عمار ديوب
الحوار المتمدن-العدد: 1320 - 2005 / 9 / 17 - 08:56
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
يفاجأ المتابع لنشرات الأخبار على بعض الفضائيات العربية ، بالكم الكبير الذي يذاع للزرقاوي من تسجيلات صوتية ، أو كلمات عنه في الشرائط الإخبارية، فلا تكاد نشرة إخبارية تخلو من صوته الشجي، ناعقاً كالغرب ، بكلماتٍ تقطر دماً ، وباتهامات تتوزع على الشيعة والسنّة معاً على التوالي ، فلكلٍ دوره في القتل إن شاء الله، وبالرغم من أن الجزيرة مثلاً فضائية إخبارية ،يشعر المستمع أن نشرات الأخبار تكاد أن تكون - إعلانات - وصوت الزرقاوي هو النشرة الإخبارية الثابتة !!
والسؤال لماذا تستمر الجزيرة وغيرها في نشر أحاديثه الطائفية الدموية ، وهل هو شخصية موجودة ، وهل يقوم بأفعاله الإجرامية بعيداً عن السيطرة الأمريكية ،أم أنه يعمل في خدمتها ، وبالشراكة مع بعض الأنظمة العربية المحيطة - لاحظ سهولة فرار القائمين بعملية العقبة في الأردن إلى العراق ،أو اعتقال المقدسي "شيخ الزرقاوي في فتاويه" بعد خروجه من السجن ببضعة أيام على أثر الحوار الذي أجراه على قناة الجزيرة ، رافضاً بها عمليات القتل للمدينين - والملاحظ أنه لا يشن حروبه و"غزواته" على قوات الاحتلال ،ولنقل نادراً ما تصيبهم ، ويقع جام غضبه على الشيعة الروافض ، وعلى السنّة غير الزرقاويين ، ومن من الشيعة تطال لعناته ، إنهم الفقراء فقط ، هؤلاء اللذين يتجولون في الشوارع والباعة والأطفال والنساء والشيوخ واللذين ليس هناك مكان يؤويهم ،أو اللذين لم يترك لهم الاحتلال ورموزه الطائفية مكاناً بعد سطوهم على كل شيء في العراق ، إلا دور العبادة والحسينيات ووجه الله في المناسبات الدينية ، وما أكثرها، وطبعاً غزواته التي لا بارك الله بها وبه ، تتجه نحو مكان محدد يقطنه الشيعة ، وليست لديه أية مشكلة في قتل السنة وغيرهم ، وبالتالي هذا المجرم وعصابته يقتلون الناس على الهوية ووفقاً للمكان الجغرافي ،ويسعون بكل جهودهم الشريرة لاندلاع حرب طائفية علنية ، ويجب الإشارة إلى أن الطائفية السياسة للحكم تستدعي الطائفية السياسية في المعارضة وهذا بغض النظر عن الزرقاوي ، وهو ما نلاحظه من التمثيلات السنّية المستجدة في العراق ، وعتبنا على هذه الفضائيات التي تدعي استقلاليها عن مصالح الأنظمة في نقلها لهذه الأخبار والأحاديث ، فإن أرادت أن تنقل أخبار المقاومة العراقية ، فلتنقل أخبار الفعلية منها ، ولتركز على العمليات التي تقوم بها ضد قوات الاحتلال ،وهو ما تقوم به ، أما أن تركز على الزرقاوي ، فهي حكماً وإن بغير قصد ، أو بقصد ، تشوه ، وتشوش على أعمال المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الأمريكي ، بل تعطيه الذريعة ، لتوجيه الوعي من خلال مؤسساته الإعلامية ، على أن رأس حربة المقاومة الوطنية هو الزرقاوي ، رغم أن التقارير الإخبارية والمقالات السياسية والتحليلية المخصصة* تفصّل بين أشكال المقاومة ، وتعدد أسمائها ،وأنواع عملياتها ، وآليات تطورها ، ومعظمها يفصل ذاته عن الزرقاوي ، بل يعتبرونه جهة لا علاقة لهم بها ، أو بالمقاومة .
وكلما "غزا " الزرقاوي ،وسّع الاحتلال تدميره بأشكال مختلفة للعراق ، وحاصر المدن ، ودمرها ، وقتل مئات المدنين ، وكأن بينه وبينهم علاقة وثيقة واتفاق وشراكة وخدمة متبادلة على تدمير العراق ، وتهجير أهله ، ونهب ثرواته ،والمفارقة أن الاستعمار الأمريكي وتحالفه لا يدمر المدن "السنية " فقط، بل إنه بالتحالف مع النظام الطائفي ، والقومي العشائري ، يدمر المدن" الشيعية" أيضاً فالبصرة والناصرية والحلة والكاظمية وبغداد الصدر، وغيرها معدومة الخدمات من كهرباء وماء وهاتف وغيره وكثيرة البطالة والفقر والتلوث، ويطاولها الموت كل يوم ، فأي بناء إذن يحدث للعراق ،وأي تطور لواحة الديمقراطية في الشرق الأوسط؟!
إن الزرقاوي من جهة والأمريكان المحتلين والنظام الطائفي القومي من جهة أخرى، يمارسون أسوأ أنواع تدمير العراق ، ويحاولون إدخاله إلى معركة طائفية ، لا يكسب منها إلا سلطات الاحتلال والملا لي أو فقهاء الظلام ، وبعض السياسيين التافهين ،وهو ما يفرض على الذين ما يزالون مخدوعين بالاحتلال إلى الإسراع بالانفكاك عنه ، وعدم إعطائه أية شرعية ، وهو ما يحدث من استقالات واعتراضات من بعض أعضاء الجمعية الوطنية ، والوزراء ،وهو ما يجب التوسع به ،والسعي إلى تشكيل عدة تحالفات ، وبأشكال متنوعة ، ومن كل أبناء العراق ، ومن كل أديانه ،وأحزابه ، والابتعاد عن الأحزاب ذات الطبيعة الطائفية ، لخدمتها المباشرة للاحتلال ولأعوانه
، واستخدام كل الطرق الممكنة ، من انتخابات وغيرها ، رغم عدم دستوريتها الكاملة من جهة حدوثها تحت حكم الاحتلال ، للوصول إلى عزل الاحتلال ومشاريعه ، وجعله مجبراً على الخروج من العراق، والتخلص من هؤلاء المجرمين من أمثال النجم الإعلامي ألزرقاوي والتكفيريين ، وإعلاء شأن المقاومة الوطنية العسكرية ، والمقاومة السلمية والتنسيق بينهما بشكل متكامل ومترابط ، شريطة الابتعاد عن كل ما يخص قيادات النظام السابق وأعوانه وأمواله ، وعزلهم عن التحالفات المشار إليها ، والعمل على إعلان أسماء قيادات العمل العسكري أو ممثل عنهم ، وبرامج واضحة ، ومقاومة ذات طابع وطني علماني ، تحترم جميع الأديان والبشر ، وتوجه عملياتها ضد قوات الاحتلال .
إن العراق يحتاج لكل الأصوات النزيهة في العالم العربي ، والعاقلة ، بعيداً عم الحسابات الضيقة والآنية ، وهو ما يفرض على وسائل الإعلام عدم بث أصوات الكراهية والطائفية وتهميشها ما أمكن والتركيز على أصوات المقاومة الوطنية العلمانية ، المعروفة بسمعتها ، ومصداقيتها ، فهذه معركة طويلة وشرسة ،نظراً لطبيعة الإستراتيجية الأمريكية من احتلال العراق ، وهو ما يتطلب فضح جرائم الاستعمار وخفاياه وخططه الاستعمارية للمنطقة وإظهار التحركات العالمية ضده ومحاولة التنسيق مها في كل أنحاء العالم .
لا شك أن الاحتلال الأمريكي والنظام الطائفي العشائري القومي ، هو المسئول عن مآلات الدولة العراقية والشعب العراقي ،وهم اللذين يتحملون إراقة دماء العراقيين ،وانتشار الطائفية والعشائرية والانفلات الأمني ، وهو ما يؤكده القانون الدولي الذي يحمل المسؤولية للاحتلال وأعوانه عن كل ما يحدث مادام يحتل بلداً ما، فكيف بالعراق الذي حُددت قوات الاحتلال الأمريكي وتحالفه ، على أراضيه بأنها قوات احتلال ، فلماذا لا ينتبه بعض الديمقراطيين المستجدين لهذه الحقيقة ويتخلون عن التبسيط الذي يرد الطائفية والعشائرية إلى نظام صدام حسين ، الذي ساهم وفعّل كل هذه الأشياء ، أما من أعطاها السلطة ،ويحاول تقسيم العراق فدرالياً ، وجلب الاستعمار ، بأكاذيب لا تزال نتائجها تدوي في العالم ، ويحاول بناء الدول الطائفية في دولة العراق ، ودمر الدولة العراقية والتي تعود إلى ما قبل صدام بعقود عديدة ،وأشعل الفوضى ، واستدعى التكفيريين ،وشرع البلاد لكل ما هبّ ودبّ فهو الاحتلال وأعوانه ، وهو هو ما يؤجج الوضع العراقي باتجاه الطائفية والفيدرالية " التقسيم" والفقر والجوع والدمار والموت..
*أقرأ،مقالة أنتوني كورد سمان ،المقومة المتطورة في العراق ، مجلة المستقبل العربي ، العدد318، 2005.
#عمار_ديوب (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