أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد حياوي المبارك - أنتوشات















المزيد.....

أنتوشات


عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4648 - 2014 / 11 / 30 - 17:03
المحور: الادب والفن
    


أنتوشات

في يوم ما بينما كنت في المتوسطة ، علق بذهني شيء وضل يراودني كأنه حلم ، فقد اصطحبنا الوالد للسيرك البلغاري بخيمة واسعة وجميلة ، ترفرف فوقها الاعلام الملونة ، نصبت في مقابل معرض بغداد الدولي (نادي الكرخ حاليآ) ، وحينها بدأ السيرك بأستعراض رائع مع موسيقى واضواء مبهرة (في وقتها) لنا ، وكان العرض يتضمن فقرات منوعة وتخللته العاب أكروباتيك ولوحات استعراضية وفكاهية وعرض للحيوانات الاليفة وآخر للمفترسة ، ولازلت اذكر بعضها بصعوبة حيث كنت أجلس مع اخوتي كأطفال قريب جداً وبالصف الامامي .
ولكن ما لم يمحوه الزمن من ذاكرتي هو اني لاول مرة بحياتي ارى بحق وليس على شاشة ، ومن مسافة متر واحد فقط ، فتيات بلباس البحر (البكيني) ، دفعني المشهد للتسائل :احقاً ماكنا نراه بالسينما موجود في الواقع ؟
ـ ام هن مجرد مليكانات تسللن من (مغازة الافراح) وقد دبت فيهن حياة ؟ أضفت وقلبي يخفق طرباً .
وسرعان ما اعطتني هذه الحوريات الاجابة (بالفم المليان) : نحن حقاً بشر ونعيش في الواقع !
ومع ذلك كنت اصدق عيني احياناً ، واخرى كنت اكذبها ، لكني على اية حال طاب لي ان اسمي من على شاكلتهن ... أنتوشات !

× × ×

بعد ذلك بسنوات ، في اواخر السبعينات انفتح المجتمع العراقي بشدة على الخارج ، وفتحت النوادي والكازينوهات والبارات بكثرة ، وسادت البلد موجة من (الفرق الراقصة) تجوب النوادي الليلية .
وقد اشتهرت البصرة بملاهي شارع الوطني وبغداد بالسعدون والمسبح ، ومنها السفارة (الامبسي) ولوكال والاجراس والطاحونة الحمراء (المونا روج) في ساحة عقبة وكانت ذائعة الصيت .
وكان شباب بغداد المدلل ولكونهم لايزالوا (زكرتية) ، يدفعهم الفضول لاستكشاف هذا العالم الغريب (الممنوع) ولو لمرة واحدة ، ليس لغرض (دنئ) لاسامح الله ، وانما للابحار خارج الاجواء المعتادة ـ وبحدود معينة ـ لمعرفة ما يصح مما لا يصح بأستقلالية عن مصدر القرار الذي تعودوا عليه وهو البيت !
اما انا ، فأني اصدقكم القول ، كان استكشافي له بمسبب آخر ...

فبينما كنت في محل والدي بشارع النهر ، كان بضيافتي احد اولاد عمي الاصدقاء ، وقد (كافحه) ابوه من محلهم في ركن الشارع الاخر لامر بين الاخوين ...
ـ ماداما بنقاش خاص بعيداً عنا نحن العذال ... قلنا ، فلنتحدث نحن بأسرارنا ايضاً !

وبدأ يسترسل كيف انه تفاجأ حين لبى دعوة لصديق بمصاحبته لملهى الامبسي بالمسبح وكيف ان شعلة مصفى الدورة عبر دجلة تنعكس احياناً على اجساد الراقصات فوق (الستيج) لتضيف لحركتهن ... حركة ، حلم عاشه بالامس القريب ولا يجرء على تكراره خوفاً من (سخط) عمي عليه .

وبينما فضولي يمتد لأقصى حد ، وعيوني هي الاخرى على اوسع حد ، واسئلتي ليس لها ايضآ ... حد ، واذا بفتاتين من جنوب شرق اسيا يدخلن المحل ، جلست احداهن وأجهشت بالبكاء ...
ـ ما المشكلة صحنا بالانكليزية ؟ وكلنا رحمة وشفقة ، اجابت بلغة ركيكة وبالاشارة ان محفظتها فقدت وفيها (كروة) التكسي للعودة للكرادة حيث تسكن .

