أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مديح الصادق - أبِلا أوتارِهِ يَعزِفُ العود؟... قصة قصيرة















المزيد.....

أبِلا أوتارِهِ يَعزِفُ العود؟... قصة قصيرة


مديح الصادق

الحوار المتمدن-العدد: 4705 - 2015 / 1 / 31 - 05:51
المحور: الادب والفن
    


دفاتر النوطة الموسيقية، علبة أوتار ومفاتيح احتياط وقت الحاجة، أشرطة فيديو لحفلات أقامها مع طلابه أو في مناسبات اجتماعية أو وطنية، ألبوم صور، منشورات؛ توثق فترات حياته منذ الطفولة حتى تخرجه من قسم الموسيقا في أكاديمية الفنون الجميلة بتفوق أهَّلهُ لأن يمارس فيها التدريس، وما تخلل تلك الفترة وهو يرتقي المنصات حاضناً عوده الحميم، مُداعباً أوتاره بلطف وهو له بكل امتثال يطيع، عازفاً أجمل اللوحات؛ وكم هو جميل ذلك اللحن من عازف عاشق على أوتار عود لنبضه ينطق أعذب الألحان، معه يغني، للحب، للسلام، للناس، مدَّدَ العود في صندوق خشبي يتسع للمزيد من الحاجيات، رصف البقية من كل ما يُستدل منه على أنه فنان، وتلك جريمة كبرى يراها من عميت أبصارهم عن إبصار نور الحياة؛ والفن كفر عندهم عقابه الموت بحدِّ السيف؛ أما لو كان الفن هذا موسيقا فتلك كبيرة الكبائر، قد يرتقي عقابها للتمثيل بالجثة بعد الإعدام، وهي التي تحفز غرائز الإنس، وقد تستدرج النفس لما يسمى الحنين للجنس الآخر، ثم الوقوع في شراك الحب؛ والحب هو السبيل للموبقات؛ لابد إذاً من أن تحرق كل اللوحات، تقطع أوتار جميع الأعواد، وعلى المسارح تقام منابر وعَّاظهم؛ كي تستقيم الشريعة، وما تستقيم الشريعة إلا بقتل مغريات الدنيا طمعاً بما منَّى اللهُ المجاهدين عنده؛ خمر الجنة والغلمان المُخلدين، وحور العين.

كطير هانئ بعشه فجأة ينقضُّ عليه باز وحشي، فلا سلاح له سوى التصفيق بالجناحين لعل فيهما نجاة من موت؛ ارتمى ابنه الوحيد ذو الستة الأعوام في أحضانه مستشعرا ما أخفى الوالد في عينيه من خوف، ليس على نفسه حسب؛ بل على ابنه وأمِّهِ التي سارعت هي الأخرى بأن كفَّنت نفسها برداء أسود يخفي بياض جسمها من أعلى الرأس حتى أخمص القدمين، أسعفتها به جارتها الكردية، زميلتها في الشغل، عن أظافرها أزالت صبغتها، خلعت حليها الذهبية وما توفر في الجيب من نقود، أودعتها حِزاما حول الخصر؛ لملمت كل الصلبان من على الحوائط، وما علقت من صور أو تمائيل لمريم العذراء، والسيد المسيح، وكل ما يوحي بأنهم ليسوا على دين أولئك الوافدين من كل البقاع، وجوه كالحة سود، وراياتهم مثل قلوبهم سود، أغلقت التلفاز بعد فصله عن التيار، غطته بقطعة بيضاء، جهاز الكمبيوتر مغلق ومنضد في صندوق كارتوني، مسحت كل ما فيه من صور وذكريات تكشف مهنة زوجها الموسيقار، أو انتماءهم الديني، إنها قمة الظلم أن يُضطر الإنسان إلى إخفاء ما به يؤمن؛ مهما كان وجه ذلك الإيمان.

قد يكون الخوف مشروعاً حين تختفي سلطة القانون كي تحل محلها شريعة الغاب، وعندما بلا خطيئة يُسفح الدم الإنساني، وهو أثمن كنز في الكون؛ بلا ذنب أو جرم، والأدهى أنك لا تأمن لجار لك ناصفته الأفراح والأتراح، أو لزميل لك طبعتَ على كل خلية من كفِّه آثار حرارة ما تخفي له من محبة واعتزاز، أو كادح مُغرَّر به قد غنَّيتَ له يوماً أناشيد حب للوطن والحياة والناس؛ والكل خائف هذا اليوم، صاحب العود، وعوده المُكفَّن مثل جندي استشهد في ساحة القتال وهو يرقب الشارع من فتحة بجانب الستارة، زوجته خلف كتفه الأيسر تمده بنبضها السريع، الطفل ملتصق بهما خشية أن منهما يخطفه الأوباش كي بدراهم معدودات في المزاد - كما السبايا - يُباع، شوارع تكاد تخلو من أهلها إلا مخلوقات غريبة اكتست بالسواد إذ لا تفرقها عن غربان سود تنادت على جثث في العراء، اختفى الجيش والشرطة كما يذاب الملح بالماء، إنه سر يُحيِّر العقول، المدارس عُطلت، والجامعات وكل دور الثقافة والعلم، أُحرقت من المكتبات أنفس المراجع والمصادر والكتب النفيسة، معابد هُدمت وكنائس، قتلٌ على الهوية، الكافر يُذبح، أفتى أمير المؤمنين، ولا رجعة عن فتواه، شيعي، صابئي، أيزيدي؛ كلهم كفار، باللون الأحمر عُبِّدت الطرقات، الدماء حنَّاء العرائس الحالمات، آلاف الحفاة العراة إلا مما يستر عوراتهم، ماخفَّ وزناً وغلا ثمناً يحملون؛ نحو المجهول الخطى خارج البلدة سراعى يحثون، شيوخ، نساء، وأطفال، تستوقفهم مفارز للتفتيش عن لا شيء سوى ما يحملون من مؤونة أو مال، وما أقسى أن تُهجَّر من دارك قسراً، ثم يُصادر بعد دارِك كل ما حملتَ من زاد أو مال!

في مثل تلك الحال يقودك التفكير إلى أن تستنجد إما بصديق أو جار، فالقريب مثلك خائف أو ترك الدار؛ لعازف العود من الزملاء والطلاب الكثير، وهو محاط بجيران له من جهات ثلاث؛ عدا من أوصى بهم رب العالمين حتى سابع جار، وله مع الجميع خير المواقف، وهو الذي كان يرفع الشكاوى منهم للمسؤولين عن الخدمات، يشاركهم كل المناسبات، دينية واجتماعية، أفراحهم والأتراح، طبيبة أطفال زوجتُه؛ وكم عالجت من أطفال الحي مجاناً ممن لا يقدرون على دفع الأجور، وهل يَخافُ من شرٍّ مَن له مثل هذا الرصيد من الناس؟ انفرجت أساريره بعض الشيء.

صوتٌ رهيب بدَّد السكون مُدوِّياً، تصاعدت سحب الغبار، مُكبرات الصوت تعالت من المساجد بالتكبير، رجال، نساء، فوق السطوح يُكبِّرون، فرَحاً أم ألماً لا يعلم إلا الله، الرصاص تطاير في الأزقة يحصد الأبرياء، منارة النبي يونس تنهار حتى الأرض، الفقراء كانوا يلوذون هناك؛ يحلمون بمُنقذ لهم يُلقي سلال الخبز من السماء، اللعنة، أيمكن ان تُهدم بيوت الأنبياء؟ طرقٌ شديد على الباب المُقفل بالمتاريس، رشقات رشاش فكَّت القفل، انهار باب البيت القديم، سحنات غريبة، أفارقة سود، شيشان بيض، وأفغان سحم؛ يحدوهم شاب في العشرين من العمر، لهجته محلية، أطال لحيته السوداء، بسروال قصيرعلى طريقة الطالبان، هيَّا اتركوا الدار ولا تحملوا شيئاً، أيها الكفار، صاعقة صرعت رأس صاحب العود - أيُّها الربُّ - إنه واحد من طلابه المُقربين، كان خير عازف للعود، يقول الشعر جميلا، يغني بصوته العذب؛ لا تعجب ففعل كهذا لا يفعله سوى أولاد الحرام، ليس غريباً أنْ بوحل الفاشية يغرق الإنسان السوي؛ إن ضممتَه لأربعين فاشيَّاً لأربعين يوماً؛ لكنه في الداخل يحمل صفات الإنسان، قالها ( بريشت ) على روحه السلام.

لبشاعة الموقف لم يحرك ساكناً ، تلقى ضربة بالأخمص هدّت كتفيه، أما سمعتَ أمر المُجاهد الوالي بترك الدار، حلقة صار الثلاثة قد تعلق بعضهم ببعض؛ خشية الافتراق كلٌّ في طريق؛ ألا لعنة السماء على الحروب؛ كم فرَّقت من المُحبين، نصف التفاتة، يا للهول! إنه جاره المُلاصق! أمرٌ لا يُصدَّق، أغمض العينين، أعاد فتحهما، كابوساً مزعجاً ربَّما كان، لا، لا إنها الحقيقة، يا هذا؛ لكن لم يقرأ مثلها بكل الروايات، حكايا الحرب، خيالاً كانت أم من واقع الحياة، ودَّع العودَ العزيز، والذكريات، والأوتار، أرض الأجداد، والسمَّار، والناس الطيبين؛ مثلما يُودَّع العزيز، علَّق المفاتيح، احتضنا الطفل الوحيد، التفتا صوب الباب، عليها بلون أسود خُطَّت:
( ن، أملاك دولة الإسلام ).



#مديح_الصادق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صدى المنافي
- تراتيل للوطن والحبيبة
- صديقتي .. نص شعري
- راحِلُون
- الحلقة العاشرة ( المشرح ) دماً ما زلتُ أنزفُ، يا عراق، مشاهد ...
- دماً مازلتُ أنزفُ، يا عراق.. مشاهد من رحلتي الأخيرة.. الحلقة ...
- الحلقة الثامنة.. دماً مازلتُ أنزفُ، يا عراق... مشاهد من رحلت ...
- دماً مازلتُ أنزفُ، يا عراق... مشاهد من رحلتي الأخيرة.. الحلق ...
- دماً مازلتُ انزفُ، يا عراق.... مشاهد من رحلتي الأخيرة... الح ...
- الحلقتان الثالثة والرابعة، دماً مازلتُ أنزفُ، يا عراق..... م ...
- نداء إغاثة، إلى كل الشرفاء في العالم
- دماً مازلتُ أنزفُ، يا عراق... مشاهد من رحلتي الأخيرة.... الح ...
- بُشراكَ يا أكيتو، لمناسة عيد رأس السنة الآشورية البابلية
- ثمانونَ وأنتَ تزهُو، للحزب الشيوعي العراقي في عيده الثمانين
- بطاقة تهنئة للحزب الشيوعي العراقي بعيده الثمانين
- أمازالَ أسودَ هذا الشِباطُ؟
- أيُّها الغيارى، أحسِنوا الاختيار
- لولا ( أمُّ الحبوكرِ ) لكُنَّا بخيرٍ، منْ زماااااان...
- التجمع المدني الديمقراطي ضرورة حتمية
- عادتْ ليلى... شِعر


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مديح الصادق - أبِلا أوتارِهِ يَعزِفُ العود؟... قصة قصيرة