أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هدى توفيق - تأثير الدين على الابداع















المزيد.....


تأثير الدين على الابداع


هدى توفيق

الحوار المتمدن-العدد: 4840 - 2015 / 6 / 17 - 15:43
المحور: الادب والفن
    


تأثير الدين على الإبداع
هدى توفيق
يحتوى كتاب (توظيف الدين فى الإبداع) للأديب والناقد طلعت رضوان الصادر عن دار النسيم عام 2013. على عدد من الدراسات النقدية عن مدى تأثير الدين على الإبداع الأدبى .
فى الفصل الأول دراسة بعنوان (أولاد حارتنا بين الإبداع الأدبى والنص الدينى) وهذا الفصل عن كتاب (أولاد حارتنا) للأديب نجيب محفوظ . يؤكد كاتب الدراسة على أنّ المؤسسات الدينية (سلفية أو معاصرة ، رسمية أو شعبية) كانت دائمًا وراء مصادرة الكتب ، فقد فعل الأزهر ذلك عام 1925 مع كتاب الإسلام وأصول الحكم لمؤلفه على عبد الرازق لمجرد أنه ذكر أنّ النبى محمد عندما حكم فى المدينة حكم كملك ، وبحكومة تقوم على ذات الأساس الذى كان موجودًا لدى القبائل العربية فى عهد ما قبل الإسلام . وضرب العديد من الأمثلة على ذلك لموقف الأزهر المُعادى للعقل الحر. حتى ظهر موقف الأزهر مع كتاب (أولاد حارتنا)
يرى المؤلف أنّ (أولاد حارتنا) كتاب وليست رواية ، لأنّ محفوظ نقل ما ورد فى التراث العبرى عن قصة الخلق ، ونقل ما ورد فى التراث العبرى عن وجهة نظر بنى إسرائيل عن جدودنا المصريين القدماء. وقدّم الكاتب العديد من الأدلة على ما يذهب إليه. فشخصية جبل فى (أولاد حارتنا) مجرد صدى لشخصية النبى موسى فى التراث العبرى . فالطفلان موسى وجبل لقيطان (فى العهد القديم على حافة النهر ، وفى القرآن أيضًا ، وفى أولاد حارتنا فى حفرة مملوءة بمياه الأمطار) ويرى الكاتب فى دراسته أنّ (أولاد حارتنا) لم تكن إلاّ نسخة مقلدة للأصول الموجودة فى التراث العبرى (التوراة والقرآن) وتلك المباشرة هى الموت الحقيقى لأى عمل أدبى .
فى الدراسة الثانية وهى عن قصة (بيت من لحم) للأديب يوسف إدريس ، يتناول الكاتب رجل الدين (مقرىء القرآن) الذى يُمارس العلاقة الزوجية مع زوجته (الأرملة) وبناتها الثلاث . ويتحجّج بالعمى ولعبة الخاتم الذى ينتقل من إصبع بنت إلى أختها وقت ممارسة الجنس . والمفارقة فى تلك القصة أنّ الأم على علم بذلك وبإرادتها الحرة ، وعلى حساب ضميرها المعذب ، وافقتْ على بعض المتعة لبناتها. وفى رأى رضوان أنّ الأم فعلت ذلك رغم إيمانها بالموروث الدينى عن الحلال والحرام ، وبالتالى فإنّ تلك القصة تخترق كل التابوهات التى تأباها الأديان والأعراف الاجتماعية فى كل مكان وكل زمان ، وبالتالى فإنّ تلك القصة ثورة على الوضع الاجتماعى البائس ، الذى وضع الأم فى ذلك الامتحان ، شديد الصعوبة على أى نفس بشرية.