وهنا كان (للغيرة) اليعربية دورها في حلحلة المشكلة واحتوائها ، ورحنا لابعد من ان نسلفهن (دينار) كان يفي بالغرض ، الى (التطوع) مجاناً لايصالهن شخصياً بسيارتنا للفندق !
وبينما عاد الوالد كانت الانتوشتين بالانتظار خارجاً و(فلتنا) لبارك الغريري حيث سيارة (الفيات 132) بالانتظار لتقديم هكذا خدمات مجانية تحسدنا عليها عيون العذال ، سيما بعد ان نقص عليهم تفاصيل (المغامرة) مع شوية ملح وبهارات (تفلفلهم) ، فقد كان الشاب منا يبذل الجهد للحصول على فرصة لمصاحبة (بنية) حلوة امام الاخرين وتحقيق (نصر) يحسب له على الساحة !

هذه الهواجس كنا نحن كشباب جميعاً نعيشها ، وكانت ببراءة لا تتعدى حدود كلمة وموعد ولقاء ، تحددنا تقاليد المجتمع وشعورنا بالمسؤولية تجاه سمعة وكيان صديقاتنا ...

وبالمناسبة ... قبل ايام ذكّرني بذلك (النضال) مشهد بالمحطة هنا بهولندا ، فقد نزلت من القطار طالبة شابة تحمل بمشقة (لاب توب) وكتب اخرى ثقيلة ، ولم تلحق المسكينة بالباص ، ويبدو انها تعيش بقرية قريبة ولا سبيل الا الانتظار ربما لساعة اخرى ، وراحت تتوسل بشاب في بارك المحطة لايصالها بسيارته ، فشلت معه ومع سواه واستسلمت لامرها ... وما لفت نظري هو اعتذار الجميع لها ...
قلت في نفسي : والله لو انتي ببغداد ياحلوة لتعاركوا (ولد الحلال) لتوصيلج للمريخ لو رغبتي !

نعود لقصتنا ، بطريق ايصال الانتوشات للكرادة ، شعرن (طبعاً) بالجوع وكنا بالقرب من (مطعم فيتامين) ، كلاص بيرة درافت مثلج ونفر كص فض الشغلة وملأ البطن ، وهنا عرفتني احدهن بنفسها : (أينا) ، أهلا وسهلا انا (ايماد) !

وهكذا حصل التعارف وظهر ان الانتوشتين يعملن ضمن فرقة استعراضية مكونة من 15 انتوشة وانتوش واحد هو مسؤول كل شيء ، من الحسابات لادارة الدي جي للاهتمام بهن والسيطرة عليهن . واول ما رآهن معنا بالسيارة عند باب الفندق غيم و (ركبه ميت جني) ، الا انهن دعننا مساءاً (للنادي الليلي) حيث عروضهن هناك .

فلتنا كل من بيته بحجة الدراسة عند صديق ، و وصلنا (للنادي) واذا بحائط امامنا عند باب الاستقبال يمنعنا من الدخول ، كان الاخ (بدي كارد) ولم تقنعه (هيئتنا) اننا ممكن ان نكون رواد المكان !
الا اننا صممنا وطلبنا (أينا) شخصياً لنجدتنا ، وكان لنا ما اردنا ، دخلنا واذا بمجموعة انتوشات فلبينيات تحوطنا ، نفس الشكل والحجم و ... اللون !
وما ان جلسنا على منضدة بين (العربنجية) حتى لفتت نظري لوحة معلقة على الحائط ، يبدو انها منذ زمن سابق ومكتوب بالنص عليها ...

زبوننا الكريم ، أسعار وزارة الاقتصاد :
سعر بطل بيرة 250 فلس
سعر بطل بيرة للمجالسة دينار و 250 فلس !

حين بدأت (نمرت) الانتوشات ... عاد بي الزمن سريعاً سنوات للوراء ، للسيرك البلغاري اياه ، وكانت دقائق غريبة عجيبة مليئة بالمفاجأت ، عدنا لبيوتنا سريعاً بعد ان جرى اغرب (سيرفس) لنا ، فقد جاء الكارصون عدة مرات متتالية يسأل عما نود شربه ، وما ان سمع لثالث مرة نفس الجواب : بعدين ... بعدين ، أستأذن بأخذ النفاضة ، بعد دقائق الكلاصات ، ثم بأخذ الكراسي الاخرى ، وهنا سكر الاخرون ورقصوا وهوس من هوس ونثر من نثر وصارت هالة من دخان السجائر والشموع اختلطت رائحتها برائحة (الميك آب) المتسيدة المكان ...
واخيرأ جاء صديقنا (البدي حائط) وبدون استأذان وسحب الميز برشاقة ، وهنا شعرنا بأن الدور وصلنا ، احترمنا نفسنا و ... شلعنا !

في الايام التالية التقينا معهن ببراءة في النهار بعيداً عن صخب المكان ، وبالتحديد بحدائق المسبح وبمطعم قصر الشوق لصاحبه (ميخا شمو) ابو زميلي بالجامعة (ناجل) ، وكان (الكارصونات) يدللوني شوية زايد ، وهنا ادعت احداهن ان يوم غد يصادف عيد ميلادها وحددت هديتها (زوج تراجي ذهب) ، ناورنا لايام لكن كان علينا البحث عن مخرج او خسارتهن ، ثم وجدنا الحل يكمن في (سوق دانيال) حيث مزيد من الاكسسوارات ، نشتري ونطلي ذهب والله كريم ...
وقلنا : خوش حل لحين ما تصدي وتسود ويكتشفون انها (مو) ذهب ، وقتها يحلها حلال !

وما ان سلمنا الهدية بعلبة قديفة انيقة ، تشكرن منا كثيراً ، ثم سرعان ما قامتا بتعريفنا على انتوشتين اخريتين بحجة انشغالهن عن الاستمرار بمرافقتنا ، ومن ثاني موعد مع الجدد (صادف ايضاً عيد ميلادهن !) مما تطلب الذهاب لسوق دانيال ... وهكذا تكررت لعدة مرات ... نحن لم نحس بأي فرق من مصاحبة اي (كبل) ، كون الانتوشة الفلبينية مكررة نفس النسخة !
وهن نفس الكلام والدلال والطلبات و ... اعياد الميلاد !
ويمكن كلهن بجواز واحد ... الله اعلم !

بعد شهرين انتهت فترة عقد عملهن بالعراق ، والتراجي تلعب باذاناتهن (جميعهن) ... وجاء يوم توديع (سيت) الصديقات . وهكذا سافرت الفرقة بعقد جديد ليوغسلافيا .

بعد شهر واذا برسالة للمحل من (أينا) ، خفت افتحها لتوقعي (انتفاضتها) علي بسبب اكتشاف امر هدايانا (الذهبية) لهن ، لكنها فاجئتني بأشتياقهن وعدم نسيانهن ايام جميلة ، وقالت ان الجمهور اليوغسلافي (جنتل مان) لكنه مفلس ، عكس العراقي (عربجة) لكنه ... كريم !
ومع الرسالة صورتها ملونة واهداء رقيق وعنوانها ...

تساءلت ، ياترى ما اجبرها على هكذا رسالة وهي لن تعود يوماً ، فقد كان لها بالعراق سابقاً مصلحة في نزهة او عزومة او هدايا (ذهبية) ، ألم تنتفي الان ونحن على بعد الوف الكيلومترات ...
وتساءلنا : يجوز طلاء التراجي بعده شغال وما صارن سود ؟
بصراحة ... شنو اللي غزر ، لم ندري !
لكننا على اية حال ، رحنا تشكرنا من (معميلنا) ابو الطلاء بسوك السعادة على ... شغله النظيف !

التوقيع : ( ع . ح . م ) شارع النهر
1977
ملاحظة : الرجاء خلو السالفة سر بيننا !!!



#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)       Emad_Hayawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شيخصملي
- أرنبون


المزيد.....




- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد حياوي المبارك - أنتوشات