أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نبيل علي صالح - بين الوعي الساذج والنقدي - مجتمعاتنا بين الأدلجة والتنميط وأسئلة المعنى والحضور














المزيد.....

بين الوعي الساذج والنقدي - مجتمعاتنا بين الأدلجة والتنميط وأسئلة المعنى والحضور


نبيل علي صالح

الحوار المتمدن-العدد: 4773 - 2015 / 4 / 10 - 10:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


على أي منهج، وبأية آلية وكيفية يفكر الناس؟، أصلاً: هل يفكرون.. وهل هناك أسس للتفكير العقلاني؟ وهل يمتلكون أدوات التفكير الجدي الموصل الى النتائج الصحيحة والسليمة؟..
عندما أدقق في مناخات وآليات تشكل الوعي عند عموم الناس والمجتمعات خاصة عندنا، يبدو لي ثمة خلل بنيوي عميق في وعي الناس، أي فهمها وإدراكها لذاتها، وأحوالها، ومقتضيات وجودها ودورها ومعنى حضورها في الحياة..

أنا هنا أميز بين شكلين أو مظهرين من مظاهر الوعي بالذات والأِشياء: "وعي ساذج ثابت".. و"وعي موضوعي متحرك".

فأما الأول فهو المتشكل من انفعالك بالأشياء من حولك، لتكون هي المرجعية التي تلزمك دوماً على أن تلف وتدور حولها بلا حيلة ولا حراك ولا مقدرة على الرفض أو مجرد الاعتراض.. تتحكم بك، وتهيمن عليك، وتقودك إلى أغراضها ومصالحها، بلا أية مساءلة منك، ولا حتى مجرد سؤال.. هذا الوعي البسيط التنميطي يتمظهر من خلال قراءتك للأحداث قراءة سطحية منفعلة عاطفية لا ترى فيها أبعد من أنفك أو وجودك المادي البحت.. أو غالباً ما تكون قراءة أيديولوجية، أي القراءة المؤدلة التي هي تجعل منك مجرد متلقٍ لمصفوفة من المعتقدات والمفاهيم والمقولات النهائية التمامية، القائمة على التماثل والاستنساخ والتنميط والتدجين والنمذجة والتجييش والتعبويات والعاطفيات... وهذا الوعي الساذج (الايديولوجي الناتج عن أدلجة الدين والحياة والأشياء) يدّعي أصحابه وأتباعه بأن لديهم جواباً شافياً عن كل شيء، أي أنهم يقدمون أجوبة كاملة وواضحة ونهائية عن كل شيء في هذا العالم مادةً وروحاً، بما يعني إغلاق الأسئلة وتعطيل حركة الفك وشل الإرادة.. والمصدر الرئيسي لهذا النوع من الوعي هو التفسير الميكانيكي للحياة والانسان، أي أدلجة الافكار ومنها الفكرة الدينية الخلاصية..
ومن أهم الاثار السلبية لهذا الوعي التنميطي على المستوى الاجتماعي هو بقاء الناس في حالتها البدائية الأولى (فكراً وعقلاً) بلا تطور ولا تغير في مواجهة تغيرات الزمان والمكان، وهذا ما يجعلها ضائعة في مجتمعاتها، ومستلبة في تفكيرها ومرتهنة في حياتها وسلوكيتها، ومهانة في معيشتها وشؤونها و"تدبّراتها"، مركونة في مغاليق تراثها وتاريخها، غير قادرة على الخروج من شرانق موتها البطيء وربما انقراضها التدريجي المحتوم.. خاصةً عندما تفتقر (الناس) للمثال الأعلى، وتفتقد للمعنى الكبير، وتبقى تلف وتدور حول حلقات ذاتها، حول متطلباتها واحتياجاتها المادية الحسية المحدودة..
ولهذا تبقى الناس المنمطة بهذا الوعي الساذج تتعرض للنكبات والنكسات، وتشعر –بين وقت وآخر- بالضعف والهوان والهشاشة الوجودية (مصيراً ومآلات) إذا صح التعبير.. وتبقى تتنقل من عذابات ومعاناة وشقاء وأوجاع إلى أوجاع ومعانة و"حرمانات" أخرى.. إنها حالة اللا معنى واللا هدفية.. وبالتالي الدخول في متاهات الضياع والعدمية ولا جدوائية الحياة.. أي حالة تفضي حتماً إلى تفاقم النزعات التدميرية والالغائية نتيجة التشتت والضياع الوجودي، بعيداً عن السكينة والاطمئنان والشعور العملي الواقعي بــ"الأمان الحقيقي".. وكنتيجة لهذا كلنا يلاحظ اليوم هذه الحالة السلبية والعدمية المهيمنة على مجتمعاتنا، حيث الانهيارات الدراماتيكية للقيم والفضائل والاخلاق العملية وحتى للقيم العقلية في تلك المجتمعات العربية والإٍسلامية الفاقدة للمعنى التأسيسي العقلي الروحي.. لتحضر بدلاً منها قيم السوقية والابتذال والاستهلاك والنرجسية والتكبر والصلف والتفاخر، وتنتشر نزعات الطائفية والمذهبية والتدمير والاقصاء والإلغاء.

أما النوع الثاني (الوعي النقدي الموضوعي البنيوي) فهو يتشكل أساساً بالعلم الحضوري الرصين والمعرفة الفلسفية المعيارية (فلسفة العلوم).. والعلم لا يأتي من فراغ. فهو قبل كل شيء، تربية مدرسية، وحاضنة مجتمعية لها معاييرها وضوابطها ومقتضياتها.. وكذلك هي (المعرفة) التي لا تهبط من علٍ بل تتحرك بالقراءة والدرس والاجتهاد والمتابعة والتجارب والنقد... وووالخ.. هذا الوعي النقدي يتشكل بالأسئلة الدائمة المفتوحة.. بعيدا عن الجزم والحتم والتأكيد والنهائية، يبقي في حالة ظمأ وجودي للمعنى لهدفية، لما بعد الحسي، لما يثري وينعش ويغني وجوده ويقدم معاني لمآلاته ومصائره غير المعروفة وغير المحسوسة.. انه الامتلاء بالوجود..


حقيقةً، ما قادني إلى هذا التحليل النقدي هو هذه الضحالة الفكرية والمعرفية (حتى بأبسط معانيها) المسيطرة على عقول وسلوكية ناسنا وابنائنا وأفراد مجتمعاتنا، المهيمنة على الكثرة الكاثرة من مثقفينا ومتعلمينا.. في مواجهتهم وللقضايا والأحداث والتحديات المصيرية التي تحدق بهم.. من هنا وهناك وهنالك.. وهذه الطريقة البسيطة والغبية جدا في قراءة التحولات المصيرية الكبرى التي نمر وتمر المنطقة بها.. ولكن في النهاية نأسف ونسأل: من أين يأتي وعي هؤلاء بوقائعهم، واحداثهم؟ مما قرأوه وشاهدوه وعاينوه حولهم، وتلقوه من الاشياء المحيطة بهم، وهم ليسوا مؤسسين مسبقاً على الدرس والنقد والمراجعات العقلية، ولا على طرح الاسئلة بل على تلقي الأجوبة فقط، والارتهان لها، والعيش المكلف والباهظ الثمن في ظلالها (الوارفة!!)..

وربما لا ينبغي أن نستغرب، إذا ما لاحظنا وعلمنا أنّ هذا الوعي المتشكل (المناطة به مسؤولية المقارنة والتمييز والمفاضلة والاختيار الصحيح، ومن ثم اتخاذ القرار السليم) تعشش فيه عقد وإشكاليات التاريخ العتيق، وتختلط فيه وتتصارع على ساحاته وبين جنباته، أهواء ومصالح ومطامع شتى متضاربة، تتشابك وتتداخل لتشكل وعياً ما (منمّطاً ومطلوباً!!) منفعلاً بالتحولات والأحداث، لا فاعلاً بها ولا مؤثراً عليها.. وكله يأتي على حساب أسئلة المستقبل والتنمية والإنتاج والإبداع والسعادة والرفاهية والازدهار...



#نبيل_علي_صالح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خاطرة حول محاضرة في متحف أنيق
- نقد سياسي ضروري
- سؤال وموضوع مهم: هل الثقافة العربية الإسلامية قابلة للتطور؟
- القضية ليست شعارات ولا مصطلحات... بل أفعال نوعية ومبادرات فع ...
- الأمم الحية ومواجهة تحدياتها الوجودية
- امريكا و-دواعشها- وما بينهما من حرب على الارهاب:
- تجليات الإسلام التاريخي في عصره الداعشي الأخير
- حول الاسلام السوري والتدين الاجتماعي
- البناء المخالف والعشوائيات في مدينة اللاذقية.. أحياء مخالفة ...
- دراما رمضان وتسطيح عقل المشاهد العربي
- مخالفات البناء: واقع مرير وبدائل غير متاحة حتى الآن
- اللاذقية... سويسرا الشرق!!!
- أبو حيدر وشهادة الميلاد الجديدة .. قصة حقيقة من ضيعة -بلوطة-
- الخوف من الأصولية الإسلامية.. وهم أم حقيقة؟!
- الإسلاميون والعنف دور المثقف في تغيير الصورة النمطية عن الإس ...
- العرب وحديث المؤامرة
- الإسلام كرسالة إنسانية مقاربة في المشروع الثقافي الإسلامي من ...
- الإسلام كرسالة إنسانية مقاربة في المشروع الثقافي الإسلامي من ...
- الإسلام كرسالة إنسانية مقاربة في المشروع الثقافي الإسلامي من ...
- من تداعيات أحداث 11 أيلول 2001 م العرب بين مطلب النهوض الحضا ...


المزيد.....




- بين تحليل صور جوية وتصريحات مشرعين.. ماذا نعلم عن منشآت إيرا ...
- بعد 3 سنوات من إزالته من قائمة المخدرات.. حكومة تايلاند تفرض ...
- غزة: صراع من أجل البقاء ولو إلى حين.. هكذا يُصنع الوقود من ا ...
- قتلى بينهم طيار في أعنف هجوم جوي روسي على أوكرانيا منذ بدء ا ...
- مخيم الهول.. ملجأ يضم عائلات مقاتلي تنظيم الدولة
- 3 دولارات ثمن الحياة.. مغردون: من المسؤول عن فاجعة -شهيدات ل ...
- عرض أميركي يقابله شروط لبنانية.. هل تؤتي زيارة باراك ثمارها؟ ...
- حماس تشترط وترامب يضغط.. هل تقترب صفقة غزة؟
- بولتون يكشف -السبب الحقيقي- الذي ضرب ترامب إيران لأجله
- روسيا تشن -أضخم هجوم جوي- على أوكرانيا


المزيد.....

- الوعي والإرادة والثورة الثقافية عند غرامشي وماو / زهير الخويلدي
- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نبيل علي صالح - بين الوعي الساذج والنقدي - مجتمعاتنا بين الأدلجة والتنميط وأسئلة المعنى والحضور