أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد حياوي المبارك - واحد سبعة















المزيد.....

واحد سبعة


عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4658 - 2014 / 12 / 10 - 14:52
المحور: الادب والفن
    


في يوم واحد سبعة من كل عام، يتمتع الكثير من أهلنا ومعهم نصف العراقيين بعيد ميلادهم المثبت على الورق.
نبارك لمن لا يزال منهم على قيد الحياة بميلاده الميمون ونتمنى له دوام الصحة وراحة البال والعمر المديد بأذنه تعالى ونسترحم من هم رحلوا وتركوا في أهلهم وذويهم ومحبيهم الأثر الحسن والذكرى الطيبة.
عماد حياوي المبارك



واحد سبعة

في بداية السبعينات سكنَ جميع أعمامي الخمسة بغداد، وبقي فقط والدي يسكن (بعقوبة) التي تبعد أقل من ساعة بالسيارة، وكان كثير منا كأولاد عم وأصدقاء، عُمر متقارب... عُمر مراهقة.
وكان لنا في العطلة الصيفية في الأول من تموز في كل عام موعد ثابت نلتقي فيه بعد عناء عام دراسي، ننفض عنّا (غبار) الدراسة، فنجهز ملابسنا ونحضّر نكات جديدة وأهزوجات مميزة، ونوفر من المصروف ما سننفقه، لأن بهذا اليوم سيكون لنا الحرية بكل شيء (فري).
نتغدى كص من مطعم النصر أو البيادر ثم ندخل ظهراً سينمات شارع الرشيد، وننتقل عصراً لسينمات السعدون ونتعشى كباب أربيل أو (تيك أوَي) أبو يونان.
ولصعوبة التواصل من بعقوبة بأولاد عمنا ـ لصعوبة الأتصال بوقتها ـ نبقى أنا وأخي صلاح نؤكد على بعضنا الموعد قبل أسابيع منه، واحد سبعة ... واحد سبعة، كي لا ننساه ...
نحتفل بـ (واحد سبعة) دون أن ندري بأننا كنا نشارك (نص) العراقيين بعيد ميلادهم الذي كتبَ بشهادة ميلادهم بسبب جهل يوم الميلاد بالضبط ولأن واحد سبعة اليوم الذي يمثل منتصف العام !
× × ×
عن مفارقات يوم واحد ـ سبعة ، حكى لي أخي الراحل (طارق) عن سفرة له بمنتصف الستينات بالقطار مع زميلي جامعة لأوربا الشرقية عبر تركيا، حيث قام ضابط الحدود البلغاري بحجز جوازاتهم لأنه شك أن فيها أمراً (مريباً)، لأنه لاحظ تكرار نفس يوم ميلادهم، لكنه وبعد التأكد منها أعادها معتذراً وسألهم ...
ـ كيف هكذا صدفة بين ثلاثة اصدقاء، نفس اليوم ونفس الشهر ؟
وهنا تحيّروا كيف يوضحون له بأن مسألة جهل يوم الميلاد أو عدم تسجيل الأبناء فور ولادتهم، هو في السابق أمر شائع بالعراق !
× × ×
في سوق الصاغة بمدينة بعقوبة وفي يوم (واحد سبعة)، عشت تجربة فريدة شكلت مفصلاً هاماً بحياتي، فبينما كنت وأخي صلاح مع المرحوم أبي بالمحل ببعقوبة، وكنا نستعد لرحلة الغد في (واحد سبعة) وقد استكملنا جميع مستلزماتنا، جاءت امرأة ريفيّة تبيع (حجل) يزن تسعين مثقال، نعم حوالي نص كيلو، أول وآخر مرة أرى مثيله مصنوع من ذهب وبعيار عالي 22 ، ولعبت هذه (الزبونة) على أكثر من (حبل)، ودخلت بكل دهاء لأكثر من صائغ، وحيّرت سوقي الصاغة الجديد والعتيق، بطريقة تعاملها وحركتها المكوكيّة ...