أما فى قصة (أكان لابد يا لى لى أنْ تـُضيئى النور؟) عن إمام مسجد يعمل فى حى الباطنية ، وهو حى تجار المخدرات والحشاشين . يبدأ عمل الإمام مع بداية نوم الحشاشين وقت أذان الفجر. يتعرّض إمام المسجد لغواية الفتاة (لي لى) سنيورة الحارة ، التى طلبتْ منه أنْ يُعلمها الصلاة ، ويحسم الصراع عندما يترك المصلين ساجدين ويتسلق نافذتها ، فتكون المفاجأة أنها تعتذر له قائلة أنها اشترتْ اسطوانة لتعليم الصلاة باللغة الإنجليزية أفضل منه. وكان من رأى الكاتب طلعت رضوان أنْ الفتاة (لى لى) ليست كما تصوّرها أهل الحى بما فيهم إمام المسجد . وأنها ليست سهلة المنال ، ولذلك احترمها الجميع ، وما دامت كذلك فهى فى حماية الكل ، أخت الجميع ، المحرمة المرغوبة. وقبل نهاية القصة ناجى إمام المسجد ربه قائلا ((يا رب هل يرضيك أن نسقط ؟ وأن نأثم ؟ وأن يتلبسنا الشيطان ويسود ؟ أنا فى الهاوية.. من ينتشلنى سـواك ؟)) فكان تعليق رضوان المهم أنّ ((هذه المناجاة هى جوهر القصة وهدفها الأول : إلى أى مدى يكون الإنسان مسئولا عن تصرفاته وفقــًا للمنظور الدينى ؟ فإذا كان كل شىء يتم وفق المشيئة الإلهية ، وإذا كانت حياة الإنسان مقدرة سلفــًا قبل أنْ يولد ، فهل سيُحاسب على تصرفاته ؟ ولأنّ الفن له نطاق ، وللأسئلة الفلسفية نطاق مختلف ، فإنّ المبدع يترك لنا متعة الفن الجميل القادر على طرح الأسئلة))
وفى قصة (أكبر الكبائر) قدّم يوسف إدريس نموذجًا لشاب من الفلاحين أقام علاقة مُحرمة مع الشيخة صابحة زوجة الشيخ صديق الذى يتعامل مع الدين بتعصب ، وأهمل زوجته وعمله وتفرغ للعبادة . وكتب رضوان أنّ تلك القصة تـعبّر عن مدى تصاعد الفكر الأصولى ، الذى وجد مناخـًا سياسيًا وثقافيًا مساعدًا بعد يوليو 1952 ، خاصة أنّ يوسف إدريس نشرها لأول مرة فى أغسطس 1963 فى صحيفة الجمهورية. وفى تحليله لتلك القصة كتب رضوان ((إذا كان الشيخ صديق يُغالى فى مظاهر التدين الذى يوقف تطور الحياة ، متصورًا أنه اشترى الآخرة بالدنيا الفانية ، وإذا كان يُكثر من التعبد ويهمل الزرع حتى يموت ، فإنّ الفلاح الشاب محمد أفضل منه بفطرته التلقائية ، فهو على المستوى الاجتماعى إنسان منتج ومفيد لغيره من البشر. وأفضل منه على مستوى التدين ، فقد ظلّ يسأل سؤاله الساذج : هل سيدخل النار؟ لأنه- بعفوية صادقة- وفى كل مرة كان يلتقى فيها مع الشيخة صابحة ، كان يشعر بالخوف : الخوف من الله أنْ يغضب ، والخوف من الجيران أنْ تعرف وتحس)) ولاشك أنّ توظيف الدين فى القصص الثلاث قدّم رؤية فنية وموضوعية عن مدى التناقض الفكرى داخل المنظور الدينى ، ومدى جدلية العلاقة بين التدين المصرى والحياة ، تحت قوانين الواقع الاجتماعى الذى تحكمه وتسيطر عليه. ودراسة طلعت رضوان فيها تأكيد على حقيقة مهمة وهى أنّ المطلق زيفٌ ووهـمٌ . وأنّ النسبى هو الحقيقة المؤكدة .
الفصل الثالث عن القصة الطويلة للأديب يحيى الطاهر عبد الله (تصاوير من التراب والماء والشمس) فى تلك القصة أوضح كاتب الدراسة أنها مُعالجة إبداعية عميقة عن فكرة الحلال والحرام لشخصيات تعيش ((الواقع المعتم ، الواقع المسكوت عنه ، الواقع ال تحت / تحتى إنْ جاز التعبير، ليس واقع المُهمـّـشين كما هو التعبير الشائع ، ولكنه واقع الخارجين عليه ، واقع المُشوهين ، فى ظل حقيقة تؤكد جدلية العلاقة بين كونهم إفرازا لهذا الواقع ، وكونهم من صانعيه)) فشخصية إسكافى المودة بمثابة الفيلسوف الذى يجعل لكل شىء مخرجًا فلسفيًا من وجهة نظره . فهو فيلسوف المودة والمرح والتسامح والحب والنصب والاحتيال والتمرد على الواقع .
