|
بركاتك شيخ سلام
عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)
الحوار المتمدن-العدد: 4650 - 2014 / 12 / 2 - 18:34
المحور:
الادب والفن
كانت أمي تقول : الجنون فنون، في المائة تسعاً وتسعون ! شاب انعزالي كثيف الشعر لدرجة التقاء لحيته بشعر صدره، كان (غريب الأطوار) فمثلاً لا يحلو له فتح باب كراج بيتهم الواسع بعرصات الهنديه إلا متعلقاً بيديه (كالقرود) بالقمرية الممتدة على طول الكراج معتمداً على قوته البدنية. كان يفضل حين يمارس هوايته المفضلة (اليوغا) أن يلبس (شورت) وفانيلة وينتعل صندل جلد فاخر وقبعة طراز (كاوبوي أمريكي). وكان أبوه تعمل مقولاً من بين عدد قليل من المقاولون ببغداد في أعوام السبعينات، وغالباً ما تقضي العائلة الصيف (برّة) بلندن. × × × أنه منتصف شهر أيلول سنة 76 ، وكنتُ بانتظار نتائج القبول المركزي، أقوم بزيارة لأخي (صلاح) الطالب مرحلة ثانية بجامعة البصرة، وقد أستأجر شقة مع بعض الزملاء بشارع الوطني عمارة الطحان، كان أحدهم ... سلام. كان الدوام لتوه قد بدأ، وبينما يعبُر الطلاب (بالطبكة) شط العرب الى (التنومة) حيث مباني الجامعة، كان يقضي سلام كل وقته على شط العرب يرسم بالفحم على الورق حتى عودة الطلاب عصراً ! سلام بنفس (كعدته) غير مكترث بحرارة شمس البصره أو الغياب عن الحصص، وحين نقترب لنشاهد ما جادت به أنامله، نجدها مجرد أشباح و(صخام)، لا نخل ولا شجر، لا نهر ولا بشر ! ـ شنو هالشخابيط ؟ علقوا الشباب بخبث، أجابهم ... ـ تا ... تا ... تا ... ـ شنو يعني يا سلام ؟ قال : أنا أرسم الاصوات التي أسمعها يا جهلة ! رزّل الجميع (بنزاكة)، لكني كنت الأبعد واستهوتني فلسفته أن نرسم الأصوات، في الشقة، راح الزملاء يرسمون (الأصوات) كلٌ على طريقته، لكن على الحيطان، سيارة من صوت العادم، حمار يسحب عربة نفط من صوت نهيقه، مركب بخاري مما يصدره عمود دخانه ... حتى امتلأت المساحات كلها. تطورنا لنرسم الأغاني، الحب كدة وأحدهم يؤشر على قلب يذوب ويقطر دماً، ويا مسهرني وثانٍ يجالس الوسادة وقد ابتلت بدموعه، وخليك وثالث مثبتة أقدامه بمسامير، سلام أختار أغنية شريفه فاضل التي تقول ... فلاح كان فايت بيغني من جنب السور شافني وأنا أجمع كم ورده بطبق بلّور رسم بالفحم، الفلاح والسور وباقة ورد و(ماعون مكسور) وهو يردد ... ـ بطبق مكسور ... ونحن شكلنا كورس يكرر : بطبق مكسور ... بطبق مكسور ! × × × في الليل (يفرّش) الشباب أسرة حديدية على السطح، يجالسون كالعادة (لؤلؤة وشهرزاد وفريدة) والمشترك للجميع ... فستق (علي بابا). سأله أحد الزملاء : وين قضيت العطلة هالسنة ؟ عقب ثاني : رحت وية أهلك للندن ؟ أجابهم : رحت للهند. أجابوه : مو العام الماضي كنت هناك، هو كل سنة تروح للفقر وتارك العز ! قال : أول سفرة رحت درست قواعد اليوغا، لكن هالمرة رحت دا أتأكد من شيء شفته بسفرة العام، وما خش عقل أي أحد خبرته به ! ثم أكمل : العام الماضي شفت فد شو (عرض) جوّه خيمه في قرية بشمال الهند، فد شيخ عزف بالناي أمام حبل، مثل ما يعزفون للكوبرا، دكوا ربعه دنابك وطبول، وشعلوا نار وبخور، بعد ساعة، وكف الحبل لوحده، بعدين اُمر الشيخ ولد بأن يتسلق الحبل، فصعد ليفوك ثم امره ينزل فنزل، بعدين رجع كل شيء للأول... ثم أكمل : لكن ماكو أحد ممن خبرتهم بالمشهد صدقني، فرحت مرة ثانية وصورتهم بالخفية. ـ أكيد معلك الحبل من فوك بشيء مخفي وما شفته من الدخان، مو ؟ سأله واحد وتوقع ثاني : لو بدلوا الحبل بعمود، دوختكم طبولهم، ها ؟ ـ لا بابا ... لا هذا ولا ذاك، فن الايحاء ! ثم شرح لنا ما حدث بينما شارفت محتويات قناني (الكحوليات) على الانتهاء من الانتقال كلياً لكروشنا ... لقد سيطر الشيخ على تفكير قلة من الجمهور(الاجانب) المتواجد، وأوحى لهم بأن الطفل سيتسلق الحبل وكرر ذلك لعدة مرات، كنا تحت تأثير خارجي وبين جمهور معظمه من أتباعه، وهكذا استطاع أقناعنا بما يقوله، لكن الكامرة لم (تقتنع) ولم تسجل اللقطات أي شيء، فقط ظهر الشيخ بالصورة وهو يرفع رأسه للاعلى، وكأنه ينظر ويتكلم مع الولد وهو صاعد فوق، لكن الحقيقة كان الولد يجلس بمكانه ولم يبرحه. ولما أعجبه ما حدث وقالوا بأنه فن الأيحاء، قرر أن يدرسه، ثم وضع يده على صدره وقال ... ـ درست شهر وجيتكم، وهاي المداليه بصدري شهادتهم، لعلمكم حتى اللي ينزل من السماء هو أيحاء ! صاح الجميع بلسان ثقيل : أستغفر الله ... أستغفر الله. ثم تعالت الأصوات والضحك و ... ، علق من علّق و(نصبوا) عليه كالعادة و(أنبطح) الكل سكران على أقرب فراش للنوم. في هذه الساعة المتأخرة، كان شارع الوطني يعج بصخب الملاهي وسيارات (كويت خصوصي) ! أما سلام فراح (يرصد) بنات روسيات داخل عمارة لأسكان عمال النفط عبر الشارع ... الى أن (لعلع) صوت صياح لواحد سكران من (جوّة) بالشارع (يقسملنا) أنواع السب و الغلط والشتائم، ابتداءاً بنا ثم أنتقل لقيادة الحزب والثورة، مما أستوقف الجميع خشية (الاقلام الشابة) ! ولم تجدي تهديدنا إياه ولا توسلاتنا به لانصرافه، حتى صاح سلام بنا : ـ خلّوني أتولى مهمة أسكاته ... وبكل ثقه وثبات ومن خلف (محجّر) حديدي بالسطح، ضغط على ميداليته بيد، بينما أدخل يده الأخرى بجيبه وصاح بالسكران : ـ لك أبن الكلب باوع علي ... خلال دقيقتي صمت وترقب من قبلنا، بادله (سلام) بنظرات حادة وبتركيز شديد، أشعرتنا بأنها ربما ساعة زمن، ثم أخرج كفه من جيبه على شكل مسدس ووجّه أصبعه صوب المسكين وصرخ به : ـ تا ... تا ... تا ... أمام دهشتنا ودهشة كل مَن تجمع بالشارع، كانت أطلاقاته (بالتاتات الثلاث) كافية لاسكات الرجل، بل وأردته (نائماً) على حافة الرصيف ... حتى الصباح ! كنا ومن هول الصدمة ولا ارادياً نردد : بركاتك يا شيخ سلام، بركاتك ... أما شيخنا البطل، فنفخ بأصبعه وكأنه بطل فلم (كاوبوي) وقد أردى خصمه قتيلاً ليُعلن للجميع بأنه قد ربح بقوة الايحاء ... المنازله ! عماد حياوي المبارك ـ الهند ، عفواً البصرة شارع الوطني ـ ايلول 1976
#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)
Emad_Hayawi#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أنتوشات
-
شيخصملي
-
أرنبون
المزيد.....
-
حارس ذاكرة عمّان منذ عقود..من هو الثمانيني الذي فتح بيوته لل
...
-
الرسم في اليوميات.. شوق إلى إنسان ما قبل الكتابة
-
التحديات التي تواجه الهويات الثقافية والدينية في المنطقة
-
الذاكرة السينما في رحاب السينما تظاهرة سينما في سيدي بلعباس
-
“قصة الانتقام والشجاعة” رسمياً موعد عرض فيلم قاتل الشياطين D
...
-
فنان يعيش في عالم الرسوم حتى الجنون ويجني الملايين
-
-فتى الكاراتيه: الأساطير-.. مزيج من الفنون القتالية وتألُق ج
...
-
مسرحية -أشلاء- صرخة من بشاعة الحرب وتأثيرها النفسي
-
الجمعة.. انطلاق نادي السينمائيين الجدد في الرياض
-
غدا.. اجتماع اللجنة الفنية للسياحة العربية بمقر الجامعة العر
...
المزيد.....
-
رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع
/ رشيد عبد الرحمن النجاب
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
المزيد.....
|