أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عمار ديوب - مقاربة أولية لافكار برهان غليون بخصوص الليبرالية والديموقراطية















المزيد.....


مقاربة أولية لافكار برهان غليون بخصوص الليبرالية والديموقراطية


عمار ديوب

الحوار المتمدن-العدد: 1292 - 2005 / 8 / 20 - 11:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قدم المفكر برهان غليون مقالات عديدة بخصوص الليبرالية والديمقراطية* راداً بها على مثقفين يساريين يخلطون بين المفهومين ، ولأهمية هذا النقاش وضرورته في سوريا والمنطقة العربية
والعالم ، ادعوا المثقفين والسياسيين لتقديم بحوث علمية بصددها وتعميم هذه النقاشات ، وسأحاول من جهتي توضيح الأجواء التي يأتي في سياقها النقاش والردود ومآلات هذا النقاش 0

شكل تصدع النموذج السوفييتي في الحكم ، وانهياره ردة فعل عنيفة عند تيار عريض من محازبيه ومناصريه ، حيث كان النموذج المثالي في الحكم والتنمية ومستوى المعيشة وتطور الشعوب ، وكانت الامبريالية بالضد ، النموذج الرديء ، والشرير ، وسبب الأزمات العالمية بأكملها 0
هذه اللغة تحكمت بعقلية الناطقين بها ، وبحدوث الانهيار أصبح العالم محكوم من قبل رأس واحد
هو الامبريالية العولمية ، عندها بدأ المتحزبون ، الخاسرون في المعركة ، نقل البندقية من كتف إلى كتف أخر ، حيث تحول الكثير منهم إلى مناصرين أشداء لهذه الامبريالية ، ولقيمها ، ولم يفت هؤلاء ، الاستمرار في الانقطاع عن واقعهم ، والعودة إلى تأصيل أفكارهم الجديدة على أرضية الإعلاء غير واعِ في الأغلب من شأن الامبريالية منذ لحظة نشوء النظام الرأسمالي وجبّ كل ما يتعلق بالماركسية فكراو ممارسة ومشروعاً سياسياً واعتبارها كلاً واحداً لا تمييز بينها ، ولا شروط تاريخية تتحكم بتطورها ،واعتبارها أيضاً أحادية التفكير وسبب أزمات العالم وانقطاع تطوره ؟!
فكان ان عادوا الى زمن صعود الليبرالية ، ليكتشفوا واقعهم ؟ حيث تماهى في مقالاتهم كل شيء ايجابي مع الليبرالية كفلسفة وكمشروع اقتصادي وسياسي ، فصارت الديمقراطية بمكوناتها المتعددة هي هي الليبرالية ، ولا يمكن فصل هذه عن تلك ، وطبعاً لم يغرد جميع المتحولين اتجاه الليبرالية في نفس السرب وبقيت هناك تمايزات بينهم (1)

غيب ذلك التيار عدم ارتباط الديمقراطية بالليبرالية من حيث بداية النشأة ، فالديمقراطية كمصطلح وأفكار تعود إلى أحرار اليونان تاريخياً ولم تكن تشمل العبيد إطلاقا وكانت تعني حكم الشعب نفسه بنفسه ، وقد تم إعادة طرحها كأفكار حصرا في سياق تاريخي مختلف وضمن حقل معرفي خاص ، أي في زمن صعود البرجوازية ، ولكنها لم تمارس على أرض الواقع ، حيث تحول النظام السياسي للتعبير عن الطبقة البرجوازية التي تحكم الشعب وتتحكم به ، لتتحول الديمقراطية الى مساواة قانونية بين الأفراد ، بل إن بعض البرجوازيات في أوربا قام بالمصالحة مع الطبقات الملكية السابقة والإقطاعية ، في وجه الطبقات الكادحة ، عندما بدأت تطرح مشروعها الاشتراكي أو تخوض نضالاتها المطلبية والسياسية (2)، ورافق ذلك غزو واستعمار الشعوب الأخرى0
