|
بأي ذنب سيُعدم ( ولد امخيطير ) .
الطيب آيت حمودة
الحوار المتمدن-العدد: 4677 - 2014 / 12 / 30 - 16:11
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عشت هذه الأيام حدثين وحديثين ، حدث نشر رواية ( ميرسو ، تحقيق مضاد ) لصاحبها كمال داود الجزائري ، وحدث صدور مقال جريء بعنوان : الدين والتدين والمعلمين، للكاتب الموريطاني ولد امخيطير ، وحديثا إ ختلاف زاوية النظر لعمل الرجلين بين حق الرأي وتهمة إزدراء الأديان .
***الكاتبان برر فعلتهما بأن ما قالاه فُسر وأول خطأ ، وأن ما ذكراه ماهو سوى نقلٌ لحالات اجتماعية يعيشانها في وطنيهما ، والمبدع غالبا مهمته ليس في مسايرة الركب و الرتابة كقطيع أو كجمل يجر من أنفه لمستقر له ، وإنما في خلق دينامية فكرية و عقلية ولو على حساب الدوس على الثوابت التي كثيرا ما تحرق الملامسين لها .
***فموطُننا الجزائري (كمال داود) شُنت عليه وعلى كتاباته المفرنسة حربا شعواء أكلت الأخضر واليابس ، فقد دُونت مقالات ضده من قبل فصيلين، باسم( الإسلام ) تارة و باسم (العروبة ) تارة أخرى ، وصلت حد التكفير ومطالبة الدولة بإقامة حد الردة عليه ، غير إن انشغال النظام الجزائري العلماني بأزمة البترول أنساه أزمة الإرتداد ، فمرت الزوبعة التكفيرية دون أن تحدث اختلالات في تطبيق القانون .
***أما الموريطاني (ولد ا مخيطر) فقد نجح في نقل معاناة مجتمعه من الإضطهاد والسخرة والطبقية الضاربة أطنابها في هذا القرن المغاربي المحافظ ، فقد ضُبط وسُجن وحكمت عليه محكمة نواذيبوا بالإعدام حدادة بتهمة الإساءة للنبي محمد صلوات الله عليه وسلم ، استئناف الحكم قد يُفرز أحكاما مخففة أو يثبت الحكم السابق .
فقضية ( ولد المخيطير) قد تصل به إلى الهلاك لا قدر الله تحت تهليل المكبرين ، و فرحة المارين والمتابعين تحت وقع أبواق السيارات الهادر الذي رافق نطق القاضي بحكم الإعدام …. ؟إ ، إن لم ترتفع أصوات منددة بقوانين بالية جارية ظنية تحتاج إلى تعديل وتقويم فإن كتم الرأي والفكر سينتصر ، وستنطفأ شعلة النور والفكر في موريتانيا ، كما انطفأت ماضيا عند قمع الفكر المعتزلي إثر الإنقلاب المتوكلي العباسي .
*** قرأت مقال الموريطاني من ألفه إلى يائه ، وبمصادره ، فلم أجد فيه جديدا يذكر ابتدعه، فقد أورد شواهده من كتب السنة ، وكتاب السيرة لابن هشام ، ومن كتب تراثنا المثقل بالكذب وداء الفنطازيا ، لا أدري أنحاكم الكتب أم نحاكم الناقل عنها ، فقضية فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة ، وقضية مقتل الصحابي ( حمزة ) عم الرسول شاهدناه بالصورة والصوت في فيلم الرسالة لمصطفى العقاد ،وأحداث حصار المسلمين لحصون بني قريظة نعرفها ونعرف أبعادها ، فالخطأ الوحيد الذي رصدته هو أن ( ولد المخيطر) عد الأفعال دينا ربانيا ، وإن هي إلا تفسيرات واجتهادات بشرية ، وأن أحداث بني ( قريظة ) رسمت معالمها في العهد العباسي لتبرير التجاوزات التي اقترفها قادة العرب في فتح البلدان تحت يافطة جهاد الطلب ، فتراثنا لم تتحدد معالمه إلا بعد أزيد من قرنين من وفاة نبينا الرسول الكريم صلوات الله عليه ، فقد لعب الهوى السياسي دوره في كثير من المرويات .
