أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالرحمن مطر - السوريون : موتٌ..وغرباء














المزيد.....

السوريون : موتٌ..وغرباء


عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)


الحوار المتمدن-العدد: 4606 - 2014 / 10 / 17 - 13:56
المحور: الادب والفن
    


موتٌ محمولٌ في الهُدبِ ..والجفونُ اللهفى - على رِّقتها - تحتمل الهجير المرّ في فصول السراة..موتٌ يلفّ ساقاً على حرائق الروح، والمدى الممتد حتى آخر سبيٍّ، رعشت جبال البلاد وسهولها لهول الخراب، ولهذا النزوح التارك خلفه نهر الألم، أو صورة فجيعته يحتضنها كطفلة عصيّة على بقاء حروفها معلّقة في سبورة المدرسة.
لم يك بين أيدينا أية أوراق نسطرها، فكتبت أصابعنا على الجدران، بغبار الطرقات آهاتنا المطلوقة كسحاب حبيس، فاحترقت، كي يونع العشب بلا مطر. وامتدت الحقول فيّاضة بأملٍ خطونا إليه في طول البلاد وعرضها..غير أننا وقعنا في الطريق، ولم ينقذ عثرتنا أحد من حولنا.
لهفٌ يموضعُ لغتنا، ويربط سرّ إرباكتنا، نسيجُه حنينٌ دافقٌ، أقرب لنشيج المدن حين تفتقر درّابي لياليها..وتشتد فيها خطى الملفعين بالرماد الباهت، وبالأسود الذي يقمط في الضلوع حسرةً، لم تعد تعرف أي ضلعٍ يطلقُ دخاخين عثرتها.
لهفٌ يبعثر صمتاً لايليق بالموت الذي عانق بعض من كانوا هنا..بيننا ومعنا، ثم رحلوا دون أن يعرفوا أية وجهةٍ قد سيرَ بهم، في جنح الظلاميات. وقد لاتفضي أسئلتنا عمن أغوتهم الحوريات الجميلات المخادعات على درب علّيسة.. نحو أرض فيليب العربي، هناك في لُجج البحار.

ضاقت السبل، حين اتسعت الحلوق بلفظ عبارة تحسست الروح سباتها سنين طوال، لكن العيش ظل ممكناً رغم الإغلاق المديد المتعدد أشكال المنع فيه، والإطلاق المحدود كثقب إبرة، لاتسدّ رمق الحائرين عطاشاً لولادة حلم يسكن الجفون. آلة القتل أحكمت قبضتها على الريح والتراب..فلا ماء ولا خبز ولا كاس نبيذٍ يتفتق عن رشفته وردة في السماء البعيدة، أو رغيف خبز..
كان اللحن عابراً حين اخترقت شغافه تلك المارقات أسرعَ من صوتٍ، أقتَلَ من قدَر قذر..فانسكبَ الدمُ على دندنةٍ كانت تنتظر رغيف الخبز وحبّة العنب..أو حصة في المدرسة، تأخرت فيها المعلمة..ثم لم تاتِ لأنها تعرف أبجدية القول والبوح في مرايا الخوف.
كان كل أفقٍ كان مسكوناً، بما لا يدعُ للحياة موضعاً بأي حالْ. وكل ركن حوى عاشقين ظللتهما هدب الطريق الوارفة، أزاحته القبعات الملوثة بهوس التنمر، وأولئك الذين أوصدوا طرق الحرية في وجه أبنائها، ووضعوا سلّماً عبر بئرهم..الى الله، وكلاء يفتنهم زخ الرصاص، وتقضّ وثائرهم، كلمةُ حقٍ تدين سوء أفعالهم في المدن المنكوبة، والبراري التي لم تحتمل مراكب الغد..فأحرقتها.

لم يجد السوري أمامه سوى دروب الحصى، فتثاقلت خطاه فوق الجمر، ومضى في السديم، يعبر أجمات السراب، وكلما لفته غيمةُ أضاع بعض روحه ودافته الى دوحةٍ من أحلام غيمة اخرى، لايقين فيها..لكنه يمضي إليها مدفوعاً الى حبل خلاصٍ يَخَالُه غير ملتفٍّ حوله، أو أن صعوده، خلاصٌ من روحه التي أثقلتها الحياة.
كانت الحصى، سوى تلك اللامعة تحت صفحة الماء النقيّ العابر بتؤدةِ المعشوق، ينساب في كبرياءٍ جَهِدَ السوريّ لإبقائه في الضلوع، غير أن الريح الحيرى لم تترك له سوى بعض كلماتٍ خبأها في فمه، وحين أراد الكلام ..سقطت أسنانه! الأنهر المبثوثة مثل أوردة في جسد البلاد..شابت حصاها الطلقات، وعكرت صفوها التنهدات الأخيرة لأجساد ارتمت في أحضانها مدمية مابين العاصي..والفرات.
يتنفس بعمق، هذا الليل الذي يشتد صلبه كي يطول، وفي الأعالي يلفظ فم النهار فقاعات القلق، كي تسود مشهدأ عميماً من ارتباك الخطى وتشابكها مع المعاني، وأصوات طقطقة التنهيد في احتراق القلوب. شئ لايفهم، غمغمة مسموعةٌ بصفاء..لكنها مثل أفعى شبّت أمام الخارجين من كل البيوت الى حيث لايعلمون. لم تعد ثمة بيوت..ولا دروب. الأفعى تتلوى داخل الجمجمة..تذيب المخّ ولا يستطيع العقل أن يبني صورة لوقت سيأتي الآن..فتتلبد أحلام الوثبة على حجر العبور الأول فوق الجسر.

أي المعابر تراها بانتظاره.. أم أنها موصدةٌ، وليس ثمة سوى الريح، منقادة الى أقدارها الخطى..تترنم بخفوت أليم نشيد الهلاك..كنت تستمع الى صداه في الطريق التي يعبرها بردى..في الدفق لحنٌ لاسحر يماثل مساءً بارداً، يدفع لاقتطاف كرزٍ لاهبٍ في حمى الغرام، قبل ان يقتطف العسس الرمادي نشوة الحركة التي جلجل فيها الحرف في الأفق، فأغضبَ وأقلقَ حرّاس التلال، الذين لم يتأخروا عن إحراق كل شئ.
هسيس النار وفحيحها..كمقطوعة موسيقية تتوالد في خضمها حكايات الألم والمرارة التي تطفو على واجهات الشرود الطويل للمنهكين من عبور الحواجز والبوابات..والاسلاك الشائكة والماء الذي غنت له كل القلوب فصار قبراً جماعياً في خاصرتيه، كما الركام على مدّ الفجيعة، في الخراب الذي لوّن البلاد وأهلها المتيمون بزهر الصباحات.

لا أحد يبالي، والانتظار لم يعد له أي طعمٍ..فالموت الذي يلاحظ سعينا إليه لن يتاخر..بعد أن صار السوريون غرباء في دفاتر المنافي، ولاشئ سوى البلاد تعرفهم، فأبقت حبل سرّتها..سرّاً في قلوبهم حيثما كانت كأس الغياب عنيدة في الجفاف الذي طبع كل شئ..كل شئ.
متوالية من لحن بعيد، كأنه يقترب ليعين نبتةً جديدة في مكان ما:تراب من الشمال، ولمسةٌ من الجنوب..ونايٌ من عمق صحراءَ، لم تزل تذكرنا همساً بكل من غاب..أو حضر!

_____________________
كاتب سوري



#عبدالرحمن_مطر (هاشتاغ)       Abdulrahman_Matar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المأزق التركي في الحرب على داعش
- الأسد و داعش والنزوح العظيم
- الضربات الجوية وغياب المرجعية الوطنية السورية
- المتنمرون على المدنيين
- في المعتقل
- نظام الأسد يقصف المدن برعاية دولية
- الدور الأميركي المفقود في المنطقة
- داعش تعزز مكانتها كقوة اقليمية في المنطقة
- عرسال والأسد وحرائق البلد
- الإخوان المسلمون وشهوة السلطة
- الإخوان المسلمون يستعيدون دورهم في الائتلاف الوطني السوري
- قيامة الماء !
- نتنياهو-الأسد: الوحشية الدامية من غزة الى حلب
- المستبّد النجيب: لامكان للسوريين في بلدهم !
- المعارضة السورية في دوّامة الخواء !
- الرقة بين استبدادين..والفرات شاهد على الألم !
- مركز الدراسات المتوسطية : موقف واشنطن والقوى الإقليمية حيال ...
- لاحلّ في الأفق..والفوضى تربك التحالفات
- موقف واشنطن حيال الوضع في العراق!
- العراق: صيف ساخن وديكتاتورية مهددة!


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالرحمن مطر - السوريون : موتٌ..وغرباء