أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شاهين - ملحمة الملك لقمان. (7) حرب جنية وغزل كوني !















المزيد.....



ملحمة الملك لقمان. (7) حرب جنية وغزل كوني !


محمود شاهين
روائي

(Mahmoud Shahin)


الحوار المتمدن-العدد: 4793 - 2015 / 5 / 1 - 20:06
المحور: الادب والفن
    


(7)
حرب جنّية وغزل كوني!
لم يذهب الأديب لقمان إلى بيت الضيافة، كان قلقاً على كوكب الأرض، فاقترح على الأميرة نور السماء أن يذهبا إلى المركبة الفضائية لمتابعة أحوال كوكب الأرض. وتناول الغداء هُناك.
ودّعا شاهل بيل والسيدة سلمنار على أمل اللقاء بهما مساءً في حفل العشاء.
أخذت الأميرة نور السماء بيد الأديب لقمان وانطلقت به في السماء على مرأى السيدة سلمنار وشاهل بيل وبعض أبناء الكوكب الذين أصيبوا بالدهشة من جرّاء ما حدث. فقد انطلق أحدهما إلى جانب الآخر وكأنّهما صاروخان، وشقّا عنان الفضاء بسرعة هائلة إلى أن نزلا على سطح المركبة.
تلقّى الأديب لقمان الأنباء الواردة من كوكب الأرض بارتياح نسبي شابهُ القلق الشديد، فقد خرج مئات الملايين من الناس بمسيرات دينية مهيبة سادها جوّ الخشوع والإيمان، وراحت تطوف شوارع مدن العالم مؤيّدة «رسل الخلاص» والإجراء الذي قاموا به بنزع سلاح دول الأرض. وأقام مئات الملايين الصلوات لآلهتهم، في الكنائس والمساجد والمعابد والكُنُس، وعلى قمم الجبال وفي السهول، حتى أن معظم الشّعوب أمضت الليل كُلّه على قمم الجبال وهي تنير الأضواء وتشعل النيران وتوقد المشاعل وتقيم الصّلوات وكأنّها تلقّت رسالة سماوية من آلهتها رغم تأكيد الأديب لقمان في رسالته إلى أبناء الأرض على أن ما جرى كان من فعل بشر وليس من فعل آلهة.
كان الأديب لقمان يتابع أخبار الكوكب وهو ينتقل من محطّة تلفزيونية إلى أخرى ويطلب إلى قائد المركبة أن يريه بعض المدن والعواصم ليجزم بصحّة ما يجري، وهو يعضّ بأسنانه على شفته السُّفلى تارة وعلى إحدى سُبّابتيه تارة أخرى، وقد أخذ القلق ينتابه بعض الشيء.
نظر إلى الأميرة نور السماء وهتف:
«غريب تعلّق هؤلاء البشر بالدين والآلهة، هل يُعقل أنّهم لم يسألوا أنفسهم كيف يتعبّدون للآلهة مع أنّهم تلقّوا رسالة من بشر؟ وعرفوا أن الأسلحة نزعت من قبل بشر، وأن الجواهر التي أنزلت على الكوكب كانت بالتأكيد من فعل هؤلاء البشر أنفسهم؟‍! حقّاً أكاد أعجز عن معرفة الكيفيّة التي يفكّرون بها»
«إنهم يعجزون عن تفسير ما يجري يا مولاي فيعزونه إلى آلهتهم»
«لكن ألم يسألوا أنفسهم أي إله منهم هذا الذي أوحى إلينا بما أوحى؟ لو أنهم يؤمنون بإله واحد لما أثقلت دماغي بالأسئلة، ولما احترت في تصرفاتهم وردود أفعالهم. المسلمون يقولون إن هذا من فعل إله محمّد، وأن الساعة آتية لاريب فيها! والمسيحيون يقولون أنه من فعل يسوع المسيح، وأنه عاد كما وعد ليخلّص البشريّة، واليهود يقولون أنه من فعل الله والله هو «يهوه» الذي خاطب موسى في مدين قائلاً: «أنا الرّب، وأنا ظهرت لإبراهيم واسحق ويعقوب بأني الإله القادر على كل شيء، وأما باسمي «يهوه» فلم أُعرف عندهم!!» بم كان يُعرف إذن، بـ «إيل» الذي ماتزال أسماء مثل: «إسرائيل» و«جبرائيل» و«ميكائيل» و«إسرافيل» وغيرها ترتبط به؟! هل يُعقل أن يكون هذا الإله هو الذي فعل معجزتيّ نزع السلاح وإنزال الجواهر؟! تصوّري، حتى الهنود يقولون أنّه من فعل «بوذا» و«براهما» و«مهاويرا»، والصينيون يقولون أنه من فعل «لوتس» و«كونفوشيوس»، والحال ذاتها مع شعوب الأرض جميعاً، انصحيني أيّتها الأميرة ماذا أفعل؟!»
«ماذا يقولون عني يا مولاي؟»
«اعتبرك بعضهم حوريّة من حواري الجنّة وقد أمرك الله ببث رسالته إلى العالم بعد أن سيطر على أجهزة الاتصالات، تصوّري أن يحدث مثل هذا رغم تأكيدنا على أننا بشر؟!!!»
«لكن يا مولاي، إن شئت الحقيقة أنّه لا يوجد بشر إلا أنت، وأن ما جرى هو من فعل جن أكثر مما هو من فعل بشر!!!»
«أنا أتحدّث عمّا قلناه في الرسالة»
«لن يُصدق الناس أن هذه المعجزات هي من فعل بشر لاستحالة ذلك عليهم!»
«هل كان يجب أن أقول أنها من فعل جن كي يصدّقوا، هذا إذا اقتنعوا»
«والله لا أعرف يا مولاي، لكن ما الذي يُضير مولاي في ذلك؟»
«يستحيل أن تتحد شعوب الأرض وهي تتبع مئات الأديان والمذاهب، فإما إلغاؤها، أو الاستعاضة عنها بدين واحد يجمع فيما بينها، يأخذ من هذا الدين وذاك ما هو أفضل، أو يستوحي ديناً جديداً منها، والأفضل أن يأتي فكر جديد يستوعب هذه الأديان ويقنع الشعوب بصوابه، وهو في الحقيقة موجود، لكنه يحتاج إلى صوغ جديد وتعميم على الناس!»
«تقصد الفكر العلماني التنويري يا مولاي؟»
«أجل أيتها الأميرة»
«لعلّك أخطأت في صوغ مفردات الرّسالة التي وجهتها إلى أبناء الكوكب»
«هذا ما أفكّر فيه أيّتها الأميرة. يبدو لي أنني أخطأت في صوغ بعض فقراتها، فقد فكّرت فيها على عجل، لكني أكّدت فيها على العلم والمعرفة والرّقي والمحبّة وعدم الإصغاء إلى رجال الكهنوت وغيرهم»
«واختتمتها بأن دعوتهم إلى ما دعا إليه العظماء من آلهتهم وأنبيائهم ومصلحيهم!»
«هل يمكن أن تكون هذه الفقرة قد هدمت كل شيء بذكر الآلهة والأنبياء والرسل والمصلحين؟!»
«ممكن يا مولاي، خاصة وأن الرسالة بُلّغت بطريقة لم يقدر عليها حتى الآلهة من قبل! فقد بُلّغت إلى جميع البشر بجميع لغاتهم، وليس بلغة واحدة كما في الديانات السماوية وغير السماوية!»
«لكن هذه المسألة تحديداً كان يجب أن تدفعهم إلى إله جديد على الأقل!»
«يبدو لي أن البشرية لم تصحُ من هول الصّدمة بعد، ولم يكن أمامها كردّة فعل عفويّة غير العودة إلى دياناتها والتمسّك بآلهتها، لأن ما جرى يظل في كل الأحوال معجزات إلهية خارقة!»
«أنتِ محقّة أيّتها الأميرة، بماذا تنصحينني؟»
«لتترك البشرية على كوكب الأرض لبضعة أسابيع تفكّر وتعلل يا مولاي إلى أن تصحو، وأنت ترقبها بهدوء وتروٍ من الأعالي، وبعد ذلك تقرر ماذا ستفعل على ضوء ما سينجم عن صحوتها!»
«آه أيتها الأميرة، لقد أزحت عن كاهلي عبئاً ثقيلاً لبعض الوقت، أشكر لك رجاحة عقلك»
«العفو يا مولاي»
«أظن أن بإمكاننا أن نأكل شيئاً الآن»
«أمر مولاي»
كان الجميع في المركبة قد تناولوا طعام الغداء فلم يُفرد إلا مائدة للأديب لقمان والأميرة نور السماء. أفردت في حديقة المركبة على جانب مسبح صغير تحيط به وتعلوه نوافير مائية أضفت على الجو سحراً أخّاذاً. وكان الطقس حارّاً بعض الشيء، مما دفع الأديب لقمان والأميرة نور السماء إلى نزع ثيابهما والبقاء بالألبسة الداخلية الخفيفة، فجلسا إلى المائدة كعاشقين مولّهين، وراحا يضمّان واحدهما الآخر، ويتبادلان العناق والقبلات والهمسات والضحكات، في طقس ليس ثمة ما هو أجمل منه ولا أمتع، لا أبهج ولا أعذب، فطاب بينهما الغزل، وراحا يجذّفان ليبحرا على ضفاف الوله، ويغرقا في لجّة الغرام، فهمس الأديب لقمان في أذن الأميرة نور السماء، بعد أن ألقمها قطعة صغيرة من فخذ حجلٍ مشوي، وهي تلقي رأسها على كتفه الأيسر:
«لا أظن أن ثمّة في الوجود من هو أكثر سعادة منّي، إنّ هذه اللحظات الممتعة التي أمضيها معك، كافية لأن تمحو عذابات العمر كلّه وتحيلها إلى سعادة وهناء»
فهتفت الأميرة نور السماء بصوتٍ كأنّه لحنٌ عذب:
«لتظل نذر السعادة وبشائر الفرح محلّقة في سماء مولاي وحُبّي، وليهنأ قلبه بلذائذ العيش، وشغف المسرّة، ولتبعد عن نفسه حزائن الأتراح، وليعمّ ظلام لياليه نور السموات، وضوء نهاره أشعّة الشّموس الكونيّة‍‍!»
«ما أجمل الكلمات حين تنساب من شفتيك العذبتين شهداً يا مليكة قلبي، ما أجمل عينيك حين ترمقاني بلظى الشوق ودفق الحنان، ما أعذب روحك وهي تماهي بروحها روحي، وكأنّ الله يحلّ في قلبينا ويشطر نفسه إلى نصفين، نصف لي ونصف لك، ويناشدنا أن نحرص على وجوده في جسدينا، نكلأه بدفق مشاعرنا، وأسمى خفقات حُبّنا، وملء نبضات قلبينا»
«مولاي وحبّي، لتهن الصعاب أمام خطا قدميك، ولترمقك الآلهة بعيون المحبة، ولتسخّر قواها الشّمولية لتحقيق أمانيك النّبيلة، لتحرسك بكل قوى الكينونة الخفيّة، وليُفرد ظلّك على الأرض كما في السماوات، وليمجّد اسمك كلّ من في الأكوان، ولترفرف رايات محبتك مع سدائم كل النجوم، ولتذد الشُّهب والنيازك عن صفاء عينيك، ولتمسح حوريّات السّماء دموعهما التي طالما سالت عطفاً وحزناً وشوقاً للبشر والمعذّبين»
«حبيبتي.. لا تغرقيني في بحار الحُبّ وغياهب الولَه، فأنا ظمئ إلى النسيان، والتفيّؤ في ظلال الرموش الهديبة، والوجنات التي يرفّ وميضها بطيف الهوى، فلا تكوِني على قلب صاغته الكينونة على تؤدة ذرّة ذرّة للمحبّة!!»
«مولاي وسيّدي، حبّي ونور عيني، ضيا قلبي ومهجتي، روحي وأحلامي، النّسمات التي تداعب خصلات شعري، الحنوّ الذي يغلّف شغاف قلبي، خذني إلى رحاب فؤادك الدّافق بالحنان، ضمّني إلى جوانح صدرك النّاسغ بروح السَّرمدية، وامنحني قبساً من فيض حُبّك، أطلُّ به على سُهب الأكوان»
«يا مليكة روحي، كلّما ضممتك إلى صدري سرت الحياة في جسدي قطرة قطرة، وغاب الفناء عن دخيلتي دهوراً، فدعيني أغرق في سرمديّة حبّك الآلهي، ورقّة مشاعرك السّماوية، فكلّما نقلت رأسي من كتفك إلى كتفك الآخر، أحسست بطيف حُبك ينقلني من كون إلى كون. وكلّما صافحت وجنتي نهداً من نهديك ضعتُ في عالم الأكوان، فارحمي قلباً ضعيفاً ضاع بنهدٍ كوني لا يرحم، تتدفق من مساماته أكاسير الحياة ينابيع وأنهاراً»
وفيما كانا يتبادلان هذه الكلمات من الغزل الرّفيع، ويلتحمان بجسديهما ليكادا أن يصبحا جسداً واحداً، قاطعهما صوت قائد المركبة وقطع عليهما صفاء خلوتهما وجمالها، حين هتف:
«عفواً مولاي ملك الملوك لقمان، عفواً أيتها الأميرة نور السّماء»
فرفع الأديب لقمان رأسه عن رأس الأميرة ونظر بعينين هائمتين سارحتين، نحو قائد المركبة، فيما ظلّت الأميرة نور السماء ملتحمة بجسده، ومُلقية رأسها على صدره:
«ماذا أيها القائد؟»
«ملك الملوك يا مولاي في أزمة على كوكب مجهول، فقد تعرّض لهجوم مباغت من قوى إلهية جبّارة، ويستأذنك باستخدام القوة للدفاع عن نفسه وضيوفه»
وحين سمعت الأميرة نور السماء كلام قائد المركبة، رفعت رأسها عن صدر الأديب لقمان دون أن تتكلّم:
«أوضح لي كلامك أيها الرائد»
«اصطحب ملك الملوك في دعوته إلى المرّيخ قرابة عشرة آلاف إنسان من كوكب الزهرة، لكنه وجد الكوكب مأهولاً وتخوّف من حدوث مشاكل بينه وبين سكّانه، فذهب إلى المشترى فوجده مأهولاً بأقوام مجهولة، فانتقل بضيوفه بالسرعة الخارقة العُظمى وحطّ على كوكب بعيد مجهول، عليه بعض الحياة البدائية. وفيما كانوا يرقصون ويمرحون. فوجئوا بالفضاء على مسافة أميال منهم يعجُّ بآلاف القوى الإلهية المجنّحة، التي شرعت في إثارة العواصف نحوهم. فسخّر ملك الملوك قواه الدّفاعية بأن أقام أطواداً جبارة فعصفت بها وهدمتها، فأقام أطواداً أكبر منها فعصفت بها، وما يزال حتّى الآن يقيم الأطواد أمامها وهي تعصف بها وتهدمها وتتقدم نحوهم بقوى خارقة وعواصف عاتية لا يقدر عليها غير الآلهة، وإذا لم تتح له أن يستخدم قواه الهجومية التدميرية، فإنّ هذه القوى ستفتك بهم!»
زفر الأديب لقمان تأففاً وهو يدرك أن ما كان متخوّفاً منه قد حصل.
