أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شاهين - الملك لقمان . الجزء الثاني.(4) تحطيم الأصنام !















المزيد.....



الملك لقمان . الجزء الثاني.(4) تحطيم الأصنام !


محمود شاهين
روائي

(Mahmoud Shahin)


الحوار المتمدن-العدد: 4802 - 2015 / 5 / 10 - 16:22
المحور: الادب والفن
    


(4)
تحطيم الأصنام!
وهو يحلّق عالياً في السَّماء ويرقب من شرفة المركبة تشكيلات اليابسة التي شقّها في عرض البحر، راودت خيال الملك لقمان بعض أساطير أجداده القُدامى ولم يجد نفسه إلاَّ وهو يستدعي الملكة نور السَّماء مُطلقاً عليها اسم الإلهة عِناة قائلاً:
"أين أنتِ يا عِناتي؟!"
فهتفت وهي تقدم نحوه مدركة أين سرح بخياله:
"أنا هُنا يا بعلي الحبيب!"
فأشرع يديه لها فألقت نفسها بين أحضانه، قبّلها على عينها اليُمنى وضمَّ رأسها إلى عُنقه وراح يملس بيده على شعرها الناعِم كالحرير:
"ماذا ستفعلين يا حبيبتي لو خرج الإله "موت" من عوالمه السُّفليَّة وفتح فمه المهول لابتلاعِنا؟"
"سأشرع في السَّماء السابعة العُليا بليون رُمح، كل رمح بطول بليون ميل، وبليون رمحِ مثلها في السَّماء السابعة السُّفلى بحيث تنغرس الرِّماح في سقفي فكيّه بمجرّد ما يحاول أن يطبق فمه على الكون، وسأشقُّ شدقيه بسيفين طول كل سيف بليون ميل، وسأقطّع جسده إلى بليون بليون قطعة، وأحرقه في النار، وأذرّي رماده في الفضاء"
"ألن تطحنيه بالطاحون وتدفني رفاته في الحقل يا عناتي الحبيبة كما فعلت عِناة"
"لا يا بعلي الحبيب، لن أرتكب خطأها، حتّى لا يعود "موت" إلى الحياة بعد سبع سنين وينبري لبعلي الحبيب!"
وراح الملك لقمان يضمّها وهو يهمس إليها:
"يا حبيبتي يا عناتي وأنتومي وإيزيسي وإناناي!"
فهمست:
"يا حبيبي يا بعلي وآني وأوزيريسي وتمّوزي!"
"ألن تسلّميني للعفاريت يا عِناتي الحبيبة كما أسلمت إنانا الطاهِرة دوموزي".
"بل سأبيد العفاريت من الوجود كُلّه حتّى لا تضرب بعلي الحبيب بالمسامير والعصي".
"وهل ستدعين "سيت" يا عناتي الحبيبة يغدر بي ويقذفني في النيل ويقطّع جسدي أربع عشرة قطعة بعد أن تعيديني من عند عستارت بيبلوس؟"
"بل سأمزّق جسد "سيت" إلى ألف قطعة قبل أن تمتد يداه إلى بعلي حبيبي"
"وهل ستدعين "إنليل" يفرّق بين جسدينا يا عِناتي ويسلبني قدراتي؟"
"بل سأقيّده مِن قدميه ويديه وأدعه يصفد في الأغلال مدى الحياة يا بعلي الحبيب".
وأخذ الملك لقمان رأس الملكة بين يديه ورفعه عن عنقه وراح يملأ عينيه بجمال وجهها متأمّلاً عينيها الخضراوين الساحرتين وجبينها الوضّاح وخدّيها المورّدين وأنفها الحُسامي، وشفتيها الرَّقيقتين وفمها الصَّغير المضموم كوردة لم تتفتح بعد، وقد أحاطت رأسها هالة من نور، وانبثق من وجهها شُعاع خافت خفيف الحُمرَة، ليجد الملك نفسه يهيم بروعة جمالها، فيهمس إليها:
"لو أنّ لي مائة عين كي أتملّى جمال عِناتي وأرعى مُحيّا حبيبتي دوما"
"لو أنَّ لي ألف روح لأضمّها إلى روح حبيبي بعلي ليخلّد مدى الدّهر"
"خذيني يا عناتي باقة ورد، أو اجعليني يا حبيبتي غمزة في الخد، أوشميني هائماً على صدرك، أو خالاً على النَّهد"
"إزرعني يا بعلي سوسنة في القلب، أو أحلني إلى طيب من النَّد، لأكن شيبة في شعر ذقن حبيبي، أو وريداً في الزّند"
وأعاد الملك لُقمان ضمَّ رأس الملكة نور السَّماء إلى عُنقه وراح يقبّل شعرها الحريري ويملس عليه بلطف وهو يهمِسُ إليها:
"أحبُّ يا عِناتي حواري القدس، ناسها وكنائسها، جبالها ووديانها، العذراء ويسوع ومحمّد، الأقصى ودير مارسابا والمُنطار، الناي والعود والأرغول، فيروز والعتابا، الفجر والميجنا، البحر وغروب الشمس، الفلَّ والياسمين والريحان، الجوري والبنفسج والقرنفل، أُمّي وابتسامات الأطفال، الصَّبايا والزَّغاريد، الفلاّحين والفقراء، الشّعر والأدب، الموسيقى والمسرح، الرّقص وأغاني أمّي، الرّبيع وتراب بلادي. غير أنّي لا أجد ما هو أجمل من حُبِّ حبيبتي".
"أُحِبُّ يا بعلي النّدى، السُّحب والرّياح، النّسيم والظلال، الضّباب والرّذاذ، الثلوج والأمطار، البروق والرّعود، الورود والأشجار، النور والظلام، السَّماء والنّجوم، البراكين والأعاصير، الصَّحارى والغابات، الحقول والبساتين، الأنهار والبحار، الظباء والغزلان، العصافير والنّسور، الحمائم والصّقور، العشق والغرام، غير أنّي لا أتوحّد إلاّ بحبّ حبيبي".
وقطعت خلوتهما كالعادة، قطعها هذه المرّة صوت الأميرة "دليلة" وهي تهتف بأدبٍ جم!
"ليستميحني ملكاي عذراً إذا ما قطعت عليهما جمال خلوتهما وأطياف مناجاتهما العذبة".
"ماذا لديك يا دليلة؟"
"لقد عبرنا البحر يا مولاي ونحن الآن نُحلّق فوق معبد إلهي تُحرق وتدفن وتصلب وتنحر أمامه آلاف القرابين البشريّة كما يبدو".
أدرك الملك لُقمان أنّ ساعة العمل قد آنت فراح يمسِّد شعر ذقنه بيده، فيما رفعت الملكة نور السَّماء رأسها عن عُنقه لتعتدل في جلستها ومن ثمَّ تنهض.
أشار الملك لُقمان إلى المركبة بالهبوط أكثر والتحليق فوق المكان، وعدم إخراج "نسمة" و"فتنة" منها حتى لا تريا الأهوال التي تجري أمام الهيكل.
