أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالرزاق عبدالوهاب حسين - ذكريات من غد الموتى ... 12 تتمة















المزيد.....


ذكريات من غد الموتى ... 12 تتمة


عبدالرزاق عبدالوهاب حسين

الحوار المتمدن-العدد: 4748 - 2015 / 3 / 14 - 00:10
المحور: الادب والفن
    


توقف حسن متأملاً ليل بغداد وصرامة وجهها وكهولته تلك العزباء الخالدة (سيبيليا عرافة كوماي) وفاطمة تلملم مايتساقط من خوفه وعلي ابو الهور يرقب كل ذلك
بأسى القادم لم ينبس بكلمة واحدة او يهمس بشيء .....استدارت فاطمة صوب حسن تستعجله فالطريق ينتهي والبيوت الهرمة تتلاشى وصوت كلاب المدينة يشتد نباحه توقفت فاطمة امام بيت يبدو ان لااحد يقطنه من زمن فاثار السنين واضحة على نمو حشائش البيت واشجاره كل شيء فيه يتداخل الاشجار النبت من غير الحشائش والاصوات صفير الريح وظلمته القاتلة
- ادخل حسن بسرعة
دلف حسن الى البيت تبعه علي ابو الهور وظلمة البيت تبتلعهما.........
اف حسن مااشقاك كان كل شيء موحشا وباردا ... تدفع حسن الظلمة تغرسه في عماء المكان والزمان لاشيء سوى العالم السفلي يقودني حيث انت ايها الانسان التعب ينهكه والقلق والخوف والمجهول يلاحقه والاحلام تبتعد...
- المكان امن حسن احد بيوتنا المتروكة
- اذن قد يحظر اي احد في اي لحظة
- لاحسن نساه الجميع منذ زمن
- وان تذكره احد فاطمة؟؟؟
-لن يكون وبرغم كل شيء سأوفر كل مستلزمات الامن حسن وسأوافيك بكل احتياجاتك
- وانت فاطمة ؟
- معك لاتخف سأكون قربك بين الحين والاخر
حسن لاتخف انا معك والان اريدكما ان تسترخيا ممكن ان تشعلا شمعة ... شمعة حسن تكفي كما تعلم الكل يعرف البيت متروك لااحد به واخاف عليكما من المفاجأة.........والان ليلة هادئة حسن نم والصباح انشاء الله تفرج
همت فاطمة بالمغادرة وحسن يتبعها بنظراته الحائرة وتمزقه ينهك ماتبقى منه.....
-علي انها تغادر
- الكل يغادر حسن الا احلامك وموتي اعتني بنا جيدا صديقي
أصاب جلجامش بحزن شديد على صديقه الحميم حيث لا يريد أن يصدق حقيقة موته فيرفض أن يقوم أحد بدفن الجثة لمدة أسبوع إلى أن بدأت الديدان تخرج من جثة أنكيدو فيقوم جلجامش بدفن أنكيدو بنفسه وينطلق شاردا في البرية خارج أورك وقد تخلى عن ثيابه الفاخرة وارتدى جلود الحيوانات. بالإضافة إلى حزن جلجامش على موت صديقه الحميم أنكيدو كان جلجامش في قرارة نفسه خائفا من حقيقة أنه لابد من أن يموت يوما لأنه بشر والبشر فانٍ ......
بعد أحلام مزعجة تجبره على الأستيقاظ مبكراً..حين تبتعد عنه تلك الاحلام مع مرور الوقت او تفاقم أزمته الوجودية ، ولكن قبل كل شيء عليه الاستيقاظ برغبة تدفعه للاختفاء بعيداً عن الأعين ، تتبلور تلك المشاعر لمشاعر باردة وغير إنسانية بالمرَّة ، وبرغبة جامحة في التخلص من احتمالات وقوعه في براثن الشوق ، حتى ولو كان الثمن هو الموت ، فالارتباط المادي الذي يربطه بالعالم محض افتراض من التراكمات المؤلمة فهو لم يزل يبحث عن رغيف خبز ليومه فهو ذلك الجائع الذي شرده شوق انتمائه للبقع الضائعة من التواريخ المنسية اه سومر اه ميسان اي مدينة تلك التي تأكل ابناءها هاهي اللحظة التي ينقطع فيها عن امانيه رغم كل احلامه الشرسة التي تلاحقه .... انقطع صبيحة تحوله الى ذلك الكائن المتعب والمليء بهاجس الموت عن العالم الخارجي مع توقفه عن العمل ، بالفعل انه يموت وجوديا ينسحب مما حوله من ذكريات ضاجة بالسحر والخلود " ، ماذا يمكنه أن يفعل غير ان يموت ؟ ، بعد أن أرهقه انتظاره في ذلك الظلام الذي يلف كل تفصيلاته الحياتية اليومية الكابوسية ، التي تؤكد أن مجرد البقاء علي هذه الصورة أمراً مرعباً وغير محتمل ، وأن الانتحار هو الحل الوحيد الممكن.يصافح مسمعيه هذا الصوت الرفيع .ولا تقتصر مأساة هذا البائس فيما بعد في عجزه عن المواءمة مع هذا التحول القدري ، بل تتعداه إلي موقف ذاته السلبي منه ـ فكل وجوده منتهي الصلاحية مسمم بالتدهور ولاينفع احدا بعد اليوم
ادرك حسن ان الوحدة سجنه الابدي والمدينة تفرض عليه انحطاطه في وحل هزيمته والخذلان فكل مايشاءه وهم اخر وهم يدفعه للبحث عن كائنه المحتمل في زحمة طرقات الغربة والوحدة والمطاردة. فما وراء النافذة لااحد ولااحد امامه عليه ان يؤكد ان الطريق صوب اللاأحد هذه المرة تطرزه خطى الذكريات بالبحث عنها.....
فمثلت في حضرة كبير الآلهة آنو وشكت إليه إهانة جلجامش، طالبة أن يسلمها قياد ثور السماء، الكائن الوحشي المهول، لتهلك به جلجامش، وهددت أنها في حال الرفض سوف تحطم بوابات العالم الأسفل فيخرج الموتى ليأكلوا ويشربوا مع الأحياء وتعم المجاعة في الأرض. نزل آنو عند رغبة الإلهة الغاضبة وأسلمها قياد ثور السماء فأطلقته في مدينة أوروك يعيث فساداً فيها ويهلك المئات من أهلها....بعد هذا الحدث الجلل، عقد الآلهة اجتماعاً في السماء وقرروا أن اموت ان لااسترد وهج احلامي وديمومة وجودي في قلب العاصفة انا جلجامش انا حسن اه اه فاطمة لاادري كل شيء يتلاشى الا الصوت يغور الاف المرات في روحي يستلب ماتبقى مني
الاسئلة التي اعتدتها تمرق سريعاً . تدغدغ مجاهل خوفي المتكرر ذلك الخوف المكتنز بالمجهول ربما لأني اعني مايخصني من ذلك اليوم ..... فلازال كل شيء كما هو الا تصوري .... الابواب ذات الابواب الشبابيك الريح .. الا جنوني ... اتساعه اختلاط رؤياي باحلام لاتعطي الواقع مجالاً للمثول او التحقق...فالحقائق غائبة مشردة تتهافت صوب انزلاقي في هاوية الوهم ..لم تعد الريح تغري وهني بالسقوط . او تعد سقوطي في قلب العاصفة. الاشباح تتماثل تتشابه تتصاعد اعلى الرأس تصيبني بالهذيان. الحمى تشرب يقضتي تحيلني ركاماً من الاخيلة...تأتي لا هل هي المرأة الالهة ام انها صوتي يختلط بوهم من نوع ما....
- اريد ان اتكلم معك
-لماذا...... ههه اوك وقت ماتشاء
انتظرت ان تتكلم ان اميز صوتي بها فهي تقول ما احاول قوله ربما انا الذي يتكلم
- نعم اسمع حسن مابك
-لاشيء لاشيء
-الشيء الوحيد هو انك رجل دائم العشق....
وأنا سيدي اخونك ههه لاأستطيع تحمل جنونك...جسدي كائن ضعيف تعساً له حسن يخونك هرباً من لذة المي بك .تصور حسن افترض اني معك؟
كيف لي ان انغمس بكل اشتهائك . قطعاً اتلاشى اذوب تماما بشيء فيك لااعرفه اضيع حسن فكيف لك ان تجدني
بعد ذلك...... هااااااااااااااا؟ تصور جسد يذوب فيك قبل ان تلمسه... هكذا انا اهرب منك واختبيء فيك.....