أتذكر يومها كان يُباع مثقال ذهب عيار 12 بدينارين، أي حجل (أبو) عشرين مثقال يباع بأربعين ديناراً زائد دينارين أجور، وعليه فسعر شراء مثقال هذا الحجل، بحسابات ذهب عالي (نهورة) ولحيم واطئ(بيشة) تقريباً عيار 20 ، أي بحدود الثلاث دنانير.
وحار كل صائغ بكيفية جمع (حوالي 250 دينار) لأنه مبلغ كبير بوقتها، إلا أن والدي أستشف أنها تريد أستبداله بآخراً شبيهاً له لكن بوزن أقل، فأستطاع إقناعها بأنه سيدفع لها فرق السعرين ليتيسر عليه الدفع.
لكن المشكلة أنها كانت تريد أن تلبس الآخر مباشرة بعد أن يُملأ شمع ويبدو ثقيلاً، كي لا (يشتفينَ) جاراتها بها، فأقنعها الوالد بالانتظار للغد، لعدم توفر حجول ذات عيار عالي في سوق بعقوبة.
ولارتباط الوالد كل صباح بمصرف الرهون، قرر إرسالنا (انا وأخي صلاح) لبغداد بمهمة (من العيار الثقيل)، مع تعليمات مُشددة وأخذ الحيطة والحذر والحرص الخ ...
كان علينا في الصباح الباكر أن نستقل باص من بعقوبة للنهضة ثم الذهاب الى خان الشابندر، والتعليمات تنص أولاً إيجاد بديل لدى أحد تجار الجملة معاميل الوالد، ثم الصعود لسطح الخان لتصفيته عند أحد (المصفايجيّة)، وإتمام المهمة والعودة بالبديل عند العصر (حتماً).
لم نجد شبيهه بسهولة، وتحيرنا لولا أن أحد تجار الجملة أصدقاء الوالد، وبعد أن شرحنا له دقة الموقف، حمل على عاتقه تدبير المطلوب عند الظهر، وتكفّل استلام الرمل من (المصفايجي) وترتيب الحساب لنا خلال ساعات قليلة.

استرخينا وتنفسنا الصُعداء، فذهبنا للقاء أولاد العم في شارع النهر ثم الأنطلاق على الأقل حتى العصر، ولِمَ لا واليوم هو (واحد ... سبعة) !
(ذرعنا شوارع) تحت شمس أول تموز، وهنا جذبَنا فيلم بأحد سينمات شارع الرشيد، وكانت العروض تتم بفلمين بالتناوب، والدخول بتذكرة واحدة، وكانت السينما تـُملأ ظهراً بالروّاد، يستغلون الظلمة والتبريد ويأخذون قسط نوم مريح.
وبينما أعجبنا الفلم التركي لكثرة (اللقطات) المثيرة، وكان أسمة (زنبقة البحر) قررنا انتظار تكرارهُ بسعادة غامرة، نسينا حالنا وقد أخذتنا (الزنبقة) معها بعمق البحر، فهذا اليوم يومنا والكل يتمتع بأجازة طويلة !

وما أن خرجنا من (البحر) بعد أن غرقنا بمياهه لساعات، حتى وجدنا أنفسنا وقد أدركَنا الوقت وقد حل وقت المغرب، ركضنا وإذا بالخان (معزّل) !
كان علينا العودة (بخُفي حنين) للبيت، وطول الطريق نحمّل (زنبقة البحر) الذنب، ونفكر بالحرج الذي سنتسببه للوالد، وكيف سنبرر له وهل سيتقبّل حججنا ويقبل إعتذارنا.
ولما وصلنا البيت، دفعتُ أخي أمامي ثم عاد ليختبأ خلفي، فيا تُرى من سيتلقى العقاب اولاً، وبدل ان يُناوله (حجل)، سيتلقى منه بالتأكيد ... (عجل) !
وما أن رآنا، بادر ...
ـ الحمد لله مشت الأمور زينة، عفية عليكم يا أبطال، أريدكم تكملوا باجر مهمتكم وتروحون تجيبون باقي المسواك !
لم نفهم شيء سوى أن الحجل اُرسل بيد صائغ آخر من بعقوبة، صادف تواجدهُ بالخان.

في اليوم التالي كنا من جديد مع قائمة الطلبات أمام معميله بالخان، وهو بهي الطلعة بشوش، فقد غمرنا بابتسامة حين استفسرنا بلغة العيون عمّا ارّقنا ليلة البارحة، ففسّرَ لنا حُسنْ تصرفه ...
قال : لمّن اتأخرتم، كلت أكيد نسيتوا، فتصرفت وأرسلت الحجل لبعقوبة، إنشاء الله مشت الأمور تمام ... مو ؟
بادلناه نظرات الامتنان دون أن نتفوه بجملة واحدة : ها ، إي ، لا ، ما ... !
وبينما ضحد الرجل، علق زبون بينما كان يشرب الشاي ...
ـ يمكن الشباب الحلوين ماكلين جم (عجل)، بس مدا يحجون !

أكمل الرجل لنا المسواك وحسابات الذهب والأجور، وعُدنا بكيس الذهب سعداء مشياً للنهضة، وعند التقاطع مع شارع الجمهورية، أمام مبنى وزارة المالية السابق، تناولنا شربت زبيب مثلج، ثم واصلنا حتى كراج النهضة، لنكتشف بأننا وضعنا كيس الذهب عند محل العصير ونسيناه، عدنا بهرولة لم يسبق أن قمنا بها، لنجد البائع مشغول ولم يستمع لشكوانا، بل تجاهلنا أمام طلبات عشرات الظامئون، تساءلنا بيأس من يمكن أن يكون قد وجده ... أخذه ... سرقه ؟؟؟

صحت من جديد والدمعة بعيني : عمو ما لكيت كيس مالنا نسيناه ...
صاح صلاح بنفس الوقت : عمو الله يخليك منو اخذ كيس كان محطوط ...

وما أن اشّرنا بأصابعنا باتجاه الأقداح الفارغة، حتى وجدنا الكيس يجلس بينها لم يحركه أحد، كان فعلاً يزهو ... (بالدبك) !
يبدو أنه كـُلما يأتي زبون يظن أنه لآخر، ولم يصادف أن توقف شخصاً أكثر من دقائق كي يلاحظ بأن هذا الكيس الملفوف قد نسيه أصحابه (السطولة)، وفي صدفة غريبة لم يُلفت نظر أحداً حتى أسم الصائغ المطبوع على الأكياس الورقية !
بعد (الهبطة) حلفنا أن لا نقوم بهكذا مهمة ... مهما تكن الأسباب، وقررنا أن نطلب من أبي وبصوت واحد أن لا يُكلفنا ثانيةً بواجب أكبر من حجمنا، وقلنا بأننا سنرفض طلبه حتى لو أجبرنا !

استقبلنا الوالد في المحل بفرح غامر : هسة يلّة أعتبركم صرتوا زلم وأكدر أعتمد عليكم.

وبينما سلمناه البضاعة، أحسسنا بفضل معميله علينا، وكيف بنى ثقة أبي بنا، ونسينا فوراً ما قررناه ورضينا بأمراً جديداً، ألا وهو أننا قد كبرنا، فقلنا وبصوت (رجل) ...

ـ اي بابا إحنة عد عيناك !
عماد حياوي المبارك ـ بعقوبة
1972



#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)       Emad_Hayawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين لا ينفع اليمين !
- سقف العالم
- الرقة
- جوزتو
- وداعاً سنت كلاس
- تيتي ... تيتي
- بركاتك شيخ سلام
- أنتوشات
- شيخصملي
- أرنبون


المزيد.....




- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد حياوي المبارك - واحد سبعة