وراح ينظر هو والملكة من علٍ:
كان آلاف آلاف الناس يجثون في أرتالٍ وطوابير على سهلٍ يمتد من شاطئ البحر ويصعد تدريجياً لينتهي إلى مُرتفع أقيم عليه هيكل كبير انتصب أمامه تمثال ضخم لحيوان أسطوري، تصاعد الدّخان من محرقة أمامه، كان بعض الناس يلقون فيها أحياء ليعلوا صُراخهم وهم يحترقون.
وقد جلس إلى جانبي التمثال اثنا عشر كاهِناً ستّة في كل جانب. على مقاعد من المرمر مغطّاة بالقماش الأخضر، وانتصب في مواجهتهم خلف النار آلاف البشر المصلوبين على أخشاب ثبّتت في الأرض المبلّطة وأخذت شكل الصُّلبان، وقد انتظمت في ستّة أنساق طوال، توسّطتها طريق تؤدّي إلى المحرقة، جثا فيها بعض من ينتظرون الحرق ومرافقوهم.
وكان المصلوبون الذين قيّدت أيديهم وأرجلهم بالسلاسِل يئنّون ويتأوّهون مِن شدّة آلامِهم.
وإلى الجانب الأيمن من المصلوبين كانت آلاف القبور العميقة المفتوحة المبلّطة التي انتظمت في ثلاثة أنساق وألقي فيها آلاف البشر أحياء.
وإلى الجانب الأيسر من المصلوبين أُقيمت مئات المناحِر المنتظمة كان آلاف الأطفال والأولاد والفتيات ينحرون عليها.
أشار الملك لقمان إلى جنود الجن أن يوقفوا كل شيء كما هو، ونزل محلّقاً على العرش الطائر ترافقه الملكة نور السَّماء.
مَرّ فوق أرتال الجاثين الذين كانوا يصطحبون الأطفال والبنات والأبناء لتقديمهم كقرابين كما بدا له وللملكة، ثمَّ مَرَّ فوق أَنساق المناحر التي تكدست عليها جثث الأطفال والفتيات الذين طُعنت حلاقيمهم أو قُطِعت بلاعيمهم بالسَّكاكين، لتملأ دماؤهم أحواض المناحِر!.
ومن ثمَّ مَرَّ الملك لقمان فوق أنساق المصلوبين، فأنساق القبور، وترك العرش طائراً ليحلّق عالياً فوق المعبد، وينزل هو والملكة ليحلّقا فوق التمثال الضّخم.
كان للتمثال جسد تنّين وقوائم ثور وسبعة رؤوس: رأس تنّين ورأس إنسان ورأس ثور ورأس أسد ورأس ثعبان ورأس نسر ورأس حوت، وله جناحا نسر فوق قائمتيه الأماميّتين، وله مخالب أسد وذنب أفعى، وتلتف حول عنقه دُبّة أسد.
كانت بقايا أجساد تحترق في المحرقة وقد فاحت منها رائحة اللحم المشوي، وبدا واضحاً للملك لقمان أن معظم هؤلاء القوم كانوا يقومون بطقوسهم طواعية وليس كُرهاً، فاحتار كيف سيتعامل معهم ويُلغي طقوسهم دون أن يجرح شعورهم، فاستشار الملكة نور السَّماء فأشارت عليه بدعوة النَّاس إلى التخلّي عن إلههم وطقوسهم، وتحطيم التمثال أُسوة بالنّبي محمّد الذي حطّم الأصنام في الكعبة دون أن يُراعي مشاعر عبدتها، ورغم أنّ الفكرة راقت للملك لُقمان إلاَّ أنّه ارتأى التّريّث إلى ما بعد محاورة الكهنة والنّاس.
يجلسوا، فجلسوا إلاَّ واحداً، بدا واضحاً أنّه غاضب لما جرى وخاصّة إيقاف عمليّات النّحر والذبح والصَّلب والحرق والإلقاء في المقابر، فهتف مخاطباً الملك لقمان بصوت مُتَجهّم:
"من أنت وماذا تُريد ولِمَ أوقفت طقوسنا؟"
أحسَّ الملك لُقمان لأوّل مَرّة بمن يوحي إليه بما سيجيب:
"أنا روح الحق، وروح الله الذي لا إله غيره، هو كلُّ شيء، ومنه جاء كل شيء، وإليه كل شيء، إله محمّد ويسوع وإبراهيم، إله بوذا وكونفوشيوس، إله لوتس وزرادشت وبراهما وكرشنا وإله كل البشر".
فهتف الكاهن:
"هذه بعض صفات إلهنا فهل أنتَ رسوله؟"
أدرك الملك لُقمان أن الكاهِن أجاب دون أن يفهم شيئاً مما قاله له فتساءَل:
"أين يقيم إلهكم أيّها الكاهن؟"
"في السَّموات!"
"وهل يشبه شكله شكل هذا التمثال الضَّخم؟"
"أجل أيّها السيّد!"
"أنا روح إله عظيم يملأ وجوده الأكوان كُلّها والأماكن كُلّها والأزمان كُلّها ويستحيل على أحد أنْ يعرف شكله وقد أخذت أتجوّل في الكواكب وأستطلع أحوال الناس، لأرى من اهتدى من عبادِه إليه ومن ضلَّ عنه"
"إن كنت روح إلهٍ عظيم فأرنا معجزة؟!"
"ألا ترى في هبوطي إليكم من السَّماء وتحليق مركبتي وعرشي وجنودي في الفضاء، وإيقاف حرق ونحر وصلب وإلقاء القرابين، وتحدّثي بلغتكم، معجزات أيّها الكاهِن؟"
"هذا لا يكفي، ثمَّ إنّ ما أقدمت عليه يغضب وجه الله!"
"هل رأيتم الله وقال لكم أنّه ينبغي عليكم أن تقدّموا له القرابين والنّذور؟"
"رآه نبيّنا وهو من أبلغنا!"
"وأين هو نبيّكم؟"
"إنّه داخل الهيكل يجثو أمام تابوت الرب!"
"وهل لربّكم تابوت أيضاَ؟"
"كيف تكون روح إله عظيم ولا تعرف شيئاً عن التابوت والأنبياء؟"
"الله ليس في حاجة إلى توابيت وأنبياء وأصنام وقرابين، وليس في حاجة إلى أحد يهدي إليه، وليس في حاجة أيضاً لأن يهتدي الناس إليه، فإن اهتدوا فلهم، وإن لم يهتدوا فلهم! وهذا القابع في الداخل، الذي يدّعي النُّبوَّة، لم يرسل من قبل الله، ولم يظهر الله له أيّها الكاهن"
"وأنت ما أدراك أيّها الرّوح؟"
"أنا أدري لأنني أدرى بمعرفة الله من نبيّكم؟"
فهتف الكاهِن بحدّة:
"وضح أنّ إلهك غير إلهنا أيّها الرُّوح فاذهب وابحث عن قوم إلهك ولا تتدخّل في شؤوننا".
"لكن إلهي لا إله غيره أيّها الكاهِن، ويُفترض أن تكون البشريّة كُلّها قومه!"
"وإلهنا لا إله غيره أيّها الرّوح وإن لم يؤمن به من البشريّة إلاَّ نحن"
"ما العمل إذن أيّها الكاهن؟"
"أن تأخذ جندك وترحل وتتركنا في حال سبيلنا!"
"وإذا لم أفعل؟"
"لا بُدّ من الحرب بيننا وبينك!"
"هل لديكم قوّة تقدر على مواجهتي؟"
"نحن قوّتنا لا تُقهر أيّها الرّوح!"
"ما هو دليلك على ذلك؟"
"أنظر إلى كل الجهات وسترى دليلي أيّها الرّوح"
ونظر الملك لُقمان ليرى آلاف الفُرسان يعدون على خيولهم من كل الجهات، وبعض القوارب ترسو في البحر لينزل منها آلاف الجنود الرّاجلين"
"هذا الجيش قد لا يحتمل نفخة أمام أحد جنودي أيّها الكاهن، عليك أن تستعين بقوى إلهك الجبّارة!"
"سيدعو نبيّنا الله لأن يرجمكم بالنّجوم!"
"إذا يقدر إلهكم فليفعل لأنّه دون ذلك لن تقدروا على مواجهتي أيّها الكاهن"
ونهض أحد الكهنة واتّجه إلى داخل المعبد ليخبر النّبي كما يبدو.
نظر الملك لُقمان إلى آلاف البشر الذين ما زالوا ينتظرون دورهم لتقديم القرابين وتساءَل:
"ألا تخبرني أيّها الكاهِن لماذا يتوجّب على هذه الحشود تقديم القرابين هذا اليوم بالتحديد"
وكم كانت دهشة الملك لقمان حين هتف الكاهِن:
"أنعم الله علينا بأن شقَّ لنا يابسة في البحر هذا اليوم، لنغزو البلاد الواقعة خلفه بعد أن وهبنا إيّاها، فهبَّ الآلاف يقدّمون القرابين والنّذور احتفاء بالمناسبة"
خرج الملك لقمان من دهشته وتساءَل:
"وهل كُل هؤلاء هبّوا بعد شق البحر أيّها الكاهِن؟"
"لا. فبعضهم ينتظرون أدوارهم مُنذ أيّام ليوفوا بنذورٍ قطعوها على أنفسهم منذ زمن، فهذا الشهر هو أحد شهرين في السنّة تقدّم فيهما النّذور والقرابين"
ونظر الملك لقمان إلى الكاهِن بتمعّن متأمّلاً شكله، وهتف:
"ما رأيك أيّها الكاهن لو قلت لك أنني أنا من أمرَ هذا الصَّباح بأن ترتفع اليابسة من أعماق البحر إلى ما فوق الماء، وأنَّ قواي هي التي قامت بتنفيذ ذلك بعون الله"
وفوجئ الملك لقمان بالكاهِن يهتف بانفعال:
"ومن أنت أيّها الوضيع كي تتطاوَل على أفعال الآلهِة العظام وتنسبها لنفسك؟"
ضبط الملك لقمان أعصابه بقوّة خارقة، فيما راح ملك الملوك يصرخ في رأسه من المركبة:
"مولاي، دعني أَخوزق هذا الخُراء الذي يجرؤ على التّطاوِل عليك!"
أشار الملك لُقمان إلى ملك الملوك بالسّكوت وألقى نظرة حادّة على الكاهِن:
"ألا يُفترض فيك ككاهن أن ترباً بنفسك عن الألفاظ التي تحطُّ من قدرك أيّها الكاهِن؟"
"ليس أمام من يتطاولون على الآلهة!"
"أنا لم أتطاول على إلهك أيّها الكاهِن، وأنا حقَّاً من دعا إلى اليابسة ورفعها بمشيئة الله وأعوانه"
"كفاك كذباً وافتراءً أيّها الوقح!!"
راح ملك الملوك يصرخ في رأس الملك لُقمان بجنون فيما الملك يُسكِته، وقد أدرك أن التّفاهم مع هذا [السَّفيه الأرعن الفظ] مستحيل، فأخذ بيد الملكة واقترب من أرتال القرابين ليعرف شيئاً عن أحوالهم، والأسباب التي دفعت ذويهم إلى تقديمهم كقرابين، وكانت طلائع جيوش الكهنة قد وصلت إلى المكان، وأوقفت خيولها لتحيط بالمعبد والناس دون أن تُشهر سيوفها أو تشرع في القتال، فوضعها الملك لقمان تحت الرَّقابة المشددة لجيوشِه الخفيّة والعَلنيّة.
اقترب الملك لقمان من رتل فتيات برفقة آبائهن، كانوا يجثون خلف المحرقة ويمتد رتلهم ما بين صفّي المصلوبين، سأل الأب الأوّل:
"لم تريد أن تقدّم ابنتك قرباناً أيّها الشيخ؟"
فقال الشيخ:
"عندي سبع بنات ولم يرزقني الله أولاداً، فنذرت أن أقدّم إحدى بناتي قرباناً إلى الله إذا ما رزقني بغلام، فرزقني، فضربت القرعة على الفتيـات فكانت من حظ هذه".
"وهل أنتَ راضٍ عمّا تقوم به أيّها الشيخ؟"
"هذا واجبي تجاه الله أيّها السيّد"
"وأنتِ أيّتها الفتاة، هل أنتِ راضية عن حَظّك؟"
"إنّهُ قدري، رضيت أم لم أرض، فرحت أم تألَمت"
"ألا تشعرين بالرُّعب والألم أيّتها الفتاة وأنت تنتظرين دورك للحرق؟"
"بل أشعر أنني مِتُّ، وأتمنى لو أموت قبل أن أُطرح في المحرقة"
"ألا تريان أيّها الشيخ أنّكما تدفعان ثمناً غالياً لهذا الغُلام، في الوقت الذي قد لا يحتاج فيه الله إلى هذا الثّمن؟!"
"كهنتنا يقولون إنّ الله لا يقبل بالثمن البخس!"
"وأنا أقول لك إنّ الله ليس في حاجة إلى ثمن، بل إن ما تفعله يُغضب وجه الله، إذ ليس ما هو أعز عند الله من النّفس، وليس ما هو أبغض عند الله من قتل النّفس، فمن قتل نفساً حيّة قتل الله، فإن شئت فاستمع إلى قولي واتبع إلهي، وإن لم تشأ فابق على ما أبلغك إيّاه كهنتك"
وفوجئ الملك لقمان بالشيخ يهتف:
"إنّي آمنت بإلهك أيّها السيّد"
وكذلك آمنت ابنته وهتفت، فأعادت الملكة نور السَّماء الطمأنينة إلى نفسيهما وخلعت عليهما أجمل الملابس، ودعتهما لمرافقتهما إن أرادا.
دنا الملك لقمان من شاب مصلوب ما زال يحتفظ ببعض قواه وسأله:
"هل لي أن أعرف لم قدمّك أبوك قرباناً للإله أيّها الشاب؟"
فهتف الشاب بصوت واهن:
"غزا أبي على رأس جيش قوماً، ونذرني لله إذا ما انتصر عليهم، فشتت شملهم وقتل المئات من أطفالهم ورجالهم وشيوخهم وسبى نساءَهم، وغنم مواشيهم وأموالهم، لكنه لم يوفِ نذره لمحبّته لي، إلى أن جاءَه هاتف في نومه، وطلب إليه النّهوض ليوفي نذره، قبل أن تحلَّ عليه لعنة الله وغضبه، فقام من فوره وأتى بي إلى هُنا وصلبني وهو يبكي"
"ولِم صلبك صلباً؟"
"لأنَّه نذر أن يصلبني صلباً"
"ومنذ متى وأنت مصلوب؟"
"مُنذ الأمس أيّها السيّد"
"وهل تبقى مصلوباً بعد موتك؟"
"لا أيّها السيّد، كل من يموت يُحرق جثمانه في المحرقة"
"إنّي أقول لك أيّها الشاب، إنّ الله لا يحبُّ القرابين، ويبغض الـحروب؟ فمن أشهر سيفاً في وجه الإنسان أشهره في وجه الله، ومن دعا إلى الله بسيف كمن أشهر سيفه في وجه الله، ومن شنَّ حرباً باسمه كمن شنّ حـرباً عليه، فإن شئت فاستمع إلى قولي واتبع إلهي الذي لا إله غيره، وحده لا شريك له في المُلك، وإن لم تشأ، فابق مُنهكاً على صليبك، وإن كنت بذلك كمن يُشارك في صلب الله، فمن صلّب نفساً صلب الله، ومن أحرق نفساً أحرق الله، ومن نحر نفساً نحر الله، ومن دفن نفساً حيّة دفن الله، ومن شتم نفساً شتم الله، ومن شتم الله شتم نفسه. من اتبّع إلهي وجد نفسه، ومن ضلَّ عن إلهي ضلَّ عن نفسه، فاتبع الخير في نفسك أيها الشاب تتبع إلهي!"
فهتف الشاب من أعماقه:
"إنّي آمنت بك وبإلهك أيّها السيّد"
"بوركت أيّها الشاب، وبورك عُنفوانُك، وبورك إذعانُك لأبيك بصلبك، هيّا انزل عن صليبك، فقد قُطعت أصفادُك، وعادت إليك عافيتك، واذهب إلى أبيك قبل أن تبيضَّ عيناه من شدّة الحزن، أخبره بما جرى معك، وذكّره بدموع الآباء الذين قتل أبناءهم، ودموع الأبناء الذين أفقدهم آباءَ هم ودموع النّساء اللواتي رمّلهن وسباهن، لعلَّه يعود إلى الله ويؤمن به"
ولم يعرف الشاب كيف وجد نفسه ينزل عن الصليب وهو بكامل عافيته. ويرفل بأجمل الثياب، وتردد في الانصراف متخوّفاً من أن يتعرّض له الفرسان والجنود الذين كانوا يحيطون المنطقة بالآلاف، فأبدى تخوّفه للملك لقمان، فقال له:
"إذهب أنت في حمايتي لن يتمكن أحد من الاقتراب منك"
وانصرف الشاب مارَّاً من أمام الكهنة، ليتجاوز ساحة المعبد ويُصبح في مواجهة الفرسان، لكز بعض الفرسان خيولهم ومدّوا أيديهم إلى مقابض سيوفهم، فأحرنت الخيول وراحت ترجع القهقرى وهي تثب على قوائمها الخلفيّة لتطيح ببعض الفرسان عن ظهورها، واستعصت السيّوف على الاستلال من أغمادها. شقَّ الشاب طريقه من وسط الجيش والخيول تتراجع رافعة قوائمها الأماميّة وواقفة على الخلفيّة مفسحة له الطريق، فتبلبل الجيش واضطرب وهو يجد نفسه عاجزاً أمام شاب يخترقه من مُنتصفه.
هتف الشيخ مُخاطباً الملك لقمان:
"هل في مقدوري أن أنصرف أنا وابنتي في أثر الشاب دون أن يتمكّـن أحد من التّعرض لنا أيّها السيّد النبيل"
فهتف الملك لُقمان وهو يربت على ظهر الشيخ:
"بالتأكيد أيّها الشيخ"
وانصرف الشيخ وابنته وهما لا يصدّقان ما يجري.
اقترب الملك لُقمان والملكة نور السماء من أنساق القبور العميقة.
شاهدا امرأة تضطجع متكوّرة على نفسها في أعماق قبر. سألها الملك لقمان عمّن قدّمها قرباناً إلى الله، ولماذا قدّمّها، فأجابت:
"لم يعد جمالي يروق لزوجي، فلم يعد يحبّني، فنذر بتقديمي قرباناً إلى الله إذا ما رزقه بمن هي أجمل مِنّي، فكان له ما أراد؟ وكان لي ما لم أُرد أيّها السيّد، وها أنا أضطجع في هذا القبر إلى أن أموت جوعاً وعطشاً لتحرق جُثّتي".
فقال لها الملك لقمان:
"إنّي أقول لك أيّتها المرأة، ليس هُناك امرأة تملأُ حياة رجل، وليس هُناك رجل يملأ حياة امرأة، فالنّفس توّاقة دوماً إلى الجمال، والجسد لا يسمو إلاّ بالمتعة والكمال، فنوّعوا النّكاح، ومارسوا الحب بالتراضي والقبول، ولا تحرموا أنفسكم وأجسادكم متعة الحياة، فإنّكم بذلك تتقرّبون إلى الله"
وحاولت المرأة النّهوض غير أنّها لم تقدر، فهتفت وهي على حالها:
"إنّي آمنت بك وبإلهك أيّها السيّد"
فأعيدت لها عافيتها وأُخرجت من القبر لتزهو بجمال فائق يخلب العقول.
وانتقل الملك لُقمان إلى قبرٍ آخر، ليجد شابّاً جميلاً مسجى فيه، وقد أخذ منه الوهن، فسأله عمّا آل به إلى هذا القبر، فقال:
"كنت أسائل قومي عن هذا الإله المتعطّش للدماء، والذي لا يرضى إلاّ بالدّماء البشريّة، فنذرني أبي قرباناً إليه لعلّه يهديني سواء السّبيل، فقيّدوني رغماً عنّي وألقوني في هذا القبر العميق لأموت عطشاً وجوعاً"
فهتف الملك لُقمان:
"بوركت أيّها الشاب، إنَّ مساءَلة الله والتساؤل عنه حق للبشر، وإنّي أقول لك، إن فهمك بعض الناس فأنت عبقري، وإن فهمك مُعظم الناس فأنت ذكي، وإن فهمك الناسُ جميعاً فأنت أحمق"
وخرج الشاب من القبر مُعافى مرتدياً حُلّة جديدة، ليقف أمام الملك لُقمان معلناً إيمانه به وبإلهه.
وعاد الملك لُقمان ليمر من بين أرتال المصلوبين، توقّف أمام رجل لم ينهك الصَّلبُ قواه بعد وسأله، فأجاب:
"أرسلني الكهنة لأن أقنع قوماً يعبدون إلهاً آخر، بالتخلّي عن إلههم وعبادة إلهنا، فلم أتمكن إلاَّ من إقناع بعض النّاس، فقدّموني قرباناً للإله".
فهتف الملك لقمان:
"إنّي أقول لك أيّها الرّجل: تستطيع أن تقنع بعض الناس، وقد تستطيع أن تقنع معظم الناس، لكنك لن تقنع الناس جميعاً حتّى لو كنت إلهاً"
فهتف الرّجل:
"إنّي آمنت بك وبإلهك أيّها السيد"
فأشار الملك لقمان بحركة من يده لتُقطع السلاسل من يديه ورجليه.
وينزل عن الصليب وهو بكامل قوّته.
