آکو کرکوکي
الحوار المتمدن-العدد: 4657 - 2014 / 12 / 9 - 03:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كلُ شئ على مايُرام أو على أحسن ما يُرجى ، ويُتوقع ، ويُنتظر ...!
وإذ جرت الأمور كما كان متوقعاً فلِما الصّدمة ؟
الصّدمة كانت مُستحقة لو إنَّ عمار الكوفي "الكوردي" قد نالَ لقب محبوب العرب !
الصّدمة كانت مُستحقة لو إنَّ شيوخ البترودولار قد تنازلوا ، قيد أُنملة ، عن عجرفتهم ، وتركوا الفن للفنانين ، والخبز للخبازين !
الصّدمة كانت مُستحقة لو إنَّ القومية العربية وهي تعيش في القرن الواحد والعشرين ، قد تقبلت هذا الآخر ولو في برنامجٍ للمواهب !
هلْ نحنُ مصدومين ، لأن ذاك الفتى الكوردي ، كان يَرُوم الفوز ، بالمرتبة الأولى ، ويخطف اللقب ، ومعه قلوب أربعمائة مليون عربي ، بعد أنْ غني للبيشمركة ؟
هل نحن مصدومين ، لأنه كان مُعجزة في الغناء ، وأبدعَّ حينما غنى بالعربية ، والكوردية ، باللهجة العراقية ، والمصرية ، وحتى الشامية ؟
هل نحن مصدومين ، لأنه أطّربنا حينما غنى لِعمالقة كعبد الوهاب ، وعبد الحليم ، وتحسين طه أو حينما فاقَ الساهر ، والمهندس صوتاً وأداءاً أو حينما أجاد القدود الحلبية أيضاً ؟
لماذا نحن مصدومين حقاً ؟
هل لأن غصّة قد تُرِكت في قلوبنا ، وصارت حسرة أن نرى في يومٍ ، أبن الفقير ، وهو يجني النجاح ، بكفاحهِ ، وفنهِ ، ولوحدهِ ؟
أمْ هو شعورٌ بإهانةٍ ما لِمشاعرنا ، وأذواقنا كمُشاهدين ، ونحن نعقد الآمال على مانراهُ جميلاً ، وممتعاً ، فيأتي الشيخ ليشطبهُ بجرة قلم أو إشارة مِنْ أُصبعْ !
أمْ هو ظلمٌ يخَزُ ضمائرنا ، ومشهدٌ تراجيدي ، يفطّر قلوبنا ، لهذا الكوردستاني الذي لادولة لهُ ، فيستجدي لِغنائهِ جمهوراً ، وسوقاً ، ومحبين ، في بيوت الآخرين . فيغني بلغتهم ، ويتشرب مِنْ ثقافتهم ، ويفوقهم في كل هذا وذاك ، ولكنهُ يخرج في النهاية بخُفي حنين ؟
ومتى لمْ تلعب كوردستان هذا الدور التراجيدي ، الذي أختارهُ لهُ الطبيعة ، كقدرٍ محتوم ، ومنذ أبد الآبدين !
فكلُ شئ على مايُرام و على أحسن ما يُرجى ، ويُتوقعْ ... يامولاي الأمير !
مازلتُ أتذكر تلك النُكتة الكافرة المُبكية التي كنا نتدر بها على أنفسنا ، ونحكي فيها قصة شهداء حلبجة ، وهم في الآخرة يأخذون دورهم مع الضحايا الآخرين في حضور الله ، فيأتي الدورُ عليهم ، فيسأل الله ملائكته : مَنْ هؤلاء ، وماذا يريدون ؟
فتردالملائكة : هؤلاء يامولاي جمعٌ من الكورد ، قد لحق بهم الظلم ، ويطلبون مساعدتك . فيتجشم وجه الله ، ويقول لهم : لاحول ولاقوة !
لازالت صدى كلمات شيركو بيكس يتردد في آذاني ، وهو يكتب شكواه لله حول حلبجة ، فيأتيه الرد مِن السكرتير الرابع لِمكتبهِ سُبحانهُ وتعالى مهمشاً على عريضة بيكس : "ياأيها الأحمق ... أكتب شكواك بالعربية ... فلا أحد هنا... يفهم الكوردية "!
ومثل بيكس كتب نزار القباني شكواهُ يوماً حول أستيلاء البترودولار على الصحافة ، والأعلام العربي ، فنشر قصيدتهُ المشهورة "أبو جهل يشتري فليت ستريت" ، وقال :
جرائدٌ... جرائدٌ... جرائدٌ...تنتظر الزبون في ناصية الشارع ، كالبغايا...
جرائدٌ ، جاءت إلى لندن ، كي تمارس الحريه ...فتحولت - على يد النفط- إلى سبايا...
والقصة بدأت مع ظهور إمبراطورية قنوات الأم بي سي ، وأي آر تي وأخواتها في التسعينيات من القرن المنصرم ، وبالتزامن مع إنتشار القنوات الفضائية ، والأنترنيت. ونتذكر كيف بدأت مراكز الثقافة والأعلام - وعلى يد النفط- تنتقل تدريجياً من القاهرة وبيروت الى عواصم الخليج . ومن ثم ظهرت الجزيرة ، وغير الجزيرة ، وبدأ معهُ عصرٌ ظلامي ، لثقافة ظلامية.
فصارت العقلية البدوية تحتكر هذا المجال بالكامل . فتصنع النجوم ، وتعز مَنْ تشاءْ ، وتذل مَنْ تشاءْ .
بل تصنع لك الأرهاب ، وتروج له ، وتصنع السلاطين كأردوغان وتروج لهم .
