فلورنس غزلان
الحوار المتمدن-العدد: 1298 - 2005 / 8 / 26 - 10:41
المحور:
حقوق الانسان
في الثالث والعشرين من الجاري، قرأت ماكتبته ابنة البلد السيدة " ماجدولين الرفاعي "، والتي أكن لها كل تقدير واحترام، موضوعا بعنوان " بسيطة....ارجع بكرة " تروي من خلاله معاناة المواطن في دوائر الدولةلمتابعة معاملة ما...وفي أبسط الأحوال تجديد جواز سفره، أو الحصول على وثيقة من الوثائق، وبعد أن حللت وصنفت أنواع العذاب والمعاناة واستمراريتها..وأوقعت اللوم على عدم تحديث الدوائر، وعدم استخدامها لجهاز الكمبيوتر مثلاً وأرشفتها بطرق أكثر حداثة بالاضافة الى عجز الدوائر عن التخلي عن أسلوب الرشوة والفساد المنتشرين الآن ، وقد ألمحت لهما وعزت السبب لانعدام الخلق عند مواطننا!! ...
يابنة البلد والوطن ...ان كل ماذكرته بمنتهى الصدق والواقع ....لكنك تدورين حول الموضوع وتحاولين القاء الضوء على جزء يسير من هذه المعاناة والمشكلة المستفحلة في وطننا ...لكنك أيضا لم تطرحي بصراحة ووضوح ...بل ولم تصرخي عاليا منددة بالمسببين لاستفحالها...وترفعي نبرات صوتك في وجه المسؤولين عن هذه الاعاقات والعاهات المستديمة منذ أكثر من عقدين ...لكني لاأوافقك أن بلدنا لم يدخل التحديث والتطوير على دوائرنا ...انما هؤلاء المسؤولين عندنا ارتأوا الأهم في دوائرنا...وهناك بالطبع المهم والأهم !!! وهو التحديث الذي ابتدأ منذ الثمانينات في دوائر الأمن..ويتم فيها أرشفة المواطنين جميعاً ...اذن التحديث جار وابتدأنا بالأهم حيث يسهر المسؤولين على أمن الوطن من المواطن !!! لا أمن المواطن وراحته ...المهم أن يعرف المواطن ماذا يأكل وماذا يشرب ؟؟ من أين يشتري حاجاته؟؟ من يصادق ؟؟ماذا يقرأ؟؟ وأين يسهر؟؟ وثقي ياعزيزتي أن التحديث جار والتطويرأيضاً، وأحدث وسائل التقنيات التكنولوجية موجودة في الأقبية للتعذيب مثلاً، والمسؤولين في الوطن حريصين على امتلاكها لتأديب المواطن الذي يخرج عن الطوق !! ويخالف ذوي السلطة ..أما صحة المواطن وراحته ووقوفه طوابير وساعات أمام الدوائر الرسمية وأساليبها البالية ، وأن يضيع اسمه وقيده في سجل الأحوال المدنية المتحضرة!!! وعدم امتلاكها لجهاز كمبيوتر يغني ويعفي الموظف من بحثه الطويل ...فهل يهمنا راحته؟...طالما أننا نشجعه على قبض المعلوم وبهذا نضمن ولاءه أيضاً...فلماذا نحرص اذن على مقارعة الفساد والرشوة؟؟ واجتثاث المشكلة من جذورها ونحن لا نتوقف عن تغذية دوائرنا بأحسن وجوه الفساد وترشيده بأساليب لاتخطر ببال!!!ونحدث التغييرات من فترة لأخرى ونحرص عليها باسم الاصلاح ...فنأتي بمساحي جوخ جدد وملمعي أحذية يتقنون عملهم ...أي أننا نحرص على وضع الرجل المناسب في المكان المناسب!!! ونضمن قبل كل شيء انتماءه الحزبي ..ولا يهمنا كفاءته وأخلاقياته ونزاهته ...
ياعزيزتي ماجدولين ...المشكلة أيضا ليست في أخلاقياتنا ، وليست أيضا في التكنولوجيا وحدها ...وليست في انعدام الطيبة والأصالة عند شعبنا ومواطننا ...هذا الموظف نفسه منذ سنين أي في السبعينات من القرن المنصرم ...والحادثة التي سأرويها لك وقعت لي أنا وليس لأحد سواي...كنت آنذاك أقوم بنقل أوراقي من محافظة دمشق لمحافظة درعا ...وذهبت لوزارة التربية لاجراء اللازم وقد تم نقل بيتنا ولا وقت لدي علي الالتحاق بعملي الوظيفي وكنت حاملا بأشهري الأولى ...لم أنس ولن أنس ...كيف هب أحدهم وقام بمرافقتي وتسهيل مهمتي بل وقام بمعظم الاجراءآت متطوعا بتقديم كرسيه لي لأستريح ...بل وقدمني في نهاية المطاف لاحدى ضاربات الآلة الكاتبة كابنة خالته كي تسارع وتكتب الرسالة النهائية بطلب النقل ...ودون أن تفارق البسمة محياه ...هذا مواطننا عندما كان شبعان ...وعندما لم تصله بعد الثقافة الخاطئة والمغرقة في التخريب لقيمه وقيمنا التي تربينا عليهاأنت وأنا...لم يكن الجوع قد أتى على بيته وأولاده بعد ...ولم تنتصر بعد حتى ذلك الوقت ثقافة الحزب القائد للدولة والمجتمع ، ولم تفرغ قيمنا من محتواها ...لكن منذ ذلك التاريخ والعد العكسي يسير على قدم وساق وبسرعة البرق آخذاً الوطن معه نحو الجحيم ...وصارت القيمة لسياسة بكم؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ وصار لكل موظف تسعيرته ..ومن بقي محافظاًً رغم جوعه ومحاصراًً مذلولاً ...صار منبوذاًً ومغفلاًً كونه يرتدي زياً أخلاقياًً مختلفا عن السائد ، وعن ثقافة بكم؟؟؟ أي لم تصل اليه حتى الآن ثقافة الفساد والرشوة ...في مدارس العبث والتصيد لمن يدفع أكثر ...موظفنا كان يخدم يأريحية وحب جل نهاره رغم وسائل وأساليب العمل البدائية ...لكن التطورلم يلحق بركب الانسان عندنا الا بشكله لا بمضمونه ...نريد التكنولوجيا الغربية بكل آلياتها وتقنياتها " السيارة الفارهة...الغسالة الموديرن ...الحاسوب... الطيارة ..الخ " لكننا لانريد الفكر ..ولا نريد الديمقراطية....كونها ...ديـــمقـــراطيــة مســـتوردة!! .... وكم أتمنى أن أرى وجه ديمقراطيتنا العربية الغير مستوردة ...ذات الانتاج المحلي الرائع والوطني اللا شريك له ...الواحد الأحد... كم أحلم أن أرى ديمقراطيتنا هذه وصفاتها ...أم ترانا نعيشها وأنا الجاحدة والناكرة !!!!!!!!! بل منعدمة الرؤيا ومصابة بالعشى الليلي والنهاري...
ياعزيزتي ماجدولين الانسان عندنا أصيب بالعطب الداخلي ..وهنا تكمن المشكلة ..لكن عطبه هذا لم يبحث هو عنه ...انه ضحية لمسيرة طويلة من التخريب المقصود لكرامته وانسانيته..وافراغه من قيمه ، واقصائه عن الحياة العامة الفاعلة ..ليبقى مجرد ...رعـــيــــة ...لامواطن...المواطن له حقوقه ..وعليه بالطبع واجباته ...وعندما نضمن له حقوق المواطنة والمساواة والحــــرية وهي الخبز اليومي لحياته ...سيقدم راضيا وطائعا ومبتسما كل الامكانيات لديه ليجعل من وطنه جنة.
العطب يأتي من مدارسنا التربوية المريضة ، من معلمنا ...من جهاز التعليم كله ...من المناهج التي لاتحرص على تثقيفه الا في اطار الانتماء للحزب والسلطة ...ويتم الخلط بين الانتماء للسلطة والانتماء الوطني...للوطن نفسه ..العطب أصاب الانسان في الصميم ...كونه غير بقيمه الموروثة ...نحو قيم غريبة عليه ...المفسد والمرتشي صار " الفهلوي والشاطر والذي يعرف من أين تؤكل الكتف...وبيجيبها وهي طايرة...الخ " هذه المصطلحات الشائعة لم نعرفها بطفولتنا ...كان من يحملها منبوذا ومارقا ....لكنه هو المتسيد اليوم ...وهو الذي يعيش على حساب الوطن والمواطن ...السؤال المطروح والهام ....من المســـؤول؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ عن هذا التردي... الخراب سيده السلطة وهذا عمره سنوات عديدة ، ويحتاج لارادة البناء والتحديث والتطوير والاصلاح ...الاصلاح ليس في الادارة ...ولا في الاقتصاد وحدهما وانما قبل كل شيء ...في السياسة التي تحكمنا والرؤية القاصرة...لقد استعنا سابقا بلجنة فرنسية لتنصحنا بكيفية الاصلاح ...وبرأينا أنها لم تنجح!!! وهنانحن نستعين بلجنة أندونيسية !! كونها ربما الأقرب لطبيعتنا...والله أعلم ...أما مواطنينا الخبراء بالاصلاح الاقتصادي والذين يعرفون الوطن ويفهمون علله ...من أمثال الأستاذ الاقتصادي الكبير " عـــارف دليـــلة " فاننا نضعه غياهب السجون والنائب النزيه المنتخب فعلا كمستقل عن دمشق والذي لم ينتخب من خلال قوائم الحزب ...وكونه ابن بلد وتجرأ وقال الحقيقة ...ووضع يده على الوجع ...نحكم عليه بالسجن وهاهو يعاني الأمرين وقلبه مهدد السيد " رياض سيف " لو كان لدى السلطة الارادة الصادقة للتغيير والتحديث والخروج من المأزق الذي تمر به البلاد ...لاستعانت بأبناء الوطن الشرفاء ...لا بلجان غريبة لاتعرف وجع المواطن وآلامه وأحلامه وطموحاته ...في التكنولوجيا نستعين بالغرب وفي النصائح الخاصة بنا داخليا أيضا نستعين بالغرب ...لكن بالديمقراطية ...لا ..لا وألف لا ...ديمقراطيتهم لاتهمنا ولسنا بحاجة لها!!!!!!!!!! نريد ديمقراطية بعثية وانتاجها محلي!!! كيف وكيف وحتى اليوم ومنذ أربعة عقود ولم نصل ولن نصل ويعلم الله سنصل الى أين؟؟؟؟؟؟؟؟
هذا هو وجعنا ياصديقتي ...كل ماقلتيه عين الصواب ولا أشك ...الا أنك معي أيضا بقلبك على الأقل ان لم يكن بقلمك.....مع تحياتي لك وللوطن...........فلورنس
#فلورنس_غزلان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