-- الشيء الذي لااجيده ان اتعلم النسيان او انزف احتراقي بعيدا عنك .... انك تنزلقين مني اخاف ان تدفعك الريح بعيدا .... اسمعي لم اعد اقوى لست ذلك الرجل الذي تجيدين تصوره بعد الان.... انا بقايا لوهم يحتظر..
كان جسدي حينها يتفصد عرقاً .الحمى تأكله اكلا تشربه تضيف لاشتهائي لونا بلون الدم . فلم اكن خجلا من اشتهائها او الهروب فيها الى حيث الصمت... صمت الاشياء والاصغاء طويلا للهاثها . جسد من الحلم يخلقه جنوني وصوتها. الأنين وحده يثيرني الان. فخذان بضان من الوهم والصوت . نهدان من اللذة والصوت يشربني ذلك الصوت يحيلني لكائن من وهم . عري من الصوت اندماج من الصمت كون من التلاشي والاندماج البعيد.... الرغبة فيها ..... رغبة الجنون والريح....رغبة من التأريخ العاجز لأمم تموت.. رغبة الخلق العائد من جنة فساد احلامي... لذلك لاعيون لي لتبصر فالنوافذ مغلقة والريح تئن وانا بانتظار العاصفة....
- اخشى ان استمر عاجز بك ... لاشيء معي سوى الريح .... هههههه الصوت ريح وانا اريدك.
- تشتهيني ؟
- ارغب باشتهائك فاطمة. اريد خروجك من العقل لتمنحي جسدي رغبة بقائه حياً .
- شو حسن تطردني ههههههه؟
- انا اريد ان يمر طريق الرغبة على توحد جسدينا ان اقبلك طويلا ان نتلاشى . ان اتحسس تضاريس الجسد بالجسد ان احس بمواء القطة التي تخربش العقل....
- حسن هل تحتاج جسدي؟؟؟
- انا اريدك...........
-من انت؟
كيف لي ان اعرف وكل ماهو حولي ريح . ريح انت وانا لااجد سوى ماتعلق في العقل من وهم الريح....
-- ومن انا ؟؟؟؟؟من انا كي استطيع ان اقول من يكن ذلك الذي اراه في جنوني....ربما قليل من كل شيء او اللا شيء سوى ريح اصواتنا وانين رغبة المكان وانتظار العاصفة ... حتى انت تتشكلين لتخرجي مع الريح شكاً اه اه الريح تصفر ايتها المرأة والحلم وراء النافذة
-هذا يمزق روحي ويشتتها
- من قال؟
-لااحد بل شيء احتفظ به لنفسي
- ماتحتفظين به فاطمة؟
-ماذا؟
-انا حسن .......فاطمة
الصمت الذي ازدريه صمت يخلق لظنوني حكاية فقد من نوع ما ربما لأني اريدها بعيدا عني او اريدها ان تعيش فأنا لعنة تهمة وهي عذب احلام لاتتحقق..
-فاطمة صمتك لم اعد اطيقه...... كان صوتي او اعترافي يتدفق دون ارادة مني غلبني انكساري امامها للمرة الاولى
-موتي يسكنني معي منذ خلقي ينمو لأندحر لاقدرة لي على غلبته انا انهزم او ربما هزمت منذ وجودي وخلقي الاول .... ايه جلجامش الى اين سأمضي ومن سيحمل معي ذلك الزمن البائس بكل تكراره اللامتناهي فقط دعني اتيه بك او نتيه بنا نفر المدينة تبتعد تغلق ابوابها بوجهي العتيق والمدينة تلتف حولي تأكل انتظاري فهي جائعة نهمة نزقة نتنه تخفيني لتسرق نفر مني.. بغداد دعيني اريد ان اصل نفر دعيها قليلا او ابتلعينا معا...المغني الاعمى اين انت من شَكَلها بعيداً عن الرؤية دعني اسمع اصوات اناشيدها او اسمعك... من غلبني بنحيبك وموتي
-فاطمة فاطمة(لاينتسب الإنسان إلى أرض لاموتى له تحت ترابها )..................
انتبه فوزي لأبنت اخته وهي تضرب بيدها كتفه بقوة اصلح من وضعه ضاحكا
-ايه فاطمة كبرتي علينا ملعونة ههههه
- ماذا خال ؟ عليك لا ربما على الاخرين
غامزة بعينها.
