فائض القيمةِ بين الوعي والوعي المُظلَّلِ

رائد محمد نوري

الحوار المتمدن-العدد: 4219 - 2013 / 9 / 18 - 23:24
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    

(مهداة إلى روح طالبي الرّاحل حسين أنور تركان)
إنّه حسين أنور تركان؛ أحد طلبتي الذين أرهقتني مراهقتهم المتأجّجة شغباً ومشاكساتٍ وعدم مبالاة، وآلمني انخفاض مستواهم العلمي وتدنّي علاماتهم الامتحانية.
درَّسته في الصفّ الخامس والصّفّ السادس الإعدادي اللغة العربيّة والتّربية الإسلامية، كان يحرص دائماً على أن يجلس في آخر الصّفّ؛ ليتسنّى له أن يكون حرّاً.
سمعت مؤخّراً أنّه قضى غرقاً! قلت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون. ثمّة ما يقال عنه، وعن علاقته بفائض القيمة !.
أجل، فهو كادحٌ؛ حمل مطرقته؛ وعمل لدى بعض المقاولين الجشعين المولعين بهدم البيوت؛ للبناء على أنقاضها بيوتاً أصغر؛ تباع بأثمانٍ باهضة!.
أسرته؛ اضطرّها شظف العيش إلى أن تتّخذ من إحدى المدارس في بغداد سكناً لها!*
لا أحبّ تدريس مادّة التّربيّة الإسلاميّة، ولا أريد تدريسها، ولكن.....
أن تدرّس التّربية الإسلاميّة للصّفّ السادس الإعدادي /في عراق ما بعد نظام البعث القمعيّ- فهذا يعني أنّك تشارك في التّرويج لما يسمّى ب(الاقتصاد الإسلامي)!.
قلت: لا، لا بدّ من أن أزرع في أذهان طلبتي بذرة النّقد العلميّ الموضوعي الحرّ، ولا بدّ من أن أضعهم بإزاء العلم بما يعنيه فائض القيمة، ولكن كيف؟
في الصَّفّ؛ لبست قناع صاحب المعمل، وألبستهم أقنعة العمّال، وقلت لهم: أنتم تعملون لديّ لقاء أجرٍ معيّن ثابتٍ، وأنا أربح، وبالرّبح أبني معملاً آخر فيزداد ربحي؛ لكي أبني معامل أخرى، في حين لا تتغيّر أوضاعكم الاقتصاديّة، فهل هذا جائز؟
قالمعظمهم: ليس حراماً هذا.
قلت: ولكنّي لا أتحدّث عن الحلال والحرام، وإنّما أريدكم أن تفكّروا.
حالت مشاعرهم الدّينيّة بينهم وبين عقولهم التي اكتشفت التّناقض بين الغنى والفقر، وعجزت عن البوح بعدم جواز ذلك.
رفض حسين أنور تركان /رحمه الله- أن يناقض نفسه، فتمرّد وقال: لا يجوز هذا، لماذا أعمل لدى المقاول لقاء أجر، في حين يجني هوعشرات الملايين من عرق جبيني؟!
إنّه يسرقني.
ضحك الطّلاب في الصّفّ ممّا يقول، وانقسموا بين مؤيّدٍ لرأيه ومخالفٍ له، واشتعل النّقاش بينهم، تبسّمت، وقلت في نفسي: أرجو أن تكون الرّسالة قد وصلت*













في الساعة التاسعة وأربعين دقيقة من مساء الأربعاء الموافق: 18-9-2013

#رائد_محمد_نوري (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات