أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هدى توفيق - متعة القراءة بالعامية في النص الروائي















المزيد.....

متعة القراءة بالعامية في النص الروائي


هدى توفيق

الحوار المتمدن-العدد: 4857 - 2015 / 7 / 5 - 11:34
المحور: الادب والفن
    



لم أعهد أن قرأت أو كتبت بالعامية، ولكنني عندما قرأت هذه التجربة الروائية فيل يتدرب عالإنسانية للروائي عمرو العادلي، شعرت أنني حظيت بمتعة حقيقية مختلفة ومثيرة عن كتابة النخبة كثيرا.
فكرة الرواية عن إنسان سمين جدا إلى حد يشبه هيئة الفيل وضخامة حيوان الفيل، وهو تشبيه يوضح مدى ذكاء الراوي في إختيار هذا التشبيه التي تشير الى تلك الضخامة الشديدة التي بها يجعل الأطفال يندهشون وينظرون وينجذبون إليه بغرابة وألفة في آن واحد، لا شك أنها تحوي ملمح غرائبي نابع من خيال المؤلف الخصب في تصوره عن الإنسان الحيوان في أصوله الأولية بشكل مغاير عن الحقيقة، وإن كنت أرى أن هذا مجرد ظن خيالي يزامن خيال المؤلف لإختياره هذا الحيوان بالذات ربما الكاتب أراد أن يبرز أيقونة النص والعجز، والخروج عن العادية والمعتاد، يبعث البطل بإستحضار إشكالية السمانة الشديدة، ليس كمجرد شكل خارجي، وإنما أيضا كحضور مفكر يتأمل بنظرة مختلفة تفرز وتحمل رؤيته وتفسيره لأحوال العالم الداخلي والخارجي برؤى أكثر عمقا وتحليلا، مؤكدا في عنوانه الأخير من فصول الرواية مقولته عن مكنون الإنسان الحيوان تحت عنوان (الإنسان حيوان في غابة الرموز) ليوضح مدى وضعه المخزي أمام نفسه والمجتمع، حينما صرح قائلا:
- أنا ممكن أكبر دماغي عشان ما امرضش، وتكون النتيجة شوالين سلبية على شيكارتين بلادة، واقعد اكرر الجملة التاريخية الوحيدة اللي حافظها المصريين، مافيش فايدة.. مافيش فايدة... مافيش فايدة...
إذن فالأنسان يعود لمرادفه الأصلي الحيوان، فالقرد ابن عم الإنسان الذي تخلى فيها القرد عن إنسانيته، وأصبح الوجه الآخرأي إنسان الغاب طويل الناب. أعرف أن تلك الفكرة والتي هي من أهم عناصر الطرح الروائي هي معرفة متداولة لكن أهميتها وتميزها في تناول الكاتب لها بمهارة شديدة، أخرج بها عن إطارها المعتاد علينا، مستعينا بروافد وتفاصيل تملأ أجواء الرواية بهجة وسبر غور الإنسان الحقيقي، والمفاجأة العظيمة أن اللهجة العامية آزرت الحكي، وجعلته ينطلق ويتقدم بسلاسة ومرونة الحكي دونما أي شعور بالغرابة أو التفكك باستخدام العصا السحرية وهو الكتابة بالعامية، وإن كنا نلحظ بالطبع أن اللهجة العامية المستخدمة مستواها يعلو كثيرا عن اللهجة المشاعة. التناول في أهمية النص، وذلك من خلال واحد وثلاثون عنوان أتقن الكاتب تسميتهم وحبكهم في إطار مسموح بانطلاق وتعميق الفكرة الأم وتذكيرنا بها دائما وهو يذيل صفحات نهاية كل فصل بكلمة الإنسان حيوان وليس أي حيوان إنه أشبه بحيوان الفيل. وسأدلل بالذكر ما هو مفضل لي على المسنوى الشخصي، الاستفتاحية/ محاولة لتغيير الكون/ ضمير نحيف مفترض/ العولمة وجدولة الدهون/ مشروع 3 محاولات/ أدهم الشرقاوي لص المواشي/ الإنسان حيوان في غابة الرموز/ الدنيا ريشة في هوا.
إنها في نهاية الأمر مداخل تعبر عن مقولات إلى حد ما قريبة لأراء فلسفية بسيطة التعبير، عميقة المغزى والمضمون. ولإعجابي الشديد بالعديد من المقولات المعلنة على لسان الكاتب، سأذكر ولو مقولة واحدة، حتى نتشارك سويا أيها القارئ مدى متعة كتابة هذا النص باللهجة العامية، وهو يحكي لنا عن سر حكاية الفيل الضخم جدا والطيب جدا قائلا:-
- لما بتزيد علامات الاستفهام بتبقى شخصيتي ملقف لاختراقات الغباء باحس ان راسي مربوطة بمنديل وعند العقدة محطوط مفتاح المدينة، وراجل عجوز بسنان مكشرة عمال يعصر فيه لاخد البرد أو لطرد الجن.
تلك حكاية واحدة من حكايات الفيل، التي بها يتدرب ليصبح إنسان ذو طبيعة سيكلوجية عالية التعقيد بفعل الفهم والإدراك وصولا إلى الضجر العام من تباين مواقف أشباهه من الجنس البشري العاجزين والمهمومين.
من قال أن البطل يتمنى أن يتحول إلى شخص نحيف مثل كل الآخرين، ما عدا بياضه المتلهف على السمانة، كما أشار لنا الكاتب بطرحه لفكرة خيالية عن مدى إمكانية شحنه بلحوم عن طريق اختراع ماسورة تكنولوجية كبيرة على الهواء في الفصل المعنون تحت اسم (اتكلم براحتك).
الرياضة هي الوجه الآخر للبطل الحقيقي، الوجه النحيف المهزوم، بينما البطل هو الوجه المنتصر، رغم تلك السمانة المفرطة لديه لكنه يستمد منها انتصاره وقوته رغم ظاهر الأمر بأنه يشكو منها لكنه لا يخاف أبدا وتلك الانفراجة التي أنقذت الرواية من أنها مجرد فكرة عن واحد تخين جدا عايز يخس. وهو يزعق فينا على الدوام قائلا بزهو وشجاعة :-
.... أعزائي القراء إنني سمين جدا، ولكنني لا أخاف
ثم يصور لنا الكاتب بشكل فانتازى رائع بفكرة بسيطة كيفية التخلص من أى متعلقات فى وقت قياسى ،يفترضه الكاتب لهذا الجبان، بينما هو شخص شجاع، لا يهمه أحد، بطنه جالسة ومستقرة، وسعيدة بحالها هكذا بل وتمنحه قوة وهيمنة تسيطر على شواغل عقله الحقيقية من أهمها الحنين إلى حكايات جدته قائلا على لسانه:_
حكايات ستي الله يرحمها، سليسلة قاعدة تحمي، وام جلامبو على المحمي، بقرتي يا بقرتي قامت البقرة انسلخت، خيالها قعد يطول يطول يطول لحد ما خطف القمر وقلبها ضلمة!
ولأن الخيال هو الفن الجامح مقياس تلك الرواية منذ البداية، فقد رسم لنا طريقة ما للتحرر من هذه الحيوانية مستفسرا بإجابة أخيرة في ص 128
- واللي مش عايز يكون حيوان يعمل ايه؟
مسترسلا في تقديم حل رومانتيكي يعاكس بقدر ما منطقية عالمنا الميكانيكي الشرس والمشوه قائلا بحدة وجراءة ما معناه:
- الإفكار كثيرة وربما لكثرة تداولها، تصبح معتادة وتافهة وسطحية، ولكن كيف تم التعبير عنها تلك المعضلة التي أثبتت موهبة الكاتب القادرة ليس فقط على ترويضها وتوصيلها لنا، بل تشريحها وتحليلها بكل بساطة ورشاقة استخدام اللهجة العامية، وإن كنت لتقصير وغفلة مني أظن أنها من أسهل الأمور، ولكنها في الحقيقة من وجهة نظري من أصعب الأشكال الأدبية لقراءة أخاذة وممتعة كما حدث لي أثناء قراءتي لتلك الرواية المميزة "فيل يتدرب عالإنسانية" رواية بالعامية المصرية.


عرض :
هدى توفيق


المصدر:
رواية
- فيل بيتدرب عالإنسانية
(رواية بالعامية المصرية)
للكاتب :عمرو العادلي- الناشر :دار نشر ملامح- الطبعة الأولى مارس 2010



#هدى_توفيق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دراما السياسة وفيولا في رواية فيوليت والبكباش
- التباين في الخط السردي في رواية خمس نجوم
- نصف ضوء وعالم النساء المهمش
- مفردة التخييل بين الفن والمصادرة
- أصوات الواحة التي ألهمتني
- نحو عالم محمد ناجي
- كيف قرأ عبد المنعم تليمه كتاب {في الشعر الجاهلي }
- حكاية اليهود
- الأراجوز يتحدث لنا
- أحلام شهرزاد
- كوميديا الحكم الشمولي
- عبق الأمل في مجموعة روح الفراشة
- تأثير الدين على الابداع
- يوتوبيا سيد قطب الدرامية
- الماضي والراهن :حول كتابات محفوظ التاريخية
- محفوظ كاتبا مسرحيا أيضا
- ازدواجية المتعة في عالم نجيب محفوظ الروائي بين القراءة والفر ...
- عداء بنى اسرائيل لمصر وفلسطين
- كارثة النشر الخاص
- جدل الواقع فى مجموعة مدينة طفولتى للكاتب طلعت رضوان


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هدى توفيق - متعة القراءة بالعامية في النص الروائي