وانتقل الملك إلى شيخ عجوز يجثو في رتل المحرقة، وسأله عن قصّته فقال:
"آهٍ أيّها السيّد، أولادي الذين شقيت عمري كُلّه في سبيلهم، أجمعوا على نذري إلى الله، بعد أن سئموا منّي، وها أنا آتي وحدي لأقدّم نفسي طواعية لمحرقة الله".
فهتف الملك لُقمان:
"لا يحصد المرء دائماً ما يزرع، بوركت أيّها الشيخ، فانهض وعُد إلى بيتك، فأي إلهٍ هذا الذي لا يشفق عليك، وينتظر رؤيتك تُشوى في محرقته؟"
وصغَّر الملك لقمان عُمرَ الشيخ أربعين سنه، وخلع عليه حُلّة من الديباج وملأ جيوبه بالجواهِر، فراح يهتف معلناً إيمانه وهو في غاية الفرح.
واقترب الملك لُقمان من شاب ينتظر في رتل المحرقة وسأله فقال:
"تعيش قبيلتي في فقرٍ مدقع، وقد فتكت بها الأمراض، وألّمت بها الكوارث، ونظراً لأنّ أبي زعيم القبيلة، فقد نذرني إلى الله، لعلّه يعطف على القبيلة ويفرّج كروبها".
فهتف الملك لقمان:
"عجب لآلهة تستطيع أن تقول للأشياء كوني فتكون، ومع ذلك تبخل على البشريّة بهاتين الكلمتين وتجعلها تحيا كل هذه الفظائع والأهوال، انهض وعد إلى أبيك أيّها الشاب، فقد أشفى إلهي قبيلتكم من أمراضها، وأزال الكوارث عنها، وأخصب أراضيها، وأكثر مواشيها، وأعاد العافية إلى أبنائها، وقل لأبيك هذا ما فعله إله لقمان"
وحين هَمَّ الشاب للنهوض وجد نفسه في كامِل عنفوانه، فهتف:
"أشهد أن لا إله إلاَّ إلهك" وانصرف خلف من آمنوا قبله تحت حماية الملك لقمان، دون أن يتمكّن الفرسان من الاقتراب منه.
ودنا الملك لقمان من رجل وابنته، كان الرّجل يلاحق بعينين مشدوهتين السّكين -التي كان سيذبح بها الفتاة- وهي تحلّق في الهواء على مقربة منه.
سأله الملك لقمان عمّا به، فأخبره بالسّكين الذي انتزع من يديه وهو يجثو في صف المذابح، فانتقل إلى صف المحرقة ليلحقه السكين ويحلّق أمامه ومن حوله بشكل آثار رعبه، فقال له الملك لُقمان أنّه سُيريه من انتزع السّكين من يده إذا ما قصَّ عليه قصّته، فقال:
"عندي متجر صغير أيّها السيّد، لكن النّاس قاطعوا محلّي ولم يعودوا يشترون مِنّي، مُدّعين أنّ بضاعتي غالية، فقلت أنذر ابنتي إلى الله لعلّها تُفرج!"
فهتف الملك لُقمان مستلهماً من أقوال المسيح:
"قد يدخُل جمل من ثٌقب إبرة، لكن لن يدخل تاجر جشع إلى قلوب النّاس! أمّا عن السّكين أيّها التاجر فقد سلبه أحد جنودي منك كي لا تنحر ابنتك".
وأشار الملك لقمان بيده وإذا بالجندي يقف ملوّحاً بالسكّين"
فهتف التاجر:
"إنّي آمنت بك وبإلهك أيّها السيّد"
فقال الملك لُقمان:
"آمل ذلك أيّها التاجر"
وأعاد الملك لقمان العافية والطمأنينة إلى الفتاة دون أبيها"
وانتقل الملك لقمان إلى أنساق المذابح حيث تُنحر وتذبح القرابين، وكم كان المشهد مرّوعاً للملك لقمان، فقد كانت الجثث تتكدّس على المذابح وتتبعثر من حولها في أشكالٍ عشوائيّة. جثث أطفال من أعمار مختلفة، وجثث فتيات، وجثث شباب، وجثث شيوخ وجثث نساء، بعضها عارٍ وبعضها شبه عار، وأحواض تفيض بالدّماء حول المذابح، وأناس ينتظرون بوجوه شاحبة بائسة تخيم عليها أشباح الموت.
أطبق الملك لقمان بيديه على رأسه شابكاً أصابعه فوقه، مُخفياً وجهه خلف مرفقيه، جاهداً بكُلِّ قوّته ليمنع صرخة هائلة من الإفلات منه، وما لبث أن رفع رأسه إلى السَّماء فارجاً مرفقيه قليلاً، ليتيح إلى عينيه الرؤية وكأنّه يأمل مشاهدة الله، وراح يصرخ في أعماق نفسه دون أن يعرف أحد ما يدور في بطينته، سوى الملكة نور السَّماء:
"لِمَ، لِمَ، لِما! لماذا يا إلهي تجعل كُلَّ هذا يحدث، لِمَ تتيح لكُلِّ هذه الدّماء أن تنزف، ولكُلِّ هذه الأرواح أن تقضي، بكم قلبٍ سأحتمل كُلَّ هذه العذابات والآلام، وأنت لم تمنحني سوى قلبٍ واحدٍ ضعيف؟"
وأنزل الملك رأسه وهو يُطبق بيديه عليه ويتنفّس بتسارع وعمق لعلّه يسيطر على نفسه. غير أنّ جسده كان يتلوّى وكأنّه أصيب بمغص شديد، فسارعت الملكة إلى مواساته، فيما شرع صوت هائل يهتف في دخليته:
"كل هذه الجثث جسدي يا لقمان، وكل هذه الدماء العائمة دمائي، وكُلُّ الأجساد المصلوبة والملقاة في القبور والتي أحرقت جسدي، كل حنجرة قطعت هي حنجرتي، وكل حلقوم نُحر هو حلقومي، وكل قطرة دم سالت هي من دمائي، وكل عين فُقئَتَ هي من عيوني، وكل روح قضت هي روحي، فكم من الدّماء التي سالت عبر ملايين السّنين من دمي، وكم من الأرواح التي أزهقت من روحي، وكم من العيون التي فُقئت من عيوني وكم من الأعناق التي قطعت من عنقي، وكم من القلوب التي توقّف نبضها من قلبي؟! لو أنّك عشت مقدار ذرّة من آلامي يا لقمان، لمتّ ألف ألف ألف بليون مَرّة، فهل تراني كنت قادراً على منع حدوث كل هذا لي ولم أمنعه؟ هل تراني كنت قادراً على وقف نزيف جسدي ووقفت متفرّجاً عليه؟ هل تراني كنت قادراً على صَدّ الرّماح المنطلقة نحو جسدي ولم أصدّها؟ أم تراني كنت أنعم بمواضيكم وهي تقطّعني إلى أشلاء؟ ورصاصكم وهو يخترق صدري، وقنابلكم وصواريخكم وهي تحيلني إلى رماد وركام؟!"
وتوقف الصوت ليرفع الملك لقمان رأسه المتفجّر المضطرب، ويدور حول نفسه فاغراً فاه مشدوهاً مرسِلاً نظراته إلى الفضاء وهو ما يزال يشبك يديه خلف رأسه، ليهتف متسائلاً بحيرة وذهول مُفجّراً الصوت الذي طالما حبسه في دخيلته:
"لا! أهذا أنت حقاً؟ هل كان هذا صوتك؟ وهل أنت من كنت توحي إليَّ بالكلام الذي قلته للناس؟ هل هذه الدّماءُ دماؤك، وهذه الأجساد جسدك؟ هل كنت في حاجة إليّ بقدر ما أنا في حاجة إليك، وكنت تبحث عنّي كما أبحث عنك، فعثرت عليّ قبل أن أعثر عليك؟! أجبني؟ أجبني؟ هل يُعقل أن تكون ضعيفاً بقدر ما أنتَ قوي؟ وأن تقدر على كُلّ شيء ولا تقدر على شيء؟ هل يُعقل أن تموت بقدر ما تحيا، وأن تتألم بقدر ما تحب؟! لا! لا! مستحيل! ساعدوني، أعينوني، ساعدوني، أعينوني، أعيدوا الحياة إلى الله وكفاكم تمزيقاً لجسده وتقطيعاً لأشلائه وطعناً لسويداء قلبه، وإثارة لأحزانه وآلامه، عودوا إليه وكونوا معه، يعود إليكم ويكون معكم؟»
وكانت الملكة نور السَّماء قد أضجعت الملك لُقمان أرضاً حين خارت قواه، وراحت تواسيه في محنته وهي تحضن رأسه، وهبط ملك الملوك وأعوانه من المركبة، وتحلّقوا جلوساً من حوله، وازدحمت السَّماء بالملايين من ملوك الجن وأعوانهم، فيما شرع الملك لقمان يهتف بوهن عبر أنفاسه المتقطّعة "الله! الله! الله!" فأخذت الملكة تهتف معه، وشرع المتحلّقون حوله من الجنّ يهتفون معه، ليهتف ملايين ملوك الجن وأعوانهم في السَّماء "الله، الله، الله" وليهتف المصلوبون ومن في القبور؟ الله، الله، الله" وليهتف الجاثون في الأرتال "الله، الله، الله" وليترجّل الفرسان عن خيولهم ويجثون وهم يهتفون "الله، الله، الله" ولتثني الخيول قوائمها وتنكس رؤوسها وتهتف "الله، الله، الله" وليخر نبي الهيكل ساجداً وهو يهتف "الله، الله، الله" ليخرَّ خلفه كهنته جميعاً، من كانوا خارج الهيكل ومن كانوا داخله، ويهتفون "الله، الله، الله"
أخذت السَّلاسل التي تقيّد أرجل وأيدي المصلوبين تتقطّع، لينزلوا عن صلبانهم ويجثون ويهتفون "الله، الله، الله" وأخذ من في القبور يخرجون من قبورهم ويجثون وهم يرددون "الله، الله، الله" وأخذت الحياة تدّبُّ في أجساد المذبوحين والمنحورين لتتحرك قوائمهم وتبرأ جروح حناجرهم وحلاقيمهم لينهضوا عن المذابح والمناحِر ويجثون وهم يهتفون "الله، الله، الله" وأطفئت نار المحرقة وأخذت تقذف الأجساد من داخِلها إلى أعلى جسداً بعد جسد، ثمَّ جسدين بعد جسدين، ثمَّ ثلاثة فأربعة، فخمسة، فستّة، فسبعة، فثمانية، فتسعة، فعشرة أجساد، فمئة جسد، فمئات الأجساد، كُلّها راحت تنطلق في السَّماء ثمَّ تحطّ على الأرض لتجثوا وتهتف "الله، الله، الله" إلى أن قذفت المحرقة أكثر من مليوني جسد، وهبط ملايين الجن من السَّماء وجثوا وهم يرددون "الله، الله، الله" لتردد الأرض والسموات مع الجميع "الله، الله، الله" بأصوات خاشعة عذبة راحت تنشِد مُلحّنة نشيداً كونياً!
كان الملك لقمان ما يزال مُسجى على الأرض، مُغمض العينين، مضطرب الأنفاس يهتف باسم الله والملكة تسند رأسه بيدها وتهتف معه وهي ترقب هُتَافه واضطراب أنفاسه، حين هتف الهاتف ثانية في دخيلته ليوقفه عن الهُتاف كي يسمتع إليه:
"بوركت يا لُقمان، بورك إيمانُك، وبوركت محبّتك، انهض أيّها الحبيب فقد عادت الحياة إلى موتى المعبد، لتعود إلى بعض ما مات من جسدي، انهض أيّها الحبيب واملأ عينيك بجمال حُضوري وفرحتي بعودة الحياة، ولا تنس أن تحطّم أصنام هذا المعبد قبل انصرافِك".
وفتح الملك لقمان عينيه ليرى وجه الملكة نور السَّماء يحنو عليه بصورة نورانيّة لم يرها من قبل، فهمس يسألها وكأنّه لم يُصدّق بعد الصوت الإلهي الذي هتف في دخيلته:
"هل عادت الحياة إلى الناس يا حبيبتي؟"
وكانت الملكة قد توقّفت عن الهُتاف حين شرع الملك في الكلام فهتفت:
"أجل يا حبيبي عادت"
فهتف الملك لُقمان وعيناه تغرورقان بالدّموع:
"أشكرك يا إلهي الحبيب، أشكركم أيّها الأحبّة من الجن، أشكركم أيّها الأحبّة من الإنس"
ورفع الملك رأسه ونظر ليرى الآلاف يجثون وهم يرددون اسم الله بأروع الألحان.
مَدّ يده إلى ملك الملوك ليعينه على النّهوض، فأخذ الملك بيده، فيما أخذت الملكة بيده الأخرى وأنهضاه.
ألقى نظرة على ما حوله، ثم أرسل نظراته بعيداً إلى كل الجهات ليرى الملايين من البشر والجن وهم يجثون على مدى السُّهوب والجبال ويتنغّمون باسم الله بأروع لحن يمكن أن يتخيّله العقل.
طار نحو التمثال الضخم وهو يشير بيده نحوه فانقسم إلى سبعة أجـزاء بعدد رؤوسه وانهار على الأرض بسبعة أجزاء حسب الرؤوس. وتابع الملك طيرانه تتبعه الملكة وملك الملوك ودليلة مارَّاً من فوق النّبي وكهـنته الأربعين الذين كانوا يجثون ليتجاوز الأعمدة الضخمة التي كان يقوم عليها الفناء الخارجي للهيكل، مارَّاً من بين اثني عشر تمثالاً كانت تزيّن المدخل، وقد أشار الملك لُقمان إليها لتتحطّم في أماكنها، وتابع طيرانه ليدخل الهيكل.
كان تابوت ضخم مُذهّب يتموضع في مُنتصف الفناء الداخلي على قاعدة مرتفعة وقد تقدّم الجدران ثلاث مصاطب متدرّجة وحُفر فيها مقصورات لجُلوس الكهنة، كانت إحداها متميّزة في شكلها وموقعها المواجه للتابوت، حيث كان يجلس النّبي، وقد زيّنت الجدران برسوم للإله ذاته.
اقترب الملك لُقمان من التابوت وأشار بحركة من يده ليُفتح. كان فيه تمثال من الذهب للإله الذي حطّم أصنامه في الخارج. أشار الملك بيده وإذا بالتابوت يتشقق والتمثال يتحطّم ليتحوّلا إلى رُكام.
