المعارضة الديموقراطية بين الاخوان ورفعت الاسد

عمار ديوب

الحوار المتمدن-العدد: 1220 - 2005 / 6 / 6 - 06:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

تواجه المعارضة الديموقراطية في سوريا مشكلة في حقل الصراع السياسي تسمى مشكلة الطائفية السياسية يتصدرها ،اتجاه : الاخوان المسلمين من جهة واتجاه: رفعت الاسد من جهة أخرى 0
الاتجاه الأول : يتشابك بألف خيط وخيط مع مجوعات دينية وثقافية تراثية وينطلق من عادات وتقاليد عمرها قرون وقرون دون جدال أو مسآلة، موثبتاً القائم ومؤبداً استمراريته ، ورافضاً الحداثة والحاداثيين ، وتشكل هذه حلفاً غير منظور، نسميه اجتماعياً في طور الفعل وسياسياً في طور الامكانية ولكنه يصبح واقعياً وفعلياً بالمعنى السياسي في حال انفلات الاوضاع وانهيار السيطرة السياسية للنظام القائم0 ونشير هنا الى أن هذا الاتجاه قد عُزز من قبل النظام السياسي في حربه ضد الفكر العلماني من ماركسي وقومي وديموقراطي ومؤسساتي وأعيد انتاجه الثقافي والاجتماعي بشكل مستمر منذ السبعينات وحتى الان 0
الاتجاه الثاني : كان يشكل جزءاً رئيسياً من النظام السياسي الذي تفرد بالسلطة ، وتفرد هو" رفعت " بجزء منه ،حيث شكل جيشه الخاص والطائفي " سرايا الدفاع وملحقاته" وهذا الاتجاه يتصل بخيوط متعددة مع بعض وجهاء وابناء الطائفة العلوية والانتهازيين من الطوائف الاخرى ليضفى على نفسه طابعاً وطنياً ، معززاً لدى طائفته الدينية طائفيتها السياسية على أرضية الظلم التاريخي للطائفة السنية المدينيين للطائفة العلوية الريفيين ، وتهليعهم من عودة الامور الى سابق عهدها قبل الستينات ، والمحافظة على بعض المكاسب التي تمت للطائفة بعد السبعينات ،و مستهدفاً هو وإياهم تحسين الوضع الطائفي على أرضية المحاصصة الطائفية ، خاصة بعد أن فشل مشروع الجيش في الاستحواذ على السلطة ، وفشل مشروع صلاح جديد واتجاهه والكتل المشابهة له في حزب البعث في تأسيس دولة ذات طبيعة علمانية، تخرج المجتمع من انقساماته الدينية وتدخله في متحد وطني جديد على أساس المشروع القومي العربي 0 إن فشل مشروع الجيش ،واقصاء مشروع صلاح جديد، والانتصار الامني للنظام في المعركة الدموية الطائفية عزز الميل الطائفي أكثر والديني كذلك ورافقه تصفيت المشاريع العلمانية ، فصوّر رفعت وجماعته كأنهم المدافعين عن الطائفة العلوية والاخوان عن الطائفة السنية ، وباكتمال فشل مشروع الدولة البرجوازية الصغيرة " والجيش " وتحولها الى دولة تخدم الطبقة الكولونيالية المتجددة ، على أرضية نسف بقايا المشروع القومي وتحديداً القطري ودور الدولة الاقتصادي والقطاع العام والتعليم المجاني وتهميش الفقراء ، صارت الطائفة العلوية بدون تمثيل فعلي سيما وأن توجهات الرئيس السوري ضمن اتجاه الكولونيالية المتجددة 0
ولهذا صار "رفعت" الركيزة الفعلية لذلك الجزء من الطائفة وهذا ما يجعله متحفزاً للعودة الى سوريا ، ومحاولاً لعب دور طائفي جديد ضمن مخطط الهيمنة الامريكية إن ُقبل به ، والمشاركة في انشاء نظام طائفي على الطريقة العراقية أو اللبنانية وبدون رتوش قومية " التجمع القومي الموحد " أو وطنية " لتعزيز الوحدة الوطنية 0