*** بلاد شنقيط قديما وحديثا وحاليا تعيش أزمة التفاوت الطبقي ، هذا التفاوت أحدث قلقا لدى العوام وتسبب في اضطرابات اجتماعية ، وصاحب المقال ينتمي إلى طبقة معرضة للهلاك والتصفية والقهر ، إنها طبقة الصناع الحرفيين الذين أكثرهم مشتغلين بحرفة الحدادة ، وباعتباره مثقفا بحث عن تأصيل هذه الطبقية الجاثمة على الرؤوس التي تجعل من البيضان أصحاب الحضوة والمكانة على حساب المعلمين ، ففتش في كتب التراث واكتشف بأن هذه العبودية متأصلة بنصوص في كتبنا التراثية ، وكشفها حقائقها وخلص أن الدين هو سبب العبودية ، والحقيقة هي أن التدين وليس الدين هو من وراء انتشار ظاهرة استعباد بشر لبشر آخرين أضعف منهم .
*** انتقادات الكاتب وملاحظاته يُفترض أن ينظر فيها علماؤنا ، ويردوا عليها فكريا لتوضيح جوانب الخلل فيما قال ، أو أن ماقال به علل منهجية ، أو هي حقائق مكذوبة ، مناقشته بالدليل والحجة في إطار النقاش الحضاري الذي هو أمرٌ من ربنا سبحانه وتعالى في سورة النحل 125 إذ قال :*- [ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين]
*** النبي محمد صلوات الله عليه وسلم بشرٌ مثلنا يعيش حالتين ، حالة العصمة وحالة البشرية ، ففي حالته البشرية العادية ليس معصوما من العوز بدليل حديثه عن [ تأبير النخل] الذي خلص به الى القول لأصحابه أننم أدرى بشؤون دنياكم ، أو لوم الله له في عديد المواقف ، مثل ما ورد في الآية الأولى من سورة المجادلة : [ قد سمع الله قول التي تجادلك ] ، أو [ عبس وتولى أن جاءه الأعمى ] في حق صاحبه الكفيف ابن أم مكتوم ، أو [ ما كان لنبي أن يكون له أسرى ….] في سورةالأنفال أو قوله : [لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ][آل عمران:128]. ….. تذكروا تساؤل النبي ابراهيم عليه السلام وحيرته :وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) الخ .
ولا شك في أن الله يعاتب أنبياءه عتابا سلسا رحيما لغايات التنبيه والتحذير أو التقصير ، فما دام ذلك موجود في نصوص القرآن الحكيم ، فإن النظر لنبينا يجب أن تكون في إطارها البشري وليس في حالات العصمة والنزول ، كما أن النبي الكريم كثيرا ما تعرض لهجومات كاسحة من أعدائه رد عنها بحلم وتسامح .
*** حتى الذات الإلهية قد نالت حظها من النقد ، وعلى لسان الله سبحانه وتعالى وهو الغفور الرحيم الذي أخبرنا في كتابه وهو الجبار المتكبر القوي العنيد الذي بمقدوره أن يدك الأرض دكا وينسف من نقده نسفا ويقبض روحه حينا ، لكنه لم يفعل ، فاليهود وصفوه بالبخل ، [ وقالت اليهود يد الله مغلولة ] وقال المشركون عنه بأن له بنات ( الملائكة ) [جَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ]الزخرف 19 ،فهل عاقبهم حينا أم أجل وأرجأ عقابهم إلى يوم القيامة والحساب .
*** العاطفة الجياشة ماردة قاتلة إذا لم يروضها العقل ويكبح جماحها ، فالسرعة في التكفير و الجنوح نحو أيسر الحلول في إزهاق النفس البشرية التي حرم الله قتلها إلا بالحق ونيابة عن الله الواحد القهار عمل مسيء لله الذي لم يمنح لأحد العقاب باسمه ، ما هذا المنطق المقلوب ، ضعيف يدافع عن قوي؟ ، جبار ينتدب نوابا يدافعون عنه ؟ ، مخلوق يدافع عن خالقه ؟ ، فكهنتنا نصبوا أنفسهم للدفاع عن الله ، الدفاع عن دين الله ، و عن نبي الله ، الله غني عن العالمين يا سادة يا كرام ، فهو قادر على القصاص دون الحاجة لسيوفكم و هو القائل :[وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ] آل عمران 78.
***مفصل القول هو أن الفكر يعالج بفكر مضاد ، ونقد الكتاب لا يكون إلا بكتاب مثله يدحضه ، ومن حق المسلمين المؤمنين دخول مواقع الظل المسكوت عنها في تراثنا لإعادة قراءته بأدواتنا الحالية الأكثر رواجا ، فكثير من القاناعات والمقدسات لا أصل لها في ديننا الحنيف ، فلا بد من شحن العقل وتركيز قدراته للفهم والإستنباط ، فهو الطريق الأمثل لمعرفة الخالق وتأكيد صحة نبوة محمد صلوات الله عليه ، فالتكامل بين العقل والنقل بتناغم وتوازن دقيقين لا يمكن أن يتعارض ، فقد قال ابن رشد / لا يمكن أن يعطينا الله عقولا ويحرمنا من توظيفها في معرفة الحق .
#الطيب_آيت_حمودة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محمد الشيخ وخطر الإعدام .
-
كمال داود ودواعش الجزائر .
-
كمال داود والهوية الجزائرية .
-
يناير الأمازيغي ، بين الترسيخ والتفسيخ .
-
مالم يقله القرآن .
-
الإسلام بنظرتين…. تقليدية وحديثة .
-
حول الأمازيغية…. وترسيمها القاتل ؟
-
هل اكتشف الأمازيغ أمريكا قبل كريستوف كولمبس ! ؟
-
لماذا التضييق على خبر انتكاساتنا ؟
-
الحرب على طوبونيميا (Toponymie )الأمازيغ .
-
ما ستخسره العربية بعد ترسيم الأمازيغية ؟ .
-
ترسيم الأمازيغية لن يكون غدا .
-
مخاطر [ تجذير ] الهوية العربية الإسلامية في تونس .
-
تجذير [الناشئة ] في هويتها العربية الإسلامية بتونس؟ ! .
-
العرب أصلهم أعراب ، والأمازيغ أمة بجميع مقوماتها .
-
مخطوطات مكتبة الشيخ [ الموهوب أولحبيب ] بتلا وزرار ، بني ورث
...
-
الإخوان في طريقهم إلى إجهاض ثورة 25 يناير .
-
الحضارة الإسلامية ... سكونٌ أم إقلاع ٌ ؟
-
الفيلم المسيء للرسول ، أهو صراع بين (الطورو ، والطوريرو) ؟ .
-
علمية الباحث الإسلامي في الميزان .
المزيد.....
-
عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي
...
-
إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو
...
-
الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
-
شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية
...
-
أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
-
آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ
...
-
-الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي
...
-
صابرين الروح جودة.. وفاة الطفلة المعجزة بعد 4 أيام من ولادته
...
-
سفير إيران بأنقرة يلتقي مدير عام مركز أبحاث اقتصاد واجتماع ا
...
المزيد.....
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
-
سورة الكهف كلب أم ملاك
/ جدو دبريل
-
تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل
...
/ عبد المجيد حمدان
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية
/ مرزوق الحلالي
-
خطة الله
/ ضو ابو السعود
المزيد.....
|