أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - عماد حياوي المبارك - البوابة الذهبية















المزيد.....

البوابة الذهبية


عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4661 - 2014 / 12 / 13 - 12:44
المحور: الطب , والعلوم
    


البوابة الذهبية ـ GOLDEN GATE

كانت (سان فرانسيسكو)، المدينة الواقعة في شمال ولاية كاليفورنيا، تعاني الانعزال شبه التام عن البر، يحوط بها المحيط الهادئ وخليجها الصغير المسمى باسمها من ثلاث جهات، الأمر الذي حيّدها ومنعها من النمو، حالها بذلك ليس كحال بقية مدن الغرب الأمريكي الواعدة، لوس أنجلوس وسياتل ولاس فيغاس ... وغيرها.

كان الانتقال بالبضائع والأشخاص للمدينة يتم عبر (عبّارات) عائمة يتحكم بها البحر والجو من ناحية، ومزاج أصحاب شركات النقل وجشعهم من ناحية أخرى. وكلما تفكر البلدية بتوسِعة المدينة، تكون مشكلة عدم ارتباطها بيُسرٍ بالبر الأمريكي هو العائق الوحيد.
أما مسألة مد جسراً عبر خليجها المضطرب، لمسافة تبلغ كيلومترين (2042 متراً) تُعتبر ضرباً من الخيال، لأنه يجب أن يكون جسراً مُعلقاً يتحمل ويمتص عوادي الطبيعة في تلك البقعة الساخنة، أهمها الهزات الأرضية وارتداداتها (تقع المدينة عند التقاء وتصادم صفيحتين من القشرة الأرضية).
× × ×
إن أجمل لحظات النجاح، تلك التي يعيشها يناءوا جسراً معلقاً عملاقاً، حينما تلتقي جهتيه بعد عمل دءوب وكثمرة لتخطيط وتنفيذ سنوات ...
ومع أنه شعور عارم بالنشوة، حين تتصافح أيادي العاملون على طرفي بناء عملاق مُبشرة بتحقيق هدفٍ سامٍ جديد، لكن لم يتجرأ أو يخطر ببال أي مهندس حتى بداية القرن العشرين ـ وتحديداً حتى عام 1927 ـ أن يُصار لجسر يمتد عبر خليج (البوابة الذهبية) بأي شكل من الأشكال.
عدّة أسباب تقف وراء ذلك، تعرض المنطقة للزلازل، والمسافة الشاسعة وشدة الرياح والموج والضباب ... بعضاً منها كافٍ لاتخاذ قرار بعدم بناءه.
يعود الفضل في شد العزم للمهندس (جوزيف شتراوس) ومؤسسته التي عجّلت إعداد خرائط العمل، ودفعتْ به في وقت كانت الولايات المتحدة بحاجة لتوفير فرص عمل للعاطلين، كان ذلك بعد أسوء أزمة اقتصادية خانقة تعصف بهم ـ كما هو معروف ببداية الثلاثينات.
فتم التخطيط للبناء في العام 1933 وبدأ التنفيذ عام 35 لغاية 37 ، وقد إختُزلتْ ثمانية أشهر من الفترة المرسومة لإنجازه، نتيجة إصرار العاملون.
تطلبتْ عملية ازالة بعض الصخور عشرات أطنان من المتفجرات، وقام الغواصون بزرع آلاف أصابع الديناميت لخلق فجوتين تحت الماء لأساسي بُرجي الجسر العملاقين، تستوعب كلاً منهما 100 ألف متراً مكعباً من الخرسانة شديدة الصلابة، لترتفع الدعائم بارتفاع 230 متراً فوق سطح ماء المحيط، وليكونا أول برجين ينتصبا في مياه مالحة في التاريخ.
كانت عملية ربط الكابلات بعد ذلك من أعقد تحديات إنشاء الجسر، وعند إتمامها إحتـُـفِل بما يوازي استكمال بنائه، حيث ما لحقَ ذلك هو بسْط الصفائح وإتمام الكماليات الأخرى، لتنتهي بصبغهِ باللون البرتقالي المميز.
× × ×
120 كلم-ساعة هي السرعة التي يبلغها جسم إنسان ساقطاً بشكل شاقولي نحو الأسفل حين يتسارع بفعل الجاذبية الأرضية، قاطعاً مسافةً تبلغ 120 متراً خلال أربعة ثوانٍ فقط.
أي أن أربع ثوانٍ فقط هي المدة التي يحتاجها جسم إنسان ليقطع مسافة حُرّة تبلغ 120 متراً نحو الأسفل،تصل سرعته عندها الى 120 كلم-ساعة.
العبارتين أنفتي الذكر، تعطيانا فترة الأربع ثوانٍ الفاصلة بين حياة وموت 1250 إنسان قذفَ بنفسهِ من فوقه، ليتبدل اللون البرتقالي الزاهي بعيوننا وبلمح البصر، لاسوداً داكناً بلون الظلام أو أحمراً صارخاً بلون الدم.
في عام 2006 دقت ناقوس الخطر في ذكرى حالات الانتحار هذه، أجراس كاتدرائية (سانت ماري) الواقعة في جادة سانت ماري على أحد جانبي الجسر العملاق، الجسر الأسطورة، أحد عجائب وفخر الهندسة المعمارية في القرن العشرين.
فكل الأمور النافعة وكل نتاج التكنولوجيا التي بناها الإنسان للبشرية، الكهرباء والسيارة والأبنية الشاهقة ... وغيرها، وَفـّرَتْ لنا السكن والتنقل والرفاهية الإجتماعية، لكن يمكن النظر لها أيضاً من زوايا سلبية ـ وإن هي ضيقة جداً ـ فحوادث الكهرباء ودهس السيارات والسقوط من الأبنية الشاهقة، هي نقاط يمكن التوقف عندها لحصرها والسيطرة عليها، من أجل الوقاية منها، فالجسور بإيجابياتها العظيمة، وبعضاً يسيراً من سلبياتها، يجب أن تكون محط توقف وتمعّن.
(البوابة الذهبية) وبعمره الثمانون، لم يفرز أية ناحية سلبية، سوى ظاهرة الانتحار من عليه، التي وضعته الثاني في العالم والتي صارت مشهداً متكرراً ومألوفاً ...
إن اصطدام جسد إنسان ساقطاً منه على سطح الماء بسرعة عالية، يؤدي إلى تهشمه وكأنه يسقط على صفيح معدني مستوي من أعلى عمارة بأربعون طابقاً، أي النتيجة ستكون بشاعة المشهد وقسوته.
ألفَتتْ جمعيات حقوق الإنسان النظر لذلك، وباركتْ البلدية جهود الحد من ظاهرة الانتحار منه، وقالت أنه حتى لو أن الواثب كان سباحاً ماهراً، فإن احتمال إصابته بالسكتة القلبية هلعاً قبل وصوله سطح الماء أمراً هو وارد أيضاً ...
كل هذه الحجج التي وُضعت أمام إدارة الشركة التي تقوم بصيانة الجسر، لم تُثنِها عن رفض فكرة (تسييجه)، مبررة ذلك باختلاف حسابات مقاومة الجسر للأعاصير والرياح، وبالنتيجة الخطر على متانته.
وأستـُعيضَ عن ذلك بمتابعة برنامج توعية كلف ملايين الدولارات ـ أكثر من تكلفة بناء السياج المقترح نفسه ـ وإنتاج فيلم يَعتبر الوثوب من عليه، سلوكاً (مَشيناً) ومخالف للتمدن والإنسانية !
من بين طُرق مكافحة هذه الظاهرة، قامت إدارة الجسر بوضع (لافتات) تمنع تصوير أي شخص يُقدم على الانتحار، وكتابة تحذيرات على جوانبه (تمنع) الانتحار و(تتوعد) المُنتحر، إن لم يكن في الدنيا، ففي الآخرة !
كما قامت بعلاج سيكولوجي لبعض من 26 شخصاً هم فقط من نجوا ـ لحسن حظهم ـ حين وقعوا بشكل عمودي على أقدامهم بالبحر، وتم تسجيل لقاءات معهم يَصفون ما أحسّوا به خلال الثواني الأربعة (الطويلة) التي مروا بها، بأنه الموت بعينه، الأمر الذي جعلهم يُغيروا رأيهم، ولم يفكروا بتكرار ذلك، وقرروا جميعاً البدء بحياة جديدة !
وأوصت بلدية المدينة بالتوقف عن عمليات إحصاء أو نشر تقارير صحفية عن محاولات الانتحار الشائعة من على الجسر، تلك التي تبلغ حوالي عشرون (ناجحاً) بالانتحار سنوياً، أي شخص ونصف بالشهر، وبمعدل نجاة لا يتعدَ واحد (فقط) كل ثلاث سنين.
× × ×
المثير بالأمر، أنه جرى المنتحرون على تقليد أنهم يقومون (بخلع) حذائهم على رصيف الجسر ودس رسالة مقتضبة فيه، تشرح وتُبرر سبب وظروف إقدامهم على ذلك ... مع وداع حزين !
وحينما لم تنجح جهود إدارة الجسر وجمعيات التوعية ووسائل الإعلام بإيقاف عمليات الانتحار البشعة من فوقه، حتى أبواب كاتدرائية (سانت ماري) طـُرِقتْ بحثاً عن حلول (دينية ودُنيوية) قريبة من الرب، عِظات وقُداسات وصَلوات غفران كل يوم أحد !
وحين لم يبق ما يمكن أن تفعله الإدارة ... قامتْ بتعليق (فردات) أحذية لبعض ممن تركوها قبل الانتحار عند مداخل الجسر ...
(فردات) الأحذية المُعلقة هذه، لم تكن (تعويذات) تحفظ الجسر كما يظنها البعض، بل هي لتذكير من سوف يُقـْدم على الانتحار لاحقاً، بأنه لن يبقَ من ذكراه لدى أهله ومُحبيه سوى ... (فردة حذاء) !
عماد حياوي المبارك

× يستقبل جسر (البوابة الذهبية) سنوياً ثلاث ملايين زائر، وتؤخذ على جوانبه مائة مليون لقطة لصورة (ديجيتال)، يَحكي من خلالها قصة انتصاره في تحديه لغضب الطبيعة وبقهره الهزات الأرضية وارتداداتها وقوة الرياح التي تتسبب بتأرجحه على الدوام، والتيارات البحرية الشديدة التي تحدث عند التقاء مياه الخليج بمياه المحيط، وكيف أنه ينجح بتذليلها.
× على الرابط مقطع من الفيلم الرائع ...
Rise of the planet of the Apes
http://www.youtube.com/watch?v=77hZlEy5gYg
http://putlocker.bz/watch-rise-of-the-planet-of-the-apes-online-free-putlocker.html
لمخرجه (كنث توران) أنتج في 2011 ، يتم خلاله تصوير (افتراضي) لبعض اللقطات المهمة والرائعة بتقنية (ثري دي) للفيلم على جسر (البوابة الذهبية).
يتحدث الفيلم عن أبحاث لرفع ذكاء قرود الغوريلا ـ الأذكى بعدنا في المملكة الحيوانية ـ ويرتقي أحد القِردة لمستوى ذكاء أعلى ويستطيع النّطق، فيقود ثورة للتحرُر من زنزانات مركز البحوث في (سان فرانسيسكو) ويتجه بهم (عبر جسر البوابة الذهبية) الى الغابات خارج المدينة، لتقوم مُنازلة بينهم وبين قوات الشرطة التي تمنعهم عبور الجسر، فينتصرون فيها وينجحون أخيراً بالعودة لمحيطهم الطبيعي في الغابات المجاورة.



#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)       Emad_Hayawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صلاة ... وأنفجارات
- سوق (حانون)
- سالميات
- رقصة الموت
- خروف العيد وخرفان أخرى
- السيد فايف بيرسنت
- واحد سبعة
- حين لا ينفع اليمين !
- سقف العالم
- الرقة
- جوزتو
- وداعاً سنت كلاس
- تيتي ... تيتي
- بركاتك شيخ سلام
- أنتوشات
- شيخصملي
- أرنبون


المزيد.....




- رائدا فضاء روسيان ينفذان مهمة خارج محطة الفضاء الدولية
- يا لولو يا لولو في نونو .. تردد قناة وناسة كيدز Wanasah 2024 ...
- كرواتيا تستقبل أول دفعة من مقاتلات -رافال- الفرنسية بالمياه ...
- لولو صارت شرطية.. تردد قناة وناسه بيبي الجديدة 2024 على جميع ...
- الشاي السيرلانكي مقابل التكنولوجيا الايرانية
- هل تنتقل المواجهات النووية إلى الفضاء؟.. وما خطورة نظام النب ...
- شاهد: ارتفاع قياسي في مستويات المياه تزامنًا مع فيضانات تضرب ...
- ريابكوف: روسيا تعد مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي يدعو لمنع س ...
- كيف أثر التغير المناخي على شدة أمطار الإمارات وعُمان؟ دراسة ...
- الرواد الروس يخرجون بأول مهمة إلى الفضاء المفتوح لهذا العام ...


المزيد.....

- المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B / أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
- ‫-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط ... / هيثم الفقى
- بعض الحقائق العلمية الحديثة / جواد بشارة
- هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟ / مصعب قاسم عزاوي
- المادة البيضاء والمرض / عاهد جمعة الخطيب
- بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت ... / عاهد جمعة الخطيب
- المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض / عاهد جمعة الخطيب
- الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين / عاهد جمعة الخطيب
- دور المايكروبات في المناعة الذاتية / عاهد جمعة الخطيب
- الماركسية وأزمة البيولوجيا المُعاصرة / مالك ابوعليا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - عماد حياوي المبارك - البوابة الذهبية