خرج الملك لُقمان من المعبد، وما أن ابتعد قليلاً حتى استدار في الفضاء وراح يشير إلى الأعمدة الضخمة واحداً واحداً، لتنهار عموداً إثر عمود، لينهار الهيكل كُلّه. وسط النَّشيد الإلهي الأعظم الذي كان يملأ الكون.
رفَع الملك لقمان يده ببطءْ، فراحت الأصوات تبطئ من إيقاع اللحن، وتخفت أصواتها بالنَّشيد إلى أن توقّفت مع حركة يد الملك.
دنا الملك من (النّبي) الذي كان يسجد أمام كهنته الأربعين، أي الإثني عشر الذين كانوا في الخارج، وثمانية وعشرين خرجوا معه من الداخل، هتف:
"ارفع رأسك أيّها المتنبئ، ارفعوا رؤوسكم أيّها المتكهنين، للأسف لم يسجد أحد إلاَّ أنتم، ومع ذلك فأنتم أقل الناس إيماناً بإلهي، بل أشك أنّكم آمنتم!.
فرفع (النّبي) رأسه ليرفع الكهنة رؤوسهم خلفه.. لم يبد على (النبي) أنّه قادر على الكلام، فهتف الملك:
"هل آمنتم حقّاً أيّها المتنبئ، لم لا تجيب؟!"
فهتف (النّبي) بصوت واهن:
"أُقسم أننا آمنّا على يديك يا سيّدي با نبيّ الله!"
"أنا لستُ نبيَّاً ولست بسيِّدٍ لأحد أيّها المتنبئ، وإلهي يكره الأنبياء والكهنة وكل المتعيشين باسم الله من قوت الشّعوب دون أن يعملوا، ودون أن يقدّموا للبشر إلاَّ المصائب، والتفاسير الحمقاء للوجود الإلهي، والشرائع الأكثر حماقة، والطقّوس الفظيعة، والأركان الخرقاء، وإلهي ليس في حاجة إلى أضاحي ونذور وقرابين أيّها المتنبيّ، فهو من يُضحّي من أجل الـبشر، وليس في حاجة إلى هياكل ومعابد، فالأكوان كُلّها معبدة، بسماواتها وكواكبها وكل أماكنها، ببحارها ومحيطاتها وأنهارها وغاباتها. وإلهي كادِحٌ يحب الكادحين والعاملين والفلاّحين والعُلماء والمجدّين والمجتهدين الطيّبين، ويكره الكسالى والأشرار والمنافقين، فهل آمنتم به حقاً أيّها المتنبئ؟"
"أقسم إنَّا آمنّا أيّها الرّوح "الأعظم"
ونظر الملك لُقمان نحو الكاهن الذي حقّره وهتف:
"هل آمنت حقّاً أيها الكاهن غير الوضيع، وصدّقت أننا أنا وإلهي وأعوانناً من قام بشق اليابسة، ولم تعد تطلب إلى إلهك أن يرجمنا بنجومه ليتسنّى لك أن تغزو الأرض التي وهبك إيّاها خلف البحر؟!"
وهرع الكاهِن يحبو على يديه ورجليه وهو يتوسّل:
"إنّي أتوسَّل إليك أن تغفر لي وتعفو عنّي، وتتيح لي أن أقبّل قدميك أيّها الرُّوح الأعظم"
فأشار الملك لُقمان إلى أحد الجنود أن يمسكه ويعيده إلى مكانه وهو يصرخ به:
"هيَّا انهض وعُد مكانك ولا تذلَّ نفسك أمامي إنّي وإلهي لا نحبُّ الأذلاَّء أيُّها البائس"
وأشار الملك إلى جميع الكهنة و"النبيّ" أن ينهضوا ويعودوا إلى مجالسهم، فنهضوا ليجلس معظمهم فيما ظلَّ الباقون واقفين.
جلس (النبيّ) في مواجهة الملك لقمان. سألَه الملك:
"ألا تقول لي أيّها المتنبئ من أيّة طينة من البشر أنت وكهنتك؟"
معذرة لم أفهم ما تقصده أيّها الرّوح الأعظم!"
فراح الملك لُقمان يهتف بانفعال:
"بالتأكيد لم تفهم أيّها المتنبئ.إنَّ من يقود شعباً كما يقود قطيع الشّياه إلى المسلخ لن يفهم ما أقصده، أليس لك قلب أيّها المتنبئ، ألا تحب وتكره، ألا تحس وتتألّم؟ هل أنت مجرّد من الوجدان، هل أنت فاقد الضمير، ألا تعتلج نفسك بذرّة من الشّفقة وأنت ترى هذه الجموع من أبناء شعبك تحرق وتصلب وتنحر وتذبح وتلقى في القبور على مرأى من عينيك؟ أي نبيٍ أنت؟ ومن أوحى لك بهذه الأفكار الدمويّة السوداء عن الوجود الإلهي؟!"
ولم يجب (النبي) فهتف الملك لقمان بانفعال أشد:
"لم لا تجيب، هل أخرس الله لسانك الذي كنت تضلل به الناس كل يـوم وتزرع في قلوبهم الرُّعب؟"
"عفوك أيّها الرّوح الأعظم"
فصرخ الملك لقمان بجنون:
"أريد أن تجيبني، هل تسمع. أُريد أن تجيبني، من أوحى لك بهذه الطقوس المرعبة والمفاهيم المخيفة؟ من أوحى لك بهذه الأفكار الرّعناء عن الوجود الإلهي؟ هل ظهر لك الله من العُلّيقة أنت الآخر أم تراءى لك في عمود من سحاب أو نار، أم أن الرَّوح القدس نزل عليك، أو لعلّه جبريل؟! قل، أجب، ينبغي أن تجيب أيّها المتنبئ؟ يجب أن أعرف حقيقة طينتك الشَّاذّة الملعونة!"
وظلَّ (النبيّ) مطرقاً للحظات، وما لبث أن هتف بصوت متهدّج، ثمَّ أجهش بالبُكاء وهو يجيب:
"هذا ما أوحاه لي عقلي أيّها الرُّوح الأعظم، وما كان يرسمه خيالي استناداً إلى أساطير أجدادي، أقسم لك إنني لا أكذب، هذا ما تخيّلته وما فكّرت فيه!"
"بئس العقل الذي لم يتخيّل إلاَّ إلهاً جزّاراً سَفَّاحاً متعطّشاً للدماء، وغازياً! هل أنت من يَحكم هذه البلاد؟"
"نعم أيّها الرّوح الأعظم، أصبحت ملكها ونبيّها بعد أن أخضعتها لي ولقبيلتي!"
"حتّى أخضعتها إخضاعاً؟ كم جزرت من شعوبها وقبائلها حتّى أخضعتها؟ بئس الملكيّة والنبوّة"
واستدار الملك لُقمان وأشار إلى الجن أن يأتوه بمعظم من آمنوا بعد أن حررهم من الصَّلب والحرق والقبور، ثم شرع في مخاطبة جموع البشر أمامه:
"بم تريدون أن أحكم على نبيّكم وكهنته، وآمل أن تكونوا رُحماء لأن الله محبٌ ويحبُّ الرُّحماء والمحبيّن، ويكره الكارهين الحاقدين"
نهض رجل من أمام الصّلبان وهتف:
"إنّا نرضى بحكمك أيّها السيّد النّبيل"
فهتف الملك لُقمان مخاطباً الحشود:
"هل ترضون بحكمي؟"
فهتفت أصوات كثيرة:
"أجل أيّها السيّد"
"أعطوهم أرضاً تكفيهم، ودعوهم يسكنون ويعملون فيها مع ذويهم، وليظلّوا معزولين فيها عنكم أربعين سنة دون أن تمدّوا لهم يد المساعدة!"
هتفت أصوات من بين الناس:
كم أنت رحيم أيّها السيّد؟
- ما أطيبك أيّها السيّد النّبيل!
- أنت لم تفعل لهم شيئاً أيّها السيّد النّبيل.
- لو تعرف كم قاسينا من أهوال وفظائع في ظلَّ حُكمهم أيّها السيد النّبيل؟
فهتف الملك لقمان:
"لقد رأيت بعض ما قاسيتم، وكم تمنّيت أن ينهض أحد من بينكم ليقول: كم قسوت عليهم أيّها السيّد، ويطالبني بالرّحمة لهم والعفو عنهم، إنّي أوصيكم ثانية، أن تكونوا رُحماء لأن الله يحب الرّحماء ويكره الكارهين الحاقدين"
جاء الجنّ بمن طلبهم الملك لقمان، فراح يُصافحهم ويسألهم عن أحوالهم ويطمئن عليهم. أخبره ابن الرّجل الغازي أنّ أباه فرح بعودته وعاد إليه بصره، ليعيد بدوره إلى القبيلة التي غزاها، نِساءَها ومتاعها ومواشيها، وزاد عليها ألف ناقة، وألف جمل، وألف عجل، وألف ماعِز، وقد رافق القافلة ألف رجل، للقبيلة الحق في أن تتصرّف بهم كما تشاء عوضاً عن رجالها وأبنائها الذين قضوا على يديه، وقال إن أباه أعلن إيمانه بإلهه، إله الملك لُقمان.
وأخبر الشيخ ـ الذي ضحّى به أولاده ـ الملك لُقمان أنّ أولاده ندموا كثيراً على فعلتهم، وآمنوا بإلهه إله لقمان. وعاهدوه على المحبّة الأبديّة.
وسأل الملك لقمان المرأة عن أحوالها ـ فأخبرته أن عقل زوجها كاد أن يطير ـ حين شاهدها تعود بجمالٍ لم ير مثله في حياته، فطلب مغفرتها فغفرت له وعادت إليه وإلى أولادِها بعد أن آمن بإلهها إله لُقمان.
أمّا الشاب الجميل الذي كان يتساءل حول الله، قال إن العشيرة فرحت بعودته وتبعت إلهه إله لقمان.
وقال الرّجل الذي كان يدعو للإله الصَّنم، إن قومه سَرُّوا بعودته وأعلنوا إيمانهم.
وتوقّف الملك لقمان أخيراً، أمام الشاب ابن زعيم القبيلة الذي نذر ابنه من أجل القبيلة، ليجد الابن قد أحضر الأب معه ليشكر الملك لقمان، فصافحه الملك بحرارة، فشرع يشكر الملك من أعماق قلبه، فباركه الملك لقمان وسأله عن اسمه ليتعرّف إليه، فقال إنّ اسمه "عمليق" فعّينه ملكاً على البلاد وعيّن المرأة والآخرين مساعدين له، على أن يختاروا من الشعب من يريدون لمساعدتهم، وطلب إليهم التعاون مع بلاد الإله عونائيل خلف البحر الذي شقّه بينه وبينهم.
ألقى الملك لُقمان نظرة على البشر والجن، فرأى الملك إبليس وبعض قومه، والملك دامرداس وبعض قومه، والملك نذير الزّلازل وبعض قومه، والملك قاهر الموت وبعض قومه، فراح يُحييهم شاكراً وملوّحاً لهم بيديه، وأشار إليهم بالانصراف إذا ما أرادوا، فأخذوا يختفون لتختفي خلفهم جيوشهم.
تنفّس الملك لُقمان الصُّعداء وهتف "أين نسمة، أريد نسمة" فجاءَته محلّقة على فرسها الحوريّة وهي تهتف "عمّو عمّو" فعانقها وقبّلها وهو يتساءل:
"أين أنتِ يا حبيبتي؟"
فقالت:
"منعوني من الخروج إليك يا عمّو، وحبسوني مع فرسي في السَّماء"
"حبسوك يا حبيبتي؟ من حبسك؟ سنعاقبه الآن فور صعودنا إلى السماء. هيّا اركبي على كتفيّ وقولي لي بماذا سنعاقبه؟"
وأركبها الملك لقمان على كتفيه وأمسك يديها وصعد محلّقاً ملوّحاً لحشود الناس، الذين راحوا يلوّحون ويدمعون:
هتفت نسمة:
"سنعاقبه بأن يأكل خمس تفّاحات كبار يا عموّ!"
فوافقها الملك لُقمان على العقوبة وراح يحلّق بها في الفضاء وهي تضحك وكأنّها تمتطي فرسها! وحين سألها عمّن حبسها أشارت نحو ملك الملوك، فهتف الملك لقمان وهو يضحك:
"يا حبيبتي، هذا لن تكفي مائة تفّاحة لمعاقبته"
* * * -;-



#محمود_شاهين (هاشتاغ)       Mahmoud_Shahin#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شاهينيات (112) أخبار الأيام أخبار مكررة عن شجرة العائلة التو ...
- ألملك لقمان.الجزء الثاني . (3 ) الآلهة الطيبون!
- الملك لقمان . الجزء الثاني.(2) عرش الإله داجون الحادي عشر.
- الملك لقمان .الجزء الثاني (1) حديث عن كلينتون في أعماق -خليج ...
- شاهينيات (111) قابيل وهابيل وحواء يختفون من شجرة العائلة الت ...
- ملحمة الملك لقمان (13) جهنم الإله داجون!( الفصل الأخير من ال ...
- الملك لقمان .(12) مساج كوني وحروب كوكبيّة!
- بوح الكلمات : خواطر .ذكريات . أشعار. قصص.
- ملحمة الملك لقمان (11) صِفات محمّدية وهدايا جنّية!
- شاهينيات الفصل (110) ملاك يهوة يبيد 185 ألف أشوري !
- ملحمة الملك لقمان : رؤية شيطانية وآيات ربانية .( رؤية الشيطا ...
- ملحمة الملك لقمان (9) ولادة وتنبؤات مأساوية!
- ملحمة الملك لقمان (8) تتويج في السماء
- شاهينيات . الفصل (109) محاولات تأريخية فاشلة لا علاقة لها با ...
- ملحمة الملك لقمان. (7) حرب جنية وغزل كوني !
- شاهينيات . الفصل (108) ياهو يجزر كل من اتبع عبادة البعل من ا ...
- (6) بطّيخ وبغال وزنى أبوي!!
- أسفار التوراة : قراءة نقد وتعليق . (3) قضاة . راعوث. صموئيل ...
- ملحمة الملك لقمان.(5) حقيقة وخيال وجن وخوازيق!
- أسفار التوراة . قراءة، نقد وتعليق .(2) خروج . لاويين . عدد. ...


المزيد.....




- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شاهين - الملك لقمان . الجزء الثاني.(4) تحطيم الأصنام !