أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد حياوي المبارك - رقصة الموت














المزيد.....

رقصة الموت


عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4659 - 2014 / 12 / 11 - 20:27
المحور: الادب والفن
    


فـَرض طول فترة الحرب مع ايران، قوانين وقواعد كانت وليدة ظروفها، من بينها كان على منتسبي المقر العام ـ بغداد ـ الذهاب شهر (معايشة) للجبهة، وشملَ ذلك المراتب ونحن الضباط .
وكان عليّ الالتحاق بقطعات الفيلق الاول في شمال العراق ـ قاطع قوات المعتصم ـ في قلعة دزّة بأربيل .
تحرك الرتل مبكرا من كركوك ـ كويسنجق ـ طقطق، ثم عبر سلسلة جبال هيبت سلطان بمحاذاة نهر الزاب حتى رانية فقلعة دزّة حيث مقرات الجيش الخلفية.

ثم وبسيارة الفرقة وبرحلة شاقة محفوفة بالمخاطر بأتجاه ربايا جبال قنديل التي لا يفصلها عن أيران سوى وادٍ سحيق، وكان في حينها، توجد حركة تمرد كردية تضرب ظهر الجيش جعلت الطرق غير آمنة، وقد حاولتْ الحكومة إسترضاء الاكراد بتسريح معظمهم، لذا اُنيطت بجنود عرب عديمي خبرة بتضاريس الأرض، حماية الجبهة الشمالية.
وقد راهن الايرانيون على حرب الجبال مع هكذا جنود بطبيعة قاسية، مثلما راهنوا في السابق على موسم الامطار، وكيف (سيطمس) الجيش العراقي بالطين كما حدث لجيوش نابليون وهتلر بثلوج روسيا، واندفعت القيادة العراقية بوقتها، وبجهد الدولة الهندسي الهائل لتبلط كل المناطق التي إحتلتها في ايران !

مررتُ بطبيعة بكر واشجار جوز ولوز برية، وأنهار لم تبنَ جسور عليها بعد، وكان يصعب على سيارة الواز العسكرية أجتياز الوديان والطرق الجبلية الوعرة هذه، والتي لم ارَ جمال طبيعة وسكينة ... كما رأيت هناك.
كان منتصف كانون اول، المزارعون والرعيان الاكراد فرحون بنزول الثلج حيث يقولون انه لو لم ينزل قبل نهاية السنة فسيذوب سريعاً، أما الآن فالثلج وفير بمعنى الماء والخضره والمرعى ستستمر لبعد الربيع.
صعدنا على جبل (بَلـْغة) الشهير وكان لايزال ساخناً كونه تحرر لتوه من يد الايرانيين بقيادة الشهيد البطل العقيد ركن قوات خاصة (صدام لازم)، وقبل ذلك كان قد حدثت على مقربة منه ماساة جبل (ماوت) حيث بلع الثلج أرتال بحالها.
كان أكثر ما يُزعج القطعات الأمامية، قيام (كومندوز) إيراني يلبسون أبيض بأبيض للتمويه بالإغارة على السواتر الأمامية في الليل، فيقتل خنقاً أو ذبحاً أو يؤسر جنودنا، لذا كان الحيطة والحذر مطلوبين على الدوام.

كنتُ ملازم أحتياط وبسبب عدم توفر مكان مبيت مناسباً (على الرابية) لي، فقد وَعَدني الآمر أنه بالغد سيهيأ مكان مناسب لي، واقترح مبيتي الليلة الاولى بمستودع العتاد كونه حصين.
كان الجو يعصف على القمم ليلاً باستمرار، والثلج ينهمر بقوة، قال المراسل بعد ان أوقد لمبة ـ وكانت عبارة عن قنينة وفتيلة ـ بأنه سيفتح لي الباب غداً صباحاً، لأني سوف لن أستطع فتح الباب من الداخل، لتكدس الثلج على الملجأ بالكامل.

كان ارتفاع ملجأ العتاد هذا، متراً واحداً فقط، وهو مليء بصناديق عتاد وخراطيش قنابل، سَحبتُ صندوقَي عتاد لعمل سرير مؤقت، ثم تمددتُ بجسمي مسترخياً، حيث كنت تعبان وبردان، وسرحتْ عيناي نحو دخان النار الساكنة، وما أن استتب الهدوء، حتى نزلت عشرات الفئران تلعب عند الشعلة، ولم يثنها محاولاتي بطردها ...
ثم ما لبث أن بدأ قصف هاونات ايراني شديد، كانت حينما تسقط (قنبرة) الهاون على صخور الجبل، تـَشعُر وكأنها تسقط على رأسك بسبب إصطدامها بالصخر، وكان الصدى والإهتزاز يجعل النار تلعب وظل القنابل يتراقص بالتناغم مع رقصة الفئران، غير مكترثة بي ولا بالقصف نهائياً !

بعد ساعة أو اكثر من هذا الاستعراض (الشيّق)، وإذا بفريق الفأران ينسحب على عجل بين شقوق في الجبل، لكن أحدها ظل في زاوية ميتة، حيث حاصرهُ حيوان ضعفي حجمه (أظن أنه أبو عرس)، كان قد دخل من ثقب كبير، وهو ذو هيئة قبيحة ومقززة، له فم كبير وأسنان قاطعة ومخالب طويلة وذنب كالسوط يدغدغ به لهيب النار، التي كان أشتعالها قرب البارود هو أشد ما يـُقلقني، حيث لم يكن بإمكاني أطفائها في هكذا ظلام دامس !
ومهما حاولتُ تخويفه أو طرده، أبى وتجاهلني بعناد، كان بإمكان فكيه قضم اُذني بلحظة واحدة لو أراد، فصرتُ متحيراً وخائفاً، وبرغم حاجتي الماسه للنوم، فضلتُ ان اُراقبهما في (رقصتهما) التي كانا يؤديانها.
كنت أجدها لدقائق بريئة وممتعة، واخرى ... صراع ومواجهة !
دار بينهما اللقاء وكأنه موعد، دون موسيقى مسرَحهم صناديق العتاد وجمهورهم أنا، كانا يقتربان من بعضهما ويلامس أحدهما الآخر لبرهة، ثم يفترقان ببطأ شديد، وإستمرا يؤديان لوحة (الباليه) هذه حتى وقت متأخر.
ثم وببشاعة وبمباغتة، إنقض الكبير وعضّ الفأر ببطنه، فصار يصرخ كامرأة بمخاض الوضع، وضغطَ ببطأ أكثر ... فأكثر، وصاح الصغير أعلى ... فأعلى، حتى خرجت أحشائه من فمه، لشدة الضغط !
لم ارَ بحياتي هكذا لقطة حتى على شاشة صغيرة أو كبيرة، لم يتركه الى أن لفظ أنفاسه ... وأحشائه، ثم سحبه نحو مدخل جحره، ليتركه هناك ... ويمضي !

كان النهار قد طلع رغم اني لن أشاهد ضوءه كوني معزول عن الخارج بصورة تامة، وصرتُ أحسب الوقت بالثواني حتى جاء صاحبنا يفتح الباب بازالة ركام الثلج بجاروف.

أول ما دخل شعاع شمس النهار ... نسيتُ ساعات الجوع والبرد والخوف التي عشتها في سجني الرهيب هذا، والتي مرّتْ عليّ بطيئة ومثيرة، لم أكن متوقعاً أو متهيئاً لها ابداً.
وحين أستنشقت هواء الحرية، أحسستُ بلذتهِ وسط منظر طبيعه ساحر وسماء زرقاء صافية وأرض ثلجية بيضاء، حتى أن العين ما كانت تقوى على النظر لشدة إنعكاس أشعة الشمس.

وجدتُ الآمر بأنتظاري وقد هيأ لي إستقبالاً بسيطاً مع بقية ضباطه للتعارف، ولي عن هذه التجربة وقفة اُخرى أكثر اثارة من ليلتي الليلاء هذه مع (ابو العرس) وسمفونية رقصة الموت.
وراح الآمر وضباطه يتحدثون عن خطة عمل بأنتظارنا، ثم سألني هل لي أية أسئلة أو إستفسارات، في وقت كان شغلي الشاغل وسؤالي الوحيد ...
(وين وشوكت ... أبول وانام ) !

ملازم احتياط عماد حياوي
فيلق 1 ، فرقة 25 قوات المعتصم ، قاطع أربيل ـ قلعة دزّة
كانون أول ... 1984



#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)       Emad_Hayawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خروف العيد وخرفان أخرى
- السيد فايف بيرسنت
- واحد سبعة
- حين لا ينفع اليمين !
- سقف العالم
- الرقة
- جوزتو
- وداعاً سنت كلاس
- تيتي ... تيتي
- بركاتك شيخ سلام
- أنتوشات
- شيخصملي
- أرنبون


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد حياوي المبارك - رقصة الموت