أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالرحمن مطر - يوم في حياتي: الكتابة والعشق!















المزيد.....

يوم في حياتي: الكتابة والعشق!


عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)


الحوار المتمدن-العدد: 4616 - 2014 / 10 / 27 - 08:36
المحور: الادب والفن
    



بدأتُ صباحي بقبلة العاشق..ثم الكتابة عني في يومي، قبل أن أحتسي قهوتي. تتقاذفني صور من ذكريات تحمل إليّ محطات كثيرة، بحلوها ومرّها هي أثيرة. غير أني أقتطف هنا بعضاً من تلك اللمحات المتصلة بالكتابة، والحروف، دون أن أمنع أحداثاً أخرى من اندساسها هنا، وأن تفرض حضورها كيفما شاءت كقدر محتوم.
علاقتي بعيد ميلادي، حكاية مثل حكايات الناس كلّهم، غير أنها تأخذني الى البعيد، الى ذلك الصباح الذي كنت أستعد فيه للمضي الى المدرسة، وأنا استمع الى اذاعة دمشق تبث برنامجها المعروف " مرحبا يا صباح ". قبلها لم أكن اعبأ بعيد الميلاد، لكن المذيعة استوقفتني وهي تقول ألى مواليد هذا اليوم، هذه الأغنية. يدي على أكرة الباب أحمل كتبي، فتوقفت منصتاً إلى فيروز وهي تطلق صوتها العذب " ليلية العينين السود". لم أنتظر سماع الأغنية كاملة والوقت ينفذ مني، فحثثُ الخطى شبه راكض الى اعدادية الرشيد، لأصل لحظة إغلاق الباب..فمررتُ كمن تحاذي غيمته برقاً يمطرها، أفلَتُّ من عصا الموجه زهير التي طالت صاحبي على قفاه، فنطّ زاعقاً قبل أن يتعثر بحافة الممر الإسمنتي ويسقط.
ثمة مايتصل بالاشتغال على الحالة الثقافية، وارتباطها الوثيق في مسيرة الحياة، التي طبعت التزامي بها، بين الهواية والموهبة والاختصاص ليتحول تمازجها الى مايشبه المهنة..تماماً.
علاقتي بيوم مولدي، ثقافية بامتياز. وبين الفينة والأخرى كان يحمل لي حدثاً ثقافياً خاصاً بي، دونما ترتيب. ماجعلني أتلمسّ أحساساً جمالياً بوجودي، ومساهمتي في الحياة، أنّا كانت متواضعة وصغيرة.
أستعيد بعضاً مما قصصته على خلاّني، في أوقات وأماكن مختلفة، بأن القدر أيضاً، يساند تلك الروح الأدبية الوثّابة المتمردة في داخلي، وان اشتغالي في الحقل الثقافي، لم ياتِ من فراغ، طالما ان الحياة توائم أحداثها المتصلة بي ، بتاريخ مولدي. حياة الثقافة هي قدري.
كتب
كتابي الشعري الأول " أوراق المطر " الصادر في 1998. أتذكر جيداً ذلك المساء الذي كنت انتظر فيه مسافراً قادماً من دمشق الى طرابلس/ ليبيا، حاملاً معه صندوق الكتب المرسل لي من اخي سعيد مطر. كان لهفى مشبوباً بالقلق ومزيج من التوتر والفرح في ىن واحد. الدقائق تمرّ وانا في الانتظار..وأخيراً أطل الرجل وهو يشير لي أن ادارة المطار تحفظت على الكتاب بدواعي الرقابة والجمارك. كان أمراً مخيّباً، غير اني لم انتظر: عبرت باباً صغيراً دون استئذان، ووقفت أمام مدير المكتب وأنا أفاجئه القول: هذا كتابي، على الأقل أعطني نسخة منه، كي أراه.
قال لي خذ خمس..كي تتحصل على إذن الرقابة. فتحت الصندوق وسحبت النسخة الأولى، كمن يتلمس وردة تفتحت وريقاتها للتوّ..أو أنه يقبّل جبين وليدٍ جديد جاء الى الحياة في هذه الللحظة. تاملت صفحة الكتاب ..غلافه ألوانه ورسم اسمي عليه..كما اتأمل أمرأة بهرتني بحسن سر العذوبة في محيّاها.
أوراق المطر احتضنته اصابعي وعيناي في الخامس والعشرين من اكتوبر 1999، في عيد ميلادي، فأية مصادفة هذه؟ وكيف تتكرر مع كتابي الشعري الثاني " وردة المساء " ؟ كنت قد وصلت دمشق، بعد عام. وفي الموعد ذاته: 25 اكتوبر 2000 مررت رفقة سعيد الذي كان يشرف على الاصدار، الى مطبعة في أحد أقبية الفحّامة، كان الكتاب أمامي يمرّ عبر ماكينة التجليد، فأستلم نسخة منه، كما تمتد يدّ الجائع مع أولى خيوط الفجر الى رغيف ساخن، بعد ليلة جوع طويل.