استطرد فوزي
- والى اين العزم ؟
- مدينة العمارة خال
- سمعت اكثر تفاصيل اكثر من العصفورة
- لاتقلق خال اعرف ان كل شيء وصل مسامعك. وكنت بحاجة ماسة ان اتحدث اليك ولكني اعرف مشاغلك كان الله بالعون.
- اتعلمي فاطمة كان يدور بذهني قبل قليل حياة اهالي مدينة العمارة او على اقل تقدير المعدان منهم.......
- وانا ايضا يدور بذهني كيف يكتب هؤلاء الشعر وكيف يمتزج بحياتهم
- الخوف لايكمن في الشعر هناك بل بأسبابه فاطمة
تأريخهم شجن غريب جدا ان اولئك الناس بقايا اقوام قديمة تتناسل لتعود الى الحياة من جديد لحضارتهم ووجعهم الى وجودهم الاول لذلك يافاطمة هنالك دائما خوفا حقيقيا من بقائهم ولسنا وحدنا من عرف ذلك الخوف بل كل من جاء الى هذه
البقعة او ذهب الى ذلك المكان كان يعرف معنى ان يخاف.....
- ولماذ ان اخاف خال (ضاحكة)
- لست انت انني اعني غيرك
- من هو خال؟؟؟
- الحكومات فاطمة الحكومات.......
حياته التي ارتبطت باسرار عمله اسراره المزعجة اسرار بحجم الالم والقلق. فقد اخذه هاجسه الى نقاط شتى من ذلك اللقاء المرتقب حتى تصور ان عقوبة تفكيره بتلك الاسرار لاتقل عن عقوبة التصريح بها او افشائها .وانهم يعرفون انه يفكر باستمرار بتلك الامور التي من شأنها ان تصنع موتا .موت خاص مليء بالرعب....
فوزي يغرق في غده المرتقب . اراد ان يقول شيء عن قلقه من ذلك اليوم فلربما لن يعود منه وسينتهي كل شيء عن حدود تلك الاربعة والعشرين ساعة القادمة ولن يعد موجوداً البته فتلك مكافأة نهاية الخدمة الموت ............... او ربما .
لم يبرح ذهن فاطمة ماقاله خالها الدكتور فوزي عن سكان الاهوار المعدان مثلما كان يقول . اصولهم عاداتهم تقاليدهم حتى ترائى لها ان عمر اولئك الاف السنين لم يمت احدا منهم بل كل ماكانوا يفعلونه هو الهبوط الى العالم السفلي وربما يعودون بعد حين محملين بعطايا ذلك العالم ووصاياه..
اف ليتها تلتقي بأحدهم برغم السمعة السيئة التي تسبقهم اليها كان هنالك مايشدها لتلك الحياة .. غير مساحات الاراضي المغمورة بالمياه والوحل والمكسوة بالنباتات المتشابهة والقصب والبردي والموبوئة بكل انواع الحشرات الصغيرة البق والبعوض وغيرها وغيرها الكثير..كان يشدها ذلك الانسان الانسان المعمر والمكسو بروح جلجامش والذي تطارده لعنة خمبابا العظيم .. ادركت فاطمة ان الرحلة على وشك البدأ والمسافة التي تفصلها عن مدينة العمارة ستتلاشى وان احلامها ستمتد الى قلب الهور الفسيح حيث الحكايات العجيبة عن تلك البقاع المجهولة وزمردها وياقوتها كنوزها التي يحرسها الجن والعفاريت...
كانت ليلة مؤرقة لفاطمة وهي تفكر بكل شاردة وواردة .. استفاقت صباحا لتجد السيارة بانتظارها ووجوم امها وحزنها الشديد فقد كانت الخانم شديدة الشؤم من تلك الرحلةبرغم كل الاحتياطات والاتصالات التي اجراها الدكتور فوزي الا انها كانت تشعر ان هنالك خللا ما . كانت الدموع تنهمر من عينيها الدقيقتين.. ففاطمة لم تفارقها قط حتى في احلك الظروف كانت تتحمل لأجلها مثلما كانت تقول لفوزي ليلة البارحة.....
- ولكنها كبرت ويجب ان تعطى فرصة لتحقيق ذاتها وللأمان قد اتصلت بكل معارفي لحمايتها حتى من الهواء...
- انت تعرف يافوزي كم تحملت لأجلها من كل اللذين تعرف...
كانت تلمح الخانم كعادتها الى فجوة العلاقة التي بدأت تتسع بينها وبين زوجها ارادت ان تقول انه هجر البيت لم يعد يراه احد وهاهي فاطمة تغادر ايضا......
استعجل الجميع السائق سلمان فالطريق طويل ويجب ان يصل المدينة قبل حلول الظلام للأمان والأطمأنان.. زمر سلمان مرة اخرى يحث فاطمة للاسراع . كانت الخانم تجهش بالبكاء بينما حمل الدكتور فوزي حقيبة صغيرة بيده ليضعها في صندوق السيارة حاثا فاطمة للاسراع. ودعت فاطمة الجميع بشكل عاجل فقد اخضر حلمها وهي تنزلق بداخل السيارة بخفة ورشاقة ملوحة للجميع .. والعربة تسير الى هدفها مبتعدة عن انظار الجميع .. يالها من رحلة اينانا الى العالم السفلي انها تقترب من عالم لاينتهي بوجوده بمياهه وفاطمة التي لم تسافر من قبل تتأمل ذلك الطريق الطويل وكان على سلمان ان يراعي ذلك جيدا
حين وصلت إنانا إلى البوابات الخارجية للعالم السفلي،
طرقت بحدة.
صرخت بصوت عال:
" افتح، الباب، أيها الحارس
افتح الباب، نتي
أنا بمفردي سأدخل"
سأل نتي، كبير حراس بوابة الكور:
"من أنت؟"
أجابت:
"أنا إنانا، ملكة السماء،
في طريقي إلى الشرق."
قال نتي:
"إذا كنت إنانا حقا، ملكة السماء،
في طريقك إلى الشرق،
فلماذا قادك قلبك إلى الطريق
الذي لا يعود منه مسافر؟.......
تبادلنا النظر انا وعلي ابو الهور .. كان لدى كل منا مايقوله فالبيت بارد ولم نستطع ان ننير اي من مصابيح الغرفة خوفا من الطاريء او ريبة جيرانه من البيوت الملاصقة والقريبة ولكننا لذنا بالصمت غرقنا به .. عليَ اذن ات اقوم بحركة ما بعمل احيل به كل ذلك التشتت الى محض افتراض نهضت بهدوء من على الفراش الذي اعدته فاطمة لنا انا وعلي لقضاء ليلتنا تلك عليه متلمسا طريقي صوب غرفة اخرى كانت اخر الرواق الذي يفصلنا عن الباب الخارجي للبيت كان يدفعني الخوف والفضول لأكتشاف مايمكن اكتشافه من ذلك البيت العتيق كانت قبضة باب الغرفة باردة وصدئة تنم عن نفورها عن معانقة الايدي منذ زمن ليس بالقليل احسست حينها والباب ينفتح امامي ان هنالك مساحة تسحبني لداخلها مساحة من الظلام تزينها لحظات البرق التي تغزو البيت بين الحين والاخر تلك اللحظات التي انتظر اشتعالها لأدفع ببصري لجدران تلك الغرفة التي تزينت بلوحات لوجوه ذات تقاسيم موجعه ادركت لحظتها ان جميع تلك الوجوه تتلبسني او انها لي . طفقت اتحسس تلك الوجوه المعلقة باصابعي المرتجفة والخائفة من تشقق وجهي في تلك اللوحات الرطبة وكأن كل تلك الشقوق نزفت دمعا او وجعا او دماً حتى احال البرق صورة ذلك التشقق الى خوف يتلبسني حينها تقدمت وكان ظلي يلتصق شيئا فشيئا على الجدار ليلامس الوجوه وكأنه يطالب بتركيب تلك الوجوه على جسدي الموتور والمطارد .. حاولت ان اعرف اكثر عن تلك اللوحات افترضت انها لم تكتمل او انها بفعل الرطوبة وعوامل اخرى تغيرت كثيرا الالوان حتى هيأة الوجوه تلك وتشكيلاتها وقدرت ايضا انها لشخص من تلك العائلة فمع وميض البرق كنت ارى التوقيع واضحا توقيع الرسام اني اعرفه .. اعرفه جيدا .. فهاهو يظهر ويغيب بالرغم من غياب اسم الفنان الا انه هو انها فاطمة .. كانت الطبيعة بنزقها تستأثر بكل ماهو حولي شعرت بظل علي ابو الهور ورائي كاد ان يحمل ظلي على جدار اللوحة ادهشني وجوده المفاجيء كان اشتابكنا مع الظلال على الجدار والبرق يضرب كل تلك الوجوه يضفي مذاقا مختلفا لتلك الليلة من الاسئلة والذكريات فقد عرفت ان الطبيعة يومها لم تلو جهدا من استفزاز كل جوارحنا ...
قلت لأزيل كل ذلك التوتر والتوجس..
- كيف دخلت علي
- كان الباب مواربا ولم اجدك في فراشك
لم يترك صمتي يطول
- وماذا بعد حسن؟
- يجب ان تكون عاشقا كبيرا لتعرف كيف يبدو التأريخ بعيدا عن صناعة الالهة الحكام انظر الى الجدار انظر علي هذه الرؤوس وظلالنا الم اقل لك اننا نبحر لعالم يغفو بعيدا عن الشمس ... قبل ايام قليلة كنت علي ابو الهور ترى جثث اهلينا والاصدقاء تأكلها الكلاب وشوارع المدينة ملوثة ببساطيل الجنود ومعفرة بالدم والوشاة يملؤن الشوارع اتتذكر علي اتذكر .....
كان علي تواقا لسماع حسن وهو يتكلم فهو مغرم بالتماعات حسن الفكرية طالما ان تلك الافكار تسعفهما دائما بطرق الخلاص مما يعانيان دائما.
كانت ثمة غمامة شفيفة من الحزن تخيم على وجهيهما . حاول حسن ان يهرب بوجهه صوب جدار اللوحات المعلقة محاولا اخفاء تعابير وجهه خرج صوته متلجلجا
- علي مااخزانا ونحن نبحث عن الخلاص ؟؟؟؟
- نحن شهود العصر حسن ويجب الحفاظ على تلك الشهادات فعاجلا ام اجلا سيحتاجها العالم سيحتاجك انت ياحسن لاتنكر ذلك فما يملأ المدينة من موتى هم اهلك لاتنسى هذا ارجوك اعلم ان الحزن يؤثر عليك كثيراً ولكن هذا سبيلنا الوحيد
حين صمت كانت الريح تزأر واصوات حبات المطر تطرق زجاج النوافذ بعنف وثمة حلم شبح مايسير نحو اللوحة وظل حسن يتسلق الجدار...........................
بعد تلك المعاناة مع الاهل والطريق تقترب فاطمة من المدينة الحلم ببؤسها وتقادم بيوتها بأنهارها الثلاث لتشق طريقها الذي تريد.هكذا بدا المشهد للوهلة الاولى ولكن في لحظة ما كان هنالك مايتغير ففاطمة منذ يومها الاول في مدينة العمارة وهي تبحث عن تفسير لتلك الوجوه الباكية التي تبحث في الحزن عن مأوى لها .
شعرت ان حزنا من نوع ما يحيط بتلك البيوت ربما يحمله الماء او الهواء ليتسلل لأولئك الطافحين بالوجع والحزن وقد تأكدت ان ذلك الشعور خالد لاينتهي ابدا حاولت ان تتذكر تلك الحوارات عن الممسوسين من ابناء سومر من المحافظة اولئك الذين قيل عنهم انهم المفسرين والحاملين لأخر نصوص سومر العتيقة فبناءاً
لتلك النصوص والتعاليم يمكنها ان تعلم ان لسومر بقايا من شعب وربما ملك ما او حتى قوانين وانظمة والا لماذا هذا التمرد الدائم الذي يثار بين الحين والاخر رغم تعاقب الازمنة والانظمة والحكومات...
لبقعة الماء تلك سر يتجاوز مساقط الماء وانتمائه لأي ارض ...
من يسن قوانينك من يحكمك من هم حراس مياهك وارضك وكنوزك الاسئلة تتنامى في ذهن فاطمة تتجاوز حدود احتمالها ... الحكايات كثيرة والاساطير اكثر وسومر تصرخ بعقل فاطمة برجالها ونسائها وتحديها المستمر لكل اشكال الحياة السائدة والجديدة فلم تزل بيوت القصب والبردي العائمة على مساحات سومر المائية وقواربها واناشيد الصيادين والكهنة والأضاحي والنواح تملأ ارجاءها لم تكترث تلك الارجاء بالعادات الوافدة وحتى قوانين الانظمة لمسميات الانظمة الوافدة عليها لذا ان الصراع يستمر مع كل من يحاول ان يخترق مسمياتها ووجودها الازلي .... انها سومر ... سومر فقط .....فقد ذكر البعض لفاطمة ان هنالك
صحيفة حجرية منقوش عليها أخبار الأرض على مدى 400 الف سنة سبقت السومريين. هذه الصحيفة تذكر بالصحف المحفوظة في خزائن الملك والتي لايصل إليها يد التحريف والمعلومات التي فيها تشير إلى ان السومريين كانوا يقسمون التاريخ إلى قسمين، ما قبل الطوفان وما بعد الطوفان.
تقول الصحيفة ان الالهة الأولى " من السماء إلى الارض جاءوا" An unna ki وهم ثلاثة ترسمهم اللوحات الجدارية مع مركبات مجنحة. هؤلاء الثلاثة يطلق عليهم أسماء: نفليم، إلوهيم. والغريب ان اسم إلوهيم نفسه مذكور في التوراة اليهودية.
الالهة الثلاثة هم أبناء إله واحد وتتوجه اليه الموشحات الدينية بصيغة توحيدية. ان الاله الاصلي لدى السومريين كان يسكن أحد الكواكب، وبالذات كوكب نيبرو، ومنه جاءت أبناء الالهة إلى الأرض. (في الحضارات اللاحقة أصبح اسم هذا الكوكب مردوخ، على اسم الاله الاعظم).
حسب القصة السومرية، كانت السنة الواحدة على كوكب نيبيرو تعادل 3600 سنة. وكان يطلق عليها وحدة "سار". عندما وصلت الالهة الأولى إلى الأرض كان عمرها 120 سار، مما يعني ان عمرها 432 الف سنة بالزمن الأرضي.
في جدوال دونتها ملوك عصر فجر السلالات السومرية (عصر فجر السلالات من 2850 وحتى 2400 ق.م) جاء أسماء الملوك ومدة حكم كل منهم ومآثارهم. ثمانية ملوك سومريين حكموا سومر مايقرب ربع مليون سنة، اي ان متوسط حكم كل واحد منهم يزيد عن 30 الف سنة. اللوحات الطينية تحدثنا ان عمر الإنسان قبل الطوفان كان يصل إلى أكثر من الف سنة في حين ان عمره بعد الطوفان أصبح لايتجاوز المئة عام.ما بين النهرين، التوأمين، دجلة والفرات هنالك كانت محطة هبوط تلك الاجناس النازحة من بعيد ربما من مردوخ وربما كانت فاطمة تعتقد برؤية كل ذلك ... ففي نهارات كثيرة وليال كانت ترى بل انها تبصر كل ذلك ولاتعيه كانت تحاول فهم ماتراه ان تعيد رسم ماتستطيعه على جدار غرفتها كان شيء ما يأمرها برسم بين الحين والحين وجه ملك سومر تعويذة لحماية روحه من الشر والفناء . في تلك الليالي المجنونة بعيدا عن تلك الارض المقدسة كانت فاطمة مع ملامح ذلك الوجه السومري تعيد رسمه كلما تشقق ذلك الوجه تعبيرا عن ان هنالك شرا يحيط به فتسارع فاطمة لرسمه من جديد خوفا على ذلك الملك السومري المعشوق



#عبدالرزاق_عبدالوهاب_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذكريات من غد الموتى...تتمة11. رواية
- ذكريات من غد الموتى... تتمة 10. رواية
- مذكرات من غد الموتى .. تتمة 9.
- ذكريات من غد الموتى ... تتمة 8.. رواية
- قصائد صورة
- ذكريات من غد الموتى ... تتمة 7 رواية
- لقاء في الشعر والسياسة ا..قام بأجرائه الاعلامي والشاعر عبدال ...
- سورة الكائن
- ذكريات من غد الموتى ... تتمة 6 .. رواية
- لاتعذليه فقد احب جنونك
- قصيدتان
- ذكريات من غد الموتى...... تتمة 5 .. رواية
- التحول... المقطع الثامن
- ذكريات من غد الموتى .... التتمة 4.. الرواية
- صور صور صور
- ذكريات من غد الموتى .. التتمة 3 رواية
- احجية الملك
- ذكريات من غد الموتى.... تتمة اليوم الاول... رواية
- خارج اسوار العمر
- التحول المقطع الرابع


المزيد.....




- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالرزاق عبدالوهاب حسين - ذكريات من غد الموتى ... 12 تتمة