الاتجاه الاول: بدأ بعد خسارته للمعركة الطائفية الدموية في الثمانينات مسيرة التشتت والمنافي والسجون ولملمت الجراح وصولاً الى نهاية التسعينيات حيث بدأت باعلانات نوايا ومحاولات للعودة ووسائط ، وانتقادات لتوجهاتها ، وتبرئة ذاتها من الحرب الدموية الطائفية، حيث اجتهدت في التفريق بينها وبين " الطليعة المقاتلة الاسلامية " وبأنها ليست منها ولا تلك جزءاً منها وهناك اختلافات في السياسات والايديولوجية ، فحُملت الطليعة المقاتلة مسوؤلية التطرف والاشتراك في الحرب وجر الاخوان لتلك المعركة ، مع تحميل شبه كلي للنظام في افتعال تلك الحرب وبتغييب الاخوان لبرنامجهم الطائفي السياسي في استلام السلطة يظهرون انفسهم وكأنهم من جنس الملائكة المخدوعين والمظلومين أما الطليعة المقائلة فهي من جنس الشياطين والنظام هوهو الشيطان الاكبر أو الشيطان بذاته 0
رافق هذه التغييبات دعوا ت نحو الديموقراطية ودولة المؤسسات ، فصارت الاخوان تشبه المعارضةالديموقراطية في برنامجها الديموقراطي ؟ و المعارضة تبنت برنامجهم الديموقراطي "الطائفي ، فتآخوا بعد افتراق ؟

فاستفاد الاخوان من ضعف المعارضة الدموقراطية، و اقتصار مطالبها على قضية التخلص من الاستبداد وصولاً الى الديموقراطية ، وتبني الليبرالية كمشروع اقتصادي ، وبتجاهل هذه المعارضة للمرجعية الفكرية المقدسة للموقف السياسي للاخوان ، حيث الحاكمية لله ، والاسلام المرجعية الحضارية ، و المجتمع مؤلف من طوائف واديان وعشائروليس من طبقات ومجموعات علمانية ، ذات مصالح قتصادية وسياسية وايديولوجية متباينة، وجميعها لا تقبل النقد أو التسآل ، وعندها يصير التحالف ممكن جداً ، بل إن كل المعيقات الحداثية تزول، كفصل الدين عن الدولة والحاقه بالمجتمع كشرط للدولة العلمانية ، أو أن الحركات الدينية حركات تمييزية بين الافراد على أساس الدين وليس على اساس المواطنة والانتماء الوطني ، عدا عن تخوين كل المسلمين باعتبارهم هم هم المسلمين الاصحاء 0

الاتجاه الثاني: حاول الاستيلاء على السلطة في العام 1984 ولكنه فشل لاسباب عديدة وبقيّ يعود الى سوريا لاسباب عديدة أيضاً وان بشكل غير علني ، ولم تتم محاسبته على أفعاله باعتبارها جزء من سياسية النظام القائم وبموت الرئيس السابق صار يعتبر نفسه هو الوريث الشرعي للحكم بعد الاخ الاكبرولكن هذا لم يعد ممكناً فمن صار يتحكم بالسلطة من أعوان الرئيس السابق ، نصبوا الابن ، وضمنوا مصالحهم واستمرت سيطرتهم ، وهم المشاركين للرئيس السابق في خروج رفعت من البلاد والسلطة وبالتالي تشكل عودته - ان حصلت - خروجهم أو الحرب معه من جديد ، وهذا في الاوضاع الراهنة في سوريا قد يؤدي الى انهيار نظامهم بأكمله وبالتالي لا بد من محاكمته ان عاد أو تخويفه من العودة على أقل تقدير 0
هذا الوضع الجديد للتحالف المعلن وإن بشكل نظري بين الاخوان والمعارضة الديموقراطية ، يتجاهل مجموعة قضايا :
أولاً : أن الاتجاه الاول انغمس بحرب طائفية وتكفيرية أزهقت أرواح الكثير من المواطنين لمجرد كونهم ينتمون لطائفة أخرى 0 والثاني حاصر الاخوان والمدن والسوريين ومارس كل أنواع الطائفية والازلال للمواطنين أو الرعايا وقتل أكثر من الاولى بل قتل أشخاص عزل في السجون ، وأجج الوعي الطائفي الى أقصى حد ممكن ، وباعتبار الاتجاهين لديهما المشروع الطائفي ذاته ، فقد انغمسا في الدماء السورية ، ولا يكفي التفرقة التي تجريها المعارضة بالقول أن في الاخوان تيارات والطليعة المقاتلة هي الطائفية والدموية ، لان الامر لوكان صحيحاً لكان النهي والتكفير السلمي والاعتذار هي سيدة الاحكام ،أو توجيه نقد جاد للمجموعات الدينية الارهابية وهذا لم يحدث ، بل ُتم تحميل الامر للطليعة المقاتلة ، وكذلك نقول ان التذرع بأن السلطة هي التي شنعت أكثر من الاخوان ، فهذه كلمات لا قيمة لها ، لأن القتل ليس فعلاً بسيطاً ، بل فعلاً يؤسس لعداوات وازمات اهلية عميقة ، خاصة وان الازمات الطائفية تتأسس على أرضية الاضطهاد التاريخي للاقليات الدينية 0
ثانياً : أعتقد أن على المعارضةالديموقراطية ألا تمد يد المساعدة لاعادة الطائفية السياسية من جديد أو بالاصح لمساعدة الاحزاب الطائفية للعودة الطبيعية الى الحياة السياسية ، لانها عندها لن تجد أمامها إلا العلاقات الما قبل رأسمالية أو الماقبل وطنية ، وبالتالي برنامح المساعدة هوبرنامج اعادة العلاقات الطائفية والمناطقية والعشائرية والدينية والاسرية ، ثم كيف يمكن تبرير دعوة الاخوان للموئمر الوطني للقوى السياسية في سوريا وعدم دعوة اتجاه رفعت الاسد ، طالما أن الاثنين جزء من هذا التاريخ البشع والطائفي لسوريا ، وان حصل هذا ، لن يكون إلا مؤتمراً للطائفية السياسية حيث السنة والعلوية وقد لا تتأخر الطوائف الاخرى عن فرز ممثليها التقليديين الطائفيين السياسيين ، وعندها لن تكون المعارضة الديموقراطية إلا ديكور للطوائف السياسية ، ما أجمل مشاركة الحزب الشيوعي العراقي في السلطة العراقية بواسطة الكرسي الشيعي، فليتهيء من يريد هذا المصير لذلك الكرسي ؟

ثالثاً: ان خطورة ما تفعله القوى الديموقراطية هو في موافقتها على التحالف مع الاخوان كجزء من المعارضة وهذا يفترض موافقتها على اتجاه رفعت الاسد ( لاحظ الفروق بين أفكار الاخوان ورفعت والمعارضة الديموقراطية ) وإن لم توافق ستعتبر طائفية لا محالة ، وهذا يجعلنا نشدد على ان الأسلم للقوى السياسية الديموقراطية أن تعقد مؤتمرها التصالحي بعيداً عن القوى الطائفية وبعيداً عن السلطة الى حين التخلي الفعلي من قبل هذه الاتجاهات عن كل المرجعيات الدينية او الطائفية أو الاستبدادية وخطوطها المقدسة والحمراء ، وتعترف بمسوؤلياتها اتجاه الشعب السوري عن الدماء التي ُسّيلت في سوريا على مذبح السلطة من الاخوان والسلطة، وإلا ستضيع المعارضة بين رفعت والاخوان 000 فهل تستطيع تمييز نفسها بعيداً عن هذه الاتجاهات وتطرح مشكلات سوريا بعيداً عن العقلية المحدودة والمحددة في قضية واحدة هي الديموقراطية لتكون فعلاً في اطار حركة النهوض الديموقراطي العربي وتساهم في تكملة المشروع النهضوي ، ومواجهة مشاريع الامبريالية الامريكية والاسرائيلية والنظام العربي المأزوم 0

#عمار_ديوب (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات