أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد حياوي المبارك - وداعاً سنت كلاس















المزيد.....

وداعاً سنت كلاس


عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4652 - 2014 / 12 / 4 - 15:20
المحور: الادب والفن
    


وداعاً سنت كلاس

في العام 1975، وبينما كنتُ وسط الزحمة أهمُّ بمغادرة سينما (الوطني) في البصرة، سمعتُ أحد الروّاد يهمسُ باُذن صاحبه ...
ـ مَ دَ تشوف القصة فاكسة ؟
أجابه : إي والله، حتى إسم الفلم مابيه معنى !
كان حالهم بذلك، كحال كثير غيرهم ممن قطع تذكرة، يأملون بأن يشاهدوا فيلماً يتحدث عن مغامرات أطفال أشقياء، أو لـ (لقالق) تبني فوق المباني أعشاشاً لها ...
خيبة الأمل التي أصابتهم، كانت بسبب كون الفيلم ذا نمطاً آخر لم تألفه صناعة السينما ولا روادها، فيلماً دوّى صداهُ داخل دور العرض وخارجها على إمتداد الأرض ... وداعاً ايها اللقلق
× × ×
من خلال (المدخنة) في بيتٍ أوربي تقليدي، تبدءُ كثير من الحكايات، وتكبر معها أحلام الاطفال الصغيرة شيئاً فشيئاً، لكن عندما يشِبّوا، يَفيقوا على صدمة ومفاجئة، بأن تلك المدخنة غير قادرة أن تلدُ يوماً أخا صغيراً أو دميةً جميلة، وليس بمستطعها أن تعطي لنا سوى الدفءَ ... والرماد !

أولادنا وفي الوقت الذي سوف لن يتذكروا سوى النزر اليسير من صِدقنا معهم، لن ينسوا كذبة أطلقناها وإنطلت يوماً عليهم، بابا نوئيل وسنت كلاس وحكايات الأطفال الخيالية الجميلة، كونهم لم يألفوا بعد، مفردات العالم من حولهم، كذب ونفاق وخديعة، تلك التي (تتخمّر) حين تدور سنين العمر ... وتغتال البراءة فيهم.
× × ×
في نهاية عام 1995، كان ولديّ بعمر 6 و 3 سنوات، أخبرتهما بأن (بابا نوئيل) وبمناسبة (الكرسمس) سيجلب لهما منتصف الليل هدية جميلة حين يأتيهم طائراً بعربته وأحصنته.
وكنت ودون علمهم قد أعددتُ مفاجئة لغرفتهما، عبارة عن ساعة منضدية فيها منبه هو طير (نقار الخشب) يقوم بالنقر بحركة رشيقة على لوح خشبي حينما تدق.
ولكي تُعجبهم الهدية ويتمتعان بها، حكيتُ لهما بشكل غير مباشر عن طير (نقار الخشب) وكيف يحفر عشه بجذوع الشجر لحين ما أخذتهما (الغفوة)، فوقـّـتها ووضعتها بين سريريهما.
وحين دقت في أول صباح من العام الجديد وأوقضتهما، أسعدهما مشاهدة الطير يلهو أمامهما وينقر بالخشب.
لكنهما لمّا كبرا، وكلما يشاهدا فلم كرتون (نقار الخشب) يتذكرا هديتهما وبابا نوئيل، وكيف تمّ إستغفالهما يوماً، ويشعرا أنها أحدى (الخِدع) التي لا تزال تـُحاك سنوياً وتنطلي على ملايين الأطفال !

من خلال شخصية (بابا نوئيل وسنت كلاس) ومن دروس فيلم (وداعاً ايها اللقلق)، هنالك رسالة مشتركة واحدة موجهة لنا نحن الآباء مصدرها أطفالنا، كي نصحح محاكاتهم وندرك أنهم وَعَوا الحياة أكثر مما نظن، ولم يعُدوا تلك المخلوقات (الغشيمة).
وأنه لمن الخطأ الولوج لعالمهم المليء بالشفافية والبراءة، من خلال إكذوبات ـ وإن هي بيضاء وبحسن نيّة ـ لكنها تنكتشفُ لاحقاً وسنتحمل وزرها !
× × ×
ما جعلني أشاهد (وداعاً أيها اللقلق)، غرابة إسمه وعاصفة الإنتقادات ضده، فـهو فلم مستوحى من إنتصار الطبيعة والإرادة الإنسانية، متمثلة بحفنة صبيان يُخبرونا بأن حكاية أخيهم الوليد الذي يأتي به اللقلق من خلال المدخنة، لم تَعد تنطوي عليهم، وأن السيد (لقلق) لا يطير اليوم إلا في عقولنا نحن الكبار !
مِحور الفيلم يدور حول مجموعة مراهقين في مدرسة متوسطة، ينشأ تقارُب وإستلطاف بين زميلة وزميل، وعندما يختليا ببعض، تفعل الغريزة فعلتها دون إدراك، ليقول الفيلم بأن الأرتباط بين ذكر وأنثى هو ناتج طبيعي لحفظ النوع، ويدعوا مخرجه الأسباني الى ضرورة تبصير الأولاد كي يعَوا ما ممكن أن يحدث، ويقدم رؤية الطبيعة بأن الاتصال (جسدياً) ممكناً في سناً مبكراً.

يستمر الفلم بإحداث متوالية، حيث تصبح البنت حامل، ويدرك الأولاد القـُصّر بأن أخوتهم الصغار لن يأتوا ملفوفين بقطعة (قماط) معلقة بمنقار لقلق ليدخلوا من خلال مدخنة، وإنما من خلال أسمى العلاقات بين المخلوقات وأرفعها وأنه كان ثمة خِدعة يبثها الأهل في عقولهم.
وينشأ تحدي بين الأولاد متسلحين بالإرادة ضد رأي سائد في المجتمع، كون هكذا سن مبكر غير مؤهل لشهور حَمل وآلام ولادة، فيتفقواعلى إخفائها، ويوفروا من مصروفهم ومقتنياتهم ما يتطلب رعايتها وتدبير مستلزمات ولادتها، وكانت تُبهرهم تغيرات فيزيولوجية تطرأ عليها، في إختلاف شهيتها وميولها ومزاجها وطريقة مشيتها وحركتها، لم يألفـوها من قبل.
وهكذا تتطور دراية الأولاد أكثر عندما يبحثوا في أوراق الكتب وبين دهاليز المستشفيات، حتى جاء يوم المخاض، فمدّت الطبيعة يد العون لهم وقالت كلمتها، فالمرأة كأي لبون أنثى آخر، تقوم غريزتها بتوجيهها بالوضع الطبيعي للولادة، وهكذا يولد طفل معافى، أبهرَ الجميع وأسعَدَهم، ثم وبشكل غريزي أيضاً تضعه اُمه على صدرها لتشمله بحنانها وتشم رائحته وتحس بدقات قلبه وأنفاسه في مشهد رائع من مشاهد الخلق العظيم ... ما أروعها من لحظات تنتصر فيها ارادة الطبيعة.

بالفيلم الأسباني الشهير (وداعاً ايها اللقلق) المتداول بلفظه الانكليزي (كـُـد باي مستر ستورك) المُنتج في عام 1971 لمخرجه الاسباني (رافائيل كوفاس)، وتمثيل الطفلين ماريا ألفاريو وفرانسيسكو فيلا.
Goodbye mister stork
ممكن متابعة الفلم من خلال اليوتيوب أو معلومات عنه من الكوكل، بكتابة
adió-;-s cigüeñ-;-a señ-;-or

كان الفيلم مؤثراً بمحاكاة القيم الإنسانية بأن الطفل لا يولد الا من خلال طقوس لا يصلح سواها للمحافظة على النوع، وكيف تمكنّ النساء من ولادة أطفالهن في أزمان سابقة في الكهوف وتحت الاشجار وبعمر صغير.

بعد عرض الفيلم (الجريء)، اُثير نقاش محتدم في أوربا عن ضرورة العناية بالقـُصّر وترك المخاوف جانباً، بتنويرهم حول أساليب قيام علاقات سليمة بين الجنسين، ونجحَ الفيلم بوضع اُسس قيام إعلام وسينما جنسية تربوية هادفة تدعو لتبصير الأطفال بأن إخوتهم الصّغار إنما يولدوا من رحَم أمهاتهم.

بعد عشرات الأعوام على إنتاج هذا الفلم، لاتزال أساليب التربية الجنسية ـ حتى في أوربا ـ تـُعد متخلفة في إعداد الطفل، فعلينا نحن الآباء أن لا تبدأ عندما يكبر أطفالنا ويصبحوا مراهقين، فيبحثوا بشكل عشوائي عن أجوبة لأسئلتهم الجنسية من خلال الوسائل المتاحة، وأن لا نـُكرر أخطاء آبائنا، فالوقت تغيّر وجاء اليوم الذي لم يعُد فيه أولادنا الصغار ينتظرون مجيء (مستر ستورك) حاملاً لهم أخيهم الوليد.
هذا ما توصلت له دراسة ألمانية حديثة بأن المناهج الدراسية والتربوية الحالية لا تزال عاجزة عن كشف مكونات أجسادنا بشفافية أكثر، وعن شرح وظائفها بدقة.
× × ×
في هولندا وبلجيكا، في الخامس من ديسمبر تقوم المدارس الابتدائية ورياض الأطفال والأماكن العامة بإقامة مهرجانات شعبية مخصصة بإستقبال القديس (نيكولاس) بملبسه المهيب وقبعته الحمراء وقفازاته البيضاء، مع مساعديه السود الذين حررهم بطريق قدومه.
إنه فعلاً يوم فرح ومرح تتخلله ألعاب سحرية وتوزيع هدايا ونوع بسكويت خاص وزيارة الاطفال الأجانب وتقديم هدايا لهم بُغية الإسراع بدمجهم في المجتمع.

منذ مائة وخمسون عام يجري هذا التقليد السنوي بهولندا، بأن يضع الأطفال حذائهم بجانب الموقد ـ أو خلف باب الدار ـ وبداخله قطعة (جزر) كطعام لجواد فارساً يأتيهم من بين المساكن المتراصفة قادماً من إسبانيا، يتبعه مساعدين سود حاملين أكياس مليئة بهدايا وحلويات ودُمى.
يقوم الأطفال أولاً، بإنشاد إهزوجات معينة، ثم يخلدوا للنوم، فيأتي (سنت كلاس)* ويستبدل قطعة الجزر بهدية يضعها للولد العاقل والبنت الهادئة، للتلميذ الشاطر والطالبة المجتهدة.

وفي بعض المدن، يأتي القديس (سنت كلاس) بمركب في النهر لينزل حيث ينتظروه، فيستقبلهم واحداً واحداً ويناولهم الهدايا، بينما يصنعون أحذية من الورق ويلونةنها ويضعونها في رفوف في مداخل الأسواق ...

هذا الزائر ـ مالك القلوب ـ كان قد قَدِم من الاناضول (تركيا) في العام 1427 لينشر المحبة والاُلفة بين الناس، ويُحرر العبيد فيتبعوه كمعاونين له، فتغنّى به الشعراء وقامت بتمجيده أحلى الألحان ورسمه أشهر الفنانون وقلده أحسن الممثلون.
ورغم ان العائلة الهولندية تعدُّ أطفالها اليوم كما في السابق لتتلقى هداياه كتقليد سنوي، وتحاول جاهدة التمسك بما تربّت عليه، إلا ان مشكلة الحفاظ على هذا التقليد بدا أمراً صعباً، لان إنحساراً شديداً في أعمار الأطفال يزحف متحدياً إياها مدعوماً بتكنولوجيا المعلومات المتاحة، فبعد أن كان الأولاد بالأمس حتى سن 13.5 عام يؤمنون به، إنحسر العمر لتسع سنوات، وهو في تقلص مستمر !

وحال (بابا نؤيل)* اليوم ليس بأحسن من حال زميله (نيكولاس)، فقد هَجر الأطفال مواقدهم، وما عادوا يهتمون بمجيئه كثيراً، مثلما هجرت المواقد وأجوائها الرومانسية بيوتنا بمزاحمة تكنلوجيا التدفئة الحديثة.

والسؤال اليوم، هل ستكشف وسائل الإتصالات الحديثة للاطفال، حقيقة مصادر هدايا (سنت كلاس وبابا نوئيل) وستقطع عليهما سبيل المعروف، وهل سيأتي يوم، يقول لهما الأولاد، كما قالوا للسيد (ستورك) ... وداعاً ؟

عماد حياوي المبارك

× الجدل حول ما طرحه الفيلم في الثقافة الجنسية، لايزل أوربي أوربي، وسوف لن يصل ـ الجدل ـ لعالمنا العربي حول هذا الموضوع، على الاقل خلال سنين قادمة !
× عن الإمومة وسُموّها، سأل أمير المؤمنين (علي بن ابي طالب) إمرأة عن سبب قناعتها بأحقيتها حضانة طفلها من أبوه ...
فقالت له : لقد حمله صغيراً وحملته كبيراً، ووَلدَه بلحظة متعة وولدْته بلحظة ألم.
قال : إليكِ به فوالله ما قلتِ سوى الصدق.

وما دفعني ـ حقيقةً ـ لإعادة إرسال المساهمة، هو ما إستجد هذا العام بهولندا، فإن ـ سنت كلاس ـ الذي تُقام مراسيم إستقباله في كافة المدن، منذ وصوله هذا العام موانيء الشمال (مدينة خرونيكن) ونزوله الى الجنوب، أنه ولأول مرة يتعرض لإنتقاد، بل وتعدٍ جسدي ضد مَن يمثل شخصيته الوقورة، فقد حدث بأكثر من مدينة هولندية من قبل أشخاص يرفضون أن الجنس الأبيض يتحكم بأجناس ملونة، تتمكيج وتلبس الأقراط، ويعتبرون أن عصر (الرق) قد ولى، وبرغم أن القديس (سنت كلاس) ـ تقول الرواية ـ قد حرر العبيد، لكن ـ يقول المناوئون ـ أن أولائك السود مازالوا تابعين له.
هذا الأمر الذي بدأ يُقلق الآباء والمعنيين بهذه الإحتفالات على حد السواء، سيما كون الأعتداءات تحدث أمام أنظار الأطفال الذين يمضون الساعات بإنتظار رؤياه.



#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)       Emad_Hayawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تيتي ... تيتي
- بركاتك شيخ سلام
- أنتوشات
- شيخصملي
- أرنبون


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد حياوي المبارك - وداعاً سنت كلاس