يكفي أنْ نرى كل هذا الكم الهائل من المواهب الموجودة في الساحة ، والتي تفوق بِأصواتها ، ومواهبها حتى أعضاء لجان التحكيم ، والكثير من الفنانين المعروفين ، والمشهورين ، ولكنهم لم يعرفوا يوماً طريقاً للشهرة .
وحتى اللذين يحصلون على اللقب يصبحون بعد البرنامج منسيين ، فلا نعود نسمع عنهم إلا نادراً.
ونحن نشهد كيف إنَّ فنانين مشهورين بحجم راغب علامة ، يخشون مِنْ مُقاطعة تلك الأمبراطورية الأعلامية لمنتجاتهم ، فيصمتون تجاه مذلة طردهم من البرنامج مهانين .فهل الموهبة لوحدها كافية كيما ينجح المرء في هذا الجو الموبوء بالمنسوبية ، والواسطة ، واللاعدالة ، والغدر والتعنصر؟
لربما يتذكر الجميع السيد عامر توفيق ، الذي كان زميلاً لكاظم الساهر يوماً ، وغنيا معاً في فرقة واحدة ، ولكنه وقف أمامه في البرنامج ، وأمام اللجنة بعد كل هذه السنين ،كأي موهبة ناشئة ، ومبتدئة ، مع إنهُ كان يستحق أن يجلس على مقعد الحاكمين .
و هكذا برامج للمواهب لايمكن أنْ يخرج مِنْ تحت عبائة أبوجهل ، ولو بأقل مايمكن مِنْ المصداقية ، والنزاهة .
ففي موسمين متتاليين لبرنامجي " أجمل صوت" ، و "محبوب العرب " شهدنا عددٌ من الحالات الذي كان فيه الظلم واضحاً جداً.
فما عدى الفلسطيني "محمد عساف" فلم يستحق أحدٌ من الفائزين الآخرين ، ذاك اللقب عن جدارة .
فظلمت المغربية "دُنيا بطّمة" لإجل عيون المصّرية "كارمن سليمان" . وظُلِمت التونسية "يُسرى محنوش" لأجل المغربي "مُراد بوريقي" . وظُلِم العراقي "سيمور جلال" ، والسورية "هالا القصير" مِنْ أجل العراقي "ستار سعد" . وآخرهم كان الظلم الذي لحق بالكوردستاني "عمار الكوفي" . الذي ظلمته الأم بي سي مِن ناحية ، وظلمهُ حكومة أقليم كوردستان مِنْ ناحية أخرى . فلم نرَ أيٌّ مِنْ مظاهر الدعم السياسي والأعلامي ، والدعائي ، والمالي لِعمَّار كما حضيت بهِ "برواز حُسين" ذات الموهبة المتواضعة !
أنْ تكتنف القذارة عوالم السياسية ، والمال ، هو أمرٌ معروف !
وأنْ تزداد عفن تلك القذارة كُلما أقتربنا مِنْ الشرق الأوسط ، هو أمرٌ مفروغ منهُ أيضاً .
وأنْ تتورط معهم الصحافة ، والفن ... فهو أمرٌ طبيعي طبعاً .
ولكن أنْ تصبح إمبراطورية البترودولار - وعلى رأسها شيوخ الخليج - هُم أهم اللاعبين القذرين فيها فهو أمرٌ يجب أن نتعود عليه ، رغم قساوته ، وقرفهِ الشديدين .
فرائحة عفن هذا البترودولار غير رائحة عفن الرأسمالي الذي يُقدس الربح فقط ، فيقف خلف النجوم لا لأجل دينهِ ، وعرقهِ ، وطائفته ، وجنسيتهِ . بل من أجل الربح فقط . فيستغلهُ طالما كان كالبقر الحلوب يدرُ الأموال عليهم ، ولهذا هم نجوم الغرب ، مختلفي الأعراق والألوان ، وفيهم الموهبة الحقة ، ويمتعوننا مِنْ جهة ، ويدرون الأموال على الرأسماليين من جهةٍ أخرى .
أما إمبراطورية البترودولار ، فموضوع الربح عندهُ مسئلة ثانوية ، فيضحي بأجمل موهبة ، لأجل مزاجٍ أو نزوةٍ عابرة أو لإسبابٍ عُنصرية تافهة . وهذا بالتأكيد مرتبط بطبيعة رأسماله الريعي الذي لاعلاقة لهُ بالأنتاج الفني ، والربح بل ببيع النفط فقط . فأين أنت ياكارل ماركس ؟ فلقد كتبت عن أستغلال العالم كلهُ ، ولكنك نسيت أستغلال شيوخ النفط لنا ، ولم تعرف إقتصاداً ريعياً شيطانياً كإقتصادهم الذي فيهِ الأولوية للمزاجية لا للربح ، وما أدراك أنت ماهو مزاج البدو . فلربما فيلسوفنا القباني هو أعرف الناسِ بهم ، فيخاطبهم يائساً ، ويقول :
متى تفهمْ ؟
بأنّكَ لن تخدّرني.. بجاهكَ أو إماراتكْ
ولنْ تتملّكَ الدنيا.. بنفطكَ وامتيازاتكْ
وبالبترولِ يعبقُ من عباءاتكْ
وبالعرباتِ تطرحُها على قدميْ عشيقاتكْ
بلا عددٍ.. فأينَ ظهورُ ناقاتكْ
وأينَ الوشمُ فوقَ يديكَ.. أينَ ثقوبُ خيماتكْ
أيا متشقّقَ القدمينِ.. يا عبدَ انفعالاتكْ
متى تفهمْ ؟
أن مناخَ أفكاري غريبٌ عن مناخاتكْ
***
تعليق حسن الشافعي على اداء عمار الكوفي
https://www.youtube.com/watch?v=lC5dNk5WA1s
#آکو_کرکوکي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