أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - حسين محمود التلاوي - آتشيبي وأشياؤه... طبول أفريقيا تقرع مجددًا...















المزيد.....

آتشيبي وأشياؤه... طبول أفريقيا تقرع مجددًا...


حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)


الحوار المتمدن-العدد: 4758 - 2015 / 3 / 25 - 17:21
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


إذا كان لنا أن نختار ثلاث سمات تتميز بها رواية "الأشياء تتداعى" للروائي النيجيري "شينوا آتشيبي" لكان من بينها الأسلوب. وإذا تعيَّن علينا اختيار سمة واحدة فقط لكانت الأسلوب كذلك. لكن الرواية بما ما هو أكثر من مجرد أسلوب سردي رائع؛ فهي أقرب ما تكون إلى رحلة في قلب أفريقيا؛ قبل أن تبدأ فيها الأشياء في التداعي. وفي الأسطر التالية، سنحاول إلقاء الضوء على بعض الجوانب المختلفة في تلك الرواية التي تعد علامة مميزة للأدب القادم من غرب أفريقيا.

آتشيبي...
لن يضيرنا إن خصصنا بعض الكلمات القليلة للحديث عن مؤلف الرواية، في الجانب الذي يخصنا من شخصيته؛ أي كروائي؛ فلا داعي للقول إنه ولد في كذا ودرس في كذا؛ لأن العمل الأدبي يعبر عن المؤلف أكثر مما تعبر السيرة الذاتية.
المؤلف نيجيري؛ أي جاء من غرب أفريقيا الناطق بالإنجليزية، وهي المنطقة التي كان لأدبها طابع مختلف عن ذلك الذي اتسم به الأدب الأفريقي في المناطق الناطقة بالفرنسية. فبينما كان الأدب الأفريقي في المناطق الناطقة بالفرنسية يتسم في إطاره شديد العمومية بالرومانسية والحرارة والتمحور حول فكرة الزنوجة بشكل أساسي، جاء الأدب الأفريقي في المناطق الناطقة بالإنجليزية واقعيًّا بشكل أساسي هادئًا في أسلوبه، ويتمحور حول فكرة الاستقلال الوطني عن الاستعمار.
وبالفعل، اتسمت كتابات "آتشيبي" بالواقعية الشديدة، والنظر إلى الأمور بدقة وموضوعية، بأسلوب هادئ تصويري، وكان من آثار ذلك أن اعتبرت روايته التي بين أيدينا — والتي صدرت عام 1958 — "عملًا أدبيًّا أفريقيًّا أصيلًا" بحسب آراء النقاد.

الأشياء تتداعى...
بالإجمال تتناول الرواية حياة الأفريقي أوكونكو المتمسك بشدة بتقاليد القبيلة الأفريقية، والذي يحاول أن يتلافى كل السلبيات التي كانت في شخصية والده من ضعف واستكانة، ويعمل على غرس قيم القبيلة في أبنائه، ويعلمهم تحمل المسئولية منذ الصغر.
ولكن المؤلف لا يتوقف في روايته على سرد لحياة أوكونكو حتى لحظة انتحاره، بعدما تيقن من أن القبيلة سقطت أمام سطوة الرجل الأبيض؛ فـ"آتشيبي" يتخذ من حياة أوكونكو مرتكزًا لرحلة في قلب القارة الأفريقية يوضح الحياة والحضارة الكاملة الشاملة التي كانت قائمة تحت ظلال الأشجار الأفريقية، قبل أن يأتيها الرجل الأبيض بزعم السعي لنشر المدنية فيها.
هذا التعبير جاء بأسلوب سردي يعتمد الواقعية والتفصيلية كمرتكزيْن أساسيْن؛ فالرواية عبارة عن سرد لوقائع شبه يومية في حياة البطل بما يوضح تفاصيل الحياة التي كانت سائدة في قبيلته والصراعات بينها وبين القبائل المجاورة، متبنيًّا المنهج الموضوعي في التعامل مع تلك الحياة؛ فهو يذكرها كما هي بكل ما فيها من إيجابيات وسلبيات؛ فلا يقول إنها كانت الحضارة الأنقى والأنصع، ولكنه أيضًا يؤكد أنها كانت حضارة لها قواعدها وأطرها الحاكمة لأفرادها... كانت مجتمعًا إنسانيًّا متكاملًا.
كان من الممكن لسردية الأسلوب أن تصيب العمل الروائي بالرتابة، ولكن براعة "آتشيبي" تجلت في أن الأسلوب على سرديته وهدوئه جاء حافلًا بالتفاصيل والصور المختلفة من الحياة الأفريقية، ما أكسبه حيوية وتدفقًا بما يعكس مقدار ما تمتع به هذا المجتمع من حيوية وتدفق. ولعل جزءًا كبيرًا من جاذبية الرواية يرجع إلى الصور المختلفة من الحياة الأفريقية التي حفلت بها الرواية؛ فقد تنوعت من حفلات عرس إلى احتفالات موسمية مرورًا بطقوس دفن وجنائز وكذلك أعياد دينية؛ بحيث لم يترك "آتشيبي" تقريبًا أية مناسبة اجتماعية إلا وطرقها في روايته بأسلوبه التصويري الذي يجعلك تسمع قرع الطبول وصيحات الانتصار والبهجة وصرخات الألم والحزن، وكأنك تعيش وسط هذه الجماعات الإنسانية.

نحن هنا...!
ربما تشير هذه العبارة إلى المرمى الرئيسي للمؤلف من روايته، وهو أن الأفارقة كانوا في السابق مجتمعات متكاملة قبل حضور الرجل الأبيض للقارة، وبالتالي يستطيعون أن يديروا شئونهم بأنفسهم، وهو ما يعني الاستقلال؛ فالرواية جاءت في الخمسينات من القرن العشرين أي في ذروة تصاعد الحركة الاستقلالية في القارة الأفريقية. ولكن... كيف الاستقلال بدون تأييد دولي؟!
كان يتعين إذن على الأفارقة أن ينقلوا قضيتهم إلى العالم بشتى الوسائل المتاحة، وكان القلم هو الوسيلة المتاحة لدى "آتشيبي"؛ فصاغ هذه الرواية مؤكدًا أن الأفارقة هم شعوب عادية لها عاداتها وتقاليدها ومجتمعاتها وتاريخها، وليسوا جماعات من الهمج جاء الرجل الأبيض ليأخذ بيدهم على طريق التحضر والإنسانية من خلال الجماعات التبشيرية. ولما كانوا شعوبًا ومجتمعات مستقلة في السابق؛ فهذا يعني أنهم بدعوتهم الاستقلال لا يريدون شيئًا جديدًا، ولكنهم فقط يريدون أن يعودوا إلى سابق عهدهم... جماعات إنسانية لها الحق في تقرير مصيرها.

وماذا عن تأثير الرجل الأبيض؟!
ربما يبرز هنا سؤال محوري، وهو: ماذا عن تأثير الرجل الأبيض؟! هل سيعود الأفارقة بعد الاستقلال جماعات "همجية متوحشة" كما كان حالهم قبل مجيء الرجل الأبيض الذي أخذ بيدهم إلى طريق التحضر والمدنية والهداية بعدما كانوا "خرافًا ضالة"؟
هنا لنا وقفة شديدة الأهمية وهي أنه من الضروري إجراء فحص شديد لهذا الزعم الخاص بطهارة القدوم الأبيض للقارة السوداء. إذا نظرنا إلى حال القارة الأفريقية من زاوية هذا الزعم لوجدنا أن الأفارقة كانوا شعوبًا همجية بدائية تتقاتل بسبب الخلاف على شجرة أو حتى ثمرة من الثمار، ثم جاء الأوروبيون ليعمروا أرجاء القارة، وينقلوا إليها الحضارة الإنسانية ويأخذوا بيد أهلها إلى طريق الهداية بنشر التعاليم المسيحية بين الشعوب الوثنية.
تثير هذه الجزئية نقطتين بالغتي الأهمية؛ أولاهما هي: هل كان هذا بدون ثمن؟! والثانية: ما الحال بعد القدوم الأبيض؟!
النقطة الأولى المتعلقة بالثمن هي أن الأوروبيين حصلوا على ثمن ما سموه نقلًا للحضارة والمدنية، وهو "الاستيلاء على خيرات القارة" بعيدًا عن الدلالة البلاغية لهذا التعبير؛ فمن مناجم الماس في الكونغو إلى المعادن النفيسة في تربة النيجر وبوركينا فاسو إلى إلى إلى... كل هذا انتقل إلى الخزائن الأوروبية، ومن بعدها الأمريكية، دون أن يحصل الأفارقة إلا على الفتات.
حسنًا، ربما يقال إن طريق المدنية والهداية كان هو الشيء الذي حصل عليه الأفارقة، وبالتالي دفعوا الثمن من خيرات قارتهم. ينقلنا هذا إلى النقطة الثانية وهي: هل حقًا يسير الأفارقة الآن على طريق التحضر والمدنية؟!
بنظرة عامة للمشهد الأفريقي، يمكننا أن نكتشف أن الصراعات القبلية التي جاء الاستعمار بزعم القضاء عليها لا تزال موجودة، وأن الاقتتال على الأشجار والثمار لا يزال قائمًا، وإن كان الآن هو اقتتال على الموارد التي تتمتع بها الدول؛ فماذا جرى؟! أين ذهبت الطهارة؟! هل أخفق الرجل الأبيض في مهمته؟! هل كان الدين الجديد على درجة من الهشاشة لم يستطع معها أن يطهر قلوب السود من كل أدران الوثنية؟!
الإجابة تتمثل في أن الرجل الأبيض لم يأت لتطهير القارة من الأدران، ولكنه جاءها لتطهيرها من ثرواتها، وكان الدين ستارًا هشًا لا يكاد يخفي الأهداف المستورة وراءه من رغبة في السيطرة والاستيلاء. وطيلة وجوده لم يسع الاستعمار للقضاء على النزاعات القبلية، ولكنه كان يخضعها للسيطرة، وقبل الرحيل أطلق أشباح الماضي من عقالها... ولكن الوضع كان قد صار أسوأ.
بالفعل صار مأساويًّا.
في السابق كان الاقتتال يتم وفق تقاليد القبائل الأفريقية، وكان يجري لفترات محدودة ثم يسود السلام والهدوء. أما الآن، فقد قتل الرجل الأبيض هذه التقاليد والعادات الحاكمة، وترك القبائل تقتتل، ولكن من دون غطاء حاكم. وصار القتال القبلي اليوم يجري وفق غطاء سياسي مثل جماعات تزعم أنها تنادي باستقلال إقليم ما، أو وفق غطاء ديني مثل جماة حيش الرب الأوغندية التي ترتكب من الفظائع ما يخالف أبسط دلالات مفهوم "الرب"....!
كما ترك الفساد أيضًا...!
(البصمة نفسها متروكة على الجبين العربي!!!)
يقولون إن الكهنة والسحرة في القبائل الأفريقية كانوا يستولون على خيرات أهل القبيلة البسطاء، بزعم أنهم محروسون من الآلهة. أما الآن، فمن يستولي على خيرات البلاد هم حكام فاسدون تحميهم الدبابات الأوروبية الرابضة في القواعد العسكرية المختلفة على الأراضي الأفريقية لحماية مصالح الشركات الأوروبية والغربية بشكل عام، والتي حلت محل الرجل الأبيض في سطوتها...!!

هل يتحمل الأفارقة جزءً من المسئولية عما جرى ويجري لهم؟!
بكل تأكيد، وهو ما لم ينفه "آتشيبي" في روايته التي رصدت السلبيات والإيجابيات في الحياة التي كانت سائدة في القارة قبل مجيء الاستعمار، وكذلك رصدت إيجابيات تركها الاستعمار مثل التعليم، والصحة، وغير ذلك، رغم دناءة الغرض الذي أُدخِلت من أجله هذه الخدمات للقارة السوداء.
يقول "آتشيبي" في عنوان روايته إن الأشياء تتداعى... أي لا تزال تتداعى للآن، وهو ينادي بالاستقلال لوقف هذا التداعي... فهل جاء الاستقلال؟! النظرة الموضوعية الفاحصة — وفق منهج "آتشيبي" — تقول إن الاستقلال لم يأت بعد... وإن الأشياء لا تزال تتداعى...
******



#حسين_محمود_التلاوي (هاشتاغ)       Hussein_Mahmoud_Talawy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الأشياء الصغيرة التي تتوه في الزحام...
- في الإلحاد...
- انتحار
- المصري وحيرة الجن... أشر أريد بأهل مصر؟!
- أصداء
- كلمات
- من أورويل إلى أبو زيد... حرب تبوير العقول...
- إلى أين قادتني القطة؟؟!! (3)
- إلى أين قادتني القطة؟؟!! (2)
- إلى أين قادتني القطة؟؟!! (1)
- ليرحل الطاغية... حملة -تطهير- لإسقاط الفساد من حكم مصر...
- شيكاجو الأسواني... -أنا فقط-...
- تنظيم الدولة الإسلامية... ملاحظات فقط
- لصوص
- التعايش في المنطقة العربية... المستحيل بعينه...!
- من يوميات إنسان...
- يوم القبض... مسرحية من مشهد واحد
- قمقم...!!
- الأحواز... ما الأحواز؟؟!! (5)
- الأحواز... ما الأحواز؟؟!! (4)


المزيد.....




- فيديو غريب يظهر جنوح 160 حوتا على شواطىء أستراليا.. شاهد رد ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1000 عسكري أوكراني خلال 24 سا ...
- أطعمة تجعلك أكثر ذكاء!
- مصر.. ذعر كبير وغموض بعد عثور المارّة على جثة
- المصريون يوجهون ضربة قوية للتجار بعد حملة مقاطعة
- زاخاروفا: اتهام روسيا بـ-اختطاف أطفال أوكرانيين- هدفه تشويه ...
- تحذيرات من أمراض -مهددة للحياة- قد تطال نصف سكان العالم بحلو ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن سلمت كييف سرّا أكثر من 100 صاروخ ATA ...
- مواد في متناول اليد تهدد حياتنا بسموم قاتلة!
- الجيش الأمريكي لا يستطيع مواجهة الطائرات دون طيار


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - حسين محمود التلاوي - آتشيبي وأشياؤه... طبول أفريقيا تقرع مجددًا...