لا حياد في جهنم الظُلم

جهاد عقل
(Jhad Akel)

الحوار المتمدن-العدد: 1321 - 2005 / 9 / 18 - 12:19
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    

القمة العالمية صفعة لكوفي عنان وغيره

عندما دعت النقابية الأًسترالية شاران بوريرو رئيسة الإتحاد الدولي للنقابات الحُرة في كلمتها الشاملة التي القتها في المؤتمرالنقابي الدولي المنعقد في العاصمة الفنلندية – هيلسنكي ، المشاركين في القمة العالمية رفيعة المستوى من زعماء العالم المشاركين في اجتماع الأمم المتحدة أيام 14-16 أيلول الحالي ، الى ضرورة وضع سياسة اقتصادية عالمية تضمن العدالة الإجتماعية ، ووقف التدهور القائم من خلال مواصلة إتساع الفجوة ما بين الأغنياء والفقراء ، مما يؤدي الى ارتفاع مستمر في عدد الفقراء وتعميق الفاقة التي يعيشون فيها . بوريرو أكدت في كلمتها أن على الدول الغنيّة والهيئات الدولية المختلفة تحمل مسؤولياتها إتجاه هذا الخطر الداهم ، من خلال إتساع عدد العمال الفقراء وإستغلال قوى العولمة الحاكمة في عالمنا من خلال فكرها المُعتمد على نهج الليبرالية الجديدة ، للوضع القائم من أجل ضرب حقوق العمال ورفض الإتفاقيات الجماعية ، بل وتشغيلهم ، خاصة الشباب من بينهم بأجر يقل عن أجر الحد الأدنى المُعتمد في الدول الغنيّة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية مما سيؤدي الى إنضمام هؤلاء العمال الشباب وعددهم بالملايين ، الى قائمة العمال الفقراء التي بدأت تكبر من يوم لآخر وبالمقابل يزداد ثراء الرأسماليين الذين يسيطرون على شرايين الإقتصاد في عالمنا بل وعلى شرايين السلطة في الدول المختلفة .

دعوة شاران بوريرو هذه التي أتت قبل أيام عدّة من إنطلاق القمة العالمية التي إختتمت أعمالها يوم أمس الأول – الخميس 16 92005 – يبدو انها لم تحرك ساكناً لدى ضمير قادة، فقدوا الضمير والإنسانية، منذ زمن طويل . لأن قرارات القمة . تجاهلت الحملة العالمية التي تمت بهذا الخصوص ، أي رصد الأموال ووضع سُلم أولويات يضمن مواجهة ظاهرة الفقر والفاقة في عالمنا ، والعمل على توفير فرص العمل للعاطلين عن العمل وللملايين من الشباب والشابات الذين ينضّمون سنوياً الى سوق العمل العالمي . هذا بالإضافة الى تنكر هؤلاء الزعماء الذين يرضخون للإملاءات الأمريكية فقط لا غير تجاهلوا حقائق كثيرة مؤلمة بحاجة للعلاج المستعجل ، مثل التلوث البيئي الذي يقوم به الرأسماليون لعدم إنضباطهم بأنضمة منع تلوث البيئة وأنظمة الصحة والسلامة. مما يؤدي الى إنتشار الأمراض والمخاطر الصحية ، بل الى تلوث الغذاء والماء والهواء ، فهناك أكثر من 2,6 مليار مواطن في عالمنا يضطرون الى شرب المياه الملوّثة، بسبب الفقر وما تخلفه الدول الغنية وشركاتها من تلوث للبيئة يؤثر على تلويث المياه الجوفيه .

الفقر المدقع الذي يعصف في عالمنا يؤثر سلباً على المستقبل البشري عامة ، فعندما يفقد الفقراء امكانية الحصول على الغذاء الملائم ، او الدواء المطلوب للعلاج ، تكون النتيجة أن الأزمة العالمية تزداد حدّة ، وخطر إنتشار الأمراض المعدية يزداد ،مما يشكل خطراً كبيراً على مستقبل البشرية عامة . لذلك نستطيع التذكير هنا "أن لا حياد في جهنم" كما يقول مثلنا ، فهؤلاء الزعماء خاصة زعماء الدول الغنيّة يتحمّلون مسؤولية تعريض مستقبل العالم وشعوبهم الى أخطار جمّة . وها نحن نلاحظ ما حدث مع الدولة التي تقبض بقوتها على تلابيب عالمنا ، بقيادة زعيمها جورج بوش وزملاءه من المحافظين الجدد ، مع العاصفة " كاترينا" التي إجتاحت منطقة الخليج المكسيكي ، وقفوا عاجزين ، بل لم يستغنوا عن مساعدة الغير من سكان العالم .

خُطط الأمم المتحدة بقيادة كوفي عنان ، الذي وقف عاجزاً أمام بوش وغيره خلال أيام القمة ، تتحدث أنه اذا تم رصد أقل من مئة مليار دولار سنوياً لمواجهة ظاهرة الفقر في العالم ، وهو مبلغ متواضع نسبياً ، بالقياس مع ما تنفقه الدول الغنية على العسكرة والسلاح والعدوان ،مثل هذا المبلغ بامكانه تقليص الفقر والفاقة ، تقليص عدد المصابين بالأمراض المعدية ومنها مرض الإيدز الذي يعاني منه المصابين في القارة الأفريقية بسبب فقدان العلاج والأدوية ، تقليص عدد الأطفال الذين يموتون عند الولادة لأن الوقاية والعلاج المطلوب لا يتوفران بسبب الفقر ، هذا بالإضافة الى توفير المياه الصالحة للشرب والتي تؤدي الى الإصابة بالأمراض المُميته وتعرض حياة ثُلث سكان العالم للخطر ، هذا بالإضافة الى قضايا البيئة والصحة والتعليم .

نعم .. لقد تمكن بوش وحلفاءه من فرض أجندة أُخرى على جدول الأبحاث والقرارات ، الا وهي أجندة – شعار – محاربة خطر الإرهاب ، وإعتبار الكفاح ضد الإحتلال أمر غير مشروع ، مما يتنافى والشريعة الدولية القائمة والمواثيق التي قامت على أساسها الأمم المتحدة. وفقاً لأجندة بوش – بلير – شارون ، على الدول المساهمة مادياً ، في ما يسمى محاربة الإرهاب ، حتى من قبل الدول الفقيرة التي لا تملك المال لتوفير الغذاء والدواء والتعليم والمياه لسكانها . برزت هذه الأجندة الأمريكية، من خلال اتلصريحات، التي أدلى بها المُمثل الأمريكي الجديد في الأمم المتحدة ، تلك التصريحات تنكرت للإلتزام الأمريكي السابق الذي جاء في القمة العالمية العام 2000 والتي وضعت فيها أُسس مُحاربة الفقر والفاقة في خطة عالمية تم إقرارها ، وهكذا تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية مع باقي الدول الغنية ، من دحض الموضوع الأهم من على جدول الأعمال ، الا وهو قضية الفقر والعمل والبطالة ، لتكون مجرد كلمات في بند ثانوي للقرارات ، على عكس ما صدر عن الأمم المتحدة وأمينها العام عنان قُبيل عقد هذه القمة . الذي كان يؤكد أنها ستكون القمة الإجتماعية ، قمة التنيمة البشرية ومحاربة الفقر والفاقة والبطالة .

البيان المُستعجل الذي صدر عن الإتحاد الدولي للنقابات الحُرة على لسان السكرتير العام النقابي البريطاني غاي رايدر ، بعد الإعلان عن إنتهاء القمة العالمية مساء الخميس 16 أيلول 2005 ، جاء شديد اللهجة ، بل يحمل التهديد والتحريض معاً . التهديد للدول الغنية، بأن عمال العالم، لن يستسلموا في معركتهم هذه ، خاصة وأن القمع الأمني، الذي مارسته قوات الأمن الأمريكية ضد جموع المتظاهرين من العمال والنقابيين، عشية افتتاح القمة ومنعهم من الإقتراب الى منطقة القمة . كان بهدف إفشال القوة العمالية وحلفاءها من المنظمات التي تعنى بحقوق الإنسان، من التعبير عن إحتجاجها ضد السياسة. التي تقوم بها قوى رأس المال ، في عالمنا ومن أجل توزيع عادل للموارد العالمية، وضمان حد أدنى من العدالة .هذه الممارسات، رافقها تعتيم إعلامي على تلك المظاهرات الإحتجاجية في نيويورك وغيرها من المدن والعواصم . وقال رايدر في بيانه، بهذا الخصوص مؤكداً أن تنصُل زعماء العالم من مسؤولياتهم، التي أخذوها على عاتقهم في القمة السابقة. بالنسبة لمحاربة الفقر ووضع برامج تضمن توفير العمل للجميع والعيش الكريم ، على ضوء ذلك علينا الا نستسلم أو نتراجع عن مطالبنا – نضالنا ، على العكس ، علينا تكثيف نضالنا اليومي من أجل استرداد ما تنكروا له من قرارات في قمة الألفية الثانية بخصوص ضمان حقوق العمال وتوفير الغذاء والتعليم والخدمات الصحية وقضايا البيئة وغيرها . وناشد رايدر النقابات العمالية أن تواصل نضالها ومراقبة قرارات حكوماتها ، محرضاً النقابات والعمال في العالم على مواصلة طريق النضال والوحدة من أجل تغيير هذا الواقع الذي يشكل حطراًُ على مستقبل عالمنا ، بل على مستقبل البشرية وفي مقدمتها الطبقة العامل.

هذا البيان النداء يحمل في مضمونه ضرورة عدم التسليم لقرارات تخدم قوى رأس المال ، علينا مواصلة طريق الكفاح والوحدة العمالية في معركتنا ضد قوى رأس المال، وما تحاول فرضه علينا من قرارات وسياسات. تؤدي الى توسيع دائرة الفقر والفاقة ، عنادُنا الذي يعتمد على صدق موقفنا وعدالة مطالبنا هو صمام الأمان من أجل تحقيق النجاح على ما تفرضه قوى العربدة الرأسمالية على شعوب الكون والطبقة العاملة فيه ، صحيح ما كتبه الباحث جيفري ساكس في كتابه "إنتهاء الفقر " أن النضال هو الطريق الوحيد لكسر عناد الدول الكبرى التي تواصل صم آذانها من أجل عدم سماع المطالب والنداءات الصادرة عن فقراء العالم ، "وفي نهاية المطاف ستضطر هذه الدول لأن ترضخ لهذه المطالب وأن تُثبت أجندة إنسانية كما حدث في هيئات عولمية أُخرى."على حد تعبيره، هذاالأمر يضع أمامنا تحديات كبيرة جداً ، كأبناء منحازين للطبقة العاملة وللمسحوقين في هذا العالم ، لأن نكون في مقدمة هذا النضال العالمي . تحت شعارنا الصادق والأمين والإنساني جداً – يا عمال العالم أتحدوا - ...نعم اتحدوا في معركة النضال ضد الرأسمالية وموبقاتها ، من إستغلال وبطش بشعوب الأرض وعماله .من أجل غد تُشرق فيه شمس العداله والحُريّة الحقيقية .

#جهاد_عقل (هاشتاغ)       Jhad_Akel#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات