أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسام المنفي - لا سلطان على العقل إلا العقل نفسه














المزيد.....

لا سلطان على العقل إلا العقل نفسه


حسام المنفي

الحوار المتمدن-العدد: 4817 - 2015 / 5 / 25 - 00:39
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يرى الفيلسوف اليوناني العظيم أرسطو طاليس ، أن السعادة القصوى التي يمكن أن يبلغها أي إنسان تكمن في ممارسة عمليات الفكر و التأمل والنظر العقلي ، ففي حين أننا نضع لأنفسنا غايات وأمال مختلفة نعمل جاهدين لبلوغها واقتناصها مثل (المال ، السلطة ، الجنس ، الذرية ...إلخ) إلا أن هذه الغايت لا تنطوي في ذاتها على السعادة الخالصة ،و رغم أن أرسطو يوافقنا الرأي على أن هذه الممارسات والأفعال تنطوي على مقدار ليس بالقليل من اللذة ،إلا أنه يرى أن السعادة الخالصة النقية التي لا يشوبها شائبة تكمن في ممارسة العقل لوظيفته التي وجد من أجلها والتي من دونها لا يبلغ الإنسان الغاية من وجوده ، فالغاية من وجود الإنسان هي ممارسة عملية التفكير والتأمل التي من خلالها يرتقي الإنسان إلى منزلة تضاهي منزلة الألهة ، وعلى العكس من ذلك ، فمن يتنازل عن حقه المشروع في استعمال عقله وابداء رأيه وفقا لقواعد العقل والمنطق ، ومن يدعي أن ثمة سلطة أعلى من سلطة العقل فإنه ينحدر إلى مرتبة أدنى من مرتبة الإنسانية . يقول أرسطو " إن أخر ما ينشأ من ملكات النفس هو ملكة العقل ، وإذا سلمنا بهذا يتبين لنا أن ملكة العقل بحسب طبيعتها هي هدفنا وأن استخدامها هو الغاية الأخيرة التي من أجلها نشأنا " ويقول في موضع أخر " أن كل شيء يوجد من أجل العقل ، وأن فاعلية العقل هي التفكير . والعقل هو أرفع الأمور قيمة في مجال النفس ومن أجله وحده يكون كل شيء . والإنسان إذا حرم العقل وحده تحول إلى حيوان ، وأما إذا تحرر من غير المعقول وتمسك بالعقل فقد صار شبيها بالألهة "(1) . ويفرق فيلسوف قرطبة العظيم "ابن رشد" بين ثلاثة أنواع من المعرفة : خطابية ، وجدلية ، وبرهانية ، وأدقها البرهانية لأنها تبدأ من المبادىء الأولى للعقل ، حيث تعتمد المعرفة البرهانية على عملية القياس ، والقياس هو "قول مؤلف من مقدمتين إذا سلمت بهما لزم عنهما نتيجة " وكثيرا ما كان ينتقد ابن رشد أولائك المخرفيين الذين يحقرون من شأن العقل وخاصة الذين يسندون الظواهر الطبيعية لعلل وأسباب خارقة لقوانين العقل . يقول " والعقل ليس هو شيأ أكثر من إدراكه الموجودات بأسبابها وبه يفرق من سائر القوى المدركة . فمن رفع الأسباب فقد رفع العقل . وصناعة المنطق تضع وضعا أن ههنا أسباب ومسببات وأن المعرفة بتلك المسببات لا تكون على التمام إلا بمعرفة أسبابها . فرفع هذه الأشياء مبطل للعلم ورافع له(2) " . وعندما سؤل الفيلسوف الألماني عمانويل كانط عن معنى (التنوير) . قال "التنوير هو تحرير الإنسان من حالة وصاية يفرضها على نفسه . من عجز عن استخدام ذكائه دون توجيه خارجي . إنني أقول إن حالة الوصاية هذه مفروضة ذاتيا إذا كانت ناجمة ، ليس عن افتقار إلى الذكاء ، وإنما عن نقص في شجاعة الفرد أو في تصميمه على استخدام ذكائه دون مساعدة من قائد(3)" معنى هذا أن كانط قد ربط بين مفهوم التنوير من جهة وبين استخدام ملكة الذكاء أو العقل من جهة أخرى ، ويرى أيضا أن الوصاية التي تفرض على عقل الفرد سببها ، عجزه وجبنه وتردده في استخدام عقله . ويختتم كانط حديثه بعبارة أكثر من رائعة . يقول : اسمعني . تشجع واستخدم ذكائك أنت ، إن هذا في التنوير هو صيحة الحرب . أي كن جريئا في إعمال عقلك . وفي كتاب (ثقافتنا في مواجهة العصر) للدكتور زكي نجيب محمود تراه يربط بين الدرجة التي تبلغها أي أمة في سلم الحضارة من جهة وبين ما بلغته من استخدام العقل وعدم الركون إلى سلطة تفوق سلطة العقل من جهة أخرى ، فثمة علاقة طردية بين الحضارة والعقل ، بمعنى أنه كلما ازدادت سلطة العقل بين أبناء أمة ما ، كلما ارتقت تلك الأمة أكثر في سلم الحضارة والمدنية يقول " سلطان العقل -إذن- هو مدار القياس لدرجات الحضارة ، فقل لي كم عقلت أمة في تدبيرها لأمورها ، أقل لك كم صعدت في مدارج التحضر (4) " .
هكذا ينظر أغلب الفلاسفة إلى ملكة العقل ؟ نظرة مفعمة بالتقدير والإحترام ، لأنهم كما أشرنا من قبل يقيمون صلات وروابط وثيقة بين استخدامنا لعقولنا من جهة وبين التأكيد على إنسانيتنا من جهة أخرى . وفي الحقيقة فأنا أراهم على صواب فيما ذهبوا إليه ، لأنه إذا سلبت منا عقولنا وضمائرنا كما يريدون منا دعاة الماضي ، عباد السلف الذين جعلوا من النص الديني صنم يعبد من دون الله . أقول : فماذا يبقى لنا إذا سمحنا لهم أن يجردونا من عقولنا ويحيلونا إلى مجرد أتباع أو دمى لا حول لنا ولا قوة أمام ما يقره ويرتضيه نفر من كهنة العصور الوسطى ؟ أعتقد في هذه الحالة لن يكون ثمة فروق تذكر بيننا وبين باقي الكائنات الأخرى . أي ستتحول المجتمعات البشرية التي أنتجت على مر العصور حضارات زاخرة بالفنون والعلوم والأداب ... إلخ إلى مجرد قطعان من البشر (أقصد قطعان من الحيوانات البرية) ، نأكل ونشرب ونتزاوج وننجب الذرية ، ولا حاجة لنا إذن للتأمل والتفكير وإعمال العقل لأن أسلافنا من الفقهاء والمشايخ الذين غادروا عالمنا من مئات السنين قد وفروا علينا مشقة البحث وعناء التفكير لأن عقولنا مهما بلغت براعتها وقوتها في مجالي الإستدلال والإستنباط العقلي فهي قاصرة وعاجزة إذا قورنت بعقول أئمة الصحراء .
===========================================
(1) د . مصطفى النشار . "أرسطو والمدارس المتأخرة ص169" . دار الثقافة العربية.
(2) فرح أنطون . "ابن رشد وفلسفته ص149" . تقديم د . مراد وهبة . الهيئة المصرية العامة للكتاب .
(3) كارل بوبر . "بحثا عن عالم أفضل ص161" . الهيئة المصرية العامة للكتاب .
(4) د . زكي نجيب محمود . "ثقافتنا في مواجهة العصر ص206" . الهيئة المصرية العامة للكتاب .



#حسام_المنفي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ديالكتيك الفكر الإسلامي
- المدرسة الملطية . أول المدارس الفلسفية عند الإغريق . -مجموعة ...
- أنكسيمندروس [610 - 547] ق.م
- طاليس الملطي . أول الفلاسفة الإغريق
- مدخل الفلسفة اليونانية القديمة . عصر ما قبل سقراط .
- الإضطهاد الديني . وإغتيال الكلمة
- انتكاسة عقل
- جيوردانو برونو . والمحرقة
- محنة -ابن رشد-
- قتل الحلاج . وتحريم الفلسفة
- هيباتيا . شهيدة التعصب الديني
- مبحث في الجانب الأبستمولوجي -نظرية المعرفة- في الفلسفة الحدي ...
- سقراط . الرجل الذي جرؤ على السؤال
- أنكساجوراس . والحجر الأسود
- العلم والدين بين الفكر القديم والفكر الحديث
- نظرية المعرفة من منظور فلسفة ابن سينا
- الغزالي واهدار قيمة العقل
- العقل في فلسفة ابن رشد


المزيد.....




- اختفت منذ 82 عامًا.. اكتشاف سفينة حربية يابانية من الحرب الع ...
- نظرة على معاناة عائلة للحصول على طبق واحد فقط في غزة
- غزة: مقتل أكثر من 1000 فلسطيني لدى محاولتهم الحصول على مساعد ...
- إردام أوزان يكتب: وهم -الشرق الأوسط الجديد-.. إعادة صياغة ال ...
- جندي يؤدي تحية عسكرية للأنصار في سيطرة ألقوش
- 25 دولة غربية تدعو لإنهاء الحرب في غزة وإسرائيل تحمل حماس ال ...
- -إكس- و-ميتا- تروّجان لبيع الأسلحة في اليمن.. ونشطاء: لا يحذ ...
- عاجل | السيناتور الأميركي ساندرز: الجيش الإسرائيلي أطلق النا ...
- سلاح الهندسة بجيش الاحتلال يعاني أزمة غير مسبوقة في صفوفه
- السويداء وتحدي إسرائيل الوقح لسوريا


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسام المنفي - لا سلطان على العقل إلا العقل نفسه