أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سوسن أحمد سليم - قراءة في رواية / الحالة صفر / ل / عماد فؤاد /















المزيد.....

قراءة في رواية / الحالة صفر / ل / عماد فؤاد /


سوسن أحمد سليم

الحوار المتمدن-العدد: 4824 - 2015 / 6 / 1 - 14:41
المحور: الادب والفن
    


قراءة في "الحالة صفر" لـ "عماد فؤاد"
لابدّ من نسيان يأخذنا إلى هناك

سوسن أحمد سليم


..الحواس الظاهرة طريق لمعرفة سطحية، لها ما يقابلها في دواخلنا وهناك تكون البصيرة، هي المعرفة الأصدق والأعمق للموجودات والوجود: "لو أردّت أن أعرِّف نفسي أمامك الآن، سأقول: "أنا امرأة تبعت أنفها حتى النّهاية.. دون أن تندم". ومن قبلها قالت ميشيل: "نعم، الرّائحة، تلك التي تتبدّل من شخص إلى آخر، من حالة إلى أخرى، من يوم إلى آخر، طوال حياتي وأنا أتشكّك في أنّ حواسّي خمساً مثل بقيّة النّاس، كيف تكون حواسّي خمسًا، وأنا أخلق من المزج بينها حواسّاً جديدة؟. الحواس الجديدة اللاجديدة حقيقة، موجودة فينا، غير أن قلّة من يتحراها، وقلّة لو تحروها، لأطلقوا لها العنان لتكون كما هي، حيث الوعي حقيقتنا المجردة، ميشيل الأنثى الحرة الخالية من القيود، تعيش الحياة كما رأتها بانفلاتها من الزمان والمكان والانتماء، فتكون كل لحظة هي بعين صدقها وإملاء روحها الحرة، الصدق هو الحقيقة الأزلية التي لا تحتاج قوانين تعرفّها، جرّبه معها بطل رواية "الحالة صفر" بعد أن ترك بلده، موطنه، وطنه.. أيًّا كانت التسمية، هو المكان الذي قُدرَ له أن يولد ويعيش فيه زمناً، ليغادره ككل شاب من هذه الأوطان، هارباً من واقع أليم، ليلتقي بميشيل، وتكون له معها قصّصًا كثيرة تتمحور حول حياة مساكنةٍ لهاربين من الحياة، هو الهارب منها إلى الحرية فيها، وهي الهاربة منها إليها.

هو ابن التلقين، وهي ابنة الانطلاق لا قيد ولا شرط ولا قانون، الإنسان فيها يعلو ولا يُعلى عليه، يعيش معها كل حالاتها، حيث وجد الإنسان في صورته البكر، الكأس الفارغ إلا منهُ، كانت الإشارة لهذا عبر علاقة جسدية تربطهما معاً، تحت تأثير الماريجوانا، والتي حكى عنها الكاتب والشاعر "عماد فؤاد" بجرأة غير مسبوقة في عالمنا العربي، في تفاصيل لا تكاد تغادر لمحة في عيش الحالة التي تجعل الإنسان يتجرّد إلا من ذاته، يمارس لحظة الصدق بكل الصدق، في حبٍّ ما ابتعد عنه البطل مرة، إلا ليعود إليه في كل مرة بحاجة ورغبة أشد مما قبل: "كامرأة، لم أتاجر خلال حياتي التّافهة بروحي، لم ألقها على العتبات، ولم أعرضها على الأرصفة، كرّمتها كما كرّمتني، ورفعت من عرشها عالياً، حين جعلت من نفسي امرأة تتبع أنفها، العين والقلب يكذبان، العقل واللمسة العفويّة يكذبان، أما الأنف فلا".

هذا ما قالته ميشيل للبطل مردفةً: "أعرف أنّك لن تفهمني، ذكورتك المدبَّبة المشْهرة المنتصبة المتأهّبة، لن تستوعب "المنحنيّات، والدّوائر النّاقصة، والفالت، والرّجراج"، لن تجتهد في فهم الدّائرة ما دامت ذكورتك مشدودة في قوس أحد الرّماة في صورة سهم مدبّب، تضيق العينان من خلفه، وهي تصوّب في قلب الدّائرة الحمراء". لتبقى صورة الأنثى الرّبة الآلهة الخالقة، التي يتدوّر بها الكون، والتي تحشر في أوطاننا في الزوايا، معنىً خالداً، شرحته ميشيل كلّ لحظة لبطل الرواية بكل التفاتة منها، ولعل في زرع وتربية نبتة الماريجوانا، عودة إلى السر الذي يساعد الإنسان ليكون هو، متخلّصاً من كل ما سكبته المجتمعات في وعاء وعيه منذ ملامسة جلده لأول هواء الحياة:

"سكّين المطبخ لم يكن حادّاً بما يكفي لفصل السّاق التي سَمُكتْ واعْرضّتْ في حركة واحدة، كان عليّ أن أمسك بها جيّداً بكفِّي اليسرى لأتمكّن منها وأنا أقطعها بكفّي اليمنى من فوق الجذر الغائب في التّراب، كنتُ مثلكِ حزيناً على انتهاء حلمنا، لكنّني في موضع ما من داخلي كنتُ سعيداً، وفرحاً بأنّ صبرنا طوال هذه الفترة الطّويلة قد أثمر في النّهاية عن هذا الحصاد، رفعت السّاق التي انفصلت عالياً، والتي فاجأتني بثقلها بما تحمله من أغصان وفروع عامرة:
- على الأقل لدينا ما يكفينا لأربعة أشهر قادمة، أو ربّما لخمس.
- تعتقد؟!"

إشارة إلى أننا نستطيع - وفي كل وقت - العودة إلينا، كما كنَّا قبل أن نكون، بما يكفل لنا نسياننا لقشور غلفتنا، فأنستنا من نحن: "أوّل شروط الدّخول إلى "الحالة صفر" كما كان يحلو لميشيل أن تسمّيها، هي العمل على جعل تفكيرك مشلولاً، أن تحاول التّنفس بعمق، ساحباً أكبر كمية من الهواء إلى رئتيك، مغمضاً عينيك وفارداً عمودك الفقريّ". "الحالة صفر" التي تدرّجت عند الكاتب رجوعاً من "الزهرة" إلى "الورقة" إلى "الساق" إلى "الجذر" منتهيةً بـ"البذرة"، التكوين قبل أن يكون، بلا أرض، بلا وطن، بلا هوية:
"وجدتني فجأة أفكّر في ميشيل التي غابت منذ شهور دون كلمة واحدة، كيف ولدت وتربّت متشرّدة مع أمّها التي كانت تتنقّل مثل حمامة بين البلدان، تعزف الكلارينت في الطّرقات وقبَّعتها البالية أمامها على أرصفة الشّوارع، وكلبها السّلوقي يتربَّع عن يمينها، فيما تحرس ميشيل ذات السّنوات الخمس حينها القبَّعة، وهي تعدّ كلّ سنت يرمى فيها.
عبقرية ألا يكون لديك وطن..
كانت ميشيل تتنهَّد وهي ترمي عينيها في البعيد كلّما حدّثتها عن حنيني لبلدي، أغمضتُ عينيَّ وأنا مستلق، مستعيداً اللمعان الغريب في عينيها كلَّما نطقتُ هذه الجملة، التي لم أكن أعرف وقتها على أيّ محمل لي أن أفهمها، كنتُ في الحقيقة أتحيّر من فكرة أن تكون ميشيل سعيدة بأنّ لا وطن لها، وحين كنت أعلّق مستغرباً:
- حتى من لا يملك وطناً، يصنع لنفسه وطناً.
كانت تردّ دون أن تلتفت لي:
- إن كان لي أن أكون مدينة لباولا بشيء، فلا أدين لها إلا بأنّها حرّرتني من فكرة أن يكون لي وطن.
صحيح أن ميشيل ولدت في غرفة صغيرة بعليِّة بيت في ضواحي أمستردام، لكنني لم أعرف أبداً أيّ جنسيّة تحمل، في سفرياتنا معاً رأيت ثلاث وثائق سفر كلّ منها يتبع دولة ما، وكانت اللغات العديدة التي تتقنها تسبّب لي مغصاً ومتاعب في الأمعاء كلّما عددتها، ولا أفهم كيف استطاعت أن تتحمّل كطفلة تشرّد أمّها غير الإنساني بين البلدان بهذا الشكل.
- باولا.. باولا.. باولا، أين أنت الآن، وإلى أيّ جحيم جديد تقودين سيارتك الخضراء أيّتها العاهرة المخلصة"؟!

شيء جميل أن تكون بلا وطن، تحمل وطنك معك أنّى رحت وأنّى جئت، الوطن الحق داخل كلّ منّا، تلك اللغات التي كانت تتحدّثها ميشيل، لتتفاهم من خلالها مع مجموعات بشرية كثيرة، الرابط الوحيد بينها وبينهم هو اللغة، وكلّما تجوّلت أكثر تعلّمت لغات أخرى أكثر، ليتوحّد لسانها مع لسان العالم، فالكون، إشارة إلى عودة للغة موحّدة، توحيد اللغة يساوي توحيد المعاني والإشارات الدلالية لمفرداتها، ليكون مفهوم الكون والحياة والإنسان واحد لا يختلف باختلاف الزمان والمكان والحدث، اللغة هي القرآن الذي يعوّل عليه لتفاهم بشري يرقى بالبشر إلى إنسانيته، وهي ما يعوّل عليه الكاتب في فعل الكتابة حين تضيع جهات الحقيقة:

"الكتابة كانت محاولتي الأخيرة لأنقذ نفسي من مصير السّقوط المدويّ يا ميشيل، صرت أكتب لأنسى، لأخرجك من تحت جلدي، صرت أكتب كلّ يوم، كلّ ليلة، أكتب كلّ شيء، كلّ تفصيلة، كلّ نأمة، أكتب عنك، وإليك، مستعيناً بالماريجوانا كي تحملني إلى ضفاف أخرى لم أكن لأتخيّل أنّني سوف أراها يوماً ما، ولكي أطيل زمن استمتاعي برؤية هذه الضّفاف، كنت أستمرّ في الكتابة، مثل محكوم بالإعدام، يعرف مصيره جيداً، لكنّه لا يعرف الموعد الذي سيموت فيه.
أستطيع أن أعرّف لك الآن
وبصفاء تام
معنى كلمة الألم..
الألم ..
هو ما كنتُ أشعر به
حين أعيد قراءة ما كتبته عنكِ
ولا أجدكِ فيه".

وفي تتمة لقوله يصفها بحمامة تنفلت من بين يديه تاركة بعض ريشها:
"حفنة من ريش أبيض
لن تستطيع أبداً
أن تكون جناحاً
للطّيران".

إذاً ما يبحث عنه الكاتب على لسان بطل الرواية هو الحقيقة كاملة غير منقوصة، ليستطيع بها التحليق عالياً حيث سمو الروح وهدأة النفس التي وجدها في ميشيل ابنة الحياة، كتب "عماد فؤاد" روايته بلا بداية ولا نهاية، تكاد تكون مزقاً من حالة إنسانية يعيشها الجميع بصور مختلفة حسب ثقافة المجتمعات، تناولًا جديدًا يكسر المألوف في جمالية متفرّدة، متجاوزاً قوالب الأدب المقيّدة للمعنى، مطلقًا خياله في إنسان يتقشّر، حيث التقشّر عملية عظيمة، تحتاج استيعابًا لحجم الألم الذي سيرافق التقرّحات الناتجة عنه، حبَّة اللوز لن تحصل على اللبِّ منها إلا بإزالة القشرة عنها، لأعرفني.. ما عليَّ إلا أن أتقشَّر، أنزع عن روحي وقلبي وعقلي وعافيتي المستلبة، كلّ ما كان قد لبسها بلا فعل منِّي، بلا قرار، بلا بدء، نسخٌ مكررة للإنسان، مصبوبة في قوالب لا تكاد تخالف تفصيلاً، وجميعنا، لسنا نحن، وحقيقة، لسنا أبداً.


لا أعرف إن كُنَّا نُبْتَدأُ بالكذب!! سؤال لطالما ألحّ على فضولي، لما أجده من صور ظاهرة لا تعتني مطلقًا بما هو مكنون في الباطن، لمَ يتغيَّرُ أغلب الذين يفارقون هذه الأوطان الديِّنةِ اشتباهاً؟ والمبنية على تراكمات قلّة من فكروا بإزاحتها والنّظر إلى المكان والزمان بما يناسبه، بما يناسب إنسانه، بما يناسب كلّ موجود فيه احتراماً ومحبَّة، ومن قبلها رحمةً بعذاباتٍ لا تنتهي، في جملةٍ من الفروض والواجبات المتنوّعة، في مخالفات للإرادة الحرّة، في نسفٍ للإنسان وإرادته، ومع الاعتراف بكرامة كلّ المخلوقات، غير أنّهم أفهمونا أنّه أكرم المخلوقات، في الوقت الذي نراه اليوم أتعس المخلوقات، النبات والحيوان، حتى الغبار، ليس بحاجة لجملة قوانين يسير عليها، ولا يُفرض عليه أي موجود ما كان وما هو كائن وما سيكون، فلمَ ذوي العقلِ خُصِّصوا بهذا الحمل الثقيل؟ ومن الممكن جداً القول إنّ ما يعانيه إنسان اليوم من بؤس، ما هو إلا نتيجة فروض من نصّبوا أنفسهم أولياء الله على الأرض، ولا أقول بدل أو مكان، الله أكبر وأجلّ من أن يخلقنا للعذاب، أكبر من أن يخلق فينا ما يطلب أن نخالفه، فيكون طلبه نقيض خلقه.

لطالما تساءلت: ماذا لو عدنا إلى نقطة الصّفر؟! ولطالما كتبتُ عنها، كيف نكون؟ إذ هناكَ الحقيقة على المحجّة الشفيفة وليست البيضاء، كيف نتخلّص مما يجري في وعينا مجرى الدّم من العروق؟ لابدّ من نسيان يأخذنا إلى هناك، ولابدّ من شجاعة تجعلنا نستغني عن كلّ ما مضى منَّا فينا، "الحالة صفر".. حكت كلّ ذلك .



سوسن أحمد سليم
القاهرة



#سوسن_أحمد_سليم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القومية العربية
- ضرطة أبي
- أعيد تشكيل الغمام
- موت
- قتلوا فطرتنا وتلقائيتنا فانتبهوا ياأهل مصر
- قصة ليست قصيرة
- نوستالجيا
- فتاةُ الشرق
- دعابات قاتلة
- غمامة الإبداع
- حكاية ..
- ثكلى
- ابن الشآم
- سوريون


المزيد.....




- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...
- حديث عن الاندماج والانصهار والذوبان اللغوي… والترياق المطلوب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سوسن أحمد سليم - قراءة في رواية / الحالة صفر / ل / عماد فؤاد /