|
النُكتة القديمة ، وصاحبنا البليد
آکو کرکوکي
الحوار المتمدن-العدد: 4722 - 2015 / 2 / 16 - 08:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ثمة نكتة قديمة جداً ، لا شك إنَّ أغلبنا قد سمع بهِا ، بشكلٍ أو آخر . تقول النُكتة إنَّ جمعٌ مِن الرفاقِ قد ألتقوا يوماً ، فصار كلٌ منهم يُلقي آخر ماسمعهُ من النُكت . وحصل أن ذَكَرَ أحدهم نُكتةٍ مُضحكةٍ ، أسَّرَتْ الجميع فصاروا يضحكون عليها بملء أشداقهم كما لمْ يضحكوا مِن قبل ، إلا واحداً منهم . ظل صامتاً لايضحك . في اليوم التالي وجدوا ذاك الشخص جالساً في نفس المكان فيما هو غارقٌ في الضحكِ والقهقهة . فأستغربوا لأمرهِ فسألوه : ما لَكَّ يافلان تضحكُ مِن دون سبب ؟ فرد عليهم : أنا ومنذ البارحة أفكر في نكتة الأمس ، والآن فقط قد فهمتها . ولهذا أنا بضاحك .
و هذا الرد عندما كان يُسرد باللهجة العامية العراقية يُقال عنه : " هسة يالله طخ " ، بمعنى : الآن فقط وصل الى فهمهِ وأستوعبها . هذه النكتة كانت تُلقى لوصف الشخص البليد . أي بطيئ الفهم ، وخامل التفكير . فكان كلُ مَنْ يستغرق وقتاً في فهم شئ ما ، يُتندر عليهِ قائلاً : ها ... هسة يالله طخ ؟ ومن ثم يتبعها إبتسامة عريضة تحوي بين جنباتها الفُكاهة والسخرية معاً .
طبعاً هناك سببٌ وجيه كيما أذكر هذه النكتة القديمة ، التي أصبحت ، على الأغلب ، لا تثير الضحك . والمسبب لِتذكري هذه القصة القديمة هو صالح المُطلق أو " المُطلگ " ... "إنْ صح التعبير" ... وكما يردد "سماحة السيد " مُقتدى الصدر !
فالسيد مُطَلَق أو مُطْلَق ، خرج علينا بالأمس ، وهو يقول : إما أنْ نَعيش في بلدٍ موحد ، خالي مِن المليشيات ، أو يذهبَ كلٌ الى حال سبيلهِ !
وطبعاً يُعتبر هذا دعوة صريحة ، وخجولة ، لِتقسيم العراق . فالشرط التعجيزي الذي وضعهُ صاحبنا ، للبقاءِ موحداً ، سوف لنْ يتحقق ، على الأقل في هذهِ الظروف البائسة ، والمأساوية .
وهذا الدعوات الخجولة ، والمبُطَّنة ، التي باتتْ على لسان المُطلق ، وأتباعهُ في الجانب السُّني ، وخصوم المُطلق ، وأتباع خصوم المُطلق ، في الجانب الشيعي . تأتي مِنْ واقع فهمهم البطيئ ، لِإستحالة عيشهم معاً ، في بلدٍ أصبحت خزائنها خاوية ، وعلى وشك الإفلاس ، ومسرحاً تلعب الطائفية ، دوراً رئيسياً فيه ، مِنذُ عصر الحُسين ويزيد ، وصراع بني هاشم ، وبني أُميَّة ، على تِركة الإسلام ، وكُرسي الخلافة ، مِنذُ أكثر مِنْ ثلاث عشر قرناً ونيف .
وتأتي الدعوات الخجولة تلك ، بعد قرنٍ مِنْ العيشِ في دولةٍ فاشلةٍ ، صنعها مجموعة موظفين بريطانين مغمورين ، في غفلة من التأريخ والشعب ، دولةٍ هي في الأساس خليطٌ من الأقوام ، والجماعات ، غير المتُجانسة . دولةٍ تحولت مِذُ ذاك الحين الى بُؤرة تجذب أليها الصراعات الدولية ، والأقليمية .
ففي جنوب كوردستان التي أصبحت لاحقاً " شمال العراق الجغرافي " قسراً . كانت هُناك سلسلة مِن المعارك والحروب غير المُنتهية . عَزَمَتْ حكومات بغداد على تسمية خصومها الكورد بـ " الجيب العميل" . وذلك في إشارةٍ مِنهم الى العلاقات الأقليمية التي كانت تربط الجماعات المُسلحة الكوردية ، بجيران العراق .
وإنْ كان هُناك ثمة تدخلٌ سلبي للقوى الأقليمية في القضية الكوردستانية في العراق ، على طول تلك الفترة ، فإن تدخلٌ عالميٌ آخر ، أكبرُ حجماً ، وأهمُ تأثيراً ، وأكثر فجاجةً ، كانت قائمة وتؤثر سلباً في الصراعات السياسية الدموية ، على كُرسي الحُكم في بغداد ، حيث يكمن مفاتيح خزائن النفط .
هذه الصراعات التي بدأت في الثلاثينيات مِن قرن العشرين ، وتفاقمت في الأربعينيات والخمسينيات منهُ ، لمْ تَعرف نهايةً لها ، إلا في حدود نهاية السبعينيات تقريباً . صراعٌ دولي بين المعسكر الإشتراكي ، وحلفائهِ من الشيوعيون العراقيين فيما أصطلح عليهم بـ " المد الأحمر" . وبين المَعَسكر الغربي الرأسمالي ، وحلفائهم مِنْ القوميين العرب ، والبعثيين . وهي لعَمري مِنْ أكثر الصراعات دمويةً وتدميراً . تمثلت بإنقلابات دموية على نظام الحكم ، وأمتدت الى إعتقالات وإعدامات وحروب أهلية كثيرة . وهي وإن كانت قد تلبست هذا الرداء الأيدولوجي ، كنوع من المُسايرة للعصر ، وتبعيةً للقِوى المتُحكمة ، والموضة السائدة فيهِ . لكنها في حقيقتها لمْ تنفصل عن الصراع الطائفي . ولربما لو تأملنا التوزع الجغرافي ، لمراكز ثُقل كِلا الطرفين ، لأدركنا إنها لم تتغير الى هذا اليوم ، فهي إذنْ حُجة قوية تدعم تلك النظرية .
ومِنْ رَّحِم هذا الصراع العنيف ، والدموي ، ولدت مأساة أ ُخرى ، وكارثةٌ أكثرُ فضاعة ، إسمُها "البعث" وِمنْ ثم "نظام صدام" . فجلبت ماجلبت مِن دمارٍ ودماءٍ وكوارث . وبعد سقوطهِ ، خرج الماردُ الطائفي ، مِنْ قُمقُمهِ ، مَرّةً أُخرى . فحصدتْ ماحصدتْ ، مِن الدماءِ ، والخرابِ الى هذا اليوم . وأنجبت ما أنجبت ، مِن القاعدة ، وفرق الموتِ ، والمليشيات العبثية ، اللذين عاثوا في الأرضِ فساداً ، وتخريبا ، الى أنْ إنتهى بنا الأمر الى سرطان داعش ، والحشد الشعبي !
وحيث كان هناك هامشٌ ضئيل للكلامِ والعقلِ مِنْ بعد سقوط صدام . أي قبل أحد عشر عاماً تقريباً . كان هناك ، نوعٌ من الجدية ، في البحث عن حلٍ جذري ، فأُقتِرح تقسيم العراق الى أقاليم فيدرالية أو كونفدرالية . لِتُنهي هذا الصراع المأساوي . لكن القليلين هم مَنْ راقَ لهم هذهِ الدعوة ، فأبتسموا لها ، والكثيرين هم مَنْ صمتوا ، والأكثر منهم ، كانوا مِمَنْ تجهم وجهوههم ،كصاحبنا البليد ، والذين لمْ يفهموا قط النُكتة أو أساؤا فهمها عمداً. ومِن بين هؤلاء كان المُطلق وأتباعهُ ، في الجانب السُّني ، وخصوم المُطلق ، وأتباع خصوم المُطلق في الجانب الشيعي .
أما اليوم فيبدو إنهم أخيراً قد تذكروا النُكتة ، وباتوا يضحكون عليها . مؤكدين بذلك على بلادتهم ، وبطأهم في الفهمِ . فهذهِ البَّلادة التي جاءت لِتضحك على النكتة ، بعد خراب البصرة إضافةً الى خراب بغداد ، والموصل ، والأنبار ، وغيرهم الكثير . كانت بلادة مُكلفة . فكما يقول العراقي فيهم : هسة يالله طخ .. بإنهم : لايستطيعون العيش سويةً ، بعد أن أرتضوا أن يكونوا ، ومنذ البداية ، جيباً عميلاً لأيران ، وتركيا ، وقطر ، والسعودية ، وغيرهم .
إنها حقاً بلادة مُكلفة . تسببت بمأسي ودماء ، وأموال ،كان يُمكن على الأقل أنْ نوفر جزءاً منها ، لو ركنا منذ البداية الى صوت العقل، والحل السلمي الواقعي . وأبتعدنا عن الجهل العاطفي . والعمالة لما وراء الحدود . وحيث كنا أقلية ، فلقد قبرنا ضحكتنا في بطوننا في حينها . وصمتنا ولم نتحدث في هذه الحلول السلمية . وتبعناكم في نفاق العراق الواحد الموحد . وفي كل حلقات المجازر الدموية لحروبكم العبثية . فأنظروا الى أي يومٍ قد وصلنا . المُطلق الذي طَلَقَهُ داعش ، والبعث من مناطق نفوذهِ . ومعهُ العامري والخزعلي والنجيفي . يريدوننا أنْ نضحك على نُكتةٍ قديمةٍ . بعد أنْ جعلتْ داعش تقسيم العراقِ واقعاً قائماً ، رغم أنوف الجميع . وبعد أن خوت خزائن بغداد مما حوت مِنْ البترودولار !
#آکو_کرکوکي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كُلُّ شئ على مايُرام ... يامولاي!
-
سعدي يوسف ... سبقني وأشتكى!
-
تصحيحاً لِأخطاء تأريخية!
-
كوباني ، المدينة التي أحرَجَتْ الجميع !
-
طاب يومك بالألمانية
-
الحلقات المفقودة
-
إنتخابات كوردستان ، قِراءة في العوامل والإحتمالات
-
أ يُعقل هذا؟
-
يرى القشة في عين أخيه، ولا يرى الخشبة في عينيهِ!
-
خاطرة... عن الذاكرة الطائرة
-
المالكي... طريقٌ أقصر.... ترجمة لمقالة الأستاذ كمال رؤوف.
-
التقسيم والأقاليم وأشياء أخرى
-
السياسة ضمن قواعد اللعبة الديمقراطية
-
حتى المستقبل... كان أجمل في الماضي!
-
كوردستان تتقمص جسد أوجلان
-
الإنقلاب العسكري
-
كوردستان، مِنْ منظورٍ بعثي
-
كاتالونيا، وكلاسيكو يحبس الأنفاس!
-
الربيع المنَسي
-
العودة الى نُقطة الصِفر!
المزيد.....
-
اغتيال بلوغر عراقية شهيرة وسط بغداد والداخلية تصدر بيانا توض
...
-
غالبية الإسرائيليين تطالب بمزيد من الاستقالات العسكرية
-
السعودية.. فيديو لشخص تنكر بزي نسائي يثير جدلا والأمن يتحرك
...
-
صحيفة: بلينكن سيزور إسرائيل الأسبوع المقبل لمناقشة صفقة الره
...
-
الديوان الملكي يعلن وفاة أمير سعودي
-
الحوثيون حول مغادرة حاملة الطائرات -أيزنهاور-: لن نخفض وتيرة
...
-
وزارة الخارجية البولندية تنتقد الرئيس دودا بسبب تصريحه بشأن
...
-
أردوغان يقول إن تركيا ستفرض مزيدا من القيود التجارية ضد إسرا
...
-
وزير الدفاع الأمريكي يشكك في قدرة الغرب على تزويد كييف بمنظو
...
-
مشاهد للوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير قبل لحظات من
...
المزيد.....
-
في يوم العمَّال العالمي!
/ ادم عربي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|