4) لينين ـ المختارات ـ المجلد /6/ باللغة العربية ـ إصدار دار التقدم ـ موسكو 1977 ـ ص173
(5) مونتسكيو ـ روح القوانين المجلد الثاني ـ ترجمة عادل زعيتر ـ دار المعارف بمصر ـ 1953 ـ ص 178
(6) د. إمام عبد الفتاح إمام ـ عالم الفكر ـ المجلد 22 ـ العدد 2 عام 1993 ـ وزارة الإعلام ـ الكويت ـ ص36
(7) ف. انجلس . أصل العائلة والدولة والملكية الخاصة . ص178
(8) لينين ـ المختارات ـ المجلد /7/ باللغة العربية ـ إصدار دار التقدم ـ موسكو 1977 ـ ص24
(9) لينين ـ المختارات ـ المجلد /7/ باللغة العربية ـ إصدار دار التقدم ـ موسكو 1977 ـ ص100





#شاهر_أحمد_نصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإصلاح الاقتصادي السليم يتطلب إصلاحاً سياسياً ديموقراطياً
- بيان الحزب الشيوعي مرشد المستغََلين لاستعادة حقوقهم
- خطوط عريضة لمشروع قانون الأحزاب السياسية -الفصل الثامن
- خطوط عريضة لمشروع قانون الأحزاب السياسية 3/4
- خطوط عريضة لمشروع قانون الأحزاب السياسية 2 -4
- خطوط عريضة لمشروع قانون الأحزاب السياسية
- عماد شيحة يدشن عمله الأدبي المطبوع ب -موت مشتهى-
- عبد المعين الملوحي يتوج عطاءه الأدبي بترجمة شاعر فيتنام تو ه ...
- قانون الأحزاب ضرورة موضوعية في الدولة العصرية
- أهمية الأسلوب وتلافي الأخطاء الشائعة في الترجمة
- المآسي والسجون السياسية والحب في الرواية العربية (3/3) مع رد ...
- المآسي والسجون السياسية والحب في الرواية العربية ـ رواية -كم ...
- المآسي والسجون السياسية والحب في الرواية العربية ـ رواية كما ...
- قراءة أولية في مشروع الوثيقة التأسيسية لتحالف الوطنيين الأحر ...
- أعيدوا الاعتبار إلى الفكر الاشتراكي الحضاري الديموقراطي المت ...
- نشطاء ومثقفون في طرطوس يناقشون مسائل الدولة ـ الديموقراطية و ...
- في مفهوم السلطة وبؤس التفكير الطائفي
- عيد العمال العالمي منارة النضال في سبيل الديموقراطية
- حالة الطوارئ والأحكام العرفية والاستثنائية تضعف البلاد وتخدم ...
- ملامح التغيير الذي ينشده السوريون


المزيد.....




- شاهد: دروس خاصة للتلاميذ الأمريكيين تحضيراً لاستقبال كسوف ال ...
- خان يونس تحت نيران القوات الإسرائيلية مجددا
- انطلاق شفق قطبي مبهر بسبب أقوى عاصفة شمسية تضرب الأرض منذ 20 ...
- صحيفة تكشف سبب قطع العلاقة بين توم كروز وعارضة أزياء روسية
- الصين.. تطوير بطارية قابلة للزرع يعاد شحنها بواسطة الجسم
- بيع هاتف آيفون من الجيل الأول بأكثر من 130 ألف دولار!
- وزير خارجية الهند: سنواصل التشجيع على إيجاد حل سلمي للصراع ف ...
- الهند.. قرار قضائي جديد بحق أحد كبار زعماء المعارضة على خلفي ...
- ملك شعب الماوري يطلب من نيوزيلندا منح الحيتان نفس حقوق البشر ...
- بالأسماء والصور.. ولي العهد السعودي يستقبل 13 أميرا على مناط ...


المزيد.....

- الديمقراطية وألأصلاح ألسياسي في العالم العربي / علي عبد الواحد محمد
- -الديمقراطية بين الادعاءات والوقائع / منصور حكمت
- الديموقراطية و الإصلاح السياسي في العالم العربي / محمد الحنفي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ملف 15-10- 2005 الديمقراطية والاصلاح السياسي في العالم العربي - شاهر أحمد نصر - الديموقراطية وسيلة ضرورية للإصلاح السياسي في العالم العربي