يوم الثلاثاء.. الأحمر..الأسود..الرمادي الدرس الفرنسي-

جهاد عقل
(Jhad Akel)

الحوار المتمدن-العدد: 1339 - 2005 / 10 / 6 - 12:15
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    

شعرت بألم كبير عندما تابعت الإستعدادات التي قامت بها الإتحادات النقابية في فرنسا ، تحضيراً للمظاهرات والإضراب في أنحاء فرنسا ليوم الثلاثاء الرابع من تشرين أول - اكتوبر 2005، سبب هذا الألم كان ،عدم تمكني من المشاركة الفعّالة، في هذا الكفاح العمالي والمساهمة المباشرة في المظاهرات. للتأكيد على التضامن العمالي العالمي ، خاصة وأنني كنت قد شاركت في الكفاح الذي خاضه عمال فرنسا ونقاباتهم، العام 1997 ضد سياسة حكومة آلان جوبيه ، الذي إضطر للإستقاله بعد ذلك النضال العنيد، عندما كنت في زيارة عمل للزملاء في نقابات ال – CGT . ورغم ندف الثلوج والطقس البارد الذي لفع العاصمة الفرنسية يومها إلا أن حرارة الإصرار العمالي كانت كافية لتوفير الدفء لنا ومواصلة التظاهر في شوارع باريس وغيرها من المدن الفرنسية .لذلك تأكدت أن الطقس لن يكون عائقاً أمام قيادة العمال في الخروج الى الشوارع مع الشعارات الكفاحية والأعلام الحمراء ،وهذا ما كان فعلاً .

"اليوم الوطني من أجل العمل والأجور"

تحت هذا الشعار المُعبّر جداً ..إنطلق أكثر من مليون عامل من عمال فرنسا، من القطاعين العام والخاص، بوحدة متجددة ، بقيادة نقاباتهم العمالية الخمسة ، يوم الثلاثاء المذكور، في مظاهراتهم وإضرابهم في أكثر من 150 مدينة فرنسية ، للتعبير عن إحتجاجهم الصارخ في وجه حكومة دومينيك دوفيلبان ، والقول كفى ..لا يمكن أن نحتمل أكثر من ذلك . أجورنا تتآكل ..لم تُدفع لنا علاوة أُجور منذ فترة طويله...مع أن تكاليف الحياة ترتفع بشكل كبير .. البطالة تنتشر كالنار في الهشيم، ونسبتها ترتفع بإضطراد..الحكومة تواصل سياستها الإقتصادية الفاشلة جداً جداً .. من خلال مواصلة تنفيذ مشاريع الخصخصة .. ولا تأخذ بعين الإعتبار المعارضة الواضحة من قبل النقابات العمالية .المعتمدة على النتائج الكارثية لهذه الخصخصة. على صعيد حقوق العمال، وتدهور الوضع الإقتصادي والإجتماعي لديهم أيضاً.

وقد أتى قرار الحكومة. بتنفيذ خصخصة شركة العبارات البحرية، ال-(سي.إن.سي.إم) الناشطة ما بين كورسيكا ومرسيليا وغيرها من المدن الساحلية الفرنسية بإدعاء أنها تتكبد الخسائر. والإضراب الذي أعلنه عمالها في كل من مرسيليا وكورسيكا قبل أسبوعين ، وما زال مستمراً وفقاً للمعلومات التي نقلها لي مصدر نقابي فرنسي، من السي.جي.تي. يوم الأربعاء ،أي غداة الإضراب الناجح . مؤشراً الى أن الحكومة لم تتراجع عن مشاريعها ببيع شركات القطاع العام للمتمولين ، الأمر الذي يؤدي، الى المزيد من البطالة وإنتهاك إتفاقيات العمل القائمة. وضرب حقوق العاملين الذين يواصلون العمل في تلك الشركات ، بكلمات أخرى ينضمون الى جيش العمال الفقراء، الذين يعملون ويعيشون في ضائقة معيشية قاسية جداً .

عندما قررت النقابات العمالية الإنطلاق في كفاحها هذا يوم الثلاثاء تحت شعار "اليوم الوطني من اجل العمل والإجور" ، تعرضت الى هجوم واسع من قبل الحكومة ،ومن يدعمها من قوى رأس المال ،بإدعاء أن هذا اليوم الكفاحي ،هدفه سياسي فقط . فكان رد النقابات العمالية بإجراء إستطلاع للرأي العام بخصوص تأييد الإضراب والمظاهرات ، وكانت النتيجة مفاجئة للحكومة .عندما عبّر 75% من الفرنسيين عن تأييدهم للإضراب والمظاهرات ، وما تطرحه القيادة الموحدة للنقابات العمالية من مطالب عادلة . وهكذا بدأت تظهر منذ ساعات المساء ليوم الأثنين 3 أكتوبر/تشرين أول الحالي ، بوادر التشويشات في المواصلات العامة من قطارات ومترو وطيران ونقل بحري وغيرها . وإنضم قطاع واسع من العاملين في مختلف مرافق العمل العامة والخاصة الى الإضراب من جهة، والإنضمام الى المظاهرات الكفاحية من جهة أخرى ، ليتحول يوم الثلاثاء ..الى يوم كفاح وطني من أجل العمل والأُجور ..وكادت أن تتوقف الحياة بشكل تام في مختلف المدن الفرنسية ..لدرجة أن وسائل الإعلام لم تتورع عن تسمية هذا اليوم بيوم "الثلاثاء الأسود"بسبب الظلام الذي ساد عدد كبير من المحال التجارية والمقاهي ومحطات المترو والمطارات.بسبب الإضراب الفعلي أو لإنقطاع التيار الكهربائي بسبب إضراب انضمام عمال شركة الكهرباء للكفاح أيضاً . بعضها أطلق عليه يوم "الثلاثاء الأحمر" بسبب البروز الواسع والكبير للأعلام والشعارات العمالية الحمراء في المظاهرات والمسيرات العمالية الكبيرة . وآخر قال أنه يوم "الثلاثاء الرمادي" ... بسبب الغيوم المدلهمّة ،التي غطت سماء العاصمة باريس والمدن الأخرى خلال المسيرات .

لكن وسائل الإعلام اليساري منها واليميني أيضاً ، لم تستطع تجاهل حقيقة واحدة ، ألا وهي النجاح الكبير الذي حققته النقابات العمالية في هذا اليوم الكفاحي والذي كان بمثابة مؤشر واضح للحكومة من جهة وللرئيس الفرنسي شيراك من جهة اخرى ،أنه لا يمكن الإستمرار في سياستهم المعادية، للعمال والشرائح الضعيفة في المجتمع الفرنسي . وقد أعلن قادة الإضراب من النقابيين أنه اذا لم تتراجع الحكومة عن سياستها هذه. ووضع سياسة بديلة تؤدي الى تحسُن القيمة الشرائية للأجور ورفعها فوراً. والتوقف عن تنفيذ سياسة الخصخصة، لمشاريع القطاع العام. التي تؤدي الى إنتشار البطالة والفقر . ووضع خطة وطنية للتخلص من البطالة .. كما أكد لي مصدر نقابي فرنسي فإن الكفاح العمالي سيتواصل من خلال تصعيد الإجراءات النضالية. وفقاً للخطة التي وضعتها القيادة النقابية الموحدة. من جهته قال القائد النقابي الفرنسي المعروف برنار تيبو الأمين العام للسي. جي .تي بهذا الخصوص في تصريح نقلته صحيفة "الشرق الأوسط" يوم 5102005 قائلاً بأنه سيقوم هو وزملاءه بدراسة :" أشكال استمرار الحركة، إذا لم تستجب الحكومة للمطالب المرفوعة".

هذا التحرك النضالي العمالي الفرنسي. فيه مؤشر واضح، لكل من يحاول أن يتطاول ،ويقول "أن دور الكفاح العمالي قد ولّى في الإقتصاد المُعتمد على الليبرالية الجديدة. وأنها تستطيع أن تُنفذ كل ما تخطط له، بلا مقاومة" . أن مهلاً يا هؤلاء .. فالمظاهرات التي شارك فيها هذا العدد الكبير من العمال من مختلف القطاعات ، وبهذه القوة خلال يوم "الثلاثاء الأحمر" ما هو إلا تعبير عن التلاحم العمالي – الفرنسي – في هذه الحالة ، هذا التلاحم والوحدة لا بد وأن يؤديا لاحقاً الى كسر شوكة سياسة الحكومة الفرنسية. التي تلعب دوراً مركزياً في فرض سياسة الخصخصة العولمية، ضمن مجموعة الدول الثماني. سياسة ضرب حقوق العمال والطبقة العاملة في كل مكان بل التآمر على مصالح هذه الطبقة ومواصلة إعتقال وإغتيال قيادتها النقابية .. على ضوء ذلك لا بد وأن تواصل الاتحادات النقابيه العمالية ترسيخ الوحدة العمالية للطبقة العاملة في عالمنا هذا ، وفقاً "للدرس الفرنسي " وتنفيذ مضمون شعارنا يا عمال العالم إتحدوا ..في وجه الرأسمالية وموبقاتها اليومية التي تواصل محولاتها لتنفيذ الإستغلال والعبودية لعمالنا جميعاً ..ليس فقط في الدول الفقيرة ..دول العالم الثالث ، بل في معاقل الرأسمالية ..الدول الغنية ..فلا ضير ولا خوف يا عمالنا ..لأن طريق الوحدة ..طريق الكفاح والتضحية هما الضمان الوحيد لكسر شوكة هذه القوى الظالمة ..وتحقيق النصر والعدالة للجميع .

#جهاد_عقل (هاشتاغ)       Jhad_Akel#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات