خليفة ( نيوتن ) يطرد من ( كيمبرج )

ماجد عبد الحميد الكعبي

الحوار المتمدن-العدد: 4752 - 2015 / 3 / 18 - 16:15
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

يوما بعد اخر تتجه بوصلة المسيرة البحثية في العلوم الانسانية باتجاه العودة الى الفيلولوجيا حيث بداياتها الممتدة الى القرن الثامن عشر والتي تزامنت مع النهضة العلمية في ذلك القرن وما بعده ، لتنتج النهضة التنويرية في عموم اوربا. و اذا كانت طلائع النهضة تلك قد وصلت متأخرة الى العالم العربي انذاك فان اثر العودة في البلاد العربية سيكون اسرع بكثير مما سبق ، لاسيما بعد ما تم نشر معظم المخطوطات والدراسات الفيلولوجية التي انتجت في تلك العصور في المكتبات الالكترونية فباتت متاحة وميسرة للقراء والدارسين والباحثين. لقد اسهمت الثورة المعلوماتية التي احدثها الانترنت بازالة الحجر عن الوثائق والمخطوطات والكتب التي كانت قابعة برفوف المكتبات والتي كانت الرقابة السياسية والدينية تحول بينها وبين القراء. هذا التحرر المعلوماتي سيعقبه انعتاق فكري وسياسي من كل الانظمة الاستبدادية السياسية والدينية المتحجرة حيث ستكون هناك ثورة هائلة في الوقت القريب في مختلف المعارف الانسانية ، ولا شك في ان تاثيرها سيكون اكبر مما حدث سابقا بسب النهضة في اوربا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر . لان اوربا نفسها – أيضا- قد مارست نوعا من الحجر والقمع على المفكرين والباحثين و الاكاديميين الذين لا يؤمنون بالايدولوجيات السياسية والدينية التي يؤمن بها السياسيون و المتنفذون ، فكان نصيب الثائرين الطرد من المهنة والمحاربة الفكرية وتشويه السمعة وحجب كتبهم عن القراء وعدم نشرها بين الجمهور.
ففي بريطانيا مثلا تمت محاربة العالم والمفكر اسحاق نيوتن واخفت جانبا مهما من تراثه الفكري الديني بحجة ان نيوتن كان يؤمن بالنظرية الأرثوذكسية الشرقية حول الثالوث بدلاً من العقيدة الغربية التي تراها الكنيسة الرومانية الكاثوليكية والانجليكانية ومعظم الطوائف البروتستانتية.
ولم يكشف النقاب عن معتقد نيوتن الحقيقي الذي ضمنه في مخطوطاته اللاهوتية إلا مؤخرا في ظل الثورة المعلوماتية حيث تبين ان نيوتن لم يكن ثالوثيا بل كان موحدا بدلالة رفضه ان يلقن التعاليم المقدسة وهو على فراش الموت. ونتيجة للضغط الكبير الذي كان يمارس عليه فقد أخفى نيوتن أفكاره بدقة جعلت العلماء في يومنا هذا مختلفين ويتناقشون حول معتقداته الشخصية التي لم يسبق ان اعلنها على الملأ.
واذا كان نيوتن قد اخفى معتقداته فان خليفته على كرسي الفيزياء والرياضيات في كيمبرج العالم (وليم ويستون 1667-1752) لم يتوان عن كشف ارائه الدينية المخالفة والتي لاشك في انها كانت متأثرة بأفكار نيوتن.
لقد كان ويستون عالما مرموقا في علوم الفيزياء والرياضيات والفلك واللاهوت وله مؤلفات كثيرة - علمية ودينية - لكنه لم ينل كثيرا من الشهرة بسبب ارائه الدينية والعقائدية المخالفة لما يعتقد به اصحاب السياسة والدين المتنفذين انذاك في بريطانيا بل و الاشد قسوة ان ويستون قد طرد من كيمبرج بسبب تلك الاراء التي يؤمن بها والتي لم يستطع كل جبروت السلطة ان يثنيه عن البوح بها ، ولم يستطع حينها نيوتن ان يشفع له لانه هو الاخر كان مهددا بالطرد لو اعلن اراءه .
لم يرد ذكر ويستون بالعالم العربي إلا مؤخرا عن طريق نصف سطر ذكره المفكر الكبير ادوارد سعيد في كتابه الاستشراق في ثنايا حديثه عن المستشرق الانكليزي سايمون اوكلي قائلا: ( واما ويستون فقد ادى حماسه للإسلام الى طرده من جامعة كيمبرج عام 1709).ولم يكتسب ويستون الشهرة التي يستحقها في العصر الحديث في العالمين الغربي والعربي. وكذلك لم يتم التركيز على اعماله على الرغم من صدور مذكراته في عام 1753 والتي كانت بخط يده في اكثر من (450) صفحة في لندن ، اي بعد سنة واحدة على وفاته ، لانه لم يكن يؤمن بافكار السلطة. ولم يكن تعاطفه مع الاسلام هو السبب الرئيس وراء طرده من كيمبرج بل هناك اسباب اخرى تمثلت في نقده اللاذع للخطابين الدينيين اليهودي والنصراني في ذلك الوقت وفضح وسائل التحريف والتبديل التي استعملها الرهبان و الاحبار في حقب متفاوتة لتغيير وتشويه وتحريف الكتاب المقدس.
هذا جزء يسير عن حياة العالم والمفكر الانكليزي وليم ويستون وربما ستشهد الايام القادمة وقفات عند جهوده واعماله التي اخفتها ايدي العابثين بالسلطة من السياسيين والمتحالفين معهم من رجال الدين .

#ماجد_عبد_الحميد_الكعبي (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل