أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود جلبوط - قضية العرب الأولى ..قضية فلسطين















المزيد.....


قضية العرب الأولى ..قضية فلسطين


محمود جلبوط

الحوار المتمدن-العدد: 1338 - 2005 / 10 / 5 - 12:23
المحور: القضية الفلسطينية
    


أرى من الأهمية بمكان توطئة للموضوع المراد بحثه في هذا المقال الابتداء بلمحة تاريخية موجزة لقضية الصراع نعلم مسبقا أن كتب التاريخ العربي والكتب المدرسية تزخر بالكثير من المعلومات عنها و كلُّ حسب رأيه فيها وتنضده الإجتماعي منها والمسموح وغير المسموح من الإقتراب من حقيقتها.
ونعلم ايضا أن الكثير والكثير من الجيل الذي سبقنا ومن جيلنا قد أوفاها دراسة ومعلومات وتحليلا ولكن عزاؤنا أن نبادر بالتذكير بها كقضية ما زالت بالرغم مما أحاق بها قضية أساسية لدى شعوب المنطقة والشاغلين بالسياسة فيها , وخصوصا لإدراكنا هذا في ظل ما يحيق بنا اليوم من مؤامرات متجددة من قبل القوى الاحتكارية العالمية عبر السعي الجديد الحثيث لتعديل الحدود التي صنعوها لنا في مطلع زمن إنشاء هذه القضية , وتصورهم أن حدودنا السابقة قد وسعت وترهلت وعليهم تعديلها هذه المرة على مقاسات طوائفنا وعشائرنا وتنوع أدياننا , و أنه لا يمكننا قراءة الكثير من قضايانا ومشاكلنا المعاصرة الطارئة منها والعادية دون القراءة الصحيحة للقضية التي رافقت آباءنا فورثوها لنا , القضية الفلسطينية . إن دلّ هذا فإنه يدل على أهمية هذه القضية للعالم ولشعوب المنطقة وخصوم هذه المنطقة على الرغم من صغر المساحة الجغرافية التي تحتلها فلسطين, فهي لا تتعدى ال 28 ألف كيلو متر مربع.

1_من أين أتى اسم دولة إسرائيل ؟؟ إن كلمة إسرائيل كلمة كنعانية مركبة من قسمين:( إسر) وتعني الجندي, و(ئيل) وهو أسم الله بالكنعانية القديمة ويصبح معناها معا جند الله , وهو الشعار الذي جندت وعبأت به الحركة الصهيونية اليهود حوله في أنحاء العالم. وكلمة صهيون أتت من أسم حصن قديم على جبل شرقي القدس ورد ذكره في التوراة..ولإختيار كلمتي (إسرائيل) و (صهيون) دلالة هامة بالنسبة للحركة الصهيونية من أجل الربط في ذهنية اليهود موضوع التحريض ووقود هذا المشروع الإستعماري الجهنمي بين الماضي الميتافيزيقي والحاضر الواقعي الموجود والمتجلي بجبل صهيون, ولخوض الصراع مع أصحاب الأرض الشرعيين والحاليين والذين يقيمون فيها الآن, على أساس ديني ووجودي, ونحن دون أن ندري ونعي ,دخلنا الصراع في معظم مراحله على الأسس التي اختاروها هم له, وهو الديني والتاريخي, متناسين عن قصد أحيانا وأحيانا عن غير قصد أسس الصراع المادية والقانونية والقائمة على أساس احتلال أراضي الغير وأنها ذو جوانب وطنية وقانونية لا دينية فقط و تاريخانية..

2_انعقدالمؤتمر الأول للحركة الصهيونية بزعامة هرتزل عام 1897 في بازل بسويسرا , وقد توضحت النوايا الصهيونية بالارتباط مع المصالح الاحتكارية العالمية آنذاك بوضوح تام لا يقبل الشك بنواياهم لإقامة وطن قومي لهم في فلسطين بينما احتاج العرب 40 سنة ليعقدوا المؤتمر الأول لهم لمناقشة هذا والذي انعقد بزعامة أمين الحسيني عام 1935 ثم أرفق بمؤتمر آخر في السنة اللاحقة 1936 ثم انقطع حبل المؤتمرات لدى العرب لنقاش قضيتهم الأولى بينما تواصلت المؤتمرات الصهيونية تباعا بمعدل مؤتمرا كل ثلاث سنوات بذلت خلالها الحركة الصيونية منذ انعقاد مؤتمرها الأول كل الجهود والمحاولات لتحقيق حلمها في إقامة وطنها القومي في فلسطين الذي كان مجرد فكرة في الفضاء, وتابعوا ملاحقة قضاياهم وأهدافهم مهما صغرت لدرجة أن منظمة يهودية صغيرة في إحدى المدن الالمانية استطاعت أن تستصدر قانونا من إدارة البلدية المحلية لتلك المدينة بتقليم عشرين شجرة كانت قد زرعت عام 1930 ووزعت بحيث تبدو لعين الراكب من طائرة شكل صليب معقوف.