حملت على كتفي صندوقاً يحتوي على أول ستين نسخة، لمسافة تزيد عن كيلو متر، الى محطة السرفيس باتجاه حيّ التضامن. هناك تفرست في الكتاب، غلافه الجميل الذي أهدى لي لوحته الفنان د.احمد معلا، الطباعة الأنيقة والرسوم الداخلية لأصدقاء أحبة: الفنان مصطفى سليمان، جليدان الجاسم، وابراهيم الحميد. أما اوراق المطر فقد كان الغلاف ورسومه الداخلية قد أبدعها الفنان أنور رحبي من وحي النصوص التي ضمتها دفتي الكتاب.
كتابي الثالث في الدراسات المتوسطية، أنجزته في العام التالي 2001 ودفعته الى المطبعة قبل يومين من عيد ميلادي.
أحداث و نصوص
غير أن هذا اليوم بالذات في 2002 كنت سجيناً سياسياً، وقد صدر الحكم عليّ بالسجن المؤبد. قال لي ضابط المخابرات، أنه هديتهم بمناسبة عيد ميلادي..وعليّ أن أتجرع المرّ، بدلاً من كأس النبيذ.. لأني تجاوزت حدود المسموح به، إن كان ثمة ما هو ممكن قوله أو كتابته، في دول الإستبداد.
تالياً في الفترة مابين 2002-2011، أسوق حدثين، في السنوات الأولى، ربما بعد عامين من السجن، حملت إليّ الزيارة باقة ورد أحمر في أصٍّ فخاري. كان من المستحيل إدخالها إليّ، تمّ تمرريها بالاستغناء عن أشياء أخرى حاز عليها الضابط المناوب مقابل ذلك، خدمة لي! كان الورد في ذلك المكان، خلف الأسوار، حيث يفصلني عن ساحة الإعدام جدار واحد فقط، هو جدار الغرفة التي أسكنها. الورد هنا..حدثٌ استثنائي، أثار دهشةً مردّها: أي همّ يسكن دواخلي كسجين..كي يستعين بالورد؟! كنت كذلك ..تستعين روحي على الألم والألم بأشياء تمكنني من مواصلة الحياة، والحفاظ على التوازن الروحي والنفسي والصحي لجسدي، مثال ذلك القراءة والكتابة..والرسم لاحقاً، والموسيقى، بدلاص عن الانغماس في ما يذهب الألم المرّ الى حين حيث الحشيش والمهلوسات والتدخين!
بقيت الوردات تتلقى عنايتي كل صباح، أضعها في الساحة كي تتلمس ضوء الله، وتتنشق هواءه..وفي الليل الى جانبي، كأي سجين آخر في الغرفة. احتفظت بالفخارة وبوردة واحدة منها جافة لسنوات عديدة..قبل أن تفتتها يد السجان في حملة تفتيش لم تبق شيئاً عزيزاً في حناياي.
الحدث الثاني، فوجئت بمدير السجن يرسل لي ضابطاً يقتادني إليه، في عزّ الظهيرة، لم أكن قد انهيتُ طعامي. تأففتُ ممتعضاً وأنا ألحق بالرائد صالح، قادني المدير الى قاعة فسيحة حديثة البناء فارغة، تتوزع على أرضيتها الإسمنتية صناديق الكرتون. رسم دائرة باصبعه في الهواء، وهو يقول لي: هذه ستكون مكتبة، وأنت تشرف عليها..ابدأ الآن. سعادتي كانت عظيمة، لا حدود لها. في يوم مولدي يتحقق لي ما قلبت الدنيا من اجله داخل السجن: المكتبة التي أشرفت على إدارتها لعامين، جعلتُ منها مركزاً ثقافياً بكل ماتعنيه الكلمة من معنى..لقد انتزعنا حقاً من حقوقنا.
خريف 1983 كنتُ أرتاد مكتبة دار الكتاب العربي في شارع الحميدية بحمص، نتزود بما نقرأ، ونتعلم من صاحب المكتبة ميخائيل سعد، وروادها الأدباء والكتاب، ونشرب أطيب شاي. كانت بمثابة مكان مقدس بالنسبة لي. تواعدت وصديقتي الجميلة، ذات مرة هناك. ميخائيل أكثر من لطيفٍ ودمثٍ وفَكِهٍ، نكتتهُ كنقده، حاضرةٌ لاذعة. كنتُ قد ساعدتُ رداح على نشر أول نص شعري لها، سبقتني في الوصول الى المكتبة، وأطلعت صديقناعلى بعض نصوصها، وحين وصلتُ سمعته يقول لها بلطفٍ وحسمٍ" هذا ليس شعراً..وإن كان أحد يقول غير هذا، فهو يريد أن ياخذ منك بوستين". جمدتُ في مكاني مربكاً، وتلاقت عيون ثلاثتنا، فعلم صديقي أنني "نصاب الشعر وطالب القبلتين". لكن ذلك لم يمنعني من دعوتها للاحتفال بعيد ميلادي..فتعرفتُ يومها الى شئ جميل ولذيذ اسمه " الشوكولامو "!
مازلت أعتقد، بحدس الشاعر ربما، أن غيابي الأخير، سيكون في اليوم ذاته/الثلاثاء 25 اكتوبر. هكذا كتبت نصاً عام 1990 يقول مطلعه :

25 اكـتـوبــر1998
مـن مـنـكـم يـحـضـره..فـلـيـذكــر
أنـــي ذويـــتُ،
ولـيـذكـر أنــي بـلّـغّــتُ دعوايَ
وفـشــلتُ..

لا أعرف لمَ اخترتُ العام 1998، لكنه مرّ ولم أمت. بل العكس كنت قد دفعت كتابي أوراق المطر الذي ضمّ هذا النص، إلى النشر...كي تتواصل مسيرة الحياة التي لن تتوقف إن ذويت انا ..أو احترقت اوراقي أو ضاعت..سرقت..كما حدث غير مرّة في أماكن متعددة حيث المنافي والمشارد..والعشق المورق في القلب مثل أسرار تسكن الضلوع .. تعطر أيامي ببهجة الحروف، وقهوة على رصيف ذكريات بعيدة.. تنام على ضفاف الفرات.

_______________________
كاتب سوري



#عبدالرحمن_مطر (هاشتاغ)       Abdulrahman_Matar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السوريون : موتٌ..وغرباء
- المأزق التركي في الحرب على داعش
- الأسد و داعش والنزوح العظيم
- الضربات الجوية وغياب المرجعية الوطنية السورية
- المتنمرون على المدنيين
- في المعتقل
- نظام الأسد يقصف المدن برعاية دولية
- الدور الأميركي المفقود في المنطقة
- داعش تعزز مكانتها كقوة اقليمية في المنطقة
- عرسال والأسد وحرائق البلد
- الإخوان المسلمون وشهوة السلطة
- الإخوان المسلمون يستعيدون دورهم في الائتلاف الوطني السوري
- قيامة الماء !
- نتنياهو-الأسد: الوحشية الدامية من غزة الى حلب
- المستبّد النجيب: لامكان للسوريين في بلدهم !
- المعارضة السورية في دوّامة الخواء !
- الرقة بين استبدادين..والفرات شاهد على الألم !
- مركز الدراسات المتوسطية : موقف واشنطن والقوى الإقليمية حيال ...
- لاحلّ في الأفق..والفوضى تربك التحالفات
- موقف واشنطن حيال الوضع في العراق!


المزيد.....




- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...
- حديث عن الاندماج والانصهار والذوبان اللغوي… والترياق المطلوب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالرحمن مطر - يوم في حياتي: الكتابة والعشق!