وبالتالي تزامنت وارتبطت الليبرالية "كفلسفة" مع البرجوازية والاستعمار ومع غياب الديمقراطية كشكل حكم أو تضامن اجتماعي مع الطبقات الفقيرة أو حريات عامة 0
لم تطبق تلك الديمقراطية كشكل حكم إلا مع تصاعد النضالات والثورات العمالية وتحديداً مع بدأ المنظمات السياسية للعمال وكذلك النقابية وقد لعبت الأحزاب الشيوعية الدور الأساسي في هذه التوجهات ولم يتم تعميقها كنظام سياسي إلا بعد الحرب العالمية الثانية ، وقد ساهم بوجودها قبل ذلك أيضاًً ثورة البلاشفة والخشية من اندلاع الثورات الاجتماعية الاشتراكية والأزمات المالية الخطيرة في أوربا وإصلاحات كينز بخصوص دولة الرفاه 0
ولم تدم تلك الديمقراطية أيضاً لفترة طويلة حتى بدأت الليبرالية المتبنية للديمقراطية تفرز الليبرالية الجديدة ، وتفرض سياساتها وتسيطر على الحكومات والاقتصاد والإعلام والسياسية ابتدأً من سبعينيات القرن الماضي " مارغريت تاتشر ،ورونالد ريغان " حيث بدأت عملية تهميش المكتسبات الديمقراطية للطبقات العمالية والفلاحين ( الضمانات الاجتماعية والصحية وغيرها ، وهذا ما أشار اليه برهان غليون بخصوص رفض الفرنسيين للدستور الأوربي ) 0
حيث تمحورت السياسات الليبرالية الجديدة حول عدة قضايا أساسية مراد تطبيقها على مستوى العالم :
1- كف يد الدولة عن التدخل في الاقتصاد وترك قوانين السوق تعمل بصورة مطلقة0
2 - خلق سوق اقتصادية عالمية تتحكم بها الشركات المتعدية الجنسيات ، ويخضع لسياسات البيوتات المالية 0
3- استخدام التدخل العسكري المباشر وبدون شرعية دولية "ديمقراطية "وشن الحروب الوقائية0 4- استخدام حملة إعلامية دولية تتطلبها الشعوب المقموعة من مجتمع مدني وحقوق الإنسان وحقوق المرأة ودمقرطة العالم عبر الليبرالية ، مندمجة هذه الأفكار مع مفاهيم نهاية التاريخ في النظام الرأسمالي وصراع الحضارات 0
وقد استخدمت الامبريالية العولمية كل ما تملكه من أجل هذه السوق الكونية والسيطرة عليها مستعيدةً بذلك شكل سيطرتها الأول على العالم – وُصف الغزو الأميركي إلى العراق بالاحتلال في الأمم المتحدة – حيث الاستعمار المباشر ، ومفهوم دعه يعمل دعه يمر ، وعلى مستوى العالم هذه المرة ولصالح الشركات المتعدية الجنسيات ، ووفق مبدأ الانسجام الطبيعي الذي يقضي :" بأن بحث كل فرد حر عن مصالحه الخاصة لا يتناقض مع تحقيق المصلحة العامة للجميع " 0
الأمر الذي أدى الى " إيجاد أوضاع اجتماعية تخل بشروط ممارسة الحرية عند القسم الأكبر من الرأي العام لصالح فئات قليلة هي تلك المسيطرة على موارد الثروة والسلطة والمعرفة "*
هذا التوصيف الخاص بالقرن الثامن عشر ينطبق على القرن الحالي حيث الفقر والاستغلال والمجاعات وانتشار البطالة واختلال مريع في مستوى الدخول والمعيشة 0

وباعتبارنا ننطلق في تحليل أية ظاهرة اجتماعية من خلال تحركها في إطار وحدة العالم الراهنة ، فإننا نعتقد بأنه ليس هناك ظاهرة أو بلد خارج التأثر ، بل السيطرة التي تفرضها الامبريالية العولمية على العالم ، وهذا يعود بالتحديد الى بداية ظهور الامبريالية، وبالتالي يصير الداخل العربي جزءً من العالم الموحد ، أي يصير الداخل العربي جزءً مميزاً في إشكالاته في الداخل العالمي ، وهنا تسقط إشكالية الداخل داخلاً والخارج خارجاً ، والشرق شرق والغرب غرب ، ليكون العالم موحداً في وحدة بنيوية تبعية ، حيث تسيطر على هذه الوحدة الامبريالية العولمية وتتبع بنيوياً لها البلدان المتخلفة 0
اذن ، العالم محكوم ومسيطر عليه ، وانسجاماً مع هذه الفكرة التي يقرها علماء الاقتصاد والسياسيين على اختلاف تنويعاتهم ، تصير الدعوات لإعادة العمل بالنظام الرأسمالي والليبرالية دون اشتراطات هي هي الدعوات التي توافق على الاندماج في السوق الرأسمالية العالمية ، وهذه بدورها لها قوانينها واشتراطاتها ومفاعيلها التي تعيد إنتاج العام موحداً بين مراكز مسيطرة ، وأطراف تابعة ، يزداد بها الاستقطاب لجهة تطور الأولى " تقنياً" وتخلف الثانية على كل المستويات ، بما يؤدي الى إغلاق طريق التطور تماماً ، وإغلاق احتمال أن تلعب الليبرالية دوراً مركزياً في وجود نظام ديمقراطي قانونياً ؟(3) فكيف إيجاد نظام ديمقراطي اجتماعي ، يتحقق به مصالح الطبقات الفقيرة " سنؤكد مع المفكر برهان غليون على أن جزءً من اليساريين المتلبرين حديثاً يخلطون بين الليبرالية والديمقراطية دون قصد ،أو تدقيق ، ولأسباب كثيرة ، ففي الوقت الذي يؤكدون فيه على الليبرالية يقصدون الديمقراطية ، وكأن هذه تلك ، ولا نريد هنا استخدام سوء النية رغم أن البعض صار ليبرالياً جديداً ، وسنتطرق للأمر من زاوية عمومية جداً ، أي تفسير ارتباطات الفكرة بحياة البشر ، باعتبار البشر ينتجون الأفكار أو يتبنونها خدمة لمصالحهم ، هنا اعتقد أن الفكرة التي يتبناها الفرد أو الجماعات ولا سيما التيار العريض المشار إليه بخصوص الليبرالية ، هي نتيجة أسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية ومعرفية ومعنوية ، وكذلك نتيجة خطأ معرفي ، هذا الخطأ في حالتنا العربية – يمكننا التعميم – شديد الظهور ، حيث انعدام تأصيل الفكر وعلاقته بالواقع ، الاندماج في السياسية اليومية القائمة على التكتيك والانفعال الإيديولوجي ، سيطرة العقلية الدينية والصورية ، الشعور بالذنب ، نزعة فردية أنانية ضيقة ، ومغرقة في جوانيتها 0
والآن ما هو المشروع الاجتماعي الذي يخرجنا من التخلف ويدخلنا في التقدم ، السؤال الذي ما يزال يتكرر منذ قرنين ، هل هي الليبرالية ، والتي يتسأل عنها الجابري بصيغة تحتمل النفي " إن الليبرالية الجديدة والقديمة على السواء ليست -بسبب من طبيعتها ذاتها- مشروعا للمستقبل ، بل هي دوما "مشروع الحاضر" (4) والجدير بالذكر أنه يتكلم عن فشل الطبقة البرجوازية والطبقة العاملة معاً في إحداث التقدم ، ويقترح مزجاً للقوى الاجتماعية لإحداث التطور يسميه بالكتلة التاريخية 0
لقد حسم كثير من المثقفين والسياسيين خياراتهم باتجاه المشروع الليبرالي ، وبرؤية تبسيطية لمظاهر الأزمة التي يعاني منها المجتمع العربي تتحدد ب :
1- الليبرالية هي الحل 0
2- الديمقراطية بديلة عن الاستبداد 0
3- الديمقراطية متلازمة مع الليبرالية بالماهية ومرتبطة مع اقتصاد السوق ولا يمكن فصل هذه عن تلك ، وكل فصل يجدد إعاقة التاريخ عن تطوره 0
فالديمقراطية هي إذن شكل حكم الليبرالية في البلدان المتخلفة ؟ والسؤال هل الديمقراطية ممكنة في ظل الوضعية الاجتماعية التي تمر بها المجتمعات العربية ؟ وهل الليبرالية هي الحامل الاجتماعي لها فعلاً ؟
يجيب المفكر برهان غليون على هذه الأسئلة بنعم ، ولكنه يضيف بأن الديمقراطية الممكنة هي الديمقراطية الاجتماعية مميزاً بين الديمقراطية ، والديمقراطية الاجتماعية ، ورافضاً اشتراط الديمقراطية بالليبرالية وكذلك عد م فصلهما ، رغم أنه في مقالاته الأخيرة التي نناقشها يعتبر " تحرير الديمقراطية من فلسفة الليبرالية شرط تعميمها "
لاحظ أنه لم يقل الليبرالية الجديدة وإنما من فلسفة الليبرالية ، وفي هذا السياق يؤكد على مخاطر المشروع الليبرالي ولا سيما الليبرالية الجديدة في بلد صغير مثل سوريا ، وبالتالي يعتبر خيار الديمقراطية الاجتماعية هو الأساس ( كشكل حكم + تضامن اجتماعي+ ضمانات اجتماعية وصحية وتعليمية وحريات عامة وفردية)
، ويمكن لهذا الخيار ولغيره أن تتصارع في إطار الديمقراطية التي يعرفها بأنها " الإطار السياسي الذي يقبل تطبيق برامج متعددة ومختلفة "*
نبدى هنا بعض الملاحظات:
1- عدم اشتراط الديمقراطية بالعلمانية ،بل مساواة كل من الديمقراطية الإسلامية ؟ والديمقراطية الليبرالية ، والديمقراطية الاشتراكية ؟ وبدون تسأل فعلي ، هل يمكن تطبيق الديمقراطية بدون العلمانية وإن طبقت فما هو شكلها الممكن ؟ (5)
2- اعتماد الدكتور برهان في خياره على الديمقراطية الأوربية ، حيث يشيد بها ويعتبرها المثل الأعلى ، قابلاً للتكرار وهو يعيد تحققها لأكثر من سبب ، انتصار ثورة البلاشفة ، مخاطر الثورة الاجتماعية في أوربا ، السياسات الكينزية ، وكذلك النضالات العمالية المتواصلة ، ونضيف الى هذه المخاطر والأسباب، سبباً بنيوياً هو الثورة الصناعية والدولة القومية ، والاستعمار الخارجي 0
هذه مجتمعة شكلت الأرضية التاريخية لتلك الديمقراطية ، فإذا كان مؤمناً بهذا الخيار ، فهل هناك شيء من هذه الأسباب متواجدٌ في البلدان المتخلفة، تستدعي تلك الديمقراطية الاجتماعية عبر اقتصاد السوق الرأسمالي 0
3- ما دلالة تراجع البلدان الأوربية عن ذلك الخيار وتبني خيار الليبرالية الجديدة 0
المفارقة هنا هي أن الفئات " الاشتراكية الديمقراطية" التي دعمت تلك الشراكة بين العمل ورأس المال ، وآمنت استمرار الديمقراطية كشكل حكم وتضامن اجتماعي هي هي التي تقوم بفصل تلك الشراكة وتخوض صراعاً ضد ذلك الشكل القديم لصالح الليبرالية الجديدة ، وبالتالي فمفهوم الديمقراطية الاجتماعية العائد إلى السياسات الأوربية والمنتشر في أوساط اليسار السوري المتلبرل هو في طريقه إلى الزوال تماماً في البلد الأم فإذا كان الأمر كذلك0
فهل يمكن نقل وتطبيق والدفاع عن هذا البرنامج في الدول المتخلفة بعد نفاذ مهلته وزمانه 0

إن التأمل الجدي في موضوع هذه المقالة يؤكد من جهتنا على أن الديمقراطية مسألة مركزية _ كشكل حكم ومساواة اقتصادية واجتماعية وحريات عامة ، وليس فقط مساواة قانونية – وهذا الطرح عجزت عنه أوربا مع بداية السبعينات بالتحديد ، وبالتالي المسألة المركزية قابلة للتحقيق إن تبنى المشروع الديمقراطي الطبقات الكادحة بالتحديد أيضاً 0
فانفصال الديمقراطية الاجتماعية بالمعنى الغليوني عن الليبرالية ، إذ ما دفعناه إلى الحد الأقصى يحول هذه المسألة إلى جدول مهام الطبقات الاجتماعية الأكثر تضرراً من هذه الليبرالية ، هي الطبقات الكادحة 0
فبدون تحقيق العدالة الاجتماعية لا يمكن أن توجد الحريات العامة ، وبدون الحريات العامة لا يمكن تحقيق العدالة الاجتماعية ، وهذه وتلك لا يمكن تحقيقهما بدون سيطرة الطبقات الكادحة على الاقتصاد و إعادة توجيهه لصالح المجتمع وعبرالديموقراطية كشكل للحكم 0
إن ربط الديمقراطية كشكل حكم وحريات عامة وفردية ومساواة وعدالة اجتماعية بالطبقات الفقيرة عائد إلى أن الليبرالية الجديدة ، ليست نزوعاً سياسياً في الامبريالية العولمية ، وليست مقتصرة على المشروع الأمريكي ، وأهدافها لا تقتصر على الأسواق الداخلية ، وإنما هي مشروع دولي يهدد البشرية بأكملها ، وكذلك البيئة بالدمار والفناء ، ويحول الأرض إلى سوق عالمية مفتوحة ، يباع بها كل شيء ويؤمن التوزيع التجاري للبضائع والموارد الأولية والأيدي العاملة الرخيصة ، وإن الشركات المتعدية الجنسيات ، التي تؤمن إعادة إنتاج النظام الرأسمالي وإخراجه من أزماته ، تجند كل نتاجات العلم الحديث والجيوش ووسائل الدمار الشامل والمجزئ في سبيل هذا المشروع ، هذا ما يجعلنا نؤكد ارتباط الامبريالية العولمية بالامبريالية بداية القرن العشرين وتميزهما بالعسكراتيتة والكولونيالية والغزو العسكري والاستعمار المباشر الخ 0
فهل يمكن في ظل هذا الوضع الدولي أن توجد برجوازية وطنية ؟ لنفترض ذلك ، ولنفترض أيضاً أنها واعية تماماً للمهمات التاريخية التي عليها التصدي لها ، ونستبق التحليل لنقول أنها غير موجودة أصلاً ، فعندما يشار إليها ، يحدد اسم خالد العظم بالذات ، والمسمى بالمليونير الأحمر ؟
وبالتالي لكي تحوز على هذا الاسم ، لا بد لها من التصدي للمهمات التي فشلت أولا في تحقيقها ، فحقق المشروع القومي البرجوازي الصغير جزءً منها ، في الستينات وفشل بدوره منذ بداية السبعينيات ، وبدأ عودته إلى المشروع الأم ، كمشروع قطري حصراً ، فما هي هذه المهمات التي فشلت سابقاً وستفشل لاحقاً بتحقيقها وما أسباب ذلك ؟
أولاً : حل مشكلة الأرض وتمليك الفلاحين لها أو خلق جمعيات فلاحية لها تنظيماتها المستقلة عن الحزب السياسي ، وإلغاء الملكيات الكبيرة وحل مشكلة الضمانات الصحية والتقاعدية وغيرها 0
ثانياً: بناء صناعة متطورة قادرة على مواجهة البرجوازية المتعدية الجنسيات 0 ثالثاً : إنشاء نظام ديمقراطي دستوري ، يكون الشعب هو المصدر الأساسي للتشريع ، ويكون الفرد فيه موالياً للدولة الديمقراطية بمؤسساتها الحديثة العلمانية لا للطائفية أو العشيرة أو المنطقة ، بما يصون حقوق الأفراد، والجماعات والعدالة الاجتماعية 0
رابعاً : استرجاع الأراضي المحتلة ، وإعادتها إلى أهلها الأصليين أسوةً بكل دول العالم المتخلف لجهة التخلص من الاستعمار وتحقيق السيادة الوطنية والقومية ، وهو ما يفترض التفكير بخلق وحدة عربية بأدوات ديمقراطية ،إلا إذا صار العرب بطور الانقراض ،
وطبعاً هناك مهمات أخرى تتعلق بالتعليم والبيئة وغيرها 0
وأسباب فشلها في هذه المهمات هو أنها تعيش الزمن الليبرالي الجديد وبرامج التكيف الهيكلي لاقتصاديات البلدان المتخلفة، والخصخصة ومعاداة دور الدولة الاقتصادي والتراجع عن الضمانات الاجتماعية والصحية 0
إن الممكن تاريخياً بالنسبة للبرجوازية الليبرالية ، وللمشروع الليبرالي للمثقفين اليساريين سابقاً ، أن تسود في إدارة سلطة الدولة – الشركة، المافيا – واتخاذ القرارات تسيير شؤون المجموعات الأهلية ولا أقول المجتمع ، البرجوازية الكمبرادورية التجارية ، والتي ستمأسس الطوائف العشائر والتفكير الديني التقليدي ، وستنفذ السياسات المطلوبة منها وفقاً لرؤية تلك الليبرالية ومصالحها ، وهذا يعني إلغاءً للديمقراطية كشكل حكم علماني وكذلك عدم وجود ضمانات اجتماعية وصحية والحد الأدنى ، وتشكيل ديمقراطية ذات نظام طائفي ، عشائري، مناطقي ، يمثله قادة هذه المجموعات ، ويتمثل الأفراد في الدولة الشركة عن طريقهم – لاحظ العراق ولبنان – يكون نسخة كاريكاتيرية ممسوخة تماماً عن الديمقراطية الأوربية قبل صعود الليبرالية الجديدة ، بل وحتى القديمة 0
هذا يفترض أن المشكلات التي تواجهها الأمة العربية ، والأمم الأخرى في المنطقة ، تقتضي هذا التمييز الدقيق بين المشروع الليبرالي والمشروع الديمقراطي ، وفصل الأخير عن الأول ليتمكنوا " الأمم " من تعميم ونشر هذا المشروع الديمقراطي ، وبالتالي شرط تعميم الديمقراطية كشكل حكم وعدالة اجتماعية وحريات عامة وتحويلها إلى ديمقراطية اجتماعية هو هو انفصالها عن الليبرالية بالمعنى الاقتصادي ، وانفصالها عن الاشتراكية السوفيتية البيروقراطية بالمعنى السياسي،
والخروج بتركيبة جديدة ، ناقدة للتجربة التاريخية ، ومستخلصة للعبر والبرامج الواقعية لصالح البشرية الكادحة ، وكل البشرية 0
هذا الخيار الجديد لا اسميه ديموقراطياً اجتماعياً ، ولا علاقة له به ، لفشله في أوربا كما أسلفنا وبداية إفلاسه قي البرازيل ، التي لم تتجاوز مشكلات العهود السابقة وعم الفساد في أوساط الحزب العمالي اليساري ، وذلك لبقاء أصل الملكية الخاصة الكبيرة قائماً ولعدم إيجاد علاقات خارجية منضبطة لصالح تنمية البرازيل ، تعارض وترفض سياسات البنك الدولي وشروط الشركات متعدية الجنسيات ،
اعتقد أن الخيار الممكن هو الخيار الديمقراطي الماركسي الجديد (6)، القادر على تقديم سياسات اقتصادية واجتماعية وسياسية انطلاقاً من الواقع العيني ، ومتضمناً إلغاءً للملكيات العقارية الكبيرة وتمليكها للمواطنين وللدولة من جهة أخرى ، والسيطرة على الموارد الأولية بالضرورة ، وكذلك تأميم الملكيات الصناعية الكبيرة ،وهذا يفترض دوراً مركزياً للدولة ليس لصالح الرأسمالية كما يحصل الآن وإنما لصالح جميع عناصر المجتمع ،وكذلك تأمين النظام الديمقراطي الشامل لكل الحريات الأساسية التي تحققت في الديمقراطية الاجتماعية والتي ناضل لأجلها ملايين العمال في كل أنحاء العالم0
هذا الخيار هو المطروح عالمياً وليس الخيار الليبرالي أو الليبرالي الجديد أو حتى الديمقراطي الاجتماعي للأسباب التي تكلمنا عنها ، وهذا يعتمد على الطبقات الكادحة وتنظيماتها وعلى الأحزاب الماركسية ووحدتها وعلى تحالفاتها الواسعة مع القوى الديمقراطية الاجتماعية والمنظمات الحقوقية وغيرها من منظمات المجتمع المدني المؤمنة بالمساواة الفعلية والحرية والعدالة الكاملة بين البشر 0000
* راجع مقالة برهان غليون في مخاطر الخلط بين الديمقراطية والليبرالية ، والمقالات الأخرى ، رد على الليبراليين العرب ، تحرير الديمقراطية من فلسفة الليبرالية شرط تعميمها ، ضرورة الخروج من التبسيطية الإيديولوجية اشتراكية كانت أم ليبرالية 0
1- راجع مقالة معقل زهور الليبرالية ليست هي الحل على موقع المواطن 0
2- راجع مقالة نايف سلوم ، في انفصال المهام الديمقراطية عن الليبرالية والمنشورة في مجلة حوارات ماركسية العدد الرابع ،في موقع الحوار المتمدن 0
3 -انظر مقالة صبر درويش حول الإبعاد الاجتماعية للمشروع الديمقراطي "في الحوار المتمدن0
4- أوهام الليبرالية الجديدة ، هل يمكن الانتقال إلى الليبرالية الجديدة في متخلف مناقشة مفاهيم "في موقع الرأي0 5- راجع المقالات الحوارية بين المثقفين ولاسيما سلامة كيله وياسين الحاج صالح بخصوص العلمانية وعلاقتها بالديموقراطية في موقع الحوار المتمدن0
6- راجع مقالة نايف سلوم في مخاطر المواجهة بين الديمقراطية والحريات السياسية في موقع الحوار المتمدن 0



#عمار_ديوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل من خيار لموريتانيا
- ديموقراطية عبد الله هوشة أم ليبراليته
- توصيات المؤتمر التاريخي
- المعارضة الديموقراطية بين الاخوان ورفعت الاسد
- اليمين واليسار يمينين
- الطبقة العاملة بين الوعي الطبقي والوعي الطائفي
- العلاقات السورية اللبنانية واشكالية اليسار
- الماركسية والانتخابات التسعينية
- الديموقراطيات المتعددة والهيمنة الأمريكية
- الحرية الحرية ما أجملك أيتها الكلمة
- الحاجة الى الحوار الماركسي
- من أجل حوار متمدن مستمر
- ليبرالية قيادات الحزب الشيوعي أم اشتراكيتها
- هل دبلوم التأهيل التربوي دبلوم التأهيل التربوي
- الماركسية وآفاق المقاومة العراقية
- إشكالية الحوار الكردي العربي
- ديموقراطية أم ديموقراطية المهمات الديموقراطية


المزيد.....




- هل كان بحوزة الرجل الذي دخل إلى قنصلية إيران في فرنسا متفجرا ...
- إسرائيل تعلن دخول 276 شاحنة مساعدات إلى غزة الجمعة
- شاهد اللحظات الأولى بعد دخول رجل يحمل قنبلة الى قنصلية إيران ...
- قراصنة -أنونيموس- يعلنون اختراقهم قاعدة بيانات للجيش الإسرائ ...
- كيف أدّت حادثة طعن أسقف في كنيسة أشورية في سيدني إلى تصاعد ا ...
- هل يزعم الغرب أن الصين تنتج فائضا عن حاجتها بينما يشكو عماله ...
- الأزمة الإيرانية لا يجب أن تنسينا كارثة غزة – الغارديان
- مقتل 8 أشخاص وإصابة آخرين إثر هجوم صاروخي على منطقة دنيبرو ب ...
- مشاهد رائعة لثوران بركان في إيسلندا على خلفية ظاهرة الشفق ال ...
- روسيا تتوعد بالرد في حال مصادرة الغرب لأصولها المجمدة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عمار ديوب - مقاربة أولية لافكار برهان غليون بخصوص الليبرالية والديموقراطية