3_كانت فلسطين كمعظم الكيانات العربية الحالية جزءا من الدولة العثمانية وقد بذل اليهود كل الجهود حينها لإغراء السلطان العثماني لبيع أراض أميرية لهم في فلسطين والسماح لهم بهجرة غير مقيدة دون جدوى , فلقد كان للسلطان التركي غيرة أكبر من الكثيرين من أهل القضية هذه الأيام على ما يبدو, ولذلك بعد هزيمة تركية مع ألمانيا في الحرب العالمية الأولى قرر المنتصرين في الحرب , بريطانيا وفرنسا, تقاسم تركة ما صار يسمى الرجل المريض, ولن نناقش بسرد التفاصيل حول الحيثيات التي باتت معروفة للجميع والتي رافقت الثورة العربية بقيادة الشريف حسين وما تبعها من مراسلات ما أصبح يعرف فيما بعد حسين مكماهون ثم انقلاب بريطانيا وفرنسا على كل الوعود التي قطعتها له في إقامة كيان عربي , ووضح فيما بعد أن جهد الدولتين الإستعماريتين اقتصر على استخدام عرب تلك الأيام لتفتيت وحدة الدولة واقتسامها إلى غنائم من خلال حرب دفعت الدولتان الاستعماريتان العرب لشنها والانفصال على أساسها عن الدولة العثمانية , وبعد سنة واحدة فقط من وعد بريطانيا وفرنسا الشريف حسين بإقامة هذا الكيان العربي, أصدر السير بلفور وعده لليهود بإقامة الوطن القومي لهم في فلسطين وما أشبه اليوم بالبارحة في التاريخ العربي والتعامل بقضاياهم.
صارت فلسطين من حصة بريطانيا , وفتح بعد سيطرتها باب الهجرة اليهودية على مصراعيه مما أدى إلى اندلاع الثورات المحلية المتتالية التي قام بها الفلسطينيون للتصدي للإحتلال و مؤامرة الهجرة اليهودية , بينما كان اليهود خلال هذا الوقت وبالتنسيق مع قوات الإحتلال يبذلون كل الجهود وعلى قدم وساق لإقامة الوطن القومي الموعود, بالقوة تارة وبمساندة الإحتلال وبالإغرائات تارة أخرى, عبر شراء الأرض من أصحابها إن كانوا محليين أو عرب من خارج فلسطين ممن عرفوا في منطقة جبل عامر, وحاول الانكليز واليهود استنادا على ذلك تشويه سمعة الفلسطينيين لدى إخوانهم العرب الآخرين حتى يخبو التعاطف المتعاظم معهم على أساس أنهم هم يبيعون أراضيهم.
ولكن الفلسطينيون وبرغم الضغوط الاقتصادية والعسكرية التي مارستها قوات الاحتلال والحركة الصهيونيةأسسوا مجلس إسلامي أعلى انتخبه الفلسطينييون لإدارة المحاكم الشرعية والأوقاف قام هذا المجلس على أثرها بحماية الأرض من المصادرة , بل واشترى هذا المجلس الكثير من الأراضي العامة التي كانت عرضة للبيع لليهود.

4_ لقد خاض الفلسطينييون أكثر من ثورة ضد قوات الإحتلال كثورة ال29 وال36 وفي السنوات الاخيرة قبيل النكبة وقبل أن تقرر الأنظمة العربية ذاك الوقت بإدخال جيوشها بقيادة الجنرال الانكليزي جلوب باشا, وفي الوقت الذي كان الانكليز يسلحون اليهود بكل أنواع الأسلحة الحديثة والثقيلة ويدربونهم عليها, فقد بذلوا كل الجهود في الوقت نفسه لتجريد الفلسطينيين من أسلحتهم, وسجن الآلاف منهم تحت التهمة إياها ( الإرهاب) ولما تصورت قوات الإحتلال أن الأمور مستتبة لليهود وأن باستطاعتهم تسلم فلسطين حسب وعدهم لهم, أعلنت عن نيتها الإنسحاب من فلسطين.
ولكن بالرغم من ضعف وسائل الفلسطينيين قاموا في عامي 47 و48 بمقاومة شرسة وقتال ضاري أرغموا اليهود على إثره للاستسلام في أكثر من موقع, فمثلا في القدس أجبروا نحو 115 ألف يهودي على الإستسلام بعد حصارهم للدرجة التي دفعت الهيئة الدبلوماسية البريطانية في القدس للتوسط لدى الجامعة العربية في دمشق....وفي دهيشة أيضا بين القدس والخليل من عام 48 قتل العرب مئات اليهود وأسروا الكثير, وفي معارك صوريف وبيت سوريك ويافا قهرت القوات الفدائية الفلسطينية عصابات اليهود. وفي حرب المتفجرات التي حاولت بها عصابات الهاجاناه وشتيرن إرهاب الفلسطينيين بادلهم الفلسطينيون بعمليات من نفس النوع ونفذوا عمليات نوعية أوجعت اليهود..ولقد مرت أوقات عديدة كانت الكفة راجحة لصالح الفلسطينيين للدرجة التي دفعت في إحدى المرات الإدارة الأمريكية المؤيدة لقرار التقسيم أن تعلن على لسان مندوبها في الأمم المتحدة في 23 آذار 1948 عن عدولها عن تأييد هذا القرار...قدم الفلسطينييون للذود عن وطنهم ما يقارب12 ألف شهيد وضعف هذا العدد جرحى ومعوقين..

5_ لما أدرك الإنكليز تصميم الفلسطينيين عقب قرار التقسيم على الدفاع عن أرضهم وحقهم , وأن حرب العصابات التي كانوا يخوضون بها معاركهم بنجاح يمكن أن تتوسع وأن يطول أمدها مما سيؤدي من وجهة نظرهم لنتائج خطيرة على ما خططوا لشرق متوسطنا , بذلوا الجهود لإنهاء هذا الشكل من المقاومة بالحيلة والخديعة , فعمدت لدى عملائها الحكام العرب لتعديل خطتهم التي صاغوها وقرروها في مؤتمر عاليه _ لبنان والتي كانت قراراته تنحو إلى أن يكون العماد الأساسي للمعارك في فلسطين على أبنائها ويقتصر الدعم العربي على المال والسلاح والمتطوعين, وعدم تدخل الجيوش العربية النظامية...فبدأت تعلن بعض الجهات الحكومية العربية القريبة من البريطانيين وبدفع منها عن رغبتها بإدخال الجيوش العربية إلى المعركة وتحييد المقاومة الفلسطينية بالرغم من توجس قيادات هذه المقاومة ومعارضتها , وتكفل الضغط البريطاني والأجنبي في إقناع معظم الأطراف العربية الرسمية ذات الصلة بالموافقة مع الموافقين.

6_ دخلت الجيوش العربية فلسطين تحت قيادة جنرال انكليزي (جلوب باشا) وأصدر الملك عبدالله الجد بإلغاء منظمة الجهاد المقدس الفلسطينية وجميع الفصائل التابعة لها وجيش الإنقاذ والهيئة العربية العليا لفلسطين, وبذل كل الجهود لإبعاد الفلسطينيين عن ميدان المعركة, وبدأت الدوائر الإنكليزية والصهيونية وعملائهم من العرب ببث الدعايات المحرضة ضد الفلسطينيين مستندة على عملاء لها من العناصر اليهودية العربية , تارة أن الفلسطينيين عملاء للانكليز وتارة عملاء للألمان.

7_ نزوح أعداد كبيرة من الفلسطينيين من مناطق الصراع لدرجة أن بعض المدن والقرى فرغت بالكامل من أهلها وذلك للأسباب التالية:
_الجهل الكبير الذي كان يسود التركيبة الإجتماعية العربية بالعموم والفلسطينية بالخصوص بالمقارنة مع تركيبة الشخصية اليهودية.
_الضغط السياسي الذي مارسه الانتداب البريطاني مباشرة أو غير مباشر عن طريق الحكام العرب عملائها.
_الإرهاب والمذابح الذي مارسته المنظمات الصهيونية في بعض المدن والقرى الفلسطينية بقصد الترهيب والتهجير كدير ياسين وكفر قاسم وناصر الدين وحواسة وعليوط وسكرير والدوايمة وغيرها, إلى جانب نسف المنازل في المدن من قبل عصابات شتيرن و شقيقاتها وإلقاء المتفجرات في الأسواق ومراكز تجمع الناس مما أودى بحياة الكثيرين. ثم بدأ اليهود والانكليز والمتخلفين من الفلسطينيين يبثون الرعب في نفوس السكان لإرهابهم ودفعهم لترك مدنهم وقراهم خوفا على أرواحهم وأعراضهم وترافق هذا بمحاولات حثيثة من القوات العربية بالمساعدة على الترحيل على أساس فترة مؤقتة.
_ تحيز الإنكليز السافر إلى جانب الصهاينة في المعارك وفي التجهيز التقني تنفيذا لمبدأ تفريغ الأرض من سكانها الأصليين وتسليمها للصهاينة كما حدث في طبرية وحيفا والقدس الجديدة بالقرب من معسكر العلمين الكبيروفق خطط متفق عليها.
أما كارثة اللد والرملة فقد جردت قوات الجيش الاردني بقيادة جلوب باشا قوات الجهاد المقدس من أسلحتها بحجة الهدنة الأولى وانسحابه من المنطقة مما أدى إلى سقوط المنطقة وقراها بأيدي اليهود ونزوح ما يزيد عن 200 ألف فلسطيني من أهلها ومن الذين كانوا قد نزحوا من حيفا ويافا مما دفع بجلوب باشا بأن يبعث برقية تهنئة لقائد القوات الصهيونية التي احتلت المنطقة.
ثم بعد اتفاق الهدنة الثانية انسحبت القوات العربية من الجليل الأعلى وبيت لحم وجنين والقدس والخليل ثم وقعت اتفاقية رودس التي سلم على إثرها الجنرال جلوب باشا لليهود المثلث العربي ومساحات واسعة من المناطق آنفة الذكر فنزح أهلها عنها خوفا من الجرائم الصهيونية.
وأصبح بحلول 1949 ما يقارب من مليون لاجيء فلسطيني خارج أراضيهم موزعين على أراضي الكيانات العربية المقسمة حسب سايكس بيكو.

ماذا فعل عرب ذاك الزمان للتعامل مع النكبة كما يسمونها بحق وآثارها؟
إن الغالبية العظمى من الوطن العربي كان ما زال يرزح تحت الإحتلال إما الفرنسي أو البريطاني وكان البعض منها قد حصل على الإستقلال حديثا كسوريا ولبنان والعراق ومصر وإمارة شرق الأردن وأرض الحجاز, التي كان في سدة الحكم فيها إما بدو صنيعة البريطانيين أو بورجوازية وليدة ومرتبطة المصالح مع مصالح الإحتكار العالمي ومرتهنة له, وعلى إثر النكبة حدثت انقلابات عسكرية متتالية في أكثر الكيانات العربية سورية والعراق ومصر وفي مرحلة لاحقة اليمن طارحة نكبة فلسطين سببا رئيسيا لها و تجاوز آثار النكبة راية لهذه القوى ومن يومها قرر العرب بقيادة هذه القوى الانقلابية أن قضية فلسطين هي قضية العرب الأولى, فماذا حدث بعد ذلك؟؟

سوف لن نتعرض في مقالنا هذا لطبيعة القوى الانقلابية الإجتماعية ولن نجري تحليلا طبقيا لها أو نحلل آلياتها الفكرية أو الاقتصادية لعدم سعة المقال بعد التوطئة التاريخية المقدمة للقضية وسنكتفي لرصد السياسات المتبعة من قبل هذه القوى لخدمة القضية المركزية التي كانت بالنسبة لها قميص عثمان الذي رفعته على رؤوس الحراب عندما قامت بانقلابها متهمة السلطات المنقلبة عليها بالتقصير والتآمر عليها .

ولن نتعرض لمواقف الشارع العربي بتياراته المتعارف عليها الثلاث اليساري بقومييه وشيوعييه, والديني بتفريعاته عن الإخوان المسلمين أو التكفيريين, والقومجي إن كان بالسلطة أو خارجها لضيق المجال.
ولكن يمكن لفت الإنتباه أن القوى الدينية اكتفت بخوض الصراع على أسس دينية واعتبرته دائر بين يهود ونصارى من جانب وإسلام من جانب آخر نعتقد أنها انخرطت بدون وعي بالصراع على الأسس و الآليات من الصراع الذي أرادها العدو , فغاب عن القضية الجوانب الأخرى من القضية والتي كما نرى على أساسها كان الصراع الحقيقي وعلى أساسها يشرعن وهي :مسألة الأرض المتصارع عليها و البعد الوطني والحقوقي للقضية.

وما يخص التيار اليساري (اليسراوي)العربي بالعموم والماركسيين بالخصوص فانزلق كما ندعي إلى إسقاط ميكانيكي لقضية الصراع الطبقي على معادلة الصراع السائدة بين الإحتلال الصهيوني والفلسطينيين أي إلى تبسيط الصراع حسب الرؤية الماركسية التقليدية, أي أن المشكلة الاجتماعية هي المشكلة الاهم والتي تحظى بالأولوية والتي رأى البعض منهم أن اليهودي البروليتاري هو حليف الفلسطيني البروليتاري, متناسين التشخيص الاساسي لهذا الصراع القائم بين قوى الاحتكار العالمي ومن ضمنه الصهيوني وشعب يشرد من أرضه لحساب شعب آخر لأهداف متعددة حاضرة ومستقبلية في السيطرة على المنطقة واضطهاد شعوبها.

لقد مضى ما يقارب القرن منذ انهيار الامبراطورية العثمانية وانفصال العرب عنها من خلال ثورتهم العربية بوصاية بريطانيا وفرنسا ومنذ تقسيمهم لتلك الكيانات وفق ما بات يسمى حدود سايكس بيكو والتاريخ العربي يدور في دوامة يدور فيها حول نفسه عجز طوال هذه الفترة من حل أي قضية من قضاياه التي كانت مطروحة أو التي طرحتها الأحداث لاحقا أو الشعارات التي رفعها لتحقيقها: من قضية إزالة الحدود المصطنعة أو إقامة الدولة الواحدة, أو تحويل حدود الهوية الجديدة تلك إلى هوية وطنية, أو التعامل مع مسألة الاقليات القومية والدينية المتوازعة لتلك الحدود في إطار كل قطر على حدة, أو مسألة النهضة والدخول في عصر الحداثة ومسألة البحث عن الذات , أو مسألة الحقوق الأساسية للمواطنين والعلاقة بين الحاكم والمحكوم وشكلها وأشكال ممارستها, أو المسألة الفلسطينية قضيتهم المركزية التي تداخلت بكل هذا.

ما يقرب من 60 عاما تفصلنا عن بداية النكبة, ومن يتابع سيكتشف أن المشروع الصهيوني في تقدم دائم على حساب المشروع العربي المتدهور, والقضية من سيء إلى أسوأ, في حين دام استقرار النظم في الجمهوريات الانقلابية والممالك البدوية على ما عداها من القضايا في ظل القمع وغياب القانون واستباحة الحريات العامة والخاصة ونهب ثروات الوطن ومقومات نهوضه وتغييب المعترضين والمحتجين في السجون بل وصل الأمر بالبعض لارتكاب المجازر بحق شعوبها وخاصة لدى الجملوكيات الانقلابية التي عوضت نقص شرعيتها الشعبية والدستورية من خلال المتاجرة بوضع الصراع مع الكيان الصهيوني كأولوية على ما عداها من أولويات وسموها قضية العرب الأولى, وهولوا استعمال الخطر الخارجي المختلق أحيانا والمبالغ به أحيانا أخرى من أجل دعم المركزية الشرسة في الداخل والخلاص من الخصوم السياسيين وتهميش الشعب من المشاركة في القرار ونقاشه.
وكنا بعد كل هزيمة ندعي بأن العدو قد فشل لماذا؟ لأنه عجز عن إسقاط أو زعزعة استقرار تلك الأنظمة.

قبل أربعين عاما أخبر الرئيس جمال عبد الناصر وفدا فلسطينيا من غزة أن ليس لديه أي خطة لتحرير فلسطين ولم تكن قد وقعت بعد نكسة حزيران ,وما زال العرب إلى الآن يفتقرون لخطة ,وليس لدى العرب منذ 15 أيار1948 سوى ردود أفعال التي ضبط ايقاعها الطرف الآخر,العدو, وهذا لا يعني أن العرب لم يقاتلوا أو يضحوا أويستشهدوا, ولكن كل هذا وغيره كان دون خطة على الإطلاق.
للحقيقة إن العرب لم يبنوا أي سياسة من سياساتهم على أساس أن فلسطين أو شعبها هي لب هذه السياسات والتي يعرفون مصالحهم التي يعبرون عنها امام شعبهم وامام الآخرين ويقيمون علاقاتهم مع الأطراف على أساسها ,بل كانت قميص عثمان يسترون به كل موبقاتهم بحق شعوبهم, وتجارة ومزايدة فيما بينهم التي غربت القضية عن واقعها وتاريخها وصارت جزءا من واقع العرب الرديء ,من صراعات وحروب داخلية وأهلية وانقلابات كانت فلسطين وشعب فلسطين والشعوب العربية هم الضحايا الأساسيين لهذه المتاجرة وتحولت القضية إلى سياسة تلاعب مقيتة تحول بين أصحاب القضية الحقيقيين وعمقهم الاستراتيجي من الشعوب العربية, بل وصل حد المتاجرة إلى توطيد الإستبداد, ,وإقامة علاقات دولية تتعارض مع أبسط المصالح العربية عموما والفلسطينية خصوصا ارتبطت جميعها بالسلطة فقط وبهدف الإستمرار فيها, وليس بأي رابط وطني حقيقي.
فسرقوا باسم فلسطين, وهدروا ثروة الوطن وجوعوا مواطنيهم باسم فلسطين,واستباحوا أمن المواطن العربي باسم فلسطين, وشكلوا جيشا عرارا من المخبرين للتجسس علي مواطنيهم باسم فلسطين, وهدروا الميزانيات الكبيرة على الأسلحة لتصدأ باسم فلسطين, حتى أن بعضهم شكل منظمات فلسطينية من أعوانهم للتدخل بالشأن الفلسطيني وتحسين شروطه للبقاء في كرسيه في مفاوضاته مع الأطراف الدولية, مما أدى أحيانا كثيرة لتكون قناعة لدى شريحة لا يستهان منها من الشعب العربي بتحميل فلسطين والشعب الفلسطيني مسؤولية ما يقع لهم من استباحة من قبل حكامهم, من تجويع وسجن واستبداد.
ماذا بعد؟ وماذا علينا فعله في ظل هذي الأوضاع المأساوية التي تحيط بهذه القضية (قضية العرب الأولى قضية فلسطين)؟
علينا السعي في التخلص من هذا الخلط الحاصل في ذهن المواطن العربي بين شعار( فلسطين قضية العرب الأولى) وبين الاتجار فيه في سوق الدعاية السياسية المبتذلة لهذا النظام أو ذاك والتي ثمة تماه بينها وبين الأوضاع الداخلية لديها.



#محمود_جلبوط (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العالم قرية صغيرة
- مصلحة الشعب الفلسطيني
- غزة … المنعطف المجهول
- شعر..لصديقة من الوطن
- أحداث غزة واتفاق القاهرة …
- اللاجئون الفلسطينيون وحق العودة …
- رأي في العمل السياسي
- مشاركة من يساري ديموقراطي يسكن مجاورا للعراق استجابة لنداء ا ...
- قصة قصيرة................موعد
- لنجد أشيائا مشتركة نقوم بعملها مع أولادنا لنا ولهم
- لماذا يردني أهلي أن أبدو جيدا أمام الآخرين
- لماذا لا يتركون أهلي فرصة لمبادراتي...؟؟
- هل نصغي بما يكفي لأطفالنا ؟؟
- ما أشبه المشهد السوري بالمشهد العراقي
- قصة قصيرة جدا...
- شعر....وبالذاكرة نقاوم
- من ذاكرة معتقل سابق 21
- زمن العولمة........زمن الكوليرا
- رسالة إلى صديق..
- حول مصافحة الأسد الابن مع رئيس الكيان الصهيوني


المزيد.....




- السعودية الأولى عربيا والخامسة عالميا في الإنفاق العسكري لعا ...
- بنوك صينية -تدعم- روسيا بحرب أوكرانيا.. ماذا ستفعل واشنطن؟
- إردوغان يصف نتنياهو بـ-هتلر العصر- ويتوعد بمحاسبته
- هل قضت إسرائيل على حماس؟ بعد 200 يوم من الحرب أبو عبيدة يردّ ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن قتل عضوين في حزب الله واعتراض هجومين
- باتروشيف يبحث مع رئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطينية الوضع ...
- قطر: مكتب حماس باق في الدوحة طالما كان -مفيدا وإيجابيا- للوس ...
- Lava تدخل عالم الساعات الذكية
- -ICAN-: الناتو سينتهك المعاهدات الدولية حال نشر أسلحة نووية ...
- قتلى وجرحى بغارة إسرائيلية استهدفت منزلا في بلدة حانين جنوب ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود جلبوط - قضية العرب الأولى ..قضية فلسطين