فى تحليل رضوان لتلك الرواية القصيرة ، أنّ المغزى الحقيقى لها ليس فى تلك الشخصيات التى رسمها الطاهر عبد الله ، وإنما مدى وعيه بمفردات المعتقدات الشعبية ، التى تدخل فى صميم الثقافة القومية لشعبنا المصرى ، وعلى سبيل المثال أهمية قراءة القرآن على المتوفى ، فالسبب كما قال السلف لقاسم أنّ الروح تبقى معلقة مجروحة بجروح البدن ، حتى يتصدق أهل الميت على الروح بسورتيْن من كتاب الله. بينما قاسم يأكل من البطة المسروقة ويتناول الخمر مع الإسكافى . أيضًا يحيى الطاهر يمزج فيها روح الجد بالهزل الذى يصل إلى حد الفكاهة الراقية ، ومثال ذلك اعتراض الاسكافى على المبلغ الذى دفعه مخالى (صاحب الخمارة) فى جهاز التسجيل فيقول له الاسكافى ((يُعوضنى رب المسلمين يا كافر)) فردّ مخالى مبتسمًا ((أنا نصرانى مؤمن كفرتُ لما عشتُ معكم يا مسلمين)) إنّ الجدل الذى يطرحه الاسكافى عن فكرة الحلال والحرام ، وإنْ كانت تبدو فى شكل فكاهى ، لكنها تؤكد على حقيقة واحدة : وهى أنّ الحلال والحرام نسبى إلى حد كبير، خاصة وأن كلمة (الحرام) ودلالاتها تردّدتْ كثيرًا على ألسنة الشخصيات تعبيرا عن فلسفتهم ووجهة نظرهم للحياة ، مثل تحليل رضوان لموقف اللصوص من رفضهم سرقة أكفان الأطفال ، لأنّ السبب فى عرفهم وفى ثقافتهم القومية ، يعود إلى أنهم يظنون أنّ من يسرق كفن الطفل فإنه لن يتمكن من مغادرة القبر ويظل فيه حتى يأتيه الموت بعد عذاب الجوع والعطش ، كما أوضح ذلك طلعت رضوان فى دراسته.
الفصل الرابع عن رواية (أيام الإنسان السبعة) للراحل عبد الحكيم قاسم . وتعود أهمية تلك الرواية أنها صهرتْ الدين بالثقافة المصرية ، فهى مُعالجة إبداعية عن ولع شعبنا بالأولياء سواء مسيحيين أو مسلمين ، وبذلك يصعب التمييز بين ما هو دينى وما هو مُنتج ثقافى كما أوضح طلعت رضوان فى دراسته ، الذى أشار إلى أنّ زيارة الأولياء والاحتفال بذكرى مولدهم ، يرجع إلى تاريخ الحضارة المصرية ، حيث تعدد الآلهة وإقامة الموالد فى موقع كل إله من أقاليم مصر ال 42 فى ذلك الوقت . والرواية منذ الصفحات الأولى تحكى عن رحلة أهالى القرية إلى السيد البدوى . وتتناول أيضًا فكرة الحلال والحرام . وعلى سبيل المثال فإنّ الحاج كريم رجل شديد التدين لكنه يتعاطف مع محمد العايق المتزوج من روايح اللصة ويعشق الغازية ويعيش معها. ولذلك كتب طلعت رضوان : أنّ تلك الثنائية فى التفكير بين شخص وآخر تطرح قضية أنّ المغالاة والتعصب فى التدين ، هو تعسف على النفس البشرية المليئة بكل التناقضات ، التى تنبعث من بشر محكومين بثقافة قومية معينة توارثوها عبر آلاف السنين ، بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف حول تلك الثقافة القومية . وأنّ الرواية تناولتْ أحد الموروثات الشعبية التى جمعتْ شعبنا المصرى رغم اختلاف الأديان (أى ظاهرة الموالد) وكيف مزج شعبنا بين التدين العميق والدفاع عن الخصائص الثقافية القومية ، وهى الخصائص التى يُعاديها الأصوليون ويُحرّمونها .
الفصل الخامس عن رواية (عزازيل) للكاتب يوسف زيدان الذى تناول فيها فترة التعصب الذى مارسه عدد كبير من أقطاب الكنيسة ضد المُتمسكين بالديانات القديمة بعد أنْ اعتنق الامبراطور قسطنطين المسيحية التى أصبحت هى الديانة الرسمية لكل الدول الخاضعة لروما. رسم الكاتب شخصية (هيبا) كشخصية تراجيدية من الدرجة الأولى ، فهو مسيحى متدين وراهب شديد الورع . لكنه يتعرّض لتجارب مؤلمة للغاية ، تذهب به إلى التفكير فى التحرر من أى معتقد ، عندما كتب فى آخر كلمات مذكراته ((أرحل مع شروق الشمس حرًا)) تبدأ بذرة التراجيديا عندما دخلتْ أمه فى الديانة المسيحية ووشتْ بأبيه ثم زواجها من أحد أقاربها الذين قتلوا أبيه. ثم تتصاعد بذرة تلك التراجيديا عندما يتعرف على الفتاة أوكتافيا التى يعتبرها (وثنية) ويعيش معها أجمل أيام حياته. ويرفض استمرار العلاقة الإنسانية بينهما لأنها أعطته تفاحة ((الثمرة التى أخرجتْ آدم من الجنة)) ورغم وصم أوكتافيا ب (الوثنية) وهى كلمة غير علمية لأنها ((حكم قيمى)) كما ذكر طلعت رضوان ، فإنّ أوكتافيا احتضنتْ الفيلسوفة هيباتيا لحظة أنْ كان المسيحيون يمزقون جسدها ، وتلقت أوكتافيا ضربات المتعصبين وماتت فوق عظام هيباتيا ، ولذلك فإنّ شخصية أوكتافيا كما رسمها زيدان وكما كتب عنها رضوان ((أكثر إنسانية ورحمة من المسيحيين الذين قتلوا هيباتيا)) ثم يمر هيبا بتجربة ثانية عندما يقع فى حب المطلقة مارثا التى يرفض عرضها للزواج منه لأنها وفق المعتقد الدينى : أنّ من يتزوج من مطلقة فهو يــزنى . ثم نصل إلى التصاعد التراجيدى المرير ، حين رأى مشهد اغتيال الفيلسوفة المصرية هيباتيا ، وهذا المشهد ظلّ محفورًا فى وجدانه وعمّق من مأساته الروحية ضد المسيحيين المتعصبين ، حتى يتقابل مع المُعادل الرافض داخل ضميره ، باختلاق شخصية عزازيل الذى يُحرّضه على الكتابة فقال له : اكتب يا هيبا.. فمن يكتب لا يموت أبدًا . فيستجيب لعزازيل الذى يُمثل إبليس أو الشيطان فى التراث العبرى . فيكتب هيبا ما يراه من تعصب المسيحيين الأصوليين ، ويكتب عن تعصبه هو شخصيًا ضد تجربتىْ حب عميقتين . وتكون آخر كلماته : أرحل مع شروق الشمس حرًا. أوضح طلعت رضوان وجهة نظر خاصة بأنّ يوسف زيدان كان عليه أنْ يُشير إلى الأصوليين المسلمين حتى يبدو متوازنـًا فى موقفه من التعصب الدينى سواء المسيحى أو الإسلامى ، وضرب رضوان أمثلة من التاريخ العربى / الإسلامى ، فإذا كان المسيحيون الأصوليون قتلوا الفيلسوفة هيباتيا ، وحولوا المعابد إلى كنائس ، فإنّ المسلمين العرب المتعصبين فعلوا نفس الشىء ، بوقائع قتل الفلاسفة وتحويل الكنائس إلى مساجد ، وانتهى رضوان إلى أنّ يوسف زيدان (الذى تبوأ موقع المترجم لحياة هيبا) لو فعل ذلك يكون قد حقق التوازن ((وأكد على الحقيقة التى تتجاهلها الثقافة المصرية السائدة البائسة وهى أنّ الأصوليين – فى كل دين – مُتشابهون))
الفصل السادس عن المجموعة القصصية (أمونه تخاوى الجان) للأديب والمفكر الراحل بيومى قنديل . أشار كاتب الدراسة أنّ تلك المجموعة تتميّز بوحدة النسيج حيث تتكون من خمس قصص كلها تصب فى قالب واحد : وحدة المكان ، والشخصيات بذات أسمائها ، وكأنها ملحمة من خمسة فصول . تم توظف الدراما فى تلك القصص من أجل التأكيد على شىء واحد وهو وجود الأسطورة التى تتحكم فى سلوك الشخصيات وتسيطر على العقل والوجدان الشعبى فى الريف المصرى . وتتخذ من ثورة برمهات / مارس 1919 كما كان يطلق عليها الفلاحون المصريون فى ذاك الوقت . وهى أسماء الشهور المصرية (شهور الزراعة) التى يحفظها الفلاحون . تبرز من القصة الأولى شخصية فرج النوحى أحد أبطال ثورة 19. بينما هو الآن فى زمن القصة يُشاهد معركة بين أهالى سرس الليان وأهالى كفر سرس الليان . ويُقارن ما يحدث الآن وما كان فى الماضى (ثورة 19) التى وحّدتْ أهالى القريتيْن ضد المحتل . وفى القصة الثانية يظهر بشكل جلى دور الأسطورة الذى يتصاعد إلى نهاية القصص الخمس ، حيث تتزوج (عطر الجيب) الغجرية من دهشان الذى أنقذته من الموت عندما كان جنينًا فى بطن أمه ثم رعته حتى كبر فكان هو زوجها. أما الحدث المفجر فى القصة الثالثة فإنّ بهنسى الضوى تقمّص شخصية بشندى أبو شاهين ليكون هو الملك السابع على عرش أمونة بنت عطر الجيب من زوجها دهشان . ويتصاعد الحدث فى القصة الرابعة (الموت صومان) فى جنازة فرج النوحى الذى هو أبو مسعود النوحى زوج أمونه. ونصل إلى القصة الخامسة (شوق تنزف للشيطان) بوصول الثرى العربى لشراء بنت أو أكثر من البنات ، ويقع اختياره على شوق بنت مسعود النوحى . وتعود الفتاة بعد خمسة شهور حافية وبطنها منفوخة. أشار طلعت رضوان إلى كثافة وتنوع الوجود الأسطورى فى قصص المجموعة ، وبمزج الأسطورة بالواقع ، بتقنية أدبية بديعة ، وعلى سبيل المثال فإن الفلاحين يعتقدون أنّ (سيدنا على الطويل) شال ((قبة السما على كفوف رجليه)) ودون وعى فإنهم يستلهمون أسطورة البقرة المقدسة (حات – حور) التى رفعتْ السماء بمساعدة ثمانية آلهة ، أرسلهم إليها الإله آمون كواحدة من أساطير الحضارة المصرية. وأشار رضوان إلى أنّ التدين الشعبى فى العصر الحديث هو نوع من الاتصال الذى كان موجودًا فى مصر القديمة. وذكر أنّ تصور المصريين القدماء عن الموت ، كما جاء فى (كتاب الموتى) الشهير فى ترجمته الخاطئة بينما اسمه الحقيقى (الخروج إلى النهار) فكتب رضوان أنّ قنديل التقط ((الوجدان الشعبى للفلاحين ومعتقداتهم عن صورة الجنة فى الآخرة ، فوصفها فرج النوحى قائلا ((الجنه ح تكون إيه غير غيط واسع . كنا نزرع ونقلع فيه. واللى يعوز يمد إيده)) وهى نفس الصورة التى وردتْ فى كتاب (الخروج إلى النهار) الذى أبدعه جدودنا المصريون القدماء)) وكذلك مشهد رحيل فرج النوحى أخذ طابعًا أسطوريًا إذْ أنّ الفلاحين الذين مشوا فى جنازته يؤمنون إيمانًا راسخًا أنّ أموات القرية خرجوا من قبورهم ومشوا معهم فى جنازته. أما فرج النوحى القابع جسده داخل نعشه. ثم يتسمّر النعش أمام دار زوجته التى طلقها فى لحظة غضب ويطلب منها السماح والعفو فقالت له ((روح مسامحاك)) وتنادى على ابنتها أيضًا ((تعالى يا خضره سامحى أبوكى)) وذاك أكبر دليل على أنّ التدين الشعبى رغم إيمانه بالأساطير ، فهو لديه درجة عالية من السمو الأخلاقى المتمثل فى قيمة التسامح .
الدراسة السابعة عن رواية (يوم الدين) للأديبة اللبنانية رشا الأمير. أشار رضوان إلى مدى تعلغل التعصب الدينى فى كل الدول العربية حيث تتقابل البطلة مع إمام مسجد فى الأربعين من عمره ، وخلقا معاً تجربة مثيرة جمعتْ بين امرأة ورجل رغم الفروق الثقافية والوجدانية ، ومن وطنينْ مختلفين . ومع ذلك وحّدتْ بينهما الألفة ومعاداة الأصولية المتغلغلة فى وطنيهما . وتتصاعد الأحداث عندما سيطر الأصوليون على العديد من المساجد ، حتى تصل إلى مرحلة العداء الكامن للموروث الشعبى الذى توارثته الشعوب عبر آلاف السنين . ويتأثر إمام المسجد كثيرًا بتلك الصديقة المتحضرة ، إذْ عندما ((كانت تقرأ بيت المتنبى الذى قال فيه ((لا شىء أقبح من فحل له ذكر/ تقوده أمة ليس لها رحم)) فلاحظ أنّ صوتها وهن وكأنها تحرّجتْ من أنْ يمتلىء فمها بألفاظ هذا البيت)) وتأثر بها بعد أنْ سمع نقدها للأصوليين الإسلاميين ، وصدقها بعد أنْ حاول الأصوليون اغتياله. فيعترف فى مذكراته وقال ((لا سبيل إلى الجمع بين الدولة وبين الإسلام إلاّ بالانتقاص من أحدهما ، أو بترجيح أحدهما على الآخر)) وبذلك لا يجد ضالته فى الإسلام الحركى . ويعلق رضوان تعليقــًا مدهشًا فكتب أنه عندما سعتْ البطلة إلى تهريب إمام المسجد ليعيشا معًا فى وطن آخر مختلف عن الأوطان أحادية الفكر، الفكر الذى يُكفر كل من يرفض التطابق معهم وكل من يرفض السير فى قافلة القطيع .
الفصل الثامن عن رواية (حجر الضحك) للأديبة اللبنانية هدى بركات . تدور أحداث الرواية من خلال شخصية خليل الذى عاش الحرب الأهلية فى لبنان ، تلك الحرب التى قتلتْ الأبرياء وحولتْ اللبنانيين إلى أعداء ، لدرجة أنّ الفتاة الصغيرة تموت برصاصة جارهم القناص . والفتى الصغير الذى يعانى من آثار شلل الأطفال ، فجّر نفسه وسط دورية إسرائيلية. خليل بطل الرواية هو المرصد الذى يرصد الأحداث . وصحيح أنه يتأثر بالأحداث ولكنه لا يُشارك فيها. وهو أيضًا يعيش حالة اختلاط جنسى ، فهو يعشق ابن الجيران ناجى ثم يوسف ثم الأخ المصاب بالحب المثلى . إنّ خليل بطل الرواية يكره القتل وأدان الحرب الطائفية وأدان كل أشكال العنف المُتستر وراء الدين ، وإنْ كان عقله ووجدانه يميلان إلى الأنوثة ، وهنا أشارطلعت رضوان أنّ هذه الآلية الفنية التى استخدمتها المبدعة لها مغزى كبير وعميق ، وأنّ تأنيث المجتمعات البشرية هو الحل الأمثل فى الخلاص من شرور الحروب وكل أشكال التعصب الدينى ، خاصة إذا كان التاريخ يقول أنّ الرجال غالبًا هم مشعلو الحروب . وجاء ذلك على شكل سؤال طرحه طلعت رضوان عندما كتب عن تلك الرواية البديعة. ورأى أنّ تلك الرواية تطرح موضوع العلاقة الجدلية بين حب الحياة وحتمية الموت ، فإنها تثير إشكالية العلاقة بين الأنوثة وتجار الموت ، وأيضًا إشكالية العلاقة القائمة على الأنوثة والذكورة ، عندما كتبتْ هدى بركات ((غاب خليل ، وصار ذكرًا يضحك ، وأنا بقيتُ امرأة تكتب ، خليل بطلى الحبيب)) وهنا أكد طلعت رضوان على وجهة نظره حين قدّمت لنا الروائية مفاجأة درامية فى آخر كلماتها عن أنّ خليل كان لديه مجرد اضطراب جنسى وسوف يزول وأنّ ما يُعانيه ما هو إلاّ أزمة نفسية فرضها الخارج المجنون الممتلىء بالتعصب .
المصدر : توظيف الدين فى الأبداع
الكاتب : طلعت رضوان
الناشر: دار النسيم الطبعة الأولى2013



#هدى_توفيق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوتوبيا سيد قطب الدرامية
- الماضي والراهن :حول كتابات محفوظ التاريخية
- محفوظ كاتبا مسرحيا أيضا
- ازدواجية المتعة في عالم نجيب محفوظ الروائي بين القراءة والفر ...
- عداء بنى اسرائيل لمصر وفلسطين
- كارثة النشر الخاص
- جدل الواقع فى مجموعة مدينة طفولتى للكاتب طلعت رضوان
- عيسى الدباغ والثورة المضادة
- مجموعة أرنى الله لتوفيق الحكيم
- خلوة الكاتب النبيل
- حاذث النصف متر تجاوزكل الأمتار
- العداء العبرى لمصر وفلسطين
- مقال عن أكابيلا ايدا وماهى
- إلى زكي مراد


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هدى توفيق - تأثير الدين على الابداع