أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد محمد نوري - مزرعة سرجون















المزيد.....

مزرعة سرجون


رائد محمد نوري

الحوار المتمدن-العدد: 4709 - 2015 / 2 / 3 - 23:13
المحور: الادب والفن
    


لم يفكر سرجون الذي جاء إلى جرمو من الأرض المنخفضة الحارة الرطبة المغمورة بالمياه بقاربٍ مطليٍّ بالقار الأسود، وقد تدل ى شعر رأسه ولحيته على كتفيه وصدره ، لم يفكر بعد قتله نمرود وبنائه على أنقاض بيته الذي احترق وتهدم في الحرب التي نشبت بينهما بيتاً من الآجر بسوى إنشاء مزرعةٍ للدواجن يربي فيها طيور الدجاج التي لا يعرف في جرمو غيرها، ولا يعرف عنها شيئاً سوى أنها طيورٌ لا تساعدها أجنحتها على الطيران .
وما هي إلا سنةٌ ونيف، ثم كان لسرجون ما أراد، ثلاثة أنواعٍ من طيور الدجاج حولت الحلم المكبوت في نفسه القلقة المتأرجحة بين بيئتين تناقض أحداهما الأخرى غرقتا كلتاهما في أتون هذا الثائر الذي اسمه سرجون، ثلاثة أنواعٍ من طيور الدجاج المستكينة لقدرها حولت الحلم إلى حقيقةٍ ، واستبدلت بسرجون الصياد سرجون المزارع.
ثلاثة أنواعٍ كان لدجاجات وديكة المحلي منها قوةٌ عظيمةٌ وقدرةٌ عجيبةٌ على تحمل المشاق، غير أن السماء لم ترد أن يكون لها قوامٌ جميلٌ ومنظرٌ أنيقٌ بعين الناظر المتوسم؛ لذلك اختارها سرجون لحراثة الأرض وزراعتها فضلا عن حراستها لئلا تمد الطيور الجائعة مناقيرها إلى ما تغل الأرض من حنطةٍ أو قطنٍ أو مما سواهما.
ولأن سرجون أراد، فقد أكلت دجاجات النوع المحلي من دود الأرض وحشائشها، وافترشت الأرض، والتحفت السماء، جلدت أجسامها شمس الظهيرة صيفاً، وجمدت الدم في عروقها ليالي الشتاء الباردة.
ولطالما تطلعت تلك الطيور المغلوبة على أمرها إلى الأقنان الباردة في الصيف والدافئة في الشتاء، التي لا ينقطع عنها الماء والغذاء إكراماً لعيون الطيور التي جاءت من سورداش، حسدتها دون أن تدري بأنها أُجبرت على العيش في تلكم الأقنان لأن سرجون أراد من كل دجاجةٍ سورداشية أن تتألم مرتين في اليوم وهي تبيض له بيضتين اثنتين أحداهما في الصباح والأخرى في المساء، وأراد من كل ديكٍ سورداشي أن يكون مستعداً لأن يكون وليمةً متى ما استيقظت شهوته لتناول اللحوم البيضاء الطرية.
وحده الدجاج الكشميري الذي حضي بالرعاية الملكية التي تتلاءم مع منزلته الرفيعة بين كل أنواع طيور الدجاج، وكيف لا ولديكته في العيون جمال وفي القلوب مهابة ، ولدجاجاته رقة الورد وجمال الفراشات وقوام أميرات ألف ليلةٍ وليلة ورشاقتهن ودلالهن !
ألم ينحدر ذلك الشيخ الطاعن في السن من التلة الواقعة على طريق العودة من كشمير إلى جرمو ؟
حين رأى سرجون وطيوره البرية ، ألم ينحدر إليه ليخبره:
بأن هذه السلالة العجيبة بدأت بستةٍ من الفراخ الذين خرجوا من ست بيضاتٍ خصبهن صقر، ووضعتهن ورقدت عليهن أنثى طاوس.
ولأن الزمن أراد، فقد تعاقب الليل والنهار على جرمو .
ست سنواتٍ انقضين من عمر المزرعة، لم يعكر فيها صفو سرجون شيءٌ، حتى الثعالب التي دفعتها غرائزها إلى التسلل كل ليلةٍ تقريباً الى المزرعة لاختطاف ما تيسر لها من طيور الدجاج أراح نفسه من المشكلات التي يمكن لها أن تتسبب له بها بمعاهدتها على السماح لها بالدخول إلى مزرعته دون إذنه إذا اقتضت الحاجة لذلك بشرط ألا تقترب من طيوره الملكية.
ولأن الحال لا تدوم، فقد انتشرت في الغابة -انتشار النار في الهشيم- إشاعةٌ تقول:
إن كل دجاجةٍ كشميرية تبيض بيضةً من ذهبٍ كل ثلاثة أيام.
تلك الإشاعة جعلت الثعالب تتخبط، ففي خرقٍ للمعاهدة تسللت إحدى إناث الثعالب إلى المزرعة واختطفت الكشميري الكبير زعيم الطيور في مزرعة سرجون وهربت به إلى الغابة ظناً منها أنه دجاجةٌ كشميرية.
شلت الصدمة المزرعة كلها، واجتمعت الطيور وأعلنت الإضراب، فتوقف الإنتاج، وأعلن الدجاج الكشميري إضرابه عن تناول أربع وجبات من أصل ست، وسار الجميع في تظاهرةٍ صاخبةٍ إلى بيت سرجون مطالبيه بالتدخل لدى الثعالب لإطلاق سراح زعيمهم المفدى.
طمأنهم سرجون إلى أنه سيفعل كل ما باستطاعته أن يفعله من أجل إطلاق سراح طيره الأعز إلى نفسه والأغلى على قلبه من بين كل طيور المزرعة.
على أملٍ مشوبٍ بالقلق ظلت عيون الطيور معلقةً على نقطة غياب سيدها عسى أن تبصرهُ عائداً حاملاً بين يديه الكشميري الأكبر.
حل المساء وخيب آمالها، فقد رجع سرجون إلى مزرعته كما غادرها غضبان أسفا ومحملاً بعبارةٍ واحدةٍ فقط:
"وعْدتُ خيراً".
وبعد عشرة أيام أطلقت الثعالب سراح الكشميري الكبير ليعود إلى المزرعة منتوف الريش هزيلاً منهك القوى تملأ جسده الكدمات.
قال للطيور التي اجتمعت حوله تهنئه بسلامته:
"باغتتني في الليلة التي غاب فيها القمر إحدى إناث الثعالب، فبينما كنت نائماً سرقتني اللعينة وهربت بي مسرعةً إلى الغابة، وهناك رمتني في حفرةٍ ثم أدارت ظهرها لي، تركتني ومضت دون أن تقول شيئاً، وفي صباح اليوم التالي عادت اللعينة لتفحص الحفرة ولتسألني:
-ألم تبيضي؟
قلت:
-ما أنا ببائضٍ.
-إذن، أترككِ بضعة أيام ريثما تبيضين ثم نرى بعدها ما يكون.
وبعد ثلاثة أيام عادت اللعينة ومعها عشرات الثعالب الأخرى، نظرت إلى الحفرة ثم سألتني:
-أما آن لكِ أن تغيري رأيكِ وتبيضي؟
قلت:
-مثلي لا يبيض.
قالت:
-ونحن نريد بيضة.
قلت:
-ولكنني لا أستطيع.
قالت:
-ستستطيعين إذا أجبرناكِ على ذلك.
قلت:
-أنا ديكٌ.
قالت:
-هيا بيضي.
-صدقيني أنا ديكٌ.
-بيضي.
-انظري إلى عرفي.
-بيضي وإلا....
فصحت:
-أنا كبير الطيور في مزرعة سرجون.
فقالت:
-بيضي وإلا نتفنا ريشك.
الأمر الذي اضطرني الى أن أريها مؤخرتي لعلها تصدقني، غير أنها استشاطت غضباً، أخرجتني من الحفرة، نتفت ورفاقها ريشي، ذقت على أيديهم أشد الظلم، جعت وعطشت، شتمت وضربت، عانيت أياماً إلى ان تغيرت معاملتهم لي فجأةً، كان ذلك في اليوم السابع لاختطافي.
ففي ذلك اليوم جاء أحدهم وأخرجني من الحفرة، نظر إلي طويلاً، تفحصني بعيني ثعلبٍ ماكرٍ، تحسس بحافره عرفي ومؤخرتي ثم قال وهو يركلني ليعيدني إلى الحفرة:
-إنه ديك أيها الحمقى.
قدموا لي الماء والغذاء غير أني اكتفيت بالماء لأن طعامهم كان من لحوم الطيور التي حرمت علينا كما تعرفون.
وفي اليوم العاشر لاختطافي جاء كبير الثعالب وأخرجني من الحفرة التي كنت محبوساً فيها، أطلق سراحي بعد ما سلمني اعتذارين خطيين أولهما لي والآخر لسيد سرجون".
قطع حديثه دخول سرجون الذي دلف إلى ديكه الأعز على قلبه، حمله بين يديه، سار به إلى بيته في إشارةٍ فهمت منها الطيور كلها أن سرجون وديكه المدلل يريدان أن تعود الحياة في المزرعة إلى ما كانت عليه قبل ليلة اختطاف الكشميري الأكبر.