«أليس أمامه أية وسيلة للهرب بضيوفه؟»
«إنّه محاصر من كل الجهات يا مولاي، وقد أقام حتى الآن عشرين سدّاً منيعاً بين السماء وأرض الكوكب، فدمّرت جميعها، ومازال يقيم السدود والحواجز والأطواد الجبّارة لإعاقة تقدّمها، ولم يبق بينه وبينها غير بضعة أميال»
«ألم يحاول التفاهم معها؟»
«ليس هناك أي مجال للتفاهم يا مولاي، إنها قوى شريرة لا ترحم!»
«ما رأيك أيتها الأميرة؟»
«ارحمه يا مولاي. وأذن له باللجوء إلى قواه التدميرية، إنّه ينفجر غيظاً وغضباً الآن!»
«أليس في مقدوري أن أراه وأرى هذه القوى أيّها الرائد؟»
«يمكن ذلك إذا ما انتقلت إلى مقصورة الاتصالات يا مولاي»
وهرع الأديب لقمان والأميرة نور السماء إلى المقصورة ليشاهدا الهول على الشاشة. كان ضيوف ملك الملوك يتقوقعون على أنفسهم بين أشجار غابة، فيما يحاول ملك الملوك وصديقاته الجنيّات تهدئتهم وطمأنتهم دون جدوى، وعلى مسافة بضعة أميال منهم، كانت الأطواد الهائلة التي ينصبها ملك الملوك في طريق تلك القوى تنهار تباعاً وكأنها أكوام من الصفيح، وقد بدت تلك الأقوام للأديب لقمان أقرب ما تكون إلى الأسود العملاقة المجنّحة، كان حجم الواحد منها بحجم جبل، وحين شاهدها أدرك أنه لا مفرَّ من استخدام قوّة تدميرية هائلة لردعها، فأعطى إشارته إلى ملك الملوك، الذي كان يتوسّل صارخاً:
«مولاي مولاي! هل تقبل أن تفتك قوى الأعداء بمولاّك وضيوفه؟!»
وما أن أعطى الأديب لقمان إشارته حتّى أشار ملك الملوك بحركة من يده وصرخ صرخة هائلة، فاندفعت عواصف ناريّة في اتجاه هذه القوى. فأطلقت هي عواصفها غير الناريّة لمواجهتها، فاصطدمت العواصف بعضها ببعض لتكتسح العواصف الناريّة العواصف الأخرى وتحرقها وهي تعصف بها وتتقاذفها في الفضاء في اتجاه مُطلقيها لتحرقهم، لكن ما أن أُحرق الفوج المهاجم من هذه القوى، حتى فوجئ ملك الملوك بظهور فوج آخر يقذف الأعاصير الجبّارة المحمّلة بالمياه التي راحت تطفئ العواصف النارية التي يطلقها، فأمر ملك الملوك قواه الجنيّة بأن تهُبّ أعاصير ناريّة من خلف هذه القوى، ومن فوقها ومن أمامها وعن يسارها وعن يمينها وفي وسطها، فهبّت أعاصير ناريّة هائلة من كل مكان، وراحت تلتهم كل ما يقف في طريقها وكأنه هشيم، وتحيل المياه إلى نار حمراء، تفور ليتصاعد منها دخان ويملأ عنان السماء، وسط صراخ ملك الملوك الذي ارتعدت منه الجبال، وزلزلت منه بعض الكواكب والأجرام، وهو يأخذ شكله الجنّي!
أدرك ملك الملوك أنّه هزَم هذه القوى شرَّ هزيمة وأبادها عن آخرها، فقهقه بملء فيه فرحاً، ليرتج الكوكب الواقف عليه من شدّة قهقهته، وراح يعلن وهو يدرك أن الأديب لقمان يسمعه ويراه:
«أشكرك يا مولاي إذ أتحت لي أن أخوض حرباً ضد قوى خارقة وأنتصر عليها بيسر بعد ثلاثة آلاف عام من ظلام السجن»
كان الأديب لقمان مايزال في غاية الدهشة والذهول لهول ما رأى، فهتف مخاطباً ملك الملوك الذي كان مايزال في شكله الجني الهائل:
«حسناً أيها الملك، يكفيك الآن هذه الحرب. اصطحب ضيوفك وعد إلينا، قبل أن تخرج إليك قوى أُخرى قد تهزمك»
«مولاي، لقد كانت هذه على الأغلب قوى آلهيّة وهزمتها، فأيّة آلهة يمكن أن تهزمني بعدها؟»
«ما أدراك أنها قوى آلهية أيها الملك؟»
«وهل يقدر على هذه العواصف والأعاصير التي دمّرت الأطواد التي أقمتها أمامها غير الآلهة أو عظماء الجن يا مولاي؟»
«ربما يوجد آلهة وجن قادرون على تدمير الأكوان كلّها أيها الملك، فعُد قبل أن يظهر إليك أحدهم!»
«مولاي، لكن ضيوفي لم يتمتّعوا بعد كما أريد!»
«يكفيهم الرُّعب الذي أصابهم، فسارع إلى إعادتهم قبل أن يتحوّل يومهم إلى عزاء»
«أمر مولاي، سأكون عندكم فور انتهائهم من إعداد أنفسهم للعودة»
«كم تبعد عنّا أيّها الملك؟»
«أعواني يقولون أننا نبعد عنكم حوالي مائة ألف سنة ضوئية يا مولاي!»
«الله يخرب بيتك يا بعيد! وهل أنتَ واثق من أنك ستعود إلينا هذا المساء وقبل حفل العشاء؟!»
«سامحتك الآلهة يا مولاي، ألم ننطلق من عندكم قبيل الظهيرة، وتأخّرنا بعض الوقت على كوكبي المرّيخ والمشتري؟»
«لن يهدأ لي بال قبل أن أراك وأرى ضيوفك على الكوكب»
«انتظر بضع دقائق ريثما يعدّون أنفسهم وستراني عندكم يا مولاي»
«سأنتظر ولن أغادر مكاني قبل أن أراكم هُنا»
أنهى ضيوف ملك الملوك الذين معظمهم من الفتيات، أنهوا تهيئة أنفسهم للعودة، فقد حملوا أمتعتهم ووقفوا متأهبين وملك الملوك يقف أمامهم.
أشار ملك الملوك بالحركة المعتادة من يده واختفى ليختفي الضيوف جميعاً!
فوجئ الأديب لقمان به يدخل عليه مقصورة المركبة بعد لحظة هاتفاً، وقد أخذ شكله الإنسي:
«السلام على مولاي ملك الملوك الأديب لقمان»
نظر الأديب لقمان إليه وهو يدرك أنه ما يزال يعيش هذا الكابوس الجميل منذ أن خرج عليه ملك الملوك من القمقم الذي عثر عليه في القبر الذي أعدّه لنفسه كي ينتحر فيه:
«وعليك السلام أيها الملك، أين ضيوفك؟»
«انظر من النافذة تراهم يا مولاي»
وألقى الأديب لقمان نظرة عبر النافذة، ليرى آلاف الفتيات وبعض الشّباب يحملون حقائب صغيرة على أكتافهم وظهورهم ويخرجون من أرض المطار وكأن طائرة أنزلتهم للتو.
«ما لا أفهمه أيّها الملك أنّك تستطيع العودة إليّ بهذه السُّرعة ولا تستطيع الهرب بضيوفك من القوى التي هاجمتك، هل لك أن تفهمني ذلك؟»
«لأنّي محاصر من كل الجهات يا مولاي حتى من السّماء فكيف سأتجاوزها؟»
أطرق الأديب لقمان قليلاً، ويبدو أنّه اقتنع:
«حسناً أيها الملك، أنت تعرف أنني لا أحب الحروب، وأتمنّى ألا تقع في أي مكان في الكون، ومع ذلك، أُهنّئُك بانتصارك على القوى التي واجهتك»
فأحنى ملك الملوك رأسه وهو يهتف:
«أشكر مولاي الذي أعرف أنه لن يترك مولاّه يُقتل من قِبل أية قوى مُعادية دون أن يتيح له استخدام قواه الجبّارة»
«هذه مسألة ليست في حاجة إلى تأكيد أيّها الملك، فأنت صديقي وقد تعاهدنا على ذلك، ولن أسمح لأيّة قوة مهما كانت أن تقهرك وتذلّك، طالما في مقدوري ومقدورك أن نواجهها، وإذا لا مناص من الحروب فلتكن! ما يؤلمني أنني ضعيف أمامك، خاصّة إذا ما احتجت إليّ ذات يوم، ولم أقدر على مساعدتك، كيف لي أن أمتلك قوى خارقة تستطيع إنقاذك في وقت الضيق؟»
«هذا ما سأعمل عليه يا مولاي»
«وهذا ما سأعمل عليه أنا أيضاً إذا ما التقيت الله يوماً»
«أشكرك من أعماق قلبي يا مولاي»
«أنا لم أفعل لك شيئاً حتى الآن يستحق الشّكر أيها الملك»
«أرجوك يا مولاي.. لِمَ هذا التفاني والتواضع؟»
«أيُّ تفانٍ وأي تواضع أيّها الملك؟»
«لِمَ تنسى دائماً أنك من أعادني إلى الحرّية؟»
«أوه أيّها الملك، ألم أقل لك أنّها كانت مجرّد صُدفة وليست تفانياً أو تواضعاً أو حتّى محبّة؟»
«لا يا مولاي فكل شيء كان مرسوماً!»
«كيف أيّها الملك؟»
«ألم أقل لك أن الملك سليمان أبلغني أنّه لن يُفرج عني إلاّ على يديك؟»
«أجل أيها الملك»
«إذن فأنت لم تأتِ إليّ بمحض الصدفة، كان مقدّراً لك أن تأتي إلى هُناك»
«إذن فالفضل يعود إلى من ساقني إلى هُناك»
«لا يا مولاي»
«لماذا لا؟»
«حين عثرت على القمقم ألم يخطر ببالك أنّه قد يكون فيه جنّي سجين؟»
«بلى، ولم يخطر ببالي أي شيء آخر غير هذا أيها الملك!»
«ومع ذلك فتحت القمقم يا مولاي؟»
«وهل تراني أترك سجيناً في سجن حقير كهذا، وأنا لم أكره في حياتي شيئاً أكثر من السجون، ولم أذق الأمرّين إلا في السّجون؟»
«مع أنك تفرج عن جنّي قد يؤذيك يا مولاي»
«هذا ما تخوّفت منه أيها الملك، ومع ذلك فتحت القمقم ببطء، إنما دون أي تردد كما أذكر»
«هذا أنت يا مولاي، حين خلقك الله، شاء ألا يزرع في نفسك إلا المحبة والخير وإحلال الحق، وجعل الشرور في غيرك، وإن كنت أخاف عليك يا مولاي فلا أخاف إلا من هذه الطيبة»
«بل لتخف أيضاً من الشر الذي زرعه الآخرون في نفسي، لكني متفائل أيها الملك، لابدّ أن ينتصر الخير يوماً فأيّام الشر لن تدوم»
«آمل ذلك يا مولاي، مع أنني متشائم وتراود نفسي الوساوس والشكوك»
«اطمئن أيها الملك، يخالجني إحساسٌ عظيم بأن العالم مقدم على الخير والمحبّة وإحقاق العدالة»
«آمل أن يكون إحساسك صادقاً يا مولاي»
«والآن هل تسمح لي قبل انصرافي أن أطلب منك طلباً وأزفّ إليك نبأ يا مولاي؟»
«ماذا لديك أيّها الملك؟»
«سنستغل مناسبة حفل العشاء في السماء هذا المساء ونقوم بتتويجك رسمياً ملكاً على الجن الحمر بحضور الملوك جميعاً ونقيم لك وللأميرة نور السماء حفل زفاف ونتوّجها ملكة أيضاً!!»
نظر الأديب لقمان إلى الأميرة نور السماء التي كانت تجلس بصمت وخجل:
«هل خططتما معاً لهذه الليلة أيها الملك؟»
«في الحقيقة يا مولاي، كنّا نود أن نقيم التتويج والزّواج على الكوكب الذي سنقيم عليه، لكن نزولنا على الزهرة وحدوث مناسبة الحفل التي ستقام، والتي ليس من السهولة تكرارها جعلنا نغيّر رأينا»
«سأكون سعيداً بإعلان زواجي من الأميرة نور السماء أيّها الملك، لكني أشك في أنني سأكون سعيداً بتتويجي رسمياً ملكاً عليكم، فأنا لا أُحب الملوك، ولا أطمح أن أكون ملكاً، ولم أعترض حين أعلنت ذلك لعدم أخذي الأمر مأخذ الجد، ولأن علاقتي بالجن كانت وما تزال عبرك أنت»
«هذا اليوم ستلبس القلادة السحرية المطلسمة يا مولاي، وتستطيع بعد ذلك أن تصدر أوامرك إلى أي ملك من ملوك الجن أو إلى ملوك الجن الحمر جميعاً دون أن تسألني رأيي»
«وماذا سأفعل بمائة ألف ملك يحكمون مائة ألف جيش إن لم يكن مائة ألف دولة؟»
«يمكنك أن تستولي بهم على الأكوان كُلّها يا مولاي»
«لكن ليس لدي أية رغبة في الاستيلاء على أحد، وأفضّل لو أنكم تعفوني من ذلك أيها الملك»
«إنها رغبتي ورغبة الأميرة نور السماء ورغبة ملوك الجن جميعاً بل ورغبة رعايانا يا مولاي»
«لكن ماذا بوسعي أن أُقدم لكم، وكيف أقدر على حلّ مشاكلكم وأنا لا أعرف عنها شيئاً أيها الملك؟ ثم ألا ترى أنه من الظلم أن يحكم إنسيّ جنّاً؟!»
«مولاي، نحن نضع ثقتنا بك ونجزم أنك لن تظلمنا، بل ولن نجد من هو أكثر عدالة منك ليحكم بيننا بالعدل»
«إنّي أشكّ في ذلك أيها الملك، فأنا لم أكن أعرف فيما إذا كنت عادلاً حتّى بين أفراد أُسرتي الصغيرة، فكيف أعرف أنني سأعدل بينكم، خاصة وأنا لا أعرف عن عدالتكم شيئاً»
«مولاي، لتكن عدالتك عدالتنا، ولتكن شرائعك قوانيننا، ولتكن أحكامك وتوجيهاتك ومفاهيمك ناموساً ونبراساً لنا»
«ألن تجدوا في ذلك ظلماً أيها الملك؟»
«نحن نرضى بهذا الظلم يا مولاي»
وأطرق الأديب لقمان للحظات ثم نظر إلى الأميرة نور السماء، فرأى التوسُّل في عينيها، وأحسّ للحظات أنه يمكن أن يقبل بالملكيّة ولو من أجل عينيها!
«ليكن أيّها الملك، وآمل أن أقدر على أن أعدل بينكم وأُحقق أمانيكم»
وألقت الأميرة نور السماء نفسها بين أحضانه، فضمّها إليه، فيما ملك الملوك يهتف:
«عاش مولاي العظيم»
وراح الأديب لقمان يضحك وهو يملس على شعر الملكة المنتظرة نور السماء ويهتف فيما الملك شمنهور يغادر:
«والله لن تقتلني إلا بتعظيمك هذا أيها الملك»
ولم يعقّب الملك شمنهور على ما سمعه، فبادرت الأميرة نور السماء إلى القول:
«أنت لست ممن يقتلهم التعظيم، لأنك لست في حاجة إلى من يعظّمك يا مولاي»
«ماذا تقصدين أيتها الأميرة؟»
«أليس كلامي واضحاً يا مولاي؟»
«هل تقصدين أنني في قرارة نفسي أقتنع بذاتي كما أنا ولا أطمح في أيّة مناصب أو ألقاب يصبغها عليّ الآخرون؟»
«ويمكنني أن أضيف إلى ذلك أنّك في قرارة نفسك ترى أنّك إنسان عظيم، وأن أي تعظيم لن يرقى إلى هذه العظمة التي تستشعرها في نفسك!»
فوجئ الأديب لقمان بكلام الأميرة الذي لم يعرف كيف توصّلت إليه:
«لنفترض أن وجهة نظرك صحيحة، ألا يمكن أن يكون هذا غروراً مَرَضيّاً»
«لا! ما لمسته حتى الآن أنّه ثقة عالية بالنفس وليس غروراً يا مولاي»
«كيف لمست ذلك أيتها الأميرة؟»
«من يثق بنفسه، أو بعظمة نفسه وسموّها إن شئت يا مولاي، لا يشعر بالحاجة إلى التعظيم الأهوج من أحد، ولا يسعى إلى المناصب الهزيلة في نظره والعظيمة في نظر الآخرين، كمناصب الزّعماء ملوكاً كانوا أم رؤساء، أباطرة، أو حتى أنبياء وآلهة!»
«لكنّي كنت أحلم بأن أكون أديباً عظيماً أيتها الأميرة؟»
«هذا حلم إنسانيّ مشروع يا مولاي، وليس طموحاً في منصب أو سلطة»
«وسلطة الأدب على النّفس أليست سُلطة؟»
«لكنها سُلطة جميلة يا مولاي، سلطة لن تسيء إلى أحد، ولن يكرهها أحد، سلطة تشذّب النفس وتسمو بها إلى العُلا»
«المؤسف أن تنصيبي ملكاً سيمنعني من الكتابة»
«ستجد وقتاً لتكتب، سنعيّن لك مئات المساعدين كي تتفرّغ للكتابة!»
«آه ما أجملك أيتها الأميرة، أنتِ تثيرين في نفسي الأحلام القتيلة، وتعيديني إلى الأيام الخوالي التي كنت أعاني فيها من الزّمن الفاصل بين قلمي وخيالي!»
«ماذا تقصد يا مولاي؟»
«لم أكن أعرف كيف أوفّق بين بطء قلمي القاتل وسرعة الضوء التي ينطلق بها عقلي، فما أفكّر فيه في دقيقة أحتاج ربّما إلى مائة سنة للتعبير عنه! ما يحزنني أنني سأموت وأنا لم أكتب أكثر من واحد في المليون مما يدور في دماغي، وكثيراً ما أشعر أنّ اللغة، أيّة لغة مهما عظمت، عاجزة عن التعبير عمّا يدور تماماً في الخيال، أو يكتنف أعماق النفس»
«سنحاول أن نحلّ هذه المشاكل قدر الإمكان يا مولاي؟»
«هل سنجد حلاً لقلمي الذي يسير ببطء النملة؟»
«ببطء النملة يا مولاي؟»
«بل إن أبطأ أنواع النمل أسرع منه، لأنني أكتب كل قِصّة أو رواية ثلاث مرّات، وبعض الفصول أكتبها أربع أو خمس مرّات، ثم إنّك لن تحتمليني إذا ما عُدت إلى الكتابة!»
«لماذا يا مولاي؟»
«لأنني أكون كالمجنون وأعيش في عزلة شبه تامّة لعدّة أشهر، وأحياناً سنوات!»
«ولماذا تكون كالمجنون يا مولاي»
«لأن الفرق بين الأديب والمجنون شعرة واحدة!»
«كيف؟»
«المجنون قد يبكي ويضحك ويغضب ويمارس العادة العلنية أمام الناس، أما الأديب فيغلق باب غرفته على نفسه، ويشرع تارة في البُكاء، وتارة في الضّحك، وتارة في الغضب، وتارة في ممارسة العادة السريّة مع أجمل جميلات الخيال الذي يجسّده عقله!!»
«وهل ستلجأ إلى هذه العادة وأنا إلى جانبك يا مولاي؟»
«أظن أنني لن ألجأ يا حبيبتي، لأن خيالي لم يجسّد من هي أجمل منكِ حتى الآن!»
«وماذا عن الفيلسوف يا مولاي؟»
«الفيلسوف يظلّ واجماً وساهماً، فيبدو وكأنّه يحدّق في الجدران، أو يوغِل في المطلق، هذا إضافة إلى ما ذكرته عن الأديب!»
«أنت لا توجم وتسهم؟»
«كثيراً! إلى حد أنني ألبس حذائي على «البجاما»، وأهمّ للخروج من البيت، لأجد ابنتي تصرخ بي «سلامة عقلك يا بابا هل ستخرج إلى الشارع بالبجاما؟» فأضحك على نفسي وأعود وأنا أدرك أن الشعرة الفاصلة بين المجنون والأديب قد بدأت تتجاوز حدود الأدب، وأتمنى ألا يحدث ذلك ذات يوم!»
ودفنت الأميرة نور السماء رأسها في صدره وهي تهمس:
«أُحب صدقك يا مولاي، لم أرَ في حياتي من هُوَ أصدق منك، أشعر أحياناً وكأنّك طفل يتحدّث عن نفسه»
«أنا طفل في الثامنة والأربعين يا حبيبتي!»
«أما أنا فطفلة عمرها ستّة آلاف عام يا حبيبي»
«لكن كلامك عن العظمة والعظماء كلام خطير ولا يمكن أن يصدر عن أطفال، ولا أظن أنني سأسمع من بني الجن ما هو أخطر منه أيتها الأميرة»
«أعرف أنّه خطير يا مولاي، لكن ليس عليك»
«لكنه خطير على الزعماء والأنبياء والآلهة، فهم لا يشبعون من تعظيمهم، ولا يكتفون بترديد آيات التعظيم والتكبير والتأليه حتّى لو رددت كل ثانية مدى سرمديّة الزّمن، ومن أفواه البشر والحيوانات، ومن أغصان النّباتات!»
«أجل يا مولاي، إني أعرف ذلك!»
«ولا تنسي أنّك الآن مسلمة وينبغي عليك أن ترددي الشّهادتين خمس مرّات على الأقل في اليوم، وأن تصلّي لله والنّبي خمس مرّات في اليوم، وأن تطبّقي فرائض الدين الإسلامي الأُخرى»
«أظن أنه يفترض في الله ومحمّد وهما بهذه العظمة ألا يكونا في حاجة إلى شهادتي وصلواتي، بل وألا يكونا في حاجة إلى شهادات وصلوات النّاس جميعاً!»
«أنتِ بهذا تلحدين أيّتها الأميرة!»
«بالعكس، أنا أدعوهما لأن يكونا بمستوى عظمتهما، ولا أظن أنّ كُلّ من يقول رأيه يُصبح ملحداً يا مولاي!»
«أنا لم أقل إلا رأيي، ومع ذلك اعتبرت من قبل بعضهم ملحداً»
«هؤلاء جهَلة يا مولاي!»
«جهلة؟! ألا تعرفين أيضاً أنّك بقولك هذا تطعنين في الأديان، بل وتشيرين إلى ما يُسمّيه بعض أطباء الأمراض النفسيّة عقدة النقص أو الشّعور بالدّونية وربّما جنون العظمة عند بعض الزّعماء، بل عند الآلهة والرُّسل جميعاً، وتدعين إلى إلغاء الصلوات بل والمساجد والشهادتين وأركان الإسلام كلها، وبالتالي إلغاء الإسلام، والمسيحية واليهوديّة وكل الأديان!!»
«أجل يا مولاي إني أطعن في الأديان كُلّها وأشير إلى بعض السّلبيات لدى آلهتها وأنبيائها، لكني لا أدعو إلى إلغائها بقدر ما أدعوها إلى أن ترقى بوعيها وسلوكها إلى ذرى الكمال!»
«الأديان ثابتة ولا تتغير أيتها الأميرة، والأنبياء قالوا ما لديهم وما أنزل عليهم، أو ادّعوا أنّه أُنزل عليهم، ورحلوا، وليس في الإمكان إجراء أي تغيير، فإما أن نقتنع ونظل مؤمنين، أو لا نقتنع ونغدو ملحدين، ليس ثمة أي مجال للحلول الوسط»
«وهل جاءت الأديان من أجل الآلهة أم من أجل البشر يا مولاي؟!»
«لنقل أنّها جاءت من أجل البشر!»
«إذا جاءت من أجل البشر، فلِمَ لا يتدخّل البشر أنفسهم في بلورة مفاهيمها كي تتلاءم مع ظروف حياتهم؟!»
«لأن الآلهة والأنبياء لا يقبلون بذلك وإن ذُكر أن النّبي محمّد قد قال ما معناه أنّ الأمّة الإسلاميّة في حاجة كل مائة عام إلى من يُصلح لها أمور دينها»
«إذن ليقم الآلهة والأنبياء ديناً لهم في السموات وليتركوا من على الأرض والكواكب وما تحتها وشأنهم!»
وراح الأديب لقمان يضحك، فتساءلت الأميرة:
«لم تضحك يا مولاي؟»
«هل هذا قولك الفصل في مسألة الدين أيتها الأميرة؟»
«نعم يا مولاي»
«لكن إلى ماذا تستندين حين تبتّين في المسألة بهذا الإطلاق؟»
«إضافة إلى ما قلته يا مولاي، فإني أستند إلى أكثر من عشرين ألف عام من استبدال الآلهة، فعمري ستة آلاف عام، وعمر أبي أكثر من اثني عشر ألف عام، وعمر جدّي أكثر من خمسة وعشرين ألف عام، وكل الآلهة الذين عايشناهم، انتهوا إلى غير رجعة، وانتهت معهم مفاهيمهم وتعاليمهم، وكنّا نغيّر معظم مفاهيمنا أو بعضها، مع اكتشاف أو ظهور كل إله، ونقول إن هذا هو الإله الأخير الحق، لنكتشف بعد حقبة من الزّمن أننا على خطأ، بل لنكتشف أنّ كل هؤلاء الآلهة انتهوا أو رحلوا ونحن بقينا أحياء، مما يؤكد أنهم لم يكونوا آلهة، وأننا نحن الذين صدّقناهم، أو أوجدناهم، أو تصوّرناهم، أو رفعناهم إلى مراتب الآلهة، بل ونحن من وضع سننهم وشرائعهم ورحنا نطبّقها على أنفسنا، مع أنّ بعضهم كانوا بشراً ضعفاء، وعاجزين عن فعل أي شيء ذي قيمة سامية!!»
لم يصدّق الأديب لقمان أن الأميرة نور السماء يمكن أن تكون متبصّرة إلى هذا الحد، فضمّها إلى صدره بشدّة وهتف:
«أنتِ بهذا التفكير الأخير بدأت تقتربين منّا أيتها الأميرة، ولا أستبعد أن تنضمّي إلينا يوماً»
«تقصد المتنوّرين يا مولاي؟»
«نعم»
«بماذا أختلف عنكم يا مولاي؟»
«نحن لا نقتنع بوجود الآلهة أصلاً أيتها الأميرة، ونرى أن الحياة وجدت وحدها، وطوّرت نفسها بنفسها، ولم يخلقها أو يطوّرها أحد. أي أنّ الوجود بحد ذاته لم يكن له غاية، وليس ثمة وجود آخر غيره، سواء كان ذلك قبله أو بعده. وما جاء من آلهة ومعبودين ليسوا أكثر من تصوّرات وأفكار بدائيّة أوجدها البشر، وحتى الجن كما أشرتِ أنتِ، خلال سعيهم الدائب للبحث عن سرّ الخلق وما خلف الوجود!!»
«لكنك قلت أنّك ستسعى للقاء الله، فكيف تسعى للقاء من لا تقتنع بوجوده يا مولاي؟»
«لعلّني أكتشف أنني على خطأ ولو بنسبة واحد في البليون!», ثم تراودني فكرة مختلفة وهي أنه لابُدّ أن يكون هناك غاية نبيلة من وراء الخلق»
«وإذا ما اكتشفت أنك على خطأ وأنّ هناك إلهاً ما خلف هذا الوجود، هل ستؤمن به يا مولاي؟!»
«إذا ما اقتنعت بصدقه وعدالته وصواب أفكاره، سأكون أكثر المؤمنين به والمخلصين له»
«تقصد صدقاً وعدالةً وصواب أفكار أفضل مما وصل إلى البشر؟!»
«بالتأكيد، فإذا كانت الأفكار والتعاليم المتناقضة التي وصلت إلى البشر، هي أفكار آلهة، فهذه مصيبة فظيعة، وأظن أنني لن أتوانى عن هدم عروش هؤلاء الآلهة إذا وجدت إلى ذلك سبيلاً!!»
«أظن أن لديك الآن من القوة ما يمكّنك من هدم عرش أي إله مستبد يا مولاي!»
«آمل ذلك أيتها الأميرة، وآمل أن أتمكّن من هدم عروش الاستبداد في دول الأرض قبل أن أهدم عروش الاستبداد في السماوات»
«وكيف ستهدهم كل هذه العروش دون أن تريق دماً يا مولاي؟»
«طالما لدي قوى تمكنني من ذلك لن يكون الأمر عسيراً»
«هل اقتنعت بفكرة الذات الكلية السائدة في كوكب الزُّهرة؟»
«حتّى الآن لا، مع أنّها تزخر بكل ما هو عظيم وسامٍ وخلاّق»
«ونظام اللا نقد واللا دولة أو النظام بشكل عام؟»
«أيضاً حتّى الآن لم أقتنع به، لكن ما حققه هذا النظام من إنجازات حضارية ومِن رُقي في السّلوك الإنساني، مسائل لابدّ من التوقّف عندها والتفكير فيها طويلاً»
«ألا ترى أنّ فكرة الذات الكليّة تلتقي مع الفكر العلماني بعدم اعتمادها مبدأ الخلق والخالق؟!»
«أجل تلتقي كثيراً، لكنها تختلف بإيجاد فكرة أو مبدأ الذات الكُلّية والذات الفردية، والذات الجمعيّة»
«أظن أن جلستنا طالت يا مولاي، وأنت في حاجة إلى الرّاحة، فأمامك حفل عشاء وحفل تتويج وحفل زفاف!»
«فعلاً أيتها الأميرة دعينا ننال هنا في المركبة قسطاً من الراحة لأنني تعبت حقاً»
«لكن، ألا يرغب مولاي في دعوة بعض زعماء الأرض وبعض أقاربه وأصدقائه إلى حفل تتويجه وزفافه»
«آه، فكرتك عظيمة لكنها جاءت متأخرة أيتها الأميرة، كان يجب أن نُفكر في هذا من قبل، لكن الآن، لا أظن أن هذا من اللائق قبل سويعات من بدء الحفل، قد نفعل ذلك في مناسبة قادمة!!»
***
أقام ملك الملوك الدّنيا وأقعدها، فقد نصب روضاً في السماء تقدّر مساحته بآلاف الأميال المربّعة. وأرساه على قواعد صلبة شامخة، وقد أقامه فوق منطقة شبه صحراوية وخالية من السكان كي لا تحجب الشمس عن أبناء الكوكب، فيما لو أرادوا أن يبقوه بعد انتهاء الحفل، وقد أنزلت منه آلاف آلاف المصاعد والسلالم المتحركة للصعود والنزول، ووزعت في ممراته آلاف أنواع الورود والزّهور ونباتات الزينة والأشجار المثمرة وغير المثمرة، وسط آلاف النوافير الملونة التي كانت ترذّ الماء في كل الاتجاهات لتتغيّر ألوانه مرة كل ثانية من الزمن، ليظهر في أكثر من عشرين لوناً متتابعاً، وكان ثمّة العديد من شلالات المياه الذهبيّة التي تنحدر إلى العرش من الجهات الأربع، وتتجمّع في بركة من حول المنصّة الرئيسية وتندفع من نوافير موزّعة حول منصّة العرش التي أقيمت في منتصف الرّوض وأُحيط بها مسرح هائل فرشت أرضيته بخشب الأبنوس الهندي!
وقد مُدّت في الروض آلاف آلاف الموائد على أرضية من بلاط المرمر تخللتها آلاف المسارح المعدّة للرقص، وقد حفلت الموائد بكل ما لذّ وطاب وكلّ ما يمكن أن يشتهيه المرء من طعام وشراب، ونصب عليها بعض المناظير المقرّبة لكي يتاح للذين يجلسون بعيدين عن منطقة العرش عشرات الأميال أن يرقبوا ما يجري عبرها، إذا لم يكتفوا بمشاهدة ما يجري على شاشات النّقل والبث الكبيرة التي بُثّت في مختلف أنحاء الرّوض لتنقل كُلّ ما يجري ضمن الرّوض كُلّه بالصوت والصورة.
وكانت الأرضيّة ترتفع تدريجياً كُلّما ابتعدت المسافة عن العرش كي يتاح للجميع الرؤية المباشرة إذا ما أرادوا.
وقد انتصب العرش على قاعدة مربّعة من حجر المرمر مجللة بالديباج وتوسّطه كرسيان من العاج المرصّع بالجواهر النفيسة والمجلل بمخمل أخضر اللون،! وسط سماء مكشوفة لم يعلوها إلا آلات التصوير والآلاف من الثريّات الملوّنة التي كانت تتلألأ في سماء الرّوض.
وقد انتشرت في كل مكان بين الموائد وحول منصّة العرش وبين الورود والزّهور مئات الآلاف من حوريّات الجن الفاتنات اللواتي ارتدين الملابس الحريريّة الطويلة الشّفافة، وعرّين أيديهن وصدورهن وظهورهن، وكنّ يتخطّمن هُنا وهناك وهن يعددن الموائد ويفردن أنواع الطعام والشراب، أو يضفين عليها لمساتهن السحرية لتبدو في أجمل شكل.
بُعيد الغروب، أوعز ملك الملوك إلى مئات الآلاف من بنات الجن وشبابهم أن يقفوا على أبواب المصاعد والسّلالم ومداخل الرّوض ليستقبلوا المدعويين، ويدلّوهم على أماكن جلوسهم، ومن كان مكانُه بعيداً أُعدّت له عربة سحريّة على شكل حمامة بيضاء ذات جناحين أخضرين لتقلّه إليه.
وكان ملك الملوك قد دعا إلى الحفل ثلاثاً من زوجاته السابقات بينهن زوجته الأولى، وبعض أولاده وبناته والملوك المائة ألف وزوجاتهم بمن فيهم والدي الأميرة نور السماء والأميرة ظل القمر التي قرر أن يتزوجها، كما دعا العشرة الكبار من ملوك كل من الجن الصُّفر والزرق والسّود والخضر وزوجاتهم، وكان ينوي أن يقيم تحالفاً معهم لكي يكونوا عوناً للجان الحُمر وللأديب لقمان، خاصّة وأنّه كان يعرف أن كبار الشياطين والأبالسة هم من الجان السود، وكان يريد أن يكسب ودّ هؤلاء تحديداً أكثر من غيرهم، مع أنه لا يحبّهم لما يسمعه عنهم من أعمال شائنة، غير أنه كان يظن أنهم يمكن أن يقدّموا عوناً هاماً للأديب لقمان لقدراتهم الخارقة، حتى في مقارعة كُلّيي القدرة من الآلهة، وكان ثمة ما يكدّر صفو ملك الملوك، فقد عرف من الملك «حامينار» والد الأميرة نور السماء أن ملك ملوك الجن الصُّفر الجبّار «دامرداس» كان قد طلب منه يد الأميرة نور السماء غير أنها أبت الزواج منه متذرّعة بعدم رغبتها في الزواج، وحبّها للحرية ومسامرة من تشاء من الملوك، فهدد بقتلها أو شن حرب على الجان الحمر إذا ما سمع أنها تزوجت من غيره ذات يوم، ولاشك أنّه سيفاجأ بزواجها من الأديب لقمان هذه الليلة، ولا أحد يعرف ما الذي ستكون عليه حاله حين يراها تفضّل إنسيّاً عليه وعلى ملوك الجنّ جميعاً.
وقد اقترح ملك الملوك على الأديب لقمان ألا يشارك في استقبال كبار الضيوف، لأن الأمر سيكون مُرهقاً له، وتولّى هو والملك حامينار والد الأميرة نور السماء والعشرة الكبار من أتباعهما استقبال كبار الضيوف من كوكب الزّهرة ومن ملوك الجن، بمن فيهم الملك دامرداس ملك ملوك الجن الصّفر الجبّار، وطالب يد الأميرة نور السماء من أبيها.
في المركبة، أقدمت الأميرة نور السماء وأربع من أميرات الجن الحوريّات، على تشذيب شعر رأس الأديب لقمان وذقنه وشاربيه وأدخلنه الحمّام وحمّمنه ثمّ ضمَّخنه بأطايب المسك والعنبر وألبسنهُ حُلّة ملكيّة بيضاء من حرائر السماء، ووشّحنه بوشاح أخضر زُيّن بالزمرّد والياقوت.
وقد ارتدت الأميرة نور السماء حلّة بيضاء أيضاً وتوشّحت بوشاح أحمر زُيّن بالجواهر ذاتها، وزادت على ذلك بأن زيّنت أصابع يديها ومعصميها وزنديها وعضديها وجيدها بأثمن الجواهر، وعلّقت في أذنيها قرطين على شكل ثريّتين من الماس النّقي، الذي لا تشوبه أية شائبة، وتطيّبت بعطور نفّاذة تضوّعت رائحتها الزكيّة في المركبة كلّها وما حولها!!
طلب الأديب لقمان ملك الملوك ليسأله عمّا إذا حضر الإنس والجن جميعاً، وعمّا إذا أحسن الاستقبال لكبار المدعوين، فأبلغه أن الأمور سارت على ما يرام، ولم يخبره بسِرّ الملك «دامرداس» لكنه أخبر الأميرة نور السماء التي فضّلت أن يبقى الأمر سرّاً على الأديب لقمان، كي لا ينشغل باله، وأشارت إلى ملك الملوك أن يأخذ احتياطاته ويضع بعض جيوش الجن الحمر على أُهبة الاستعداد وأن يوكل إليهم حراسة الفضاء المحيط بكوكب الزهرة تحسّباً لأية حماقات متهوّرة قد يقدم عليها الملك «دامرداس»، فأعلن لها أنّه احتاط لكلّ شيء، مع أنه يستبعد أن يقوم الملك دامرداس بردّة فعل طائشة وهو في ضيافتهم وبين ملوك الجن وزعماء الإنس.
تساءل الأديب لقمان قبل أن ينطلق موكبه إلى الحفل عمّا إذا يتوجّب عليه مصافحة كبار الضيوف، فأعلن الملك شمنهور أنّ ذلك قد يستغرق معه يوماً بكامله، فقال الأديب لقمان:
«لكن ليس من المعقول ألا أصافح الملك «حامينار» الذي سيزوّجني ابنته والراعي الأكبر الذي أُقيم الحفل على شرفه!»
«هؤلاء ستصافحهم بعد التتويج يا مولاي، ثم إنّهم يجلسون على المائدة التي سنجلس عليها، وستحيي باقي الجماهير الجنيّة والإنسيّة بيديك من على العرش الطائر الذي ستنطلق عليه إلى هناك، وسيحلّق فوق منطقة الرّوض كلّها»
«قل لي، من يجلس أيضاً على المائدة التي سنجلس عليها أيّها الملك؟»
«أنا وعشرة من أكابر ملوكي وأربعة ملوك ملوك جن آخرين وأربعون ملكاً من كبار ملوكهم وزوجاتهم، وبعض زوجاتي السابقات وكبرى بناتي والأميرة ظل القمر والراعي الأكبر وزوجته وشاهل بيل وزوجته ونائب الراعي الأكبر وزوجته»
«وكم تعداد هؤلاء أيها الملك؟»
«قرابة مائتين يا مولاي!»
«ولِمَ لا أصافحهم قبل التتويج؟»
«لأنهم سيضطرّون إلى مصافحتك بعده وفي هذه الحال ستمضي ليلتك في المصافحات!»
«ألا ترى أنّ المناسبة تستأهل ذلك؟ فلن أتوّج ملكاً لملوك الملوك كلّ يوم، ولن أتزوّج من أميرة حوريّة ستغدو ملكة هذه الليلة كل يوم؟!»
«يمكنك أن تفعل ما يسُرك يا مولاي!»
«أراك زعلت!»
«لا يا مولاي، إن ما يرضيك يرضيني!»
«سأفعل كما رسمتَ أنت أيها الملك فأنت مُصيب!»
«شكراً يا مولاي!»
«هل يتوجّب عليّ أن ألقي كلمة ولو قصيرة بعد التتويج؟»
«يُفضّل هذا يا مولاي»
«وماذا سأقول فيها أيها الملك؟»
«هذا ما لا أخاف عليك منه يا مولاي!»
«والله إني لا أخاف شيئاً أكثر من الكلام!»
«اسم الله عندما يخرج من فمك يبدو جميلاً يا مولاي!»
«ربّما لأننا خصمان لدودان!»
دخلت فتاتان تحملان تاجين مرصّعين بالجواهر، هتف الأديب لقمان:
«ما هذا هل ستتوجنا منذ الآن أيها الملك؟»
«هذان تاجان عاديّان يا مولاي، ستظهران بهما أمام المليارات من المدعوين، إذ ليس من اللائق أن نترك رأسيكما حاسرين على حالهما!!»
أخذ الأديب لقمان تاج الأميرة نور السماء ووضعه على رأسها، فأضفى على جمالها جمالاً آخر، تأمّلها الأديب لقمان للحظات وهتف:
«آه ما أجملك، لا أظن أن الملوكيّة وجدت إلا من أجلك، فهي لا تليق إلا بك! ليتني حاولت الانتحار وأنا في عنفوان الشّباب ولم أنتظر حتّى خريف العُمر، كي أكون جديراً بك!!»
فهتفت الأميرة نور السماء:
«وهل يهون عليك أن تدعني أنتظر قرابة ثلاثين عاماً لأرى جمال شيبك ووقار صَلعك ورزانة حضورك ورجاحة عقلك يا مولاي؟»
«وما جمال الشّيب ووقار الصّلع ورزانة الحضور ورجاحة العقل أمام عنفوان الشّباب أيّتها الأميرة، لو عرفتني وأنا أسير في شوارع دمشق، ممشوق القوام، مفتول العضلات، بارز «النهدين» طويل الشَّعر، مفتوح الطّوق دارع الصدر، أُعلّق بلدي مصلوباً على صدري في سنسال يلتف حول عنقي وأتأبط بعض الكتب والحسناوات يلاحقنني ينشدن قربي وودّي، لغيّرت رأيك!»
«لا أظن أنني كنت سأغيّر رأيي يا مولاي!»
وقطع حوارهما ملك الملوك بصوته الفظ:
«أعطني رأسك الآن أيها الملك فقد أدركنا الوقت»
واستدار الأديب لقمان هاتفاً:
«هاك رأسي أيها الملك، فمن الأجدى له أن يغدو رأس ملك على أن يظلّ رأس أديب يُحاصِر ما يدور فيه الرُّقباء والمخبرون وسدنة السّلاطين!!»
نظر الأديب لقمان إلى نفسه في المرآة فرأى التاج يتلألأ على رأسه فأيقن أنّه غدا حقاً ملكاً، رغم هذا الهُتاف اليقظ في قرارة نفسه، الذي يذكّره دائماً أنّه قطعاً في حُلم لن تكون له نهاية كما يبدو، فهتف مخاطباً رأسه:
«آمل ألا تؤول إلى الخُواء والغرور، وتجنح إلى التسلّط والتكبّر والاستبداد، أيّها الرأس الذي طالما تصارعت فيك الهواجس، وأثقلتك نُبل الأفكار!»
فسارعت الأميرة نور السماء إلى القول:
«لن يؤول رأس مولاي إلا إلى الكمال، ولن تأخذه يوماً أبّهة الملوك، مع أنّي لم أرَ من هو أبهى وأكثر مهابة من مولاي بالزّي الملكي»
«هذا ما يبدو لك أيتها الأميرة.. هل ننطلق إلى الحفل الملكي؟»
«أجل يا مولاي.. كي لا نتأخر!»
«هيّا إذن إلى العرش الطائر أيّتها الملكة!»
* * *



#محمود_شاهين (هاشتاغ)       Mahmoud_Shahin#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شاهينيات . الفصل (108) ياهو يجزر كل من اتبع عبادة البعل من ا ...
- (6) بطّيخ وبغال وزنى أبوي!!
- أسفار التوراة : قراءة نقد وتعليق . (3) قضاة . راعوث. صموئيل ...
- ملحمة الملك لقمان.(5) حقيقة وخيال وجن وخوازيق!
- أسفار التوراة . قراءة، نقد وتعليق .(2) خروج . لاويين . عدد. ...
- شاهينيات (107) ايليا يصعد إلى السماء قبل قدوم المسيح!
- ألملك لقمان . ملحمة روائية . الجزء الأول . (4) ليلة راقصة عل ...
- ألملك لقمان . ملحمة روائية . الجزء الأول . (3) صعود إلى الفض ...
- ألملك لقمان . ملحمة روائية . الجزء الأول . (2) رؤيا شيطانية!
- قصة الخلق التوراتية . طوفان نوح . دخول اليهود إلى مصر وخروجه ...
- لملك لقمان . ملحمة روائية . الجزء الأول . (1) محاولة انتحار
- باقون في رنّة الخلخال ! وذاهبون أنتم في المحال !
- شاهينيات (106) حروب متخيلة وارتداد عن عبادة يهوة كالعادة .
- شاهينيات (105) إيليا يذبح أربعمائة وخمسين نبيا من أنبياء الإ ...
- شاهينيات (104) سليمان يغرق في حب نساء الشعوب فيتزوج 700 امرأ ...
- شاهينيات (10) سليمان يبني بيتين اسطوريين له وللرب يهوه !
- شاهينيات (102) موت داود وتملك سليمان . * (1048) سليمان يصفي ...
- شوربة عدس سبع نجوم !
- بمناسبة الإحتفال باليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف: أهلا يا ...
- آخ يا ظهري وقعت أسير- ترانيم الغواية -!!


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شاهين - ملحمة الملك لقمان. (7) حرب جنية وغزل كوني !