أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود عبد الرحيم - -يحدث- ..تراجيديا الذاكرة المثقوبة














المزيد.....

-يحدث- ..تراجيديا الذاكرة المثقوبة


محمود عبد الرحيم

الحوار المتمدن-العدد: 4691 - 2015 / 1 / 14 - 21:32
المحور: الادب والفن
    


قليل جدا من الشعراء حين يتصدى لكتابة رواية يقدم لنا تجربة ذات قيمة، وليس مسايرة لسوق النشر الذي يحبذ الرواية عن الشعر، أو مجرد ثرثرة فارغة المضمون، وتجربة هشة للإعلان عن الوجود في الوسط الثقافي.
ومن هؤلاء القلة المدهشة تأتي الشاعرة والأكاديمية الليبية عائشة الادريسي التي فاجأتني بأنها روائية مبدعة ذات صوت خاص وحساسية خاصة في السرد الروائي وتقديم عالم مدهش له خصوصيته، رغم اجوائه السوداوية، كما هو في روايتها "يحدث؟!"
وربما العنصر الأبرز في هذا العمل هو اللغة الشعرية، حيث وظفت الإدريسي خبرتها كشاعرة أو جرى بشكل عفوي ذلك، فكنا إزاء مقاطع عديدة أقرب لقصائد النثر، غير أن المجاز والاستعارة لم تعوق تدفق الأحداث أو تنال من البناء الروائي أو تخرج القارئ من أجواء العالم، وأنما ساهمت في تسريع الايقاع وحالة استمتاع برقي اللغة وفضائها الأرحب والهروب من الفجاجة والسطحية والمباشرة واللغة التقريرية الجافة.
وثان هذه العناصر هو تكنيك السرد الدائري واتباع "تيار الوعي" أي تداعي الافكار والمعاني بحرية، وتداخل الأزمنة والاحداث دون تشويش وبسلاسة، وهو ما يتلائم مع حالة التشظي لذاكرة البطلة التي تسيطر عليها مشاعر الفقد والاغتراب ويطاردها الماضي بشخوصه وتجاربه المليئة بالفواجع من خسارة دفء الاسرة التي بعضها مات كالأب والأم أو الاخ المشنوق على يد السلطات دونما جريمة فقط لوشاية، أو الصديقة التعسة في زواجها أو حبيبها الذي تخلى عنها بعد إن ترك بذرته في احشائها، وقصة عشق مجنون يسيطر عليها رغم اضطرارها للعيش في بلد بارد كفرنسا يمنحها الحرية لكن لا تشعر انها تنتمي إليه، وحبيب جديد يهتم بشأنها ولا تري فيه غير حبيب الأمس الذي كثيرا ما تخطئ وتناديه باسمه.
ولاشك أن استخدام الكاتبة لضمير "الانا" في السرد اعطي حميمية أكثر للاحداث، وقربنا من البطلة ومن اجواء الفضفضة كما لو كنا ازاء "سيرة ذاتية"، كما أنها نجحت في رسم شخصيات تبدو من لحم ودم نتعاطف معهم ونستشعر بثقل الضغوط عليهم كما لو كانوا ابطال هاربين من التراجيديات اليونانية، خاصة شخصية البطلة "حياة" وصديقتها "ليلى" واخوها " ماهر"، حيث إن تمردهم على الواقع المجتمعي والثقافة التقليدية ورغبتهم في التحقق جعلهم ينالوا عقابا قاسيا
سواء بالتشرد والمنفي الاختياري بذاكرة مشتعلة بالحزن والفقد كما في حالة "حياة"، أو بزواج تعس يفسد عليها سعادتها ويحليها لكائن مهزوم ينتهي به الحال في مستشفي للامراض العقلية، أو ذلك الشاب الصغير الذي يسعى لاسعاد كل من حوله ويترفق بالجميع بما فيها ذلك معتوهة الحي ثم يكون مصيره الشنق في ساحة المدينة باعتباره خائنا بعد وشاية لحقت به على يد اللجان الثورية.
وقد قربتنا الكاتبة من ملامح مجتمع تقليدي كليبيا، وكيف يحاصر الواقع الضاغط ابناء الطبقة الوسطى من المثقفين، خاصة النساء الذين يريدون كسر تابو العادات والتقاليد المتوارثة، ويخرجون عن مسار القطيع إلى التحقق بكافة اشكاله، فضلا عن فضخ نفاق وتناقض شخصيات تدعي الحرية والثقافة، لكن من داخلها لا تختلف عن السياق العام كزوج ليلي الذي لا يرى في المرأة سوى ربة منزل سجينة البيت ليس لها أية حقوق، أو حبيب حياة يوسف المهزوز الشخصية والضعيف أمام أمه.
وفوق هذا رصد بشكل عابر مرحلة صعبة في حياة الليبين ابان حكم القذافي، وكيف كانت ثمة سطوة للجان الثورية ول"دولة المخابرات" التي حتي حين خفت قبضتها لاحقا لم يتخلص الليبيون في داخلهم من هذه العقدة، وهذا الخوف الذي جرى زرعه فيهم، فضلا عن بقاء جراح عديدة ومآسي خلفتها هذه الحقبة وذكريات لاقارب واحبة قضوا على مشانق هوس النظام من اية أصوات تغرد خارج السرب.
إنها تجربة مهمة بحق تستحق القراءة، وتستحق كاتبتها كل تقدير على هذا العمل المشبع والمدهش.
*كاتب صحفي وناقد



#محمود_عبد_الرحيم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- براءة نظام مبارك و-اليوم الأسود- في تاريخ مصر
- مهرجان القاهرة السينمائي والاصرار على الفشل
- تونس ..استكمال للثورة أم ترميم للنظام القديم
- تسويق الحلم الكردي وسحق الذات العروبية
- الإخوان شركاء في -مذبحة رابعة-
- محاكمة-يناير-.. لا نظام الفساد والاستبداد
- عادت مصر للاتحاد الأفريقي وغاب -الدور التاريخي-
- صوت الاستحقاق الرئاسي يعلو على الدستور في مصر
- حين يدعم هيكل الديكتاتورية ويشوه تاريخ ناصر
- سد النهضة وسنوات الاخوان العجاف
- -صفقة الكردستاني- الجار الذي يتجاهل جاره
- سيناريوهات الازمة السورية تتصارع
- ليبيا والأمن المفقود
- مادورو.. اختبار الشافيزية الصعب
- انتخابات الرئاسة الايرانية ضبابية
- الملف النووي الايراني.. محلك سر
- الاخوان وصفقة رجال القذافي
- سوريا.. الحل العسكري يتقدم
- شبه الجزيرة الكورية تحت كابوس الحرب
- فنزويلا وتركة شافيز الثقيلة


المزيد.....




- روبرت دي نيرو ينتقد ترامب بشدة في خطابه بمهرجان كان السينمائ ...
- منع العري في مهرجان كان السينمائي.. يُشعل الجدل
- -فهد- السينما السورية.. الموت يغيب الفنان أديب قدورة
- مسيرات جوية أوكرانية تعزف موسيقى -حرب النجوم-  خلال تنفيذ مه ...
- رحيل -فهد- السينما السورية الفنان أديب قدورة
- -مهمة مستحيلة: الحساب الأخير- قد يكون -فيلم الصيف الأكثر كآب ...
- 50 عاما من الأدب الساخر.. جائزة إسبانية مرموقة لإدواردو ميند ...
- -مجلة الدوحة.. من الورق إلى الرقمنة- في جلسة نقاشية بمعرض ال ...
- ملصق الدورة الـ78 من مهرجان كان السينمائي يجسد أشهر عناق في ...
- ريانا تُعلن عن أغنية جديدة لها لفيلم -السنافر-


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود عبد الرحيم - -يحدث- ..تراجيديا الذاكرة المثقوبة