#رائد_محمد_نوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة الحفيد العربي
- فمي، عراقيّتي والثالوث المقدس
- أنتِ سَمائِي
- حفيدُ ديوجينَ
- المستطيعون بغيرهم والانتخابات البرلمانية في العراق
- حدادٌ في عيد المرأة
- عُرْسٌ مُؤَجَلٌ
- فائض القيمةِ بين الوعي والوعي المُظلَّلِ
- إلى من يتجاهلني مع......
- تحتَ قَميصي طاوُسانِ!
- 14 نجمةً في سماء ثورة تمّوز المجيدة النّجمة السّادسة القمح ب ...
- 14 نجمةً في سماء ثورة تموز المجيدة النجمة الخامسة-الآن الآن. ...
- 14 نجمةً في سماء ثورة تمّوز المجيدة النجمة الرابعة قصة من تد ...
- 14 نجمةً في سماء ثورة تموز المجيدة النجمة الثالثة من مكالمةٍ ...
- 14 نجمةً في سماء ثورة تمّوز المجيدة النجمة الثانية أبو عيدان ...
- 14 نجمةً في سماء ثورة تموز المجيدة النجمة الأولى ما أحوجنا إ ...
- النّقيضةُ الفقيدةُ
- تمّوز قادمٌ
- قَدْ تأخَّرْتِ طَويلاً
- أمُّ صباح


المزيد.....




- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...
- -يونيسكو-ضيفة شرف المعرض  الدولي للنشر والكتاب بالرباط


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد محمد نوري - مزرعة سرجون