محمود جلبوط
الحوار المتمدن-العدد: 1217 - 2005 / 6 / 3 - 13:12
المحور:
حقوق الاطفال والشبيبة
إن العيش في هذه الحياة منذ الخليقة وإلى الآن يعني أن نأكل ونلعب وننام ونحب ونكره ونتشاجر ونبكي ونضحك و نخاف ونرتعب ونتعلم ونستكشف ونستنبط ونغني ونرقص ونحلم ونأمل ....إلخ وكل أوجه النشاط البشري . ومهما حسن الأهل ومهما حاولوا فلن يستطيعوا أن يشتركوا بكل هذا مع أطفالهم مهما فرغوا لهم من وقتهم, ولن يستطيعوا الحلول مكان أطفال آخرين من أعمار مختلفة ومن طباع متنوعة , ولا يكفي للطفل قضاء بضع ساعات في نهاية الاسبوع مع أترابه ليتعلم كيف يكون ما عليه أن يكون في كل مرحلة من مراحل عمره..
ولكي لا ينقطع الحوار بين جيلينا علينا أن نتحايل لإيجاد أمور مشتركة نستطيع أن نشترك في إنجازها ونتمكن من إنشائها وبنائها وعملها بشكل مشترك, نستطيع من خلال هذه الأعمال أن نحافظ على ذهنية الشباب فينا والحفاظ على حيويتنا و أن ننقل خبراتنا من خلال العمل المشترك لأولادنا . وأن نعمل أشيائا مع أطفالنا فهذا يعني أننا نعمل هذه الأشياء من أجلنا نحن وأننا سعيدون بها وأطفالنا غير مدينين لنا بعد هذا بشيء. وأن نعمل معا يعني ان نتفق على بعض الأشياء التي نتمنى معا القيام بها , فنكون بهذا قد سعينا لنقل ما قد تعلمنا حتى الآن لأطفالنا فتعلموا , ونتعلم نحن أيضا بدورنا سنة الحياة الدائمة التي تعني أن المستقبل للشباب وحقهم علينا أن نفسح لهم لفرصتهم وحقنا عليهم أن يشكرونا..
لماذا علينا بعض الأحيان عدم معارضة أولادنا ؟؟؟
ربما على الأهل بعض الأحيان أن ينظروا نظرة اخرى إلى عنف أطفالهم وخصوصا عندما يكبرون لأن تمردهم أحيانا يكون مظهرا سليما لكائن لم يفقد الامل ..ربما يكون أحيانا تمردهم أعمى أو غير مفكر به أو في غير مكانه , ولكنه يدل على وجود الطاقة الحيوية لديهم , وعلينا أن نكون جاهزين لمعارضتهم لأننا لو سايرناهم في كل ما يطلبون ولم نعارضهم فإننا بهذا نحرمهم من مجابهة ضرورية لهم ستصقلهم , وإن أخذناهم بدبلوماسية أو مساومة فعلينا الحرص ألا تصل درجة الرياء فنكون قد ساعدنا أن يكونوا مشروع انتهازيين و مساومين. إن الشيء الذي يجب أن يعلمه الأهل هو أولا وقبل كل شيء عدم الرضوخ , إن الأخلاق تتبدل , والعادات كذلك , وتتبدل المعتقدات والممارسات , والحد الفاصل بين الخير والشر , غير أنه ينبغي على الام والاب أن يتقنا فرض احترام ما يوجه حياتهما وتصرفاتهما أمام أطفالهما , فالطفل لا يحترم من لا يحترمون أنفسهم.
إن الطفل يحب الشجار بل هو بحاجة إليه وعلينا ألا نهرب منه عندما يبحث عنه..
لماذا يتمتع التلفاز بدور كبير في العائلة ؟؟
مهما حاولنا توظيف التلفاز بشكل إيجابي في حياة العائلة وحياة أطفالنا بشكل خاص فهو ليس سوى وسيط صغير في حياة الطفل ولا يعوض أبدا عن الاتصال البشري المباشر, فهو لا يقدم لهم الحب والحنان والحرارة العاطفية التي يحتاجها أطفالنا.
وتظهر الأبحاث الحديثة أن الطفل الذي يقضي ساعات طوال أمام التلفاز يوميا تنقص إمكاناته المحركة, ويصبح أقل مهارة في عمل يديه وأكثر بطأ في العمل الجسدي بالرغم من أن خياله يصبح أكثر تطورا.
ويفرض التلفاز نمطا معينا من التفكير , فالتغيير الدائم في المواضيع المتلاحقة بلا نهاية أمام الطفل على الشاشة يهيؤه على ألا يهتم في الموضوع ذاته سوى فترة قصيرة..
لماذا يريد أطفالنا أن يعيشوا في بعض جوانب حياتهم على غير ما نحن نريد لهم ؟؟
ربما أول ما يجب على الأهل أن يأخذوه بعين الإعتبار هو أنهم هم أنفسهم أيضا لا يعيشون كما عاش أهلهم الذين بدورهم ما عاشوا كما عاش أجدادهم وهكذا دواليك. كلنا يدرك أنه من جيل إلى جيل تتغير الأخلاق وعلم الاخلاق والسلوكيات فلا نضيق على أولادنا بمنظومة أخلاقنا السائدة التي كنا قد صنعناها نحن بدورنا بمعارضتها مع منظومة أخلاق آبائنا .
وبالرغم من الخيبة والرقابة والفجوة التي تنشأ أحيانا بيننا فإن أطفالنا يريدون أن يحدثونا , فلندع كلامهم يصل إلينا مهما كان مزعجا ولنحاول أن نفيد منه.
لماذا الكبار جديون معظم الأحيان مع صغارهم؟؟؟
علينا أن نقنع أولا نحن الكبار أن عكس جدي لا يمكن أن يعني غير جدي , فكثير من الأشياء الجدية يمكننا أن ننجزها بجو من المرح والفرح ومزاج طيب وفكه , ويمكننا أن نحول كثيرا من أعمالنا الجدية إلى شكل من لعب وتسلية نخفف بهذا ضغطها و نجعل من مجريات يومنا المليء أحيانا بساعات طويلة من العمل يوما جميلا , وينبغي علينا أن نعلم أطفالنا أن يلعبوا أكثر من أن يعملوا أو أن نحول العمل إلى لعب , فالإبداع يكمن في جعل ما هو عادي أليفا وأخاذا , وجعل ما هو أليفا غريبا وشاذا , إن كل ما يكتشفه الطفل غريب وبالتالي مدهش...
لماذا يتشاجر أمي وأبي ؟؟
إن الشجار ليس مجابهة دقيقة في وجهات النظر بل هو تعبير عن نزاعات مستبطنة وربما تكون متراكمة خلال أسابيع أو أشهر وتفصح عن نفسها فجأة . ومن المستحسن أن يحل الوالدين مشاكلهم فيما بينهم دون أن يشركوا أطفالهم بها , لأن مشاكل الأهل تبقى مشاكل راشدين تختلف في كثير من جوانبها عن مشاكل الصغار الذين لم ينخرطوا بعد في علاقات السوق الراسمالي .
كما أنه من الحسن أن يترك الطفل يشاجر لو أراد دون تدخل من الأهل في مشاجراته . لأنه إذا احترم الأهل عدوانية ولدهم فمن السهل الطلب إليه أن يحترم عدوانية أبيه وأمه , وليشرحوا له أن هناك بعض الأشياء تفقدهم أعصابهم ويرفضون قبولها , ومن سلوكنا يدرك الطفل أنه ما أن تنتهي تلك العدوانية حتى يحل مكانها اللطف والحب والحنان , لأنه إذا كان من غير المفيد إظهار خصام الأب والأم أمام الطفل فمن الرهيب أيضا أن يفكر الطفل بأشياء مخيفة عندما يحيطه صمتنا القاتل فيصبح من الأفضل لو شاهد الخصام أمام عينيه , ولا يجب أن ننسى أن الصمت هو أقصى أنواع العنف والتعذيب للطفل أحيانا..
لماذا يحب الطفل أن يرى جده وجدته ؟؟
لا يمكننا في أيامنا هذه إلا أن نأسف من خسارة نقل التقاليد الشفوي عن طريق حكايا الجد والجدة المفعمة بالحيوية والإنفعال من النقل عن طريق الكتب . فمهمة الأجداد أكبر مما يخطر في بالنا في حياة الطفل , فكم من حزن طفل راقبنا عندما يفتقر لسبب أو لآخر لأجداد في حياته , فبينما يروي الأجداد الحكايا لأحفادهم فهم أيضا موجودون بقربهم لسماعه فيعطونه الوقت والصبر , ويمكن أن يكونوا صلة الوصل بين الوالدين والطفل لحل النزاعات أو تلافيها . إن حضورهم غالبا مطمئن ويعد في كثير من الأحيان ضروري للطفل..
إن العالم الذي سنورثه لأطفالنا ليس ساكنا , فإذا أردنا أن يتطور معهم أكثر تجانسا , ولكي يصبح أطفالنا أكثر سعادة , ينبغي علينا أن نعمل بطريقة بحيث تبقى قدراتهم قادرة على المبادرة والإختراع بشكل سليم .
إن مجتمعنا يفقد شيئا فشيئا هويته و(( أناه)) في عصر العولمة , وعلينا الحظر من أن ضياع الهوية هذا يمكن أن يخلق عند الأهل نوعا من الهشاشة , تؤدي بالنتيجة أن يصبح أطفالنا شيوخا صغارا...
#محمود_جلبوط (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