|
ضرطة أبي
سوسن أحمد سليم
الحوار المتمدن-العدد: 4763 - 2015 / 3 / 30 - 22:39
المحور:
كتابات ساخرة
لاأجمل من سهرة محبين ليس في صدورهم إلا الرغبة بالحياة كما تشاء الفطرة . لايخطر في بالهم لحظة أن يضيفوا إليها مايجملها ، لأنهم جمالها ، ولاأن يأخذوا منها / بالهبش / ، إلا ماجادت هي عليهم به .. يصنعون مما بين أيديهم التجديد لأنفسهم بأشياء بسيطة تدخل السرور على قلوبهم وقلوب من حولهم ، وقد يكون هذا ذاكرة ترافق أجيالا من بعدهم ، كلما تذكروها أدخلت نفس السرور لقلوبهم ، وهل أجمل من ضحكة يخرج من القلب صداها ؟ لامنطق يحكمها ، سوى آنٍ اعتادوا عيشهُ ، لايفارقه ، صدقُ اللحظة ، لحظة .. بيت أبي هو بيت الأخ الكبير ، وأمي كانت في عائلتها الأخت ، الرداء الواسع الحنون والقلب الحاوي ، وفي عائلة أبي ، الكنة المحبة التي يقصدها الجميع .. حتى أضحى بيتنا محطة استراحة من عناءات الحياة لكل قاصٍ وداني من أهل أمي وأبي ، وربما أصدقاءهم ومعارفهم داخل سوريا وخارجها ، وكأن بيتنا خُلِقَ لتوزيع الحب على الحياة ، سفير الغبطة فيه أبي ، وأمي ، سفيرة الحب والجمال .. اليوم نشكو طول الليل رغم قصره مع دخول التكنولوجيا إلى حياتنا ، وقد كانوا يشكون قصره رغم طوله ، لفرط السعادة التي كانوا يضيفونها له بسهراتهم واجتماعاتهم ، حيث تجنمع العائلتان ، عائلة أمي وأبي في بيتنا الصغير الذي كان يكبر ببركة الحب ويتسع للجميع ، وغالبا ماكانوا جميعهم يبيتون عندنا وخصوصا في ليالي الشتاء ، ليس خوفاً من البرد ، بل من أجل دفءٍ نشرتهُ قلوبهم ، يكبل حواسهم عن مغادرة المكان ،ويخدر فيهم الرغبة بالمفارقة حتى يتمنون أن الليل لاينتهي ، صغارا وكبارا .. مع مايحدث اليوم في عالمنا ..... أذكر سهرة من سهراتهم اجتمع فيها أغلب الأهل ، كانوا يحيونها بشي الكستناء على / صوبية المازوت / وتحميص بزر البطيخ الذي جمعوه طوال الصيف ، وجففوه مؤونةً لتلك السهرات الشتوية ، في قدرٍ كبير ، تشترك كل صبايا العائلة في تقليبه ، لينشر رائحة لاتفارق ذاكرة الشم ، وللسمعِ فيها نصيب ، من ضحكاتهن في أحاديث مغمغمة ، لايُسْمَعُ منها ، إلا همساً ، يثير فضول َ الكبار ، مع صوت طقطقة البزر ، وطيران بعض حباته فوق الرؤوس .. ويكون أبي قد أحضر / شلل الكنافة / من الميدان ، تلك المنطقة الدمشقية العريقة التي لاتنام ولاتنطفئ أضواءها ، ومعها القشطة الحموية والبلدية .. وفي غرفة الجلوس حيث الكل مجتمعين نحضر له / ببور الكاز / على صينية العشاء ، ليبدأ بفرك الكنافة أمامنا ، بعد أن يكون قد أوكل مهمة تقطيعها الأول للصغار .. لنتسابق أنا وإخوتي فيمن سيمسح له عرقه المتصبب وهو يجهد في لَيْ قوامها حتى تذوب بين يديه ، معجونة بالحليب والسكر والسمن البلدي .. وقبل أن ينزل القدر من على النار ، يكور لكل شخص من الموجودين لقيمة بأصابع قلبه قبل يديه ، ويلقمه إياها بفمه .. كنتُ أحبُ أن ألحس يديه وهو يلقمني لقمتي ، وقلبي الصغير يرقص مع ضجكته / رحمه الله / .. بعدها تحضر أمي/ لروحها السلام / الصواني ليسكبها فيها ، ويرسم على وجهها بأصابعه أشكالا ، ويفرش وجهها بأنواع القشطة التي أحضرها .. يجلس الجميع مفترشين الأرض ، يأكلونَ من طبق واحد ، وضحكاتهم تصل إلى الجيران ،مع صحن كان أبي قد سكبه لهم قبل أن يسكب لأهل البيت .. ثم يكملون سهرتهم مع البزر والكستناء ، وتبادل الكثير من الأحاديث .. ويكون هذا الطعام والتسلية قد فعل مفعوله في بطونهم ، وبدأت أصوات القرقعة تسمع من بعيد ، وهم يتضاحكون عليها ، حتى تفلت من أحدهم / ضرطة / فيشيرون إليه بالبنان ويبدأ التحدي من يستطيع فعلها ثانية .. فلايتوانى أي منهم عن فعلها وتبدأ مسابقة / الضراط / بينهم .. ومن شدة ضحك الصغار ، قد تفلتُ أيضاً من أحدهم / ضرطة / ، ولايؤنب عليها أن فعلها أمام الكبار ، فاليوم سماحٌ ، وللمداعبة يدخلونها أيضاً في المسابقة .. طبعا أبي كان من الاتزان بحيث لو / ضرط / ف / ضرطته / خارجة عن التقييم وعن دخول السباق ، لأنه كان يفعلها بكل برود وفي أي وقت غير آبهٍ بأي تقييم وكأنه وحده في المكان ، لذا ماكان يدخل معهم في سباقهم هذا ، ويكتفي كما دوما بالابتسامة الثقيلة ، محتوياً بها كونهُ أكبرهم وأقدرهم ، كل هرجهم ومرجهم ، مستوعباً تسليتهم ، فرحاً بفرحهم .. لم يكن للسباق شروط غير من يستطيع أن يخرج / ضرطة / أكبر فيجهدون في تجميع الهواء في بطونهم ثم بضربات على البطن يستدعونها لتخرج ومن ثم تبدأ التسميات .. ميتدئين / بضرطات / الصغار ، هذه الجندي وهي أصغرهم ثم الحاجب فالوزير ، وهكذا تسير التسميات حتى يصلون إلى الملوك ، وهي / ضرطات / الكبار ، حيث تسمى ، بالملك الأول ، فالثاني ، فالثالث ، هكذا حتى تتوج أكبر وأضخم / ضرطة / بالرقم الأكبر الأخير .. وتبقى / ضرطة / أبي خارجة عن التصنيف .. هل نجد اليوم / ملكا / خارجا عن التصنيف ؟
#سوسن_أحمد_سليم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أعيد تشكيل الغمام
-
موت
-
قتلوا فطرتنا وتلقائيتنا فانتبهوا ياأهل مصر
-
قصة ليست قصيرة
-
نوستالجيا
-
فتاةُ الشرق
-
دعابات قاتلة
-
غمامة الإبداع
-
حكاية ..
-
ثكلى
-
ابن الشآم
-
سوريون
المزيد.....
-
الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح
...
-
في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
-
وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز
...
-
موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
-
فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
-
بنتُ السراب
-
مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا
...
-
-الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم -
...
-
أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج
...